الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
حكم من مات في الفترة مشركًا ولم تقم عليه حجة البلاغ
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين في رسالة بعث بها، إلى عبد الرحمن بن محمد بن نافع:
وأما حكم من مات في زمان الفترات ولم تبلغه دعوة رسول، فالله سبحانه أعلم بهم، واسم الفترة لا يختص بأمة دون أمة كما قال الإمام أحمد في خطبة على الزنادقة والجهمية: الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم، ويروى هذا اللفظ عن عمر رضي الله عنه.
والكلام في حكم أهل الفترة لسنا مكلفين به، والخلاف في المسألة معروف، لما تكلم في الفروع على حكم أطفال المشركين، وكذا من بلغ منهم مجنونًا، قال: ويتوجه مثلهما من لم تبلغه الدعوة وقاله: شيخنا.
وفي الفنون عن أصحابنا: لا يعاقب، وذكر عن ابن حامد يعاقب مطلقًا إلى أن قال القاضي أبو يعلى في قوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]، وفي هذا دليل أن عرفة الله لا تجب عقلاً (1)، وإنما تجب بالشرع، وهو بعثة الرسل، وأنه لو مات الإنسان قبل ذلك لم يقطع عليه بالنار. انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في طبقات المكلفين:
الطبقة الرابعة عشر (2): قوم لا طاعة لهم ولا معصية ولا كفر ولا إيمان،
(1) أي: الوجوب المستحق به العقوبة على المخالفة، وامض إلى آخر كلام القاضي: تجده فيه.
(2)
امتحان المشركين، من أهل الفترات، ومن لم تبلغهم الدعوة يوم القيامة قبل تحديد مصيرهم، دليل قاطع على كونهم غير مسلمين، إذ لو كانوا كذلك لدخلوا الجنة دون سابق امتحان، وكذلك لم يكونوا كافرين، الكفر المعذب عليه، إذ لو كانوا كذلك، لدخلوا النار، دون عقد امتحان.
واعتذارهم عن شركهم، بين يدي علَاّم الغيوب سبحانه، دليل على مخالفتهم لحجة - على الأقل - وإلَاّ فمن أي شيء يكون الاعتذار؟!!
أخي الحبيب: اصغ لهذا التفصيل، تجد بفضل العليم الخبير، انسياب الأدلة وتدفقها بسهولة ويسر وسلاسة على موارده، دون منازعة ولا ممناعة.
وإن شئت أن ترجع إلى كتابيَّ: العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي، وآثار حجج التوحيد في مؤاخذة العبيد، تجد فيهما إن شاء الله الأدلة الواضحة على تلك المسألة. والله ولي التوفيق.
قال: وهؤلاء أصناف: منهم من لم تبلغه الدعوة بحال ولا سمع لها بخبر، ومنهم المجنون الذي لا يعقل شيئًا، ومنهم الأصم الذي لا يسمع شيئًا أبدًا، ومنهم أطفال المشركين، الذين ماتوا قبل أن يميِّزوا شيئًا.
فاختلفت الأمة في حكم هذه الطبقة اختلافًا كثيرًا، وذكر الأقوال واختار ما اختاره شيخه أنهم يكلفون يوم القيامة، واحتج بما رواه أحمد في مسنده عن الأسود بن سريع مرفوعًا قال:«أربعة يمتحنون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفترة» .
أما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وأنا ما أسمع شيئًا، وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يرمونني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام، وما أعقل، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني من رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنَّه، فيرسل إليهم رسولاً أن ادخلوا النار، فوالذي نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردًا وسلامًا»، ثم رواه من حديث أبي هريرة بمثله وزاد في آخره، ومن لم يدخلها رد إليها. انتهى.
وذكر ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]، قال: وهنا مسألة اختلف الأئمة فيها، وهي مسألة الولدان، الذين ماتوا وهم صغار وآباؤهم كفار، وكذا المجنون والأصم والخرف ومن مات
في الفترة، وقد روي في شأنهم أحاديث أنا ذاكرها بعون الله، وتوفيقه.
ثم ذكر في المسألة: عشرة أحاديث افتتحها بالحديث الذي ذكرناه ثم اشار إلى الخلاف.
ثم قال: ومن العلماء من ذهب إلى أنهم يمتحنون يوم القيامة، فمن أطاع دخل الجنة، وانكشف علم الله فيه، ومن عصى دخل النار وانكشف علم الله فيه، وهذا القول يجمع بين الأدلة.
وقد صرَّحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة، الشاهد بعضها لبعض، وهذا قول حكاه الأشعري عن أهل السنة، ثم رد قول من عارض ذلك بأن الآخرة ليست بدار تكليف إلى أن قال: ولما كان الكلام في هذه المسألة يحتاج إلى دلائل صحيحة، وقد يتكلم فيها من لا علم عنده، كره جماعة من العلماء الكلام فيها، روي ذلك عن ابن عباس وابن الحنفية والقاسم ابن محمد وغيرهم.
قال: وليعلم أن الخلاف في الولدان مخصوص بأولاد المشركين.
فأما ولدان المؤمنين فلا خلاف بين العلماء، حكاه القاضي أبو يعلى الحنبلي عن الإمام أحمد أنه قال: لا يختلف فيهم أنهم من أهل الجنة.
فأما ما ذكره ابن عبد البر أنهم توقفوا في ذلك، وأن الولدان كلهم تحت المشيئة، وهو يشبه ما رسم مالك في موطَّئِه في أبواب القدر فهذا غريب جدًا، وذكر القرطبي في التذكرة نحوه» (1).
* * *
(1)«مجموعة الرسائل والمسائل» : (1/ 211 - 213).