الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم الالتزام بشرائعه ليس بمسقط للقتال، بل ويقاتل أهله قتال كفر وردة حتى يكون الدين كله لله
إن الله سبحانه، اشترى من المؤمنين: أموالهم وأنفسهم، وأمرهم ببذلهما في سبيله، حتى يكون الدين كله لله، وتلك بيقين هي علة مشروعية القتال في الإسلام، وعليه: فإذا كان بعض الدين لله، وبعضه لغير الله، وجب القتال إجماعًا، حتى يكون الدين كله لله، ومن ثم كان: كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام، الظاهرة المتواترة، فإنها تقاتل عليها، وإن كانت مقرة بها، وناطقة بالشهادتين، وملتزمة لبقية الشرائع، بغير خلاف بين العلماء.
وتقاتل على ذلك: قتال كفر وردة، تغنم أموالها، وتسبى ذراريها.
قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى:
«قال الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى - لما سئل عن قتل التتار مع التمسك بالشهادتين، ولما زعموا من اتباع أصل الإسلام - فقال: كل طائفة ممتنعة عن التزام شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم أو غيرهم، فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين ببعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة.
وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم، مع سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما، فاتفق الصحابة على القتال على حقوق الإسلام عملاً بالكتاب والسنة.
وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج
والأمر بقتالهم، وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة، مع قوله: «تحقرون صلاتكم
مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم»، فعلم: أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه، ليس بمسقط للقتال، فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله، وحتى لا تكون فتنة، فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب.
فأيما طائفة ممتنعة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات، أو الصيام، أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء، والأموال، أو الخمر، أو الزنا، أو الميسر، أو نكاح المحارم، أو عن التزام جهاد الكفر، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، أو غير ذلك من التزام واجبات الدين، أو محرماته التى لا عذر لأحد في جحودها، أو تركها، والتي يكفر الواحد بجحودها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء، وإنما اختلف العلماء في الطائفة الممتنعة، إذا أصرَّت على ترك بعض السنن كركعتي الفجر أو الأذان أو الإقامة عند من لا يقول بوجوبها، ونحو ذلك من الشعائر، فهل تقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا؟
فأما الواجبات أو المحرمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها، وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة الخارجين على الإمام، أو الخارجين عن طاعته، كأهل الشام مع أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه، فإن أولئك خارجون عن طاعة إمام معين، أو خارجون عليه لإزالة ولايته، وأما المذكورون فهم خارجون عن الإسلام، بمنزلة مانعي الزكاة، وبمنزلة الخوارج الذين قاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولهذا افترقت سيرته رضي الله عنه في قتاله أهل البصرة وأهل الشام، وفي قتاله لأهل النهروان، فكانت سيرته مع البصريين والشاميين سيرة الأخ مع أخيه، ومع الخوارج بخلاف ذلك، وثبتت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بما استقر عليه إجماع الصحابة من قتال الصديق رضي الله عنه لمانعي الزكاة، وقتال علي للخوارج. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
فتأمل رحمك الله تعالى تصريح هذا الإمام في هذه الفتوى: بأن من امتنع عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة، كالصلوات الخمس، والصيام، والزكاة، أو الحج، أو ترك المحرَّمات كالزنا أو تحريم الدماء والأموال، أو شرب الخمر أو المسكرات، أو غير ذلك، أنه يجب قتل الطائفة الممتنعة عن ذلك حتى يكون الدين كله لله، ويلتزموا جميع شرائع الإسلام، إن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين ببعض شرائع الإسلام، وأن ذلك مما اتفق عليه الفقهاء من سائر الطوائف، الصحابة فمن بعدهم، وأن ذلك عمل بالكتاب والسنة.
فتبين لك أن مجرد الاعتصام بالإسلام، مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال، وأنهم يقاتلون قتال كفر وخروج عن الإسلام، كما صرَّح به في آخر الفتوى بقوله: وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة الخارجين على الإمام، بل هم خارجون عن الإسلام بمنزلة مانعي الزكاة. والله أعلم.
وقال الشيخ رحمه الله تعالى في آخر كلامه على كفر مانعي الزكاة: والصحابة لم يقولوا هل أنت مقر بوجوبها أو جاحد لها؟
هذا لم يعهد عن الصحابة بحال، بل قال الصدِّيق لعمر رضي الله عنهما: والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها.
فجعل المبيح للقتال: مجرد المنع لا جحد الوجوب، وقد روي أن طوائف منهم كانوا يقرُّون بالوجوب لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم سيرة واحدة وهي: قتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم، والشهادة على قتلاهم بالنار، وسموهم جميعًا: أهل الردَّة. وكان من أعظم فضائل الصدِّيق عندهم أن ثبته الله على قتالهم، ولم يتوقف كما توقف غيره حتى ناظرهم فرجعوا إلى قوله.
وأما قتال المقرِّين بنبوة مسيلمة فهؤلاء لم يقع بينهم نزاع في قتالهم، وهذه حجة من قال إن قاتلوا الإمام عليها كفروا وإلَاّ فلا، فإن كفر هؤلاء وإدخالهم في أهل الردة قد ثبت باتفاق الصحابة المستند إلى نصوص الكتاب والسنة، بخلاف من لم يقاتل الإمام عليها» (1).
وقال الشيخ عبد الله أبو بطين رحمه الله تعالى:
«وأما من ادعى أن من قال: لا إله إلَاّ الله، فإنه لا يجوز قتله، وإن فعل أي ذنب، ولا قتال الطائفة الممتنعة إذا قالوا هذه الكلمة، فهذا قول مخالف للكتاب والسنة، والإجماع، ولو طرد هذا القائل أصله، لكان كافرًا بلا شك ....
(الأدلة على كفر وقتل، من فعل ما يستوجبهما أو واحدًا منهما، ممن انتسب إلى أهل القبلة)
ونذكر بعض ما اطلعنا عليه، من كلام فقهاء المذاهب، قال الشيخ الأجهوري المالكي: من ترك فرضًا أخره لبقاء ركعة بسجدتها من الضروري، قتل بالسيف حدًا على المشهور، وقال ابن حبيب وجماعة خارج المذهب: كافرًا، واختاره ابن عبد السلام.
وقال في فضل الأذان، قال المازري: في الأذان معنيان:
أحدهما: إظهار شعائر الإسلام، والتعريف بأن الدار دار إسلام، وهو فرض كفاية يقاتل أهل القرية حتى يفعلوه، إن عجز عن قهرهم على إقامته إلَاّ بقتال، والثاني: الدعاء إلى الصلاة والإعلام بوقتها.
وقال الآبي في شرح مسلم، والمشهور: أن الأذان فرض كفاية على
أهل المصر، لأنه شعار الإسلام، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يسمع أذانًا
(1)«عقيدة الموحدين» ، الكلمات النافعة:(235 - 238).
أغار وإلَاّ أمسك، وقول المصنف: يقاتلون عليه، ليس القتال عليه من خصائص القول بالوجوب، لأنه نص عن عياض في قول المصنف: والوتر غير واجب، لأنهم اختلفوا في التمالي على ترك السنن، هل يقاتلون عليها؟
والصحيح قتالهم وإكراههم، لأن في التمالي على تركها إماتتها. انتهى.
وقال في فضل صلاة الجماعة: صلاة الجماعة مستحبَّة للرجل في نفسه، فرض كفاية في الجملة، يعني على أهل المصر، قال: ولو تركوها قوتلوا، كما تقدم. انتهى.
وقال الشيخ أحمد بن حمدان، الأذرعي الشافعي، في «كتاب قوت المحتاج، في شرح المنهاج» : من ترك الصلاة جاحدًا وجوبها، كفر بالإجماع، وذلك جار في أي جحود كان مجمعًا عليه، معلومًا من الدين بالضرورة، فإن تركها كسلاً قتل حدًا على الصحيح، والمشهور
…
وقال ابن حجر الهيثمي في «التحفة» ، في باب حكم تارك الصلاة: إن ترك الصلاة جاحدًا وجوبها، كفر بالإجماع، أو تركها كسلاً مع اعتقاد وجوبها، قتل كما قال تعالى:{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]، وحديث:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلَاّ الله، وأن محمدًا رسول الله» الحديث، فإنهما شرطا في الكف عن القتل والمقاتلة: الإسلام، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، لكن الزكاة يمكن الإمام أخذها ولو بالمقاتلة ممن امتنعوا وقاتلوا، فكانت فيها على حقيقتها، بخلافها في الصلاة، فإنه لا يمكنه فعلها بالمقاتلة، فكانت فيها بمعنى القتل» (1). اهـ.
* * *
(1)«الدرر السنية» : (12/ 121 - 130).