الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
يجب إخلاص جميع أنواع العبادة لله وحده فمن صرف أيًا منها لغيره يكون بذلك مشركًا وخارجًا عن ملة المسلمين
قال الشيخ سليمان بن عبد الله - بعد أن تكلَّم عن معنى الإسلام، والتوحيد -:
وقد تضمن ذلك جميع أنواع العبادة، فيجب إخلاصها لله تعالى، فمن أشرك بين الله تعالى وبين غيره في شيء فليس بمسلم.
فمنها: المحبة، فمن أشرك بين الله تعالى وبين غيره في المحبة التي لا تصلح إلَاّ لله، فهو مشرك. كما قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ} [البقرة: 165]، إلى قوله تعالى:{وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 167].
ومنها: التوكل، فلا يتوكل على غير الله فيما لا يقدر عليه إلَاّ الله، قال الله تعالى:{وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]، والتوكل على غير الله فيما يقدر عليه شرك أصغر.
ومنها: الخوف، فلا يخاف خوف السر إلَاّ من الله، ومعنى خوف السر، هو أن يخاف العبد من غير الله تعالى أن يصيبه مكروه بمشيئته وقدرته وإن لم يباشره، فهذا شرك أكبر، لأنه اعتقاد للنفع والضر في غير الله.
قال الله تعالى: {فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل: 51]، وقال تعالى:{فَلَا تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 44]، وقال تعالى:{وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107].
ومنها: الرجاء فيما لا يقدر عليه إلَاّ الله كمن يدعو الأموات أو غيرهم راجيًا حصول مطلوبه في جهتهم فهذا شرك أكبر. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 218]، وقال علي رضي الله عنه: لا يرجونَّ عبد إلَاّ ربه.
ومنها: الصلاة والركوع والسجود، قال الله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} [الحج: 77].
ومنها: الدعاء فيما لا يقدر عليه إلَاّ الله، سواء كان طلبًا للشفاعة أو غيرها من المطالب.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 13، 14]، وقال تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].
وقال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: 106]، وقال تعالى:{أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الزمر: 43، 44].
ومنها: الذبح، قال الله تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163]، والنسك: الذبح.
ومنها: النذر، قال الله تعالى:{وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29]، وقال تعالى:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7].
ومنها: الطواف، فلا يطاف إلَاّ ببيت الله، قال الله تعالى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29].
ومنها: التوبة فلا يتاب إلَاّ الله. قال الله تعالى: {وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ اللهُ} [آل عمران: 135]، وقال تعالى:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].
ومنها: الاستعاذة فيما لا يقدر عليه إلَاّ الله، قال الله تعالى:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1]، وقال تعالى:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1].
ومنها: الاستغاثة فيما لا يقدر عليه إلَاّ الله، قال الله تعالى:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال: 9].
فمن أشرك بين الله تعالى وبين مخلوق فيما يختص بالخالق تعالى من هذه العبادات أو غيرها، فهو مشرك.
وإنما ذكرنا هذه العبادات خاصة، لأن عبَّاد القبور صرفوها للأموات من دون الله تعالى، أو أشركوا بين الله تعالى وبينهم فيها، وإلَاّ فكل نوع من أنواع العبادة، من صرفه لغير الله، أو أشرَك بين الله تعالى وبين غيره فيه، فهو مشرك. قال الله تعالى:{وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36](1).
وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمهم الله تعالى، مبينًا حقيقة الاعتقاد الذي دان لله به هو وآباؤه رحمهم الله جميعًا:
فاعلموا - أن حقيقة ما نحن عليه، وما ندعو إليه، ونجاهد على التزامه، والعمل به - أنا ندعو إلى دين الإسلام، والتزام أركانه، وأحكامه،
الذي أصله وأساسه: شهادة أن لا إله إلَاّ الله، والأمر بعبادة الله وحده
لا شريك له، وهذه العبادة مبنية على أصلين: كمال الحب لله، مع كمال
(1)«تيسير العزيز الحميد» : (ص 26 - 28).
الخضوع والذل له.
والعبادة لها أنواع كثيرة، فمن أنواعها: الدعاء، هو من أجلِّ أنواع العبادة، وسماه الله عبادة، في عدة مواضع من كتابه، كما قال تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، ونظائر هذا في القرآن كثير، وفي الحديث:«الدعاء مخ العبادة» .
فنقول: لا يدعى إلَاّ الله، ولا يستغاث في الشدائد، وجلب الفوائد إلَاّ به، ولا يذبح القربان إلَاّ له، ولا ينذر إلَاّ له، ولا يخاف خوف السر إلَاّ منه وحده، ولا يتوكل إلَاّ عليه، ولا يستعان ولا يستعاذ إلَاّ به، وليس لأحد من الخلق شيء من ذلك، لا الملائكة، ولا الأنبياء، ولا الأولياء، ولا الصالحين، ولا غيرهم فلله حق لا يكون لغيره، وحقه تعالى: إفراده بجميع أنواع العبادة، فلا تأله القلوب محبة، وإجلالاً، وتعظيمًا، وخوفًا، ورجاء، إلَاّ الله، فهذه، هي: الحكمة الشرعية الدينية، والأمر المقصود في إيجاد البرية.
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومعنى: يعبدون، يوحِّدون، والعبادة هي: التوحيد، لأن الخصومة بين الرسل وأممهم فيه، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقال تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18].
فمن دعا غير الله، من ميت، أو غائب، أو استغاث به، فهو مشرك كافر، وإن لم يقصد إلَاّ مجرَّد التقرُّب إلى الله، وطلب الشفاعة عنده».