الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
القتال في الإسلام منوط بالإصرار على فعل الشرك ولا ترتفع السيوف المجردة عليه، حتى تتم البراءة منه إلى توحيد الله الخالص
إن عبادة الله وحده لا شريك له، والكفر بما يُعبد من دونه، هما معنى ومدلول (لا إله إلَاّ الله)، هذه الكلمة التي من أجلها: جرِّدت السيوف، وشرع الجهاد، والهجرة من البلاد، وامتاز الطيب من خبيث العباد، وبها حقنت الدماء وعصمت الأموال، وجعلت مفرق الطريق الوحيد بين المسلمين والمشركين في الدنيا والآخرة.
ولقد أجمع العلماء على أن عصمة دماء وأمول الخلائق متوقفة على: الإتيان بالتوحيد، والتزام أحكامه، مع الانخلاع من الشرك، فمتى أبى قوم عن التزام الشرائع، أو بعض منها، فالقتال باق على حاله إجماعًا.
وبهذا نعلم: أن مجرَّد الإقرار بالشهادتين، لا يعصم أصحابه على الدوام، إلَاّ مع القيام بحقوقهما.
ومن أجل هذا قامت الحروب والفتن بين الإمام المجدِّد وأحفاده مع خصومهم من أجل التوحيد، وفيه كانت الخصومة.
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمهما الله تعالى:
إن مدلول شهادة أن لا إله إلَاّ الله، هو الالتزام بعبادة الله وحده لا شريك له، والكفر بما يُعبد من دون الله، وهذا هو أصل الدين وقاعدته، ولهذا كانت هذه الكلمة، كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، والفارق بين الكافر والمؤمن من الأنام، ولها جردت السيوف، وشرع الجهاد وامتاز الخبيث من طيب
العباد، وبها حقنت الدماء، وعصمت الأموال» (1).
وقال عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى:
إن الله أمر بقتال المشركين، حتى يتوبوا من الشرك، ويخلصوا أعمالهم لله تعالى ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن أبوا عن ذلك أو بعضه، قوتلوا إجماعًا (2). اهـ.
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله في شرحه على كتاب التوحيد:
قوله: «من قال لا إله إلَاّ الله وكفر بما يعبد من دون الله» ، اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث علق عصمة المال والدم بأمرين:
الأول: قول لا إله إلَاّ الله.
الثاني: الكفر بما يعبد من دون الله.
فلم يكتف باللفظ عن المعنى، بل لا بد من قولها والعمل بها.
قلت: وقد أجمع العلماء على معنى ذلك، فلا بد في العصمة من الإتيان بالتوحيد، والتزام أحكامه، وترك الشرك كما قال تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 39]، والفتنة هنا: الشرك، فدل على أنه إذا وجد الشرك فالقتال باق بحال، كما قال تعالى:{وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً} [التوبة: 36]، وقال تعالى:{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 5].
فأمر بقتالهم على فعل التوحيد، وترك الشرك، وإقامة شعائر الدين الظاهرة، فإذا فعلوها خلي سبيلهم، ومتى أبوا عن فعلها أو فعل شيء منها،
فالقتال باق بحاله إجماعًا، ولو قالوا: لا إله إلَاّ الله ....
وفي «الصحيحين» أيضًا عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلَاّ الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوه عصموا مني دماءهم وأموالهم إلَاّ بحقها وحسابهم على الله» .
فهذا الحديث كآية براءة بيَّن فيه ما يقاتل عليه الناس ابتداء، فإذا فعلوه، وجب الكف عنهم إلَاّ بحقه، فإن فعلوا بعد ذلك ما يناقض هذا الإقرار والدخول في الإسلام، وجب القتال حتى يكون الدين كله لله، بل وأقروا بالأركان الخمسة وفعلوها، وأبوا عن فعل الوضوء للصلاة ونحوه، أو عن تحرِّي بعض محرَّمات الإسلام كالربا أو الزنا أو نحو ذلك، وجب قتالهم إجماعًا، ولم تعصمهم لا إله إلَاّ الله ولا ما فعلوه من الأركان، وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلَاّ الله، وأنه ليس المراد منها مجرد النطق، فإذا كانت لا تعصم من استباح محرَّمًا، أو أبى عن فعل الوضوء مثلاً بل يقاتل على ذلك حتى يفعله، فكيف تعصم من دان بالشرك وفعله وأحبه ومدحه، وأثني على أهله، ووالى عليه، وعادى عليه، وأبغض التوحيد الذي هو إخلاص العبادة لله، وتبرأ منه، وحارب أهله، وكفرهم، وصد عن سبيل الله كما هو شأن عباد القبور.
وقد أجمع العلماء على أن من قال: لا إله إلَاّ الله، وهو مشرك أنه يقاتل حتى يأتي بالتوحيد» (1).
وقال الشيخ حمد بن ناصر بن معمر رحمهم الله تعالى:
«وقد قال علماؤنا رحمهم الله تعالى: إذا قال الكافر: لا إله إلَاّ الله، فقد
(1)«تيسير العزيز الحميد» : (99 - 101).
شرع في العاصم لدمه، فيجب الكف عنه، فإن تمَّم ذلك تحقَّقت العصمة وإلَاّ بطلت، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قال كل حديث في وقت، فقال:«أمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا لا إله إلَاّ الله» ، وليعلم المسلمون: أن الكافر المحارب، إذا قالها كف عنه، وصار دمه وماله معصومًا.
ثم بين صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: أن القتال ممدود إلى الشهادتين والعبادتين، فقال:«أمرت أن أقاتل الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلَاّ الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة» ، فبين: أن تمام العصمة وكمالها إنما يحصل بذلك، ولئلا تقع الشبهة: بأن مجرد الإقرار يعصم على الدوام، كما وقعت لبعض الصحابة، حتى جلاها أبو بكر الصديق، ثم وافقوه (» (1).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في جواب على سؤال ورد عليه من ابنه عبد اللطيف رحمهم الله جميعًا:
«اعلم وفقك الله أن أهل نجد كانوا قبل ظهور هذه الدعوة الإسلامية فيهم بأَسوأ حال.
أما الأعراب فلا يلتفت أحد منهم لشريعة الإسلام، لا في العبادات، ولا في غيرها من الأحكام في الدماء، ولا في الأموال، ولا في النكاح، والطلاق، والمواريث، وغير ذلك، وكانوا في شر عظيم فيما بينهم من الحروب كل طائفة تقاتل الأخرى، وتستحل دماءها وأموالها، والحضر عندهم في غاية الذل يأخذون المال منهم كرهًا.
فلمَّا منَّ الله بهذه الدعوة، وقام الجهاد أجلبوا كلهم على
محاربة من دعاهم إلى الإسلام، والتزام شرائعه، فحصل التأييد من الله
لمن قام بدينه فجاهدوا الأعراب، وغيرهم على طاعة ربهم، والتزام ما شرعه
(1)«الدرر السنية» : (10/ 310).
فبقوا على جهاد الأعراب، كلما أسلمت قبيلة جاهدوا بها الأخرى، فما زالوا يجاهدونهم على أن يسلموا، ويصلُّوا، ويزكوا، وأكثرهم ألقى السلم لأهل الإسلام» (1).
وقال الشيخ أبو بطين رحمه الله تعالى:
والشيخ محمد بن عبد الوهاب، قاتل من قاتله، ليس لكونهم بغاة، وإنما قاتلهم على: ترك الشرك، وإزالة المنكرات، وعلى إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة» (2).
* * *