الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
فهم وتأويل أئمة الدعوة لموقف الشيخين ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب من عدم تكفيرهما للمعين ابتداء، حتى تقام عليه الحجة
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمهما الله تعالى، بعد أن ساق الأدلة الدالة على كفر من عبد غير الله سبحانه:
«بقي مسألة حدثت، تكلَّم بها شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو: عدم تكفير المعيَّن ابتداء، لسب ذكره رحمه الله تعالى، أوجب له التوقف في تكفيره، قبل إقامة الحجة عليه، قال رحمه الله تعالى: ونحن نعلم بالضرورة، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأحد، أن يدعو أحدًا من الأموات، لا الأنبياء، ولا الصالحين، ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة، ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميِّت، ولا إلى ميِّت، ونحو ذلك، بل نعلم: أنه نهى عن هذه الأمور كلها، وأنَّ ذلك من الشرك الذي حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن: لغلبة الجهل، وقلة العلم بآثار الرسالة، في كثير من المتأخرين، لم يمكن تكفيرهم بذلك، حتى يبين ما جاء به الرسول، مما يخالفه. انتهى.
قلت: فذكر رحمه الله تعالى، ما أوجب له عدم إطلاق الكفر عليهم، على التعيين خاصة، إلَاّ بعد البيان والإصرار، فإنه قد صار أمة وحده، لأن من العلماء من كفره بنهيه لهم عن الشرك في العبادة، فلا يمكن أن يعاملهم بمثل ما قال، كما جرى لشيخنا محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، في ابتداء دعوته، فإنه إذا سمعهم يدعون زيدًا بن الخطاب، قال: الله خير من
زيد، تمرينًا لهم على نفي الشرك، بلين الكلام، نظرًا إلى المصلحة، وعدم
النفرة» (1).
وقال الشيخ عبد الله أبو بطين رحمه الله:
«وقولك: إن الشيخ - أي ابن تيمية - يقول، إن من فعل شيئًا من هذه الأمور الشركية، لا يطلق عليه أنه مشرك كافر، حتى تقوم عليه الحجَّة الإسلامية، فهو لم يقل ذلك في الشرك الأكبر، وعبادة غير الله، ونحوه من الكفر، وإنما قال هذا في: المقالات الخفية، كما قدَّمنا من قوله: وهذا إذا كان في المقالات الخفية، فقد يقال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، فلم يجزم بعدم كفره، وإنما قال: قد يقال.
وقوله: قد يقع ذلك في طوائف منهم، يعلم العامة والخاصة، بل اليهود والنصارى، يعلمون: أن محمدًا بُعث بها، وكفَّر من خالفها، مثل عبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة غيره، فإن هذا أظهر شرائع الإسلام، يعني: فهذا لا يمكن أن يقال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها.
والأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، والنهي عن عبادة غيره، هو ما نحن فيه، قال تعالى:{رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 165].
وقوله رحمه الله: بل اليهود والنصارى يعلمون ذلك، حكي لنا من غير واحد من اليهود في البصرة، أنهم عابوا على المسلمين ما يفعلونه عند القبور، قالوا: إن كان نبيكم أمركم بهذا فليس بنبي، وإن لم يأمركم فقد عصيتموه.
وعبادة الله وحده لا شريك له، هي أصل الأصول، الذي خلق الله الجن والإنس لأجله، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، أي: يعبدوني وحدي.
(1)«الدرر السنية» : (2/ 210، 211).
وهو الذي أرسل به جميع الرسل، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]» (1).
وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى:
«وقد قال الشيخ - أي ابن تيمية رحمه الله في جواب له: فمسألة تكفير أهل الأهواء والبدع متفرِّعة على هذا الأصل، ثم ذكر مذاهب الأئمة في ذلك، وذكر تكفير الإمام أحمد للجهمية، وذكر كلام السلف في تكفيرهم، وإخراجهم من الثلاث والسبعين فرقة، وغلَّظَ القول فيهم، وذكر الروايتين في تكفير من لم يكفِّرهم، وذكر أن أصول هذه الفرق هم: الخوارج، والشيعة، والمرجئة، والقدرية، ثم أطال الكلام في عدم تكفير هذه الأصناف، واحتج بحديث أبي هريرة.
قال: وإذا كان كذلك فالمخطئ في بعض المسائل إما أن يلحق بالكفار من المشركين وأهل الكتاب مع مباينته لهم في عامة أصول الإيمان، فإن الإيمان بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وتحريم المحرَّمات الظاهرة هو من أعظم أصول الإيمان، وقواعد الدين، وإذا كان لا بد من إلحاقه - أي المخطئ - بأحد الصنفين، فإلحاقه بالمؤمنين المخطئين أشد شبهًا من إلحاقه بالمشركين وأهل الكتاب، مع العلم بأن كثيرًا من أهل البدع منافقون النفاق الأكبر، فما أكثر ما يوجد في الرافضة والجهمية ونحوهم زنادقة، وأولئك في الدرك الأسفل من النار.
فتبين بهذا مراد الشيخ، وأن كلامه في طوائف مخصوصة، وأن
الجهمية غير داخلين فيه، وكذلك المشركون، وأهل الكتاب لم يدخلوا في
هذه القاعدة، فإنه منع إلحاق المخطئ بهذه الأصناف، مع مباينة لهم في عامة
(1)«الدرر السنية» : (10/ 389 - 391).
أصول الإيمان.
قال شيخنا - أي عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله: وهذا هو قولنا بعينه، فإنه إذا بقيت معه أصول الإيمان، ولم يقع منه شرك أكبر، وإنما وقع في نوع من البدع فهذا لا نكفره، ولا نخرجه من الملة، وهذا البيان ينفعك فيما يأتي من التشبيه بأن الشيخ لا يكفِّر المخطئ والمجتهد، وأنه مسائل مخصوصة» (1).
* * *
(1)«كشف الشبهتين» : (ص 77، 78).