الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
البراءة من المشركين شرط لصحة التوحيد وقبوله، ومن ثم كانت موالاتهم ناقضة من نواقض التوحيد وردَّة عن ملة المسلمين، ولقد عدَّ العلماء مظاهرة المشركين: من أعظم أنواع المروق عن الدين، والتي تستوجب جهاد أهلها
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله تعالى:
عمن كان في سلطان المشركين، وعرف التوحيد وعمل به، ولكن ما عاداهم، ولا فارق أوطانهم؟
فأجاب: هذا السؤال صدر عن عدم التعقل لصورة الأمر، والمعنى المقصود من التوحيد والعمل به، لأنه لا يتصور أنه يعرف التوحيد ويعمل به، ولا يعادي المشركين، ومن لم يعادهم لا يقال له عرف التوحيد وعمل به، والسؤال متناقض، وحسن السؤال مفتاح العلم.
وأظن مقصودك: من لم يظهر العداوة ولم يفارق، ومسألة إظهار العداوة، غير مسألة وجود العداوة، فالأول يعذر به مع العجز والخوف، لقوله تعالى:{إِلَاّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28]، والثاني لا بد منه، لأنه يدخل في الكفر بالطاغوت، وبينه وبين حب الله ورسوله تلازم كلي، لا ينفك عنه المؤمن، فمن عصى الله بترك إظهار العداوة، فهو عاص لله.
فإذا كان أصل العداوة في قلبه، فله حكم أمثاله من العصاة، فإذا انضاف إلى ذلك ترك الهجرة، فله نصيب من قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97]، لكنه لا يكفر، لأن الآية فيها الوعيد لا التكفير» (1).
(1)«الدرر السنية» : (8/ 359).
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في نواقض الإسلام العشرة:
وتحدث الشيخ عبد الرحمن بن حسن عن بعض نواقض التوحيد قائلاً:
(الأمر الثاني من النواقض): انشراح الصدر لمن أشرك بالله، وموادَّة أعداء الله كما قال تعالى:{وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106]، إلى قوله:{وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [النحل: 107]، فمن فعل ذلك، فقد أبطل توحيده ولو لم يفعل الشرك بنفسه، قال الله تعالى:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22].
قال شيخ الإسلام: أخبر سبحانه أنه لا يوجد مؤمن يواد كافرًا، فمن وادّه فليس بمؤمن. قال: والمشابهة مظنة الموادة فتكون محرمة.
قال العماد ابن كثير في تفسيره: قيل نزلت في أبي عبيدة حين قتل أباه يوم بدر، {أَوْ أَبْنَاءهُمْ} ، في الصديق يومئذٍ همَّ بقتل ابنه عبد الرحمن، {أَوْ إِخْوَانَهُمْ} ، في مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير، {أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} في عمر قتل قريبًا له يومئذٍ أيضًا، وحمزة وعلي وعبيدة بن الحارث قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذٍ
…
(الأمر الثالث): موالاة المشرك، والركون إليه، ونصرته، وإعانته باليد، أو اللسان، أو المال، كما قال تعالى:{فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ} [القصص: 86]» (2).
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمهما الله تعالى:
«قال شيخ الإسلام في اختياراته، من جمز (1) إلى معسكر التتار، ولحق بهم، ارتد وحل دمه وماله» (2).
وقال الشيخ حمد بن عتيق:
«قد دلّ القرآن والسنة على أن المسلم إذا حصلت منه موالاة أهل الشرك والانقياد لهم ارتد بذلك عن دينه.
فتأمل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ} [محمد: 25]، مع قوله:{وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]، وأمعن النظر في قوله تعالى:{فَلَا تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} [النساء: 140]» (3).
وتحدث الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن بعض أنواع أعدائه الذين سلّ السيف عليهم، فقال رحمه الله:
النوع الثالث: من عرف التوحيد وأحبه واتبعه، وعرف الشرك وتركه، لكن يكره من دخل في التوحيد ويحب من بقي على الشرك، فهذا أيضًا كافر وفيه قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}
[محمد: 9].
النوع الرابع: من سلم من هذا كله لكن أهل بلده يصرحون: بعداوة التوحيد واتباع أهل الشرك ويسعون في قتالهم، وعذره أن ترك وطنه يشق عليه، فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده ويجاهد بماله ونفسه، فهذا أيضًا
(1) جمز: أي ذهب
…
وقد جاء في حديث ماعز رضي الله عنه: «فلما أذلقته الحجارة، جمز» . أي: أسرع هاربًا من القتل. قاله: ابن منظور في لسان العرب، مادة:(جمز).
(2)
«الدرر السنية» : (8/ 338).
(3)
«مجموع الرسائل والمسائل» : (1/ 745 - 746).
كافر، لأنهم لو أمروه بترك صيام رمضان ولا يمكنه ذلك إلَاّ بفراق وطنه فعل، ولو أمروه أن يتزوج امرأة أبيه ولا يمكنه مخالفتهم إلَاّ بذلك فعل.
وأما موافقته على الجهاد معهم بماله ونفسه مع أنهم يريدون قطع دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فأكبر مما ذكرناه بكثير، فهذا أيضًا كافر ممن قال الله فيهم:{سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ} الآية [النساء: 91].
والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلَّى الله على محمد وآله وصحبه وسلم» (1).
وقد عدّ بعض علماء نجد ثلاثة أمور، كل واحد منها يوجب الجهاد لمن اتصف بها:
الأولى: الخروج عن طاعة ولي أمر المسلمين بغير حق.
الثانية: عدم تكفير المشركين، أو الشك في كفرهم، لأن ذلك من نواقض الإسلام ومبطلاته، فمن اتصف به فقد كفر، وحلّ دمه وماله، ووجب قتاله حتى يكفر المشركين. - ثم عرضوا الأمر الثالث فقالوا -:
* * *