الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترجمة الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى
-
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى، وأسكنه فسيح جناته في ترجمة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وأبنائه وأحفاده وأتباعه رحمهم الله جميعًا -، وفي التعريف بحقيقة دعوة الشيخ، وحجم الصراع بينه وبين خصومه، مع بيان أسبابه الحقيقية، فقال رحمه الله تعالى:
«الحمد لله رب العالمين، وصلَّي الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه سيدنا وإمامنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أما بعد: أيها الإخوان الفضلاء، أيها الأبناء الأعزاء، هذه المحاضرة الموجزة أتقدم بها بين أيديكم تنويرًا للأفكار، وإيضاحًا للحقائق، ونصحًا لله ولعباده، وأداء لبعض ما يجب عليَّ من الحق نحو المحاضَرِ عنه، وهذه المحاضرة عنوانها: الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، دعوته وسيرته
…
رأيت أن أتحدث إليكم عن رجل عظيم، ومصلح كبير، وداعية غيور، ألا وهو الشيخ المجدد للإسلام في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر من الهجرة النبوية، وهو الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن على التميمي الحنبلي.
لقد عرف الناس هذا الإمام ولا سيما علماؤهم ورؤساؤهم، وكبراؤهم وأعيانهم في الجزيرة العربية وفي خارجها، ولقد كتب الناس عنه كتابات كثيرة ما بين موجز وما بين مطول، ولقد أفرده كثير من الناس بكتابات، حتى المستشرقون كتبوا عنه كتابات كثيرة، وكتب عنه آخرون في أثناء كتاباتهم عن المصلحين، وفي أثناء كتاباتهم في التأريخ، وصفه المنصفون منهم بأنه
مصلح عظيم، وبأنه مجدد للإسلام، وبأنه على هدى ونور من ربه، وإن تعدادهم يشق كثيرًا.
ومن جملتهم المؤلف الكبير أبو بكر الشيخ حسين بن غنام الأحسائي، فقد كتب عن هذا الشيخ فأجاد وأفاد، وذكر سيرته وذكر غزواته، وأطنب في ذلك وكتب كثيرًا من رسائله، واستنباطاته من كتاب الله عز وجل، ومنهم أيضًا الشيخ عثمان بن بشر في كتابه «عنوان المجد» ، فقد كتب عن هذا الشيخ أيضًا، وعن دعوته، وعن سيرته، وعن تأريخ حياته، وعن غزواته وجهاده.
ومنهم خارج الجزيرة: الدكتور أحمد أمين في كتابه «زعماء الإصلاح» فقد كتب عنه وأنصف، ومنهم الشيخ الكبير مسعود الندوي، فقد كتب عنه وسماه:«المصلح المظلوم» ، وكتب عن سيرته وأجاد في ذلك.
وكتب عنه أيضًا آخرون، منهم الشيخ الكبير الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني، فقد كان في زمانه، وقد كان على دعوته، فلما بلغه دعوة الشيخ سرَّ بها وحمد الله عليها، وكذلك كتب عنه العلامة الكبير الشيخ محمد بن على الشوكاني، صاحب نيل الأوطار، ورثاه بمرثية عظيمة، وكتب عنه جمع غير هؤلاء يعرفهم القراء والعلماء
…
ولد هذا الإمام في عام 1115 هـ، هذا هو المشهور في مولده رحمة الله عليه، وقيل: في عام 1111 هـ، والمعروف الأول: أنه ولد في عام 1115 هـ على صاحبها أفضل الصلاة وأكمل التحية، وتعلم على أبيه في بلدة العيينة، وهذه البلدة هى مسقط رأسه رحمة الله عليه، وهى قرية معلومة في اليمامة في نجد، شمال غرب مدينة الرياض، بينها وبين الرياض مسيرة سبعين كيلو متر.
ولد فيها رحمة الله عليه، ونشأ نشأة صالحة، وقرأ القرآن مبكرًا، واجتهد في الدراسة والتفقه على أبيه الشيخ عبد الوهاب بن سليمان، وكان فقيهًا
كبيرًا، وكان عالمًا قديرًا، وكان قاضيًا في بلدة العيينة، ثم بعد بلوغ الحلم حج وقصد بيت الله الحرام، وأخذ عن بعض علماء الحرم الشريف، ثم توجه إلى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فاجتمع بعلمائها، وأقام فيها مدة، وأخذ من عالمين كبيرين مشهورين في المدينة ذلك الوقت، هما: الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي، أصله من المجمعة، وهو والد الشيخ إبراهيم بن عبد الله صاحب العذب الفائض في علم الفرائض، وأخذ أيضًا عن الشيخ الكبير محمد حياة السندي بالمدينة، هذان العالمان ممن اشتهر أخذ الشيخ عنهما بالمدينة، ولعله أخذ عن غيرهما ممن لا نعرف.
ورحل الشيخ لطلب العلم إلى العراق، فقصد البصرة واجتمع بعلمائها، وأخذ عنهم ما شاء الله من العلم، وأظهر الدعوة هناك إلى توحيد الله، ودعا الناس إلى السنة، وأظهر للناس أن الواجب على جميع المسلمين أن يأخذوا دينهم عن كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وناقش وذاكر في ذلك، وناظر من هنالك من العلماء، واشتهر من مشايخه هناك شخص يقال له: الشيخ محمد المجموعي، وقد ثار عليه بعض علماء السوء بالبصرة، وحصل عليه وعلى شيخه المذكور بعض الأذى، فخرج من أجل ذلك، وكان من نيته أن يقصد الشام، فلم يقدر على ذلك لعدم وجود النفقة الكافية، فخرج
من البصرة إلى الزبير، وتوجه من الزبير إلى الأحساء، واجتمع بعلمائها وذاكرهم في أشياء من أصول الدين، ثم توجه إلى بلدة حريملاء وذلك - والله أعلم - في العقد الخامس من القرن الثاني عشر؛ لأن أباه كان قاضيًا في
العيينة، وصار بينه وبين أميرها نزاع، فانتقل عنها إلى حريملاء بعد انتقاله إليها سنة 1139 هـ، فقدم الشيخ محمد على أبيه في حريملاء بعد انتقاله
إليها سنة 1139 هـ، فيكون قدومه حريملاء في عام 1140 هـ أو ما
بعدها، واستقر هناك، ولم يزل مشتغلاً بالعلم والتعليم والدعوة في حريملاء حتى مات والده عام 1153 هـ، فحصل من بعض أهل حريملاء شر عليه، وهمَّ بعض السفلة بها أن يفتك به، وقيل إن بعضهم تسوَّر عليه الجدار، فعلم بهم بعض الناس فهربوا، وبعد ذلك ارتحل الشيخ إلى العيينة رحمة الله عليه.
وأسباب غضب هؤلاء السفلة عليه أنه كان آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، وكان يحث الأمراء على تعزير المجرمين، الذين يعتدون على الناس بالسلب والنهب والإيذاء، هؤلاء السفلة الذين يقال لهم العبيد هناك، ولما عرفوا من الشيخ أنه ضدهم، وأنه لا يرضى بأفعالهم، وأنه يحرض الأمراء على عقوباتهم، والحد من شرهم؛ غضبوا عليه وهموا أن يفتكوا به، فصانه الله وحماه.
(وتكلم الشيخ عن محن الإمام وتنقله من بلد إلى أخرى داعيًا ومجاهدًا حتى جمعه الله بالأمير محمد بن سعود فقال):
فبلغ محمد بن سعود خبر الشيخ محمد، ويقال إن الذي أخبره زوجته، جاء إليها بعض الصالحين، وقال لها: أخبري محمدًا بهذا الرجل، وشجعيه على قبول دعوته، وحرضيه على مؤازرته ومساعدته، وكانت امرأة صالحة طيبة، فلما دخل عليها محمد بن سعود أمير الدرعية وملحقاتها، قالت له: أبشر بهذه الغنيمة العظيمة! هذه غنيمة ساقها الله إليك، رجل داعية يدعو إلى دين الله، يدعو إلى كتاب الله، يدعو إلى سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا لها من غنيمة! بادر بقبوله، وبادر بنصرته، ولا تقف في ذلك أبدًا.
فقبل الأمير مشورتها، ثم تردَّد هل يذهب إليه أو يدعوه إليه؟! فأشير
عليه، ويقال إن المرأة أيضًا هى التي أشارت عليه مع جماعة من الصالحين، وقالوا له: لا ينبغي أن تدعوه إليك، بل ينبغي أن تقصده في منزله وأن
تقصده أنت، وأن تعظم العلم والداعي إلى الخير.
فأجاب إلى ذلك لما كتب الله له من السعادة والخير رحمة الله عليه، وأكرم مثواه، فذهب إلى الشيخ في بيت محمد بن سويلم وقصده وسلم عليه وتحدث معه، وقال له: يا شيخ محمد، أبشر بالنصرة، وأبشر بالأمن، وأبشر بالمساعدة، فقال له الشيخ: وأنت أبشر بالنصرة أيضًا، والتمكين والعاقبة الحميدة، هذا دين الله من نصره نصره الله، ومن أيده أيده الله، وسوف نجد آثار ذلك سريعًا، فقال: يا شيخ، سأبايعك على دين الله ورسوله، وعلى الجهاد
في سبيل الله، ولكنني أخشى إذا أيدناك ونصرناك وأظهرك الله على أعداء الإسلام أن تبتغي غير أرضنا، وأن تنقل عنا إلى أرض أخرى، فقال:
لا؛ أبايعك على هذا، أبايعك على أن الدم بالدم، والهدم بالهدم، لا أخرج عن بلادك أبدًا.
(وتحدث الشيخ عن دعوة الإمام وجهاده حتى وفاته - رحمه الله تعالى - إلى أن قال):
ثم بعد وفاة الشيخ رحمة الله عليه، استمر أبناؤه وأحفاده، وتلاميذه وأنصاره في الدعوة والجهاد، وعلى رأس أبنائه الشيخ الإمام عبد الله بن محمد، والشيخ حسين بن محمد، والشيخ علي بن محمد، والشيخ إبراهيم بن محمد، ومن أحفاده الشيخ عبد الرحمن بن حسن، والشيخ علي بن حسن، والشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد، وجماعة آخرون، ومن تلاميذه
أيضًا الشيخ حمد ابن ناصر بن معمر، وجمع غفير من علماء الدرعية وغيرهم، واستمروا في الدعوة والجهاد، ونشروا دين الله تعالى، وكتابة الرسائل وتأليف المؤلفات، وجهاد أعداء الدين، وليس بين هؤلاء الدعاة وخصومهم
شيء، إلَاّ أن هؤلاء دعوا إلى توحيد الله وإخلاص العبادة لله عز وجل،
والاستقامة على ذلك، وهدم المساجد والقباب التي على القبور، ودعوا إلى تحكيم الشريعة والاستقامة عليها، ودعوا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود الشرعية، هذه أسباب النزاع بينهم وبين الناس» (1).
هذا آخر ما تيسر كتابته في هذه المقدمة؛ والآن نفسح المجال للقارئ العزيز للدخول بخطى ثابتة ومتأنية وراسخة، لفهم وإدراك: أصول وقواعد وأهداف وغايات هذا التراث.
* * *
(1) الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته (5 - 34).