الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع
شروط وأركان كلمة «لا إله إلا الله»
مع بيان أن المقصود الأعظم منها: تحقيق معناها في القلب، فالنطق بها باللسان، فالقيام بمقتضاها بالجوارح، ولا أدلّ على ذلك: من إجماع السلف على أن من نطق بالشهادة، ولم يعتقد معناها، ولم يعمل بمقتضاها، فإنه لا يكون مسلما، ويقاتل على ذلك، حتى يعمل بما دلَّت عليه من النفي والإثبات
قال عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى في شرحه على كتاب التوحيد:
«قوله (من شهد أن لا إله إلَاّ الله)(1)، أي: من تكلَّم بها عارفًا لمعناها، عاملاً بمقتضاها، باطنًا وظاهرًا، فلا بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولهما، كما قال الله تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ} [محمد: 19].
وقوله: {إِلَاّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86].
أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه: من البراءة من الشرك، وإخلاص القول والعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح فغير نافع بالإجماع» (2).
وقال سليمان بن عبد الله:
«قوله (من شهد أن لا إله إلَاّ الله)، أي: من تكلَّم بهذه الكلمة عارفًا
(1) هذاه إشارة إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل» متفق عليه.
(2)
«فتح المجيد» : (39 - 41).
لمعناها، عاملاً بمقتضاها باطنًا وظاهرًا، كما دلَّ عليه قوله:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ} [محمد: 19] وقوله: {إِلَاّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86]. أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا عمل بمقتضاها، فإن ذلك غير نافع بالإجماع.
وفي الحديث ما يدلّ على هذا، وهو قوله:«من شهد» إذ كيف يشهد وهو لا يعلم، ومجرد النطق بشيء لا يسمَّى شهادة به
…
وقد دخل في الإلهية جميع أنواع العبادة الصادرة عن تأله القلب لله بالحب والخضوع والانقياد له وحده لا شريك له، فيجب إفراد الله تعالى بها، كالدعاء والخوف والمحبة، والتوكل والإنابة، والتوبة، والذبح، والنذر، والسجود، وجميع أنواع العبادة، فيجب صرف جميع ذلك لله وحده لا شريك له، فمن صرف شيئًا مما لا يصلح إلَاّ لله من العبادات لغير الله، فهو مشرك ولو نطق بـ لا إله إلَاّ الله، إذ لم يعمل بما تقتضيه من التوحيد والإخلاص» (1).
وقال عبد الرحمن بن حسن في شرحه لكتاب التوحيد رحمه الله تعالى:
قوله: «وَلَهُما» أي البخاري ومسلم، وهذا حديث طويل اختصره المصنف وذكر منه ما يناسب الترجمة وهو قوله:«من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» ، وهذا هو حقيقة معناها الذي دلَّت عليه هذه الكلمة من الإخلاص ونفي الشرك، والصدق والإخلاص متلازمان لا يوجد أحدهما بدون الآخر، فإن من لم يكن مخلصًا فهو مشرك، ومن لم يكن صادقًا فهو منافق، والمخلص أن يقولها: مخلصًا الإلهية لمن لا يستحقها غيره وهو الله تعالى، وهذا التوحيد هو أساس الإسلام
…
وهذا بخلاف من يقولها، وهو يدعو غير الله ويستغيث به من ميت أو غائب لا ينفع ولا يضر، كما ترى عليه أكثر الخلق فهؤلاء وإن قالوها، فقد تلبسوا
(1)«تيسير العزيز الحميد» : (51 - 53).
بما يناقضها فلا تنفع قائلها إلَاّ بالعلم بمدلولها نفيًا وإثباتًا، والجاهل بمعناها وإن قالها لا تنفعه لجهله بما وضعت له الوضع العربي الذي أريد منها من نفي الشرك، وكذلك إذا عرف معناها بغير تيقن له، فإذا انتفى اليقين وقع الشك.
ومما قيدت به في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «غَيرَ شاكٍّ» فَلا تَنْفَعُ إلَاّ من قالها بعلم ويقين لِقَوْلِهِ صِدْقًا مِنْ قَلبِهِ خالِصًا مِنْ قَلبِهِ، وكذلك من قالها غير صادق في قوله، فإنها لا تنفعه لمخالفة القلب اللسان، كحال المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وكذلك حال المشركين فلا تقبل من مشرك لمنافاة الشرك للإخلاص، ولما دلَّت عليه هذه الكلمة مطابقة، فإنَّها دلَّت على نفي الشرك والبراءة منه، والإخلاص لله وحده لا شريك له مطابقة، ومن لم يكن كذلك لم ينفعه قوله: لا إله إلَاّ الله، كما هو حال كثير من عبدة الأوثان يقولون: لا إله إلَاّ الله وينكرون ما دلَّت عليه من الإخلاص، ويعادون أهله وينصرون الشرك وأهله، وقد قال الخليل عليه السلام لأبيه وقومه:{إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَاّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف: 26 - 28]، وهي: لا إله إلا الله» (1).
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، في بيان معاني ومقتضيات النفي والإثبات لكلمة التوحيد:
«أعلم رحمك الله، أن معنى لا إله إلَاّ الله نفي وإثبات، تنفي أربعة أنواع وتثبت أربعة أنواع: تنفي الإلهية، والطواغيت، والأنداد، والأرباب.
فالإلهية: ما قصدته بشيء من جاب خير أو دفع ضر فأنت متَّخذه إلهًا.
والطواغيت: من عبد وهو راض أو رشح للعبادة، مثل السمان أو تاج أو أبي حديدة.
(1)«قرة عيون الموحدين» : (18، 19).
والأنداد: ما جذبك عن دين الإسلام من أهل أو مسكن أو عشيرة أو مال، فهو ند لقوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ} [البقرة: 165].
والأرباب: من أفتاك بمخالفة الحق وأطعته، مصداقًا لقوله تعالى:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلَاّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لَاّ إِلَهَ إِلَاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31].
وتثبت أربعة أنواع: القصد، وهو كونك ما تقصد إلَاّ الله، والتعظيم والمحبة لقوله عز وجل:{وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ} [البقرة: 165]، والخوف والرجاء لقوله تعالى:{وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107](1).
وقال عبد الرحمن بن حسن:
«وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «وكفر بما يعبد من دون الله» فهذا: شرط عظيم، لا يصح قول: لا إله إلَاّ الله إلَاّ بوجوده، وإن لم يوجد، لم يكن من قال لا إله إلَاّ الله معصوم الدم والمال، لأن هذا هو معنى لا إله إلَاّ الله، فلم ينفعه القول بدون الإتيان بالمعنى الذي دلَّت عليه، من ترك الشرك والبراءة منه وممن فعله، فإذا أنكر عبادة كل ما يعبد من دون الله، وتبرأ منه، وعادى من فعل ذلك: صار مسلمًا، معصوم الدم والمال، وهذا معنى قول الله تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256].
وقد قيدت لا إله إلَاّ الله، في الأحاديث الصحيحة بقيود ثقال، لا بدّ من الإتيان بجميعها، قولاً واعتقادًا وعملاً» (2).