الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
اللفظ المجرد عن المعنى لا يدخل صاحبه في الإسلام ومن ثم كان قتال المشركين مشروعًا حتى الإتيان بالتوحيد مع الانخلاع من الشرك إجماعًا
اللفظ المجرد عن المعنى لا يدخل صاحبه في الإسلام، إلَاّ عند من ورثوا: إرث أعتى فرق الإرجاء، وأما الذين نهلوا من معين السلف، وانتهجوا نهجهم: قولاً، وعملاً واعتقادًا، فقد تقرَّر لديهم أن الإيمان والتوحيد، قول وعمل، ومن ثم فمن أتى بالقول في أي واحد منهما دون العمل فلا يكون مسلمًا ولا مؤمنًا. ولقد انعقد الإجماع على وجوب الإتيان بالتوحيد، مع الانخلاع من الشرك، والبراءة منه، ومن أهله حتى تتحقق عصمة الدم والمال، وتلك هي غاية قتال المسلمين للمشركين يدور معها حيث دارت.
قال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن رحمهما الله تعالى:
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: «ومجرد الإتيان بلفظ الشهادة من غير علم بمعناها، ولا عمل بمقتضاها، لا يكون به المكلف مسلمًا، بل هو حجة على ابن آدم، خلافًا لمن زعم: أن الإيمان مجرد الإقرار، كالكرَّامية ومجرد التصديق كالجهمية» (1).
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمهما الله تعالى: وقرَّر الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
«أن مجرَّد الإتيان بلفظ الشهادة مع مخالفة ما دلت عليه من الأصول المقررة، ومع الشرك الأكبر في العبادة لا يدخل المكلف في الإسلام. إذ
(1)«الدرر السنية» : (1/ 522، 523).
المقصود من الشهادتين: حقيقة الأعمال التي لا يقوم الإيمان بدونها» (1).
وقال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتابه التوحيد، وحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمهما الله في شرحه عليه:
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قال لا إله إلَاّ الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل» .
وشرح هذه الترجمة: وما بعدها من الأبواب.
[الشرح]
قوله: «من قال لا إله إلَاّ الله وكفر بما يعبد من دون الله» اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم علق عصمة المال والدم في هذا الحديث بأمرين:
الأول: قول «لا إله إلَاّ الله» عن علم ويقين، كما هو قيد في قولها في غير ما حديث كما تقدم.
والثاني: الكفر بما يعبد من دون الله، فلم يكتف باللفظ المجرد عن المعنى، بل لا بد من قولها والعمل بها.
قلت: وفيه معنى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لَا انفِصَامَ لَهَا} [البقرة: 256].
قال المصنف رحمه الله تعالى: وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلَاّ الله، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصمًا للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلَاّ الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو تردد لم يحرم ماله ودمه، فيا لها من مسألة ما أجلها ويا له من بيان ما أوضحه، وحجة ما أقطعها للمنازع». انتهى.
(1)«منهاج التأسيس والتقديس» : (ص 10).
قلت: وهذا هو الشرط المصحح لقوله «لا إله إلَاّ الله» فلا يصح قولها بدون هذه الخمس التي ذكرها المصنف رحمه الله أصلاً، قال تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} [الأنفال: 39]، وقال:{فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]، أمر بقاتلهم حتى يتوبوا من الشرك ويخلصوا أعمالهم لله تعالى، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإن أبوا عن ذلك أو بعضه قُوتلوا إجماعًا
…
قوله: «وحسابه على الله» ، أي: الله تبارك وتعالى هو الذي يتولى حساب الذي يشهد بلسانه بهذه الشهادة، فإن كان صادقًا جازاه بجنات النعيم، وإن كان منافقًا عذبه العذاب الأليم. وأما في الدنيا فالحكم على الظاهر، فمن أتى بالتوحيد ولم يأت بما ينافيه ظاهرًا والتزم شرائع الإسلام وجب الكف عنه.
قلت: وأفاد الحديث أن الإنسان قد يقول «لا إله إلَاّ الله» ولا يكفر بما يُعبد من دون الله فلم يأت بما يعصم دمه وماله، كما دل على ذلك الآيات المحكمات والأحاديث» (1).
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله في شرحه على كتاب التوحيد:
قوله: «من قال لا إله إلَاّ الله وكفر بما يعبد من دون الله» . اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث علق عصمة المال والدم بأمرين:
الأول: قول لا إله إلَاّ الله.
والثاني: الكفر بما يعبد من دون الله.
فلم يكتف باللفظ لمجرد عن المعنى، بل لا بد من قولها والعمل بها.
قلت: وقد أجمع العلماء على معنى ذلك فلا بد في العصمة من الإتيان بالتوحيد، والتزام أحكامه، وترك الشرك كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا
(1)«فتح المجيد» : (ص 111 - 113).
تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} [الأنفال: 39]
…
وقد أجمع العلماء: على أن من قال لا إله إلَاّ الله، وهو مشرك أنه يقاتل حتى يأتي بالتوحيد» (1).
وسئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن، رحمه الله، عمَّن يقول: لا إله إلَاّ الله، ويدعو غير الله، هل يحرم ماله ودمه، بمجرد قولها، أم لا؟
فأجاب: لا إله إلَاّ الله كلمة الإخلاص، وكلمة التقوى، والعروة الوثقى، وهي الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام، جعلها كلمة باقية في عقبه، وقد تضمنت ثبوت الإلهية لله تعالى، ونفيها عما سواه، والإله هو: الذي تألهه القلوب، محبة وإنابة وتوكلاً، واستعانة ودعاء، وخوفًا ورجاء، ونحو ذلك
…
فمن تحقق بمدلول هذه الكلمة العظيمة، من إخلاص العبادة لله تعالى، والبراءة من عبادة ما سواه؛ بالجَنان والأركان، وعمل بما اقتضته من فرائض الإسلام والإيمان، كان معصوم الدم والمال، ومن لا، فلا.
قال الله تعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]، فدلت هذه الآية الكريمة، على أن عصمة الدم والمال، لا تحصل بدون هذه الثلاث، لترتبها عليها ترتب الجزاء على الشرط» (2).
وقال بعض علماء نجد: فلا يعصم دم العبد وماله حتى يأتي بهذين الأمرين:
الأول: قول لا إله إلَاّ الله، والمراد: معناها، لا مجرد لفظها، ومعناها: هو توحيد الله بجميع أنواع العبادة.
الأمر الثاني: الكفر بما يعبد من دون الله، والمراد بذلك: تكفير المشركين والبراءة منهم، ومما يعبدون مع الله» (3).