الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس
حكم من سب النبي صلى الله عليه وسلم، أو استهزأ بحكم من أحكامه، أو دفع شيئًا مما جاء به، أو سوّغ لواحد من البشر الخروج عن شريعته
قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
«وقال الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب (الصارم المسلول، على شاتم الرسول): قال الإمام إسحاق بن راهويه أحد الأئمة يعدل بالشافعي وأحمد: أجمع المسلمون أن من سبَّ الله أو رسوله أو دفع شيئًا مما أنزل الله أنه كافر بذلك، وإن كان مقرًا بكل ما أنزل الله.
وقال محمد بن سحنون أحد الأئمة من أصحاب مالك: أجمع العلماء على أن شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم كافر، وحكمه عند الأئمة القتل، ومن شك في كفره كفر. قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم أن على من سبَّه: القتل، وقال الإمام أحمد فيمن سبَّه: يقتل، قيل: فيه أحاديث؟ قال: نعم، منها: حديث الأعمى الذي قتل المرأة، وقول ابن عمر: «من شتم النبي صلى الله عليه وسلم قتل، وعمر بن عبد العزيز يقول: يقتل، وقال في رواية عبد الله: لا يستتاب، إن خالد بن الوليد قتل رجلاً شتم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستتبه. انتهى.
فتأمل رحمك الله تعالى كلام إسحاق بن راهويه ونقله الإجماع على أن من سبَّ الله أو سبَّ رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئًا مما أنزل الله فهو كافر - وإن كان مقرًا بكل ما أنزل الله - يتبين لك: أن من تلفَّظ بلسانه بسبِّ الله تعالى، أو بسبِّ رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو كافر مرتد عن الإسلام، وإن أقر بجميع ما أنزل الله، وإن كان هازلاً بذلك لم يقصد معناه بقلبه، كما قال الشافعي رضي الله
عنه
من هزل بشيء من آيات الله فهو كافر، فكيف بمن هزل بسبِّ الله تعالى، أو بسبِّ رسوله صلى الله عليه وسلم» (1).
ولقد جاء في نواقض الإسلام العشرة للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
الناقض السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم، أو ثوابه، أو عقابه كفر، وذلك لقوله تعالى:{قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لَا تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66].
الناقض التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، لقوله تعالى:{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]» (2).
وقال سليمان بن عبد الله رحمه الله تعالى في شرحه على كتاب التوحيد:
«(باب من هزل بشيء فيه ذكر الله، أو القرآن، أو الرسول)، أي: يكفر بذلك لاستخفافه بجناب الربوبية والرسالة، وذلك مناف للتوحيد. ولهذا أجمع العلماء على كفر من فعل شيئًا من ذلك، فمن استهزأ بالله، أو بكتابه، أو برسوله، أو بدينه، كفر ولو هازلاً لم يقصد حقيقة الاستهزاء إجماعًا.
قال: وقول الله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة: 65] ....
قال شيخ الإسلام: فقد أمره أن يقول: كفرتم بعد إيمانكم. وقول من يقول: إنهم قد كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولاً بقلوبهم
لا يصح، لأن الإيمان باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر، فلا يقال:
قد كفرتم بعد إيمانكم فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر، وإن أريد: إنكم
(1)«عقيدة الموحِّدين» ، رسالة الكلمات النافعة في المكفِّرات الواقعة:(ص 238).
(2)
«عقيدة الموحِّدين» : (ص 456، 457).
أظهرتم الكفر بعد إظهاركم الإيمان فهم لم يظهروا ذلك إلَاّ لخواصهم، وهم مع خوضهم ما زالوا هكذا، بل لمَّا نافقوا وحذروا أن تنزل عليهم سورة تبيِّن ما في قلوبهم من النفاق وتكلموا بالاستهزاء، أي: صاروا كافرين بعد إيمانهم.
ولا يدل اللفظ على أنهم ما زالوا منافقين إلى أن قال: قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة: 65]، ولهذا قيل:{لَا تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً} [التوبة: 66]، فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرًا، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر.
فتبين أن الاستهزاء بآيات الله ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم، ولكن لم يظنوه كفرًا، وكان كفرًا كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه.
وفي الآية دليل على أن الرجل إذا فعل الكفر ولم يعلم أنه كفر لا يعذر بذلك، بل يكفر، وعلى أن الشاك كافر بطريق الأولى نبه عليه شيخ الإسلام» (1).
* * *
(1)«تيسير العزيز الحميد» : (419 - 420).