الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
تعريف الردة، وأهمية الإحاطة برءوس مسائلها
لا نشك في أن العلم بنواقض الإسلام، ومبطلات الإيمان، من افرض الفرائض، وأهم المطالب، ولذا فينبغي على المسلم الإحاطة بها، أو على الأقل بمعاقد فروعها ومسائلها، لئلا يقع في شيء من محذوراتها وهو لا يشعر.
وبقدر وضوح هذه النواقض في حسّ المسلمين بقدر ما ستظل الفروق والحدود بين الإسلام والكفر، ظاهرة وبينة وفاصلة، ومن ثمّ يتسنِّى للمؤمنين: القيام بفريضة الولاء والبراء، التي هي عمود من أعمدة الملة، وركن ركين من أركانها.
والردة: هي الكفر بعد الإسلام، وتكون بالقول، والفعل والاعتقاد، والشك، وليس من شروطها أن يقول المرتد: ارتددت عن ديني، ولكن إن قالها، اعتبر قوله من أنواع الردة.
ولقد كثرت وشاعت نواقض الإسلام، على ألسنة وجوارح كثير من العامة، من غير أن يعلم أكثرهم بكونها ردة مخرجة من الملة، ومحبطة لكل الأعمال الصالحة، فلذا لزم التنبيه، وتوجَّب التحذير، فلعلها إذا بانت لهم واتضحت، سارعوا إلى اجتنابها، لئلا يتعرَّضون لسيف الشرع المشهر فوق رءوس المرتدين في الدنيا، وكذا الهوي في الخلود الأبدي في نار جهنم في الآخرة، أعاذنا الله برحمته جميعًا منها.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
باب حكم المرتد، الذي يكفر بعد إسلامه، نطقًا أو شكًا أو اعتقادًا أو فعلاً، ولو مميزًا، أو كان هازلاً، لقوله تعالى: {أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ
تَسْتَهْزِؤُونَ} [التوبة: 65]؛ فمن أشرك بالله تعالى كفر بعد إسلامه، ولو (1) مكرهًا بحق كفر، أو جحد ربوبيته أو وحدانيته كفر، أو جحد صفة من صفاته، أو ادَّعى النبوة، أو صدَّق من ادَّعاها بعد النبي صلى الله عليه وسلم، أو استهزأ بالله أو رسله، أو هزل فيه ذكر الله تعالى» (2).
وقال أيضًا رحمه الله تعالى:
اعلم: أن من أعظم نواقض الإسلام عشرة.
الأول: الشرك في عبادة الله وحده لا شريك له، والدليل قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 116]، ومنه الذبح لغير الله، كمن يذبح للجن، أو القباب.
الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط، يدعوهم ويسألهم الشفاعة، كفر إجماعًا.
الثالث: من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحَّح مذهبهم، كفر إجماعًا.
الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون حكم الطاغوت على حكمه، فهو كافر.
الخامس: من أبغض شيئًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو عمل به، كفر إجماعًا، والدليل قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 9].
السادس: من استهزأ بشيء من دين الله، أو ثوابه، أو عقابه، كفر، والدليل قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ
(1) هكذا في الأصل ولعلها: لا.
(2)
«الدرر السنية» : (1/ 88/89).
كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لَا تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66].
السابع: السحر ومنه الصرف ولعطف، فمن فعله، أو رضي به، كفر، والدليل قوله تعالى:{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102].
الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى:{وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].
التاسع: من اعتقد أن بعض الناس لا يجب عليه اتباعه صلى الله عليه وسلم، وأنه يسعه الخروج من شريعته، كما وسع الخضر الخروج من شريعة موسى عليهما السلام، فهو كافر.
العاشر: الإعراض عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعمل بها، والدليل قوله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة: 22].
ولا فرق في جميع هذه النواقض، بين الهازل، والجاد والخائف، إلَاّ المكره.
وكلها من أعظم ما يكون خطرًا، ومن أكثر ما يكون وقوعًا، فينبغي للمسلم أن يحذرها، ويخاف منها على نفسه.
نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه، وصلَّى الله على محمد» (1).
وسُئلت اللجنة الدائمة، جزى الله أصحابها عن المسلمين خيرًا:
السؤال الثاني والثالث من الفتوى رقم 7150
س: يقال إن الردة قد تكون فعلية أو قولية، فالرجاء أن تبينوا لي باختصار واضح أنواع الردة الفعلية والقولية والاعتقادية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .... وبعد:
(1)«الدرر السنية» : (10/ 91 - 93).
ج: الردة: هي الكفر بعد الإسلام، وتكون بالقول والفعل والاعتقاد والشك.
فمن أشرك بالله، أو جحد ربوبيته، أو وحدانيته، أو صفة من صفاته، أو بعض كتبه، أو رسله، أو سبَّ الله، أو رسوله، أو جحد شيئًا من المحرَّمات المجمع على تحريمها، أو استحله، أو جحد وجوب ركن من أركان الإسلام الخمسة، أو شك في وجوب ذلك، أو في صدق محمد صلى الله عليه وسلم، أو غيره من الأنبياء، أو شك في البعث، أو سجد لصنم، أو كوكب، ونحوه، فقد كفر، وارتد عن دين الإسلام.
وعليك بقراءة أبواب حكم الردة من كتب الفقه الإسلامي فقد اعتنوا به رحمهم الله. وبهذا تعلم من الأمثلة السابقة الردة القولية والعملية والاعتقادية وصورة الردة في الشك.
س: يقال إن الردة القولية تكون بلفظ كلمة الردة كسبِّ الدين، ويقال أيضًا إن من ارتد بهذا السبب أو ما شابهه فقد بطل ما عمل قبل ذلك من صلاة وصيام وزكاة
…
إلخ، أو نذر نذره على نفسه. فهل يجب قضاء ما فات أو ما بطل بذلك السبب أو لا إن كان نعم فهل يتم قضاء الصوم بالتتابع في الأيام أم لا؟
ج: سبق بيان أنواع الردة، وليس من شرط ذلك أن يقول المرتد ارتددت عن ديني، لكن لو قال ذلك اعتبر قوله من أنواع الردة.
وليس على المرتد إذا رجع إلى الإسلام أن يقضي ما ترك في حال الردة من صلاة وصوم وزكاة
…
إلخ. وما عمله في إسلامه قبل الردة من الأعمال الصالحة لم يبطل بالردة إذا رجع إلى الإسلام، لأن الله سبحانه علق ذلك بموته على الكفر كما قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ
…
}
[البقرة: 161]، الآية من سورة البقرة، وقال سبحانه: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
…
} [البقرة: 217]، الآية من سورة البقرة.
أما نذره حال إسلامه فهو باق إذا كان النذر طاعة، فعليه أن يوفي به بعد الرجوع إلى الإسلام، وهكذا ما في ذمته من حق لله أو لعبادة قبل أن يرتد فهو باق.
وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب رئيس اللجنة
…
الرئيس
عبد الله بن قعود
…
عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز (1)
* * *
(1)«فتاوى اللجنة الدائمة» : (2/ 3 - 5).