الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
مقتضيات الشهادة بالنبوة ولوازمها
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى في شرحه لكتاب التوحيد:
«وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وأن محمدًا عبده ورسوله)، أي: وشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أي: بصدق ويقين، وذلك يقتضي: اتباعه، وتعظيم أمره ونهيه، ولزوم سنته صلى الله عليه وسلم؛ وأن لا تعارض بقول أحد، لأن غيره صلى الله عليه وسلم يجوز عليه الخطأ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد عصمه الله تعالى وأمرنا بطاعته والتأسِّي به، والوعيد على ترك طاعته بقوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36].
وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
وقال الإمام أحمد: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك. لعله إذا ردّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك» (1).
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله - رحمه الله تعالى -:
«قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَاّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ}
[النساء: 64].
قال ابن كثير: أي: إنما فرضت طاعته على من أرسله إليهم؛ وقال ابن القيم: هذا تنبيه على جلالة منصب الرسالة، وعظم شأنها، وأنه سبحانه لم يرسل رسله عليهم الصلاة والسلام إلَاّ ليطاعوا بإذنه، فتكون الطاعة لهم لا لغيرهم، لأن طاعتهم، طاعة مرسلهم، وفي ضمنه أن من كذب رسوله محمدًا
(1)«قرة عيون الموحِّدين» : (ص 15، 16).
- صلى الله عليه وسلم، فقد كذَّب الرسل. والمعنى أنك واحد منهم تجب طاعتك، وتتعيَّن عليهم كما وجبت طاعة من قبلك من المرسلين، فإن كانوا قد أطاعوهم كما زعموا وآمنوا بهم، فما لهم لا يطيعونك، ويؤمنون بك؟!
والإذن ههنا هو: الإذن الأمري لا الكوني، إذ لو كان إذنًا كونيًا قدريًا لما تخلَّفت طاعتهم، وفي ذكره نكتة وهي أنه بنفس إرساله تتعيَّن طاعته، وإرساله نفسه إذن في طاعته، فلا تتوقف على نص آخر سوى الإرسال بأمر فيه بالطاعة بل متى تحققت رسالته وجبت طاعته، فرسالته نفسها متضمنة للإذن في الطاعة، ويصح أن يكون الإذن ههنا: إذنًا كونيًا قدريًا، ويكون المعنى: ليطاع بتوفيق الله وهدايته، فتضمنت الآية الأمرين الشرع والقدر، ويكون فيها دليل على أن أحدًا لا يطيع رسله إلَاّ بتوفيقه وإرشاده وهدايته، وهذا حسن جدًا. والمقصود أن الغاية من الرسل هي طاعتهم ومتابعتهم، فإذا كانت الطاعة والمتابعة لغيرهم، لم تحصل الفائدة المقصودة من إرسالهم» (1).
* * *
(1)«تيسير العزيز الحميد» : (ص 380).