الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
منهج السلف الصالح في الإيمان بأسماء الله وصفاته
يجب الإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا، وإثباتها على وجه يليق بجلاله وعظمته، إثباتًا بلا تمثيل، وتنزيهًا بلا تعطيل، وهذه القاعدة مطردة في كل صفات الرب سبحانه: نؤمن بألفاظها، ونثبت حقائقها، ونفوض في كيفياتها، لأنه لا يعلم كيف هو إلَاّ هو سبحانه، ولأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما نثبت ذاتًا بلا كيفية فكذلك نثبت صفاتها بلا كيفية.
والقول الشامل في هذا: أنا نصف الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا نتجاوز في ذلك نصوص الكتاب والسنة بفهم وبيان حامليها من الصحابة الكرام، ومن سار على دربهم، واقتفى أثرهم.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى في بيان عقيدته لأهل القصيم:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: أُشْهِدُ الله ومَن حَضَرني مِن الملائكة، وأُشْهِدكم: أَنِّي أعتقد ما اعتقَدَتْه الفرقة الناجية، أهل السنَّة والجماعة، من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أُحرِّف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه، لأنه تعالى لا سمىَّ له، ولا كفؤ له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه.
فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثًا، فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل، وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل، فقال:{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180 - 182]» (1).
وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف رحمهما الله تعالى:
«ومما تعتقده وندين الله به: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، ونؤمن بأسماء الله تعالى وصفاته، ونثبت ذلك على ما يليق بجلاله وعظمته، إثباتًا بلا تمثيل، وننزه الله عما لا يليق بجلاله، تنزيهًا بلا تعطيل، ونعتقد أن الله سبحانه وتعالى مستو على عرشه، عال على خلقه، وعرشه فوق السماوات، وهو بائن عن مخلوقاته، ولا يخلو مكان من علمه، قال تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، فنؤمن باللفظ، ونثبت حقيقة الاستواء، ولا نكيف ولا نمثل، لأنه لا يعلم كيف هو، إلَاّ هو.
قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله وبقوله نقول -، وقد سأله رجل عن الاستواء فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة: فأثبت مالك رحمه الله الاستواء، ونفى علم الكيفية، وكذلك اعتقادنا في جميع أسماء الرب وصفاته، من الإيمان باللفظ، وإثبات الحقيقة، ونفي علم الكيفية.
والقول الشامل في ذلك: أنَّا نصف الله بما وصف به نفسه، ووصف به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا نتجاوز القرآن والحديث، فمن شبَّه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
(1) الدرر السنية (1/ 29، 30).
وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11].
فسبحان من لا سميَّ له، ولا كفو له، وهو أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثًا من خلقه.
…
وبالجملة: فعقيدتنا في جميع الصفات، الثابتة في الكتاب والسنَّة، عقيدة أهل السنَّة والجماعة، نؤمن بها، ونمرُّها كما جاءت، مع إثبات حقائقها وما دلت عليه، من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تعطيل ولا تبديل ولا تأويل» (1).
وقال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى:
«إن مذهبنا في أصول الدين، مذهب أهل السنَّة والجماعة، وطريقتنا طريقة السلف، التي هي الطريق الأسلم، بل والأعلم والأحكم، خلافًا لمن قال طريق الخلف أعلم.
وهي: أنما نقرّ آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها، ونكل معناها، مع اعتقاد حقائقها إلى الله تعالى، فإن مالكًا - وهو من أجلِّ علماء السلف - لما سئل عن الاستواء في قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة» (2).
* * *
(1)«الدرر السنية» : (1/ 571 - 576).
(2)
«الدرر السنية» : (1/ 226).