الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
الآثار الوخيمة الناجمة عن الخروج على أصل الولاء والبراء
أرى - في هذا المقام - أنه من ضرورة البيان، وكمال البلاغ: معاودة التذكير بواجب موالاة المسلمين والبراءة من المشركين، وعقوبة الخروج عن هذا الأصل العظيم، مع بيان آثاره الوخيمة على الإسلام وأهله، حتى نستطيع أن نضع أيدينا على علة وصول الأمة إلى الحالة المزرية من الخيبة والخسار، والانكسار بين يدي الأعداء، جراء التفريط في القيام بحقوق هذا الأصل الأصيل.
قال الشيخ صالح الفوزان يحفظه الله تعالى:
«وهذا وبعد انتهائنا من هذا البيان المختصر لأصول العقيدة الإسلامية نشير إلى أنه يجب على كل مسلم يدين بهذه العقيدة أن يوالي أهلها ويعادي أعداءها، فيحب أهل التوحيد والإخلاص ويواليهم، ويبغض أهل الإشراك ويعاديهم.
وذلك من ملة إبراهيم والذين معه، الذي أمرنا بالاقتداء بهم، حيث يقول سبحانه وتعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4].
وهو من دين محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]، وهذه في تحريم موالاة أهل
الكتاب خصوصًا. وقال في تحريم موالاة الكفار عمومًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} [الممتحنة: 1].
بل لقد حرم الله على المؤمنين موالاة الكفار، ولو كانوا من أقرب الناس إليه نسبًا، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [التوبة: 23]، وقال تعالى:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22].
وقد جهل كثير من الناس هذا الأصل العظيم، حتى لقد سمعت بعض المنتسبين إلى العلم والدعوة في إذاعة عربية يقول عن النصارى: إنهم إخواننا! ويا لها من كلمة خطيرة!
وكما أن الله سبحانه حرم موالاة الكفار أعداء العقيدة الإسلامية، فقد أوجب سبحانه موالاة المؤمنين ومحبتهم، قال تعالى:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55، 56]، وقال تعالى:{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، وقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
فالمؤمنون إخوة في الدين والعقيدة، وإن تباعدت أنسابهم وأوطانهم وأزمانهم، قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10].
فالمؤمنون من أول الخليقة إلى آخرها مهما تباعدت أوطانهم وامتدت أزمانهم إخوة متحابون، يقتدي آخرهم بأولهم، ويدعو بعضهم لبعض،
ويستغفر بعضهم لبعض. وللولاء والبراء مظاهر تدل عليهما.
فمن مظاهر موالاة الكفار:
1 -
التشبه بهم في الملبس والكلام وغيرهما؛ لأن التشبه بهم في الملبس والكلام وغيرهما يدل على محبة المتشبِّه للمتشبَّه به، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من تشبه بقوم، فهو منهم» ، فيحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم ومن عاداتهم وعبادتهم وسمتهم وأخلاقهم، كحلق اللحى، وإطالة الشوارب، والرطانة بلغتهم إلَاّ عند الحاجة، وفي هيئة اللباس والأكل والشرب وغير ذلك.
2 -
الإقامة في بلادهم، وعدم الانتقال منها إلى بلد المسلمين لأجل الفرار بالدين، لأن الهجرة بهذا المعنى ولهذا الغرض واجبة على المسلم. لأن إقامته في بلاد الكفر تدل على موالاة الكافرين، ومن هنا حرم الله إقامة المسلم بين الكفار إذا كان يقدر على الهجرة ....
3 -
ومن مظاهر موالاة الكفار السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس. والسفر إلى بلاد الكفار محرَّم إلا عند الضرورة، كالعلاج، والتجارة، والتعلم للتخصصات النافعة، التي لا يمكن الحصول عليها إلَاّ بالسفر إليهم، فيجوز بقدر الحاجة، وإذا انتهت الحاجة، وجب الرجوع إلى بلاد المسلمين، ويشترط كذلك لجواز هذا السفر أن يكون مُظْهِرًا لدينه، معتزًا بإسلامه، مبتعدًا عن مواطن الشر، حذرًا من دسائس الأعداء ومكائدهم، وكذلك يجوز السفر أو يجب إلى بلادهم إذا كان لأجل الدعوة إلى الله ونشر الإسلام.
4 -
ومن مظاهر موالاة الكفار إعانتهم ومناصرتهم على المسلمين، ومدحهم والذب عنهم، وهذا من نواقض الإسلام وأسباب الردة، نعوذ بالله من ذلك.
5 -
ومن مظاهر موالاة الكفار: الاستعانة بهم، والثقة بهم، وتوليتهم المناصب التي فيها أسرار المسلمين، واتخاذهم بطانة ومستشارين ....
6 -
ومن مظاهر موالاة الكفار التأريخ بتأريخهم، خصوصًا التاريخ الذي يعبر عن طقوسهم وأعيادهم، كالتاريخ الميلادي، والذي هو عبارة عن ذكرى مولد المسيح عليه السلام، والذي ابتدعوه من أنفسهم، وليس هو من دين المسيح عليه السلام، فاستعمال هذا التاريخ فيه مشاركة في إحياء شعارهم وعيدهم ....
7 -
ومن مظاهر موالاة الكفار مشاركتهم في أعيادهم، أو مساعدتهم في إقامتها، أو تهنئتهم بمناسبتها، أو حضور إقامتها، وقد فسر قوله سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72]، أي: من صفات عباد الرحمن: أنهم لا يحضرون أعياد الكفار.
8 -
ومن مظاهر موالاة الكفار: مدحهم، والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة، والإعجاب بأخلاقهم ومهارتهم، دون نظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد ....
9 -
ومن مظاهر موالاة الكفار التسمِّي بأسمائهم، بحيث يسمون أبنائهم وبناتهم بأسماء أجنبية، ويتركون أسماء آبائهم وأمهاتهم وأجدادهم وجداتهم، والأسماء المعروفة في مجتمعهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«خير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن» ، وبسبب تغير الأسماء، فقد وجد جيل يحمل أسماء غربية، مما يسب الانفصال بين هذا الجيل والأجيال السابقة، ويقطع التعارف بين الأسر التي كانت تعرف بأسمائها الخاصة.
10 -
ومن مظاهر موالاة الكفار الاستغفار لهم والترحم عليهم، وقد حرم الله ذلك بقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ
كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113]. لأن هذا يتضمن حبهم وتصحيح ما هم عليه (1).
مظاهر موالاة المؤمنين قد بيَّنها الكتاب والسنة، ومنها:
1 -
الهجرة إلى بلاد المسلمين، وهجر بلاد الكافرين، والهجرة هي: الانتقال من بلاد الكفار إلى بلاد المسلمين لأجل الفرار بالدين.
والهجرة بهذا المعنى ولأجل هذا الغرض واجبة وباقية إلى طلوع الشمس من مغربها عند قيام الساعة ....
2 -
مناصرة المسلمين ومعاونتهم بالنفس والمال واللسان فيما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم، قال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة: 71]، وقال تعالى:{وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَاّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ} [الأنفال: 72].
3 -
التألم لألمهمِ والسرور بسرورهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«مثل المسلمين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» ، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا (وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم).
(1) من المعلوم من الدين بالضرورة، والمنقول نقلاً متواترًا: أن الدين عند الله الإسلام، وأن الكافرين به هم أصحاب النار، وأن المشركين لا حظ لهم من مغفرة الله ورحمته.
ولقد رأينا وسمعنا، بل ولا زلنا نسمع ونرى من كثير من الأقلام المسمومة، وألسنة الكفر والزندقة والإلحاد: جواز الترحم على أموات اليهود والنصارى والشيوعيين، وما ذاك إلَاّ لإذابة حاجز البغض والمعاداة بين المسلمين والكافرين - من جانب واحد فقط وهم يدركون ذلك جيدًا - ومن ثم تمرير شرعية الأديان الحالية، على أصحاب الملة الحنيفية - دون غيرها من الملل -، وأنها طرق إلى الله كالمذاهب الأربعة في الإسلام، يجوز التعبد بأي واحد منها، فينبغي الحذر الحذر من هذا الشر المستطر، وصدق الله القائل:{وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 55].
4 -
النصح لهم ومحبة الخير لهم وعدم غشهم وخديعتهم، قال صلى الله عليه وسلم:«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» ، وقال:«المسلم أخو المسلم، لا يحقره، ولا يخذله، ولا يسلمه، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله وعرضه» ، وقال عليه الصلاة والسلام:«لا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا تناجشوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا» (1).
* * *
(1)«الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد» : (ص 307 - 315).