الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس
ضرورة التحذير من الشرك ووسائله
إن الشرك دقه وجلّه، صغيره وكبيره، بوسائله وغاياته
…
ظلم عظيم وإفك مبين. ولما وقع الكثير من عوام المسلمين، في كثير من الأمور الشركية وذرائعها المؤدية إليها، توجب التنبيه عليها، والتحذير منها لتصح البراءة من الشرك، وتتحقق النجاة من ظلماته.
قال الشيخ صالح الفوزان يحفظه الله:
هناك أشياء مترددة بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر، بحسب ما يقوم بقلب فاعلها، وما يصدر عنه من الأفعال والأقوال، ويقع فيها بعض الناس، قد تتنافى مع العقيدة، أو تعكر صفوها، وهي تمارس على المستوى العام، ويقع فيها بعض العوام، تأثرًا بالدجَّالين والمحتالين والمشعوذين، وقد حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الأمور:
1 -
لبس الحلقة والخيط ونحوهما وبقصد رفع البلاء أو دفعه:
وذلك من فعل الجاهلية، وهو من الشرك الأصغر، وقد يترقى إلى درجة الشرك الأكبر، بحسب ما يقوم بقلب لابسها من الاعتقاد بها.
فعن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقه من صفر، فقال:«ما هذا؟» قال: من الواهنة، فقال:«انزعها، فإنها لا تزيدك إلَاّ وهنًا، فإنك لو مت وهي عليك، ما أفلحت أبدًا» ، رواه أحمد بسند لا بأس به، وصحَّحه ابن حبان والحاكم وأقرَّه الذهبي.
2 -
تعليق التمائم:
وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادها، يتقون بها العين،
ويتلمحون من اسمها أن يتم الله لهم مقصودهم، وقد تكون التمائم من عظام ومن خرز ومن كتابة وغير ذلك، وهذا لا يجوز. وقد يكون المعلق من القرآن، فإذا كان من القرآن، فقد اختلف العلماء في جوازه وعدم جوازه، والراجح عدم جوازه، سدًا للذريعة، فإنه يفضي إلى تعليق غير القرآن، ولأنه لا مخصَّص للنصوص المانعة من تعليق التمائم، كحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يقول: «إن الرقى والتمائم والتِّولة شرك» ، رواه أحمد وأبو داود، وعن عقبة بن عامر مرفوعًا:«من علق تميمية، فقد أشرك» ، وهذه نصوص عامة لا مخصِّص لها.
3 -
التبرُّك بالأشجار والأحجار والآثار والبنايات:
والتبرُّك معناه: طلب البركة ورجاؤها واعتقادها في تلك الأشياء.
وحكمه أنه شرك أكبر، لأنه تعلُّق على غير الله سبحانه في حصول البركة، وعبَّاد الأوثان إنما كانوا يطلبون البركة منها، فالتبرُّك بقبور الصالحين كالتبرُّك باللَاّت، والتبرُّك بالأشجار والأحجار كالتبرُّك بالعزَّى ومناة.
وعن أبي واقد الليثي، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حُنين، ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها، وينطقون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر، إنها السنن، قلتم - والذي نفسي بيده - كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف: 138]، لتركبن سنن من كان قبلكم» ، رواه الترمذي وصحَّحه.
4 -
السحر:
وهو عبارة عما خفي ولطف سببه، سمي سحرًا لأنه يحصل بأمور خفية
لا تدرك بالأبصار، وهو عبارة عن عزائم ورقى وكلام يتكلَّم به وأدوية وتدخينات، ومنه ما يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه، وتأثيره بإذن الله الكوني القدري، وهو عمل شيطاني.
(كيفية دخول السحر في الشرك)
وكثير منه لا يُتوصل إليه إلَاّ بالشرك والتقرُّب إلى الأرواح الخبيثة بشيء مما تحب، والاستعانة بالتحيُّل على استخدامها بالإشراك بها، ولهذا يقرنه الشارع بالشرك، وهو داخل في الشرك من ناحيتين:
الأولى: ما فيه من استخدام الشياطين والتعلق بهم، وربما تقرب إليهم بما يحبونه ليقوموا بخدمته.
الثانية: ما فيه من دعوى علم الغيب ودعوى مشاركة الله في ذلك، وهذا كفر وضلال.
قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 102].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«اجتنبوا السبع الموبقات» ، قالوا: يا رسول الله! وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلَاّ بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» .
5 -
الكهانة:
وهي ادعاء علم الغيب، كالإخبار بما سيقع في الأرض، مع الاستناد إلى سبب، هو استراق السمع، يسترق الجني الكلمة من كلام الملائكة، فيلقيها في أذن الكاهن، فيكذب معها مئة كذبة، فيصدقه الناس بسبب تلك الكلمة.
والله هو المتفرد بعلم الغيب، فمن ادعى مشاركته في شيء من ذلك بكهانة أو غيرها، أو صدَّق من يدَّعي ذلك، فقد جعل لله شريكًا فيما هو من
خصائصه، وهو مكذب لله ولرسوله. وكثير من الكهانة المتعلِّقة بالشياطين لا تخلو من الشرك والتقرُّب إلى الوسائط التي يستعين بها على دعوى العلوم الغيبية.
فالكهانة شرك من جهة دعوى مشاركة الله في علمه الذي اختصَّ به، ومن جهة التقرُّب إلى غير الله.
وفي «صحيح مسلم» عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من أتى عرَّافًا، فسأله عن شيء، فصدَّقه بما يقول، لم تقبل له صلاة أربعين يومًا» . وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» ، رواه أبو داود
…
6 -
التطيُّر:
وهو التشاؤم بالطيور والأسماء والألفاظ والبقاع والأشخاص وغير ذلك، فإذا عزم شخص على أمر من أمور الدين أو الدنيا، فرأى أو سمع ما يكره، أثر فيه ذلك أحد أمرين: إما الرجوع عما كان عازمًا عليه تطيرًا وتأثرًا بما رأى أو سمع، فيعلِّقُ قَلْبَه بذلك المكروه، ويؤثر ذلك على إيمانه، ويخل بتوحيده وتوكله على الله، وإما أن لا يرجع عما عزم عليه، ولكن يبقى في قلبه أثر ذلك التطير من الحزن والألم والهمِّ والوساوس والضعف.
فيجب على من وجد شيئًا من ذلك في نفسه: أن يجاهدها على دفعه، ويستعين بالله ويتوكل عليه ويمضي في شأنه، ويقول: اللهم لا يأتي بالحسنات إلَاّ أنت ولا يدفع السيئات إلَاّ أنت، ولا حول ولا قوة إلَاّ بك
…
والتطير شرك، لكونه تعلقًا على غير الله، واعتقادًا بحصول الضرر من مخلوق لا يملك لنفسه ضررًا ولا نفعًا، ولكونه من إلقاء الشيطان ووسوسته، ولكونه يصدر عن القلب خوفًا وخشية، وهو ينافي التوكل ....
وقوله صلى الله عليه وسلم: «ويعجبني الفأل» ، ثم بيَّنه صلى الله عليه وسلم بأنه الكلمة الطيبة، وإنما أعجبه الفأل لأنه حسن ظن بالله، والعبد مأمور أن يحسن الظن بالله، والطيرة سوء الظن بالله عز وجل، وتوقع البلاء، ومن هنا جاء الفرق بينهما في الحكم، لأن الناس إذا أملوا الخير من الله، علَّقوا قلوبهم به، وتوكَّلوا عليه، وإذا قطعوا آمالهم ورجاءهم من الله، كان ذلك من الشر والتعلُّق على غير الله
…
وفي الحديث الذي رواه أحمد عن ابن عمر عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«من ردَّته الطيرة عن حاجته، فقد أشرك» ، قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: «أن تقول: اللهم لا خير إلَاّ خيرك، ولا طير إلَاّ طيرك، ولا إله غيرك» ، فتضمَّن هذا الحديث الشريف أن الطيرة لا تضر من كرهها ومضى في طريقه، وأما من لم يخلص توكله على الله، واسترسل مع الشيطان في ذلك، فقد يعاقب بالوقوع فيما يكرهه، لأنه أعرض عن واجب الإيمان بالله.
7 -
التنجيم:
وهو كما عرَّفه بعض المحققين: بأنه الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، كأوقات هبوب الرياح، ومجيء المطر، وظهور الحر والبرد، وتغير الأسعار، أو حدوث الأمراض أو الوفيات، أو السعود والنحوس، وهذا ما يسمى بعلم التأثير.
وهو على نوعين:
النوع الأول: أن يدَّعي المنجم أن الكواكب فاعلة مختارة، وأن الحوادث تجري بتأثيرها. وهذا كفر بإجماع المسلمين، لأنه اعتقاد أن هناك خالقًا غير الله، وأن أحدًا يتصرف في ملكه بغير مشيئته وتقديره سبحانه وتعالى.
والنوع الثاني: الاستدلال بمسير الكواكب واجتماعها وافتراقها على حدوث الحوادث، وهذا لا شك في تحريمه، لأنه من ادعاء علم الغيب وهو
من السحر أيضًا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من اقتبس شعبة من النجوم، فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد» رواه أبو داود، وإسناده صحيح، وصحَّحه النووي والذهبي، ورواه ابن ماجه وأحمد وغيرهما.
(المشروع والغير مشروع، من الاستدلال بعلم النجوم)
وأما الاستدلال بالنجوم لمعرفة الاتجاه في الأسفار في البر والبحر، فهذا لا بأس به، وهو من نعمة الله عز وجل، حيث يقول سبحانه:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 97]، أي: لتعرفوا بها جهة قصدكم، وليس المراد أنه يهتدى بها في علم الغيب كما يعتقده المنجمون.
(ضرورة الحفاظ على العقيدة الصحيحة الصافية)
وبعد، فإن عقيدة المسلم هي أعز شيء عنده، لأن بها نجاته وسعادته، فيجب عليه أن يحرص على تجنُّب ما يسيء إليها أو يمسها من الشركيات والخرافات والبدع، لتبقى صافية مضيئة، وذلك بالتزام الكتاب والسنة وما عليه السلف الصالح، ولا يتم ذلك إلَاّ بتعلم هذه العقيدة، ومعرفة ما يضادها من العقائد المنحرفة، لا سيما وأنه قد كثر اليوم في صفوف المسلمين من
يحترف التدجيل والشعوذة والتعلق بالقبور والأضرحة لطلب الحاجات وتفريج الكربات، كما كان عليه المشركون الأولون أو أشد، إضافة إلى اتخاذ السادة وأصحاب الطرق الصوفية أربابًا من دون الله، يشرعون لأتباعهم من الدين ما لم يأذن به الله، فلا حول ولا قوة إلَاّ بالله.
8 -
الاستسقاء بالأنواء:
وهو عبارة عن نسبة المطر إلى طلوع النجم أو غروبه، على ما كانت الجاهلية تعتقده من أن طلوع النجم أو سقوطه في المغيب يؤثر في إنزال المطر، فيقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، وهم يريدون بذلك النجم، ويعبرون عنه بالنوء، وهو طلوع النجم، من ناء ينوء: إذا نهض وطلع، فيقولون: إذا طلع النجم الفلاني، ينزل المطر ....
وحكم الاستسقاء بالأنواء أنه إن كان يعتقد أن له تأثيرًا في إنزال المطر، فهذا شرك وكفر أكبر، وهو الذي يعتقده أهل الجاهلية، وإن كان لا يعتقد للنجم تأثيرًا، وأن المؤثر هو الله وحده، ولكنه أجرى العادة بوجود المطر عند سقوط ذلك النجم، فهذا لا يصل إلى الشرك الأكبر، ويكون من الشرك الأصغر، لأنه يحرم نسبة المطر إلى النجم، ولو على سبيل المجاز، سدًا للذريعة.
وقد روى البخاري ومسلم عن زيد بن خالد رضي الله عنه، قال: صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال:«هل تدرون ماذا قال ربكم؟» ، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال:
مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال:
مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب» ....
9 -
نسبة النعم إلى غير الله:
سبق الكلام عن حكم نسبة المطر إلى الأنواء والاستسقاء بها، والكلام الآن في حكم نسبة النعم عمومًا إلى غير الله.
إن الاعتراف بفضل الله وإنعامه والقيام بشكره من صميم العقيدة، لأن من نسب النعمة إلى غير موليها، وهو الله سبحانه، فقد كفرها، وأشرك بالله بنسبتها إلى غيره.
قال تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} [النحل:83]» (1).
* * *
(1)«الإرشاد إلى تصحيح الاعتقاد» : (99 - 115).