الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع
العذر بالخطأ في الشرك الأكبر، يلزم منه عدم تكفير طوائف من الكفار والزنادقة، قد أجمعت الأمة على كفرها، وكفر من شكِّ في كفرها، مع بيان أن الحكم بإسلام المشركين الجاهلين ليس عليه دليل إلا مجرد الدعوى المجردة
لقد ظن فريق من المنافحين، عن المشركين وإسلامهم المزيف: أن رخصة الخطأ، تدرأ حكم الكفر عمَّن وقع في الشرك جاهلاً، ولم يدر هؤلاء أن لازم هذا الأمر، الهوي في مستنقع عدم تكفير طوائف من الكفار والزنادقة، قد أجمعت الأمة على كفرها، وكفر من شك في كفرها، ولو لم يلتزموه تعذر عليهم أن يقيموا فرقًا بين ما التزموه، وما لم يلتزموه.
إذا تمهَّد هذا فنقول: إن رخصة الخطأ لهذه الأمة خاصة بمن كان مؤمنًا موحدًا، تاركًا للشرك على علم وبصيرة، ومن ثمَّ يكون قد حقق وصف الانتساب للقبلة، وحق له التمتع برخص أهلها، من عدم مؤاخذة الجاهل، والمتأوِّل، والمخطئ
…
وتارة يدور هذا الفريق من المنافحين دورة أخرى، ويقرروا مقصودهم عن طريق عبارات أئمة الهدى وأعلام الملة التي نصوا فيها: على منع تكفير المسلمين، وإن وقعوا في البدع المغلظة حتى تقوم عليهم الحجة.
ولقد نسي هؤلاء القوم، أو تناسوا فيما بينهم: أن عبارات هؤلاء الأئمة قد أخرجت عباد القبور من عداد المسلمين، وعليه فالاستدلال باطل قبل التدليل به، على محل النزاع.
فلم يبق لهم بعد ذلك إلَاّ مجرد الدعوى: إن عبَّاد القبور مسلمون لأن عبَّاد القبور مسلمون.
ومن المعلوم بيقين من أوليات كافة العلوم: أن الاحتجاج بمجرد الدعوى على صحتها، دليل على بطلانها، لفقدانها الدليل، لأن الدعوى لا تصلح أن تكون دليلاً، وإلَاّ لكثرت الدعاوي، واستحال إبطال أي منكر مهما طال باعه في الغي والنكران.
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في بيان تدليس العراقي أحد المنافحين عن المشركين، وشركهم:
«قال العراقي: النقل السادس عشر: قال - أي ابن تيمية - في الفتوى في جواب سؤال ورد من كيلان، في مسألة خلق القرآن: ما نصه، فمسألة تكفير أهل الأهواء والبدع متفرِّعة على هذا الأصل، وفي الأدلة الشرعية ما يوجب أن الله لا يعذب أحدًا من هذه الأمة على خطأ، وإن عذب المخطئ من غيرها - ثم ساق حديث أبي هريرة في الرجل الذي أمر أولاده بتحريقه، وأن يذروه في البحر، وأنه شك في قدرة الله، ومع ذلك غفر الله له لما معه من خوف الله والإيمان به، ثم ذكر كلام الشيخ في الخطأ في الفروع العملية، وأنه قد وقع من بعض السلف - وساق قصة داود وسليمان وحكمهما في الغنم - ثم قال: انظر إلى كلامه وتأمله فإنه أنذر وأعذر، وتحاشى عن تكفير أهل البدع العظام القائلين بنفي قدرة الله أو عدم البعث.
هذا كلامه بحروفه، ثم أطال الكلام في قصة داود وسليمان وزعم أنه معنى قوله تعالى:{وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79]، تصحيح حكم كل منهما. فإن الله أقرِّ حكمهما.
والجواب أن يقال: قد أكثر هذا العراقي في التشبيه بعدم تكفير المخطئ وعدم تأثيمه، وقد مرَّ من الجواب عن هذه الشبه ما فيه كفاية، وأكثر كلامه تكرير وإسهاب، يوهم الجهال به أنه قد قرَّر الصواب، وأوضح الخطاب،
ولا يروج هذا إلَاّ على العوام، ومن لا بصيرة له بحقيقة دين الإسلام.
وقد قدمنا أن طرد قول العراقي واستدلاله يفيد عدم التأثيم والتكفير في الخطأ في جميع أصول الدين، كالإيمان بوجود الله وربوبيته وإلهيته وقدره وقضائه، والإيمان بصفات كماله الذاتية والفعلية، ومسألة علمه بالحوادث والكائنات قبل كونها، والمنع من التكفير والتأثيم بالخطأ في هذا كله، ردّ على من كفر معطلة الذات، ومعطلة الربوبية، ومعطلة الأسماء والصفات، ومعطلة إفراده تعالى بالإلهية، والقائلين: بأنه لا يعلم الكائنات قبل كونها كغلاة القدرية، ومن قال بإسناد الحوادث إلى الكواكب العلوية، ومن قال بالأصلين النور والظلمة.
فإن التزم العراقي هذا كله فهو أكفر وأضل من اليهود والنصارى، وإن زعم أن ثم فارقًا بين هذا وبين مسألة النزاع، التي هي دعاء الأموات والغائبين فيما لا يقدر عليه إلَاّ رب العالمين فليوجدنا هذا الفرق، وليوجدنا دليلاً على صحته. فإن لم يفعل - ولن يفعل - بطل تقريره وتأصيله، وعلم أهل العلم والإيمان أنه مدلس مشبه، ليس من أهل الفقه والدين، ولا ممن يعرف الإسلام والمسلمين، ويفرق بين الموحدين والمشركين، بل هو في ظلمات الطبع والجهل والشرك المبين.
(مناطات رخصة الخطأ)
وكلام شيخ الإسلام رحمه الله إنما يعرفه ويدريه من مارس كلامه، وعرف أصوله، فإنه قد صرح في غير موضع أن الخطأ قد يغفر لمن لم يبلغه الشرع، ولم تقم عليه الحجة في مسائل مخصوصة، إذا اتقى الله ما استطاع واجتهد بحسب طاقته، وأين التقوى، وأين الاجتهاد الذي يدَّعيه عبَّاد القبور والداعون للموتى وللغائبين؟
وكيف والقرآن يُتلى في المساجد والمدارس والبيوت؟ ونصوص السنة النبوية مجموعة مدونة معلومة الصحة والثبوت؟
والحديث الذي ذكره الشيخ في رجل من أهل الفترات قام به من خشية الله وخوفه والإيمان بثوابه وعقابه ما أوجب له أن أمر أهله بتحريقه، فأين هذا من هؤلاء الضلال الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا ما تتلوا الشياطين، على دعاء غير الله، والشرك برب العالمين؟ فسحقًا لهذا الجاهل المفتري، وبعدًا لكل ضال غوي.
ومن تأمل كلام الشيخ وسياقه عرف مقصوده، وأن الكلام فيمن كفَّر العصاة وأهل الكبائر، وذكر نزاع الناس في ذلك.
(مسألة التكفير، متفرِّعة على ضبط حقيقة الإيمان)
ثم قال: وأما السلف والأئمة فاتفقوا على أن الإيمان قول وعمل، فيدخل في القول: قول القلب واللسان، وفي العمل: عمل القلب والأركان، قال: وقال المنتصرون لمذهبهم: إنَّ للإيمان أصول وفروع. وهو مشتمل على أركان وواجبات ومستحبَّات، بمنزلة اسم الحج والصلاة، فإن اسم الحج يتناول كل ما يشرع فيه: من فعل وترك. مثل: الإحرام، وترك محظوراته، والوقوف بعرفة ومزدلفة ومنى، والطواف والسعي، ثم الحج مع هذا مشتمل على أركان متى تركت لم يصح الحج، كالوقوف بعرفة، وعلى ترك محظور متى فعل فسد حجه وهو الوطء.
ومشتمل على واجبات من فعل وترك، يأثم بتركها عمدًا ويجب لتركها العذر أو غيره كالجبران بدم، كالإحرام من المواقيت، والجمع بين الليل والنهار بعرفة، وكرمي الجمار ونحو ذلك.
ومشتمل على مستحبات من فعل وترك، يكمل الحج بها ولا يأثم بتركها،
ولا توجب دمًا مثل رفع الصوت بالإهلال، والإكثار منه، وسوق الهدي، وذكر الله في تلك الموضع، وقلة الكلام إلَاّ في أمر ونهي، فمن فعل ذلك الواجب وترك المحظور فقد تمَّ حجه وعمرته. وهو مقتصد من أصحاب اليمين في هذا العمل. لكن من أتى بالمستحب فهو أكمل وأتم حجًا وعملاً، وهو سابق مقرَّب.
ومن ترك المأمور وفعل المحظور لكنه أتى بأركانه وترك مفسداته فحجه ناقص، يثاب على ما فعله من الحج ويعاقب على ما تركه، وقد سقط عنه أصل الفرض. إلى أن قال: فمسألة تكفير أهل الأهواء والبدع متفرعة على هذا الأصل.
ثم ذكر مذاهب الأئمة في ذلك وذكر تكفير الإمام أحمد للجهمية، وذكر كلام السلف في تكفيرهم وإخراجهم من الثلاث والسبعين فرقة، وغلَّظ القول فيهم، وذكر الروايتين في تكفير من لم يكفرهم.
وذكر أن أصول هذه الفرق، هم الخوارج والشيعة، والمرجئة والقدرية، ثم أطال الكلام في عدم تكفير هذه الأصناف، واحتج بحديث أبي هريرة، ثم قال: وإذا كان كذلك فالمخطئ في بعض المسائل إما أن يلحق بالكفار من المشركين وأهل الكتاب، مع مبيانته لهم في عامة أصول الإيمان.
فإن الإيمان بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وتحريم المحرَّمات الظاهرة: هو من أعظم أصول الإيمان، وقواعد الدين. وإذا كان لا بد من إلحاق - أي المخطئ - بأحد الصنفين، فإلحاقه بالمؤمنين المخطئين أشد شبهًا من إلحاقه بالمشركين وأهل الكتاب. مع العلم بأن كثيرًا من أهل البدع منافقون النفاق الأكبر، فما أكثر ما يوجد في الرافضة والجهمية ونحوهم من زنادقة منافقين. وأولئك في الدرك الأسفل من النار.
فتبيَّن بهذا مراد الشيخ، وأنه في طوائف مخصوصة، وأن الجهمية غير داخلين، وكذلك المشركين. وأهل الكتاب لم يدخلوا في هذه القاعدة، فإنه منع إلحاق المخطئ بهذه الأصناف، مع مباينته لهم في عامة أصول الإيمان، وهذا هو قولنا بعينه. فإنه إذا بقيت معه أصول الإيمان. ولم يقع منه شرك أكبر، وإنما وقع في نوع من البدع فهذا لا نكفره، ولا نخرجه من الملة.
وهذا البيان ينفعك فيما يأتي من التشبيه بأن الشيخ لا يكفر المخطئ والمجتهد، وأنه في مسائل مخصوصة، وبين أن الإيمان يزوال بزوال أركانه وقواعده الكبار، كالحج يفسد بترك ركن من أركانه، وهذا عين قولنا. بل هو أبلغ من مسألة النزاع، ومن تأمل كلام الشيخ في هذا الباب عرف المراد، ومن أزاغ الله قلبه فلا حيلة فيه.
وحديث الرجل الذي أمر أهله بتحريقه كان موحدًا ليس من أهل الشرك، فقد ثبت من طريق أبي كامل عن حماد عن ثابت عن ابي رافع عن أبي هريرة:«لم يعمل خيرًا قط إلَاّ التوحيد» . فبطل الاحتجاج به عن مسألة النزاع.
وأما الخطأ في الفروع والمسائل الاجتهادية إذا اتقى المجتهد ما استطاع فلم نقل بتكفير أحد بذلك ولا بتأثيمه. والمسألة ليسة في محل النزاع فإيراد العراقي لها هنا تكثُّر بما ليس له، وتكبير لحجم الكتاب بما لا يغني عنه فتيلاً.
وهل أوقع الاتحادية والحلولية فيما هم عليه من الكفر البواح، والشرك العظيم، والتعطيل لحقيقة وجود رب العالمين إلَاّ خطائهم في هذا الباب الذي اجتهدوا فيه، فصلُّوا وأضلُّوا عن سواء السبيل؟
وهل قتل الحلاج - باتفاق أهل الفتوى على قتله - إلَاّ ضلال اجتهاده؟
وهل كفر القرامطة وانتحلوا ما انتحلوه من الفضائح الشنيعة، وخلعوا
ربقة الشريعة إلَاّ باجتهادهم فيما زعموا؟
وهل قالت الرافضة ما قالت، واستباحت، ما استباحت من الكفر والشرك، وعبادة الأئمة الإثنى عشر وغيرهم، ومسبَّة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما، إلَاّ باجتهادهم فيما زعموا؟ وهؤلاء سلف العراقي في قوله: إن كل خطأ مغفور. وهذا لازم له لا محيص عنه هنا. واستصحب ما ذكر هنا في رد ما يأتي، ويمر عليك من نحو هذه الشبهة، وقد تقدم في أول الجواب ما فيه كفاية، وإنما كرَّرنا الجواب لتكرير الشبهة، وإن عادت العقرب فالنعل لها حاضرة» (1).
وقال أيضًا رحمه الله تعالى في بيان تلبيس العراقي والرد عليه:
«ثم قال العراقي: النقل السابع والثلاثون: قال ابن المقري الشافعي في مختصر الروضة: إن من كان من أهل الشهادة لا يكفر ببدعة على إطلاق. وما استند إلى تأويل يلتبس الأمر على مثله، وهو الذي رجحه شيخنا أبو العباس ابن تيمية.
والجواب: إن هذه العبارة يحتج بها على العراقي وأمثاله من القائلين: إن عبادة الأولياء والصالحين شرك أصغر أو مستحبة، كما زعمه هذا الضال، وذلك من وجوه:
الأول: أن الكلام في البدعة، والبدعة في عرف الشرع: دون الشرك الأكبر والكفر، فكلامه في أهل البدع. والعراقي تأويله في أهل الشرك ولذلك فرق الفقهاء بين المبتدع ومن يدعو غير الله. ويستغيث به، ويتوكل عليه، كما ذكره ابن القيم وغيره من المصنفين في الكبائر، كابن حجر الهيتمي.
الوجه الثاني: أن هذا مقيد بمن كان من أهل الشهادة، وهذا القيد يخرج
(1)«منهاج التأسيس والتقديس» : (ص 214 - 218).
عبَّاد القبور. لأن المقصود بالشهادة: التوحيد، كما في حديث عبد القيس:«وآمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلَاّ الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا من المغنم الخمس» .
وأهل الشهادة: هم أهل الإيمان باتفاق المسلمين، ومن عداهم ليس من أهل الشهادة، وإن قالها من قالها بلسانه كاليهود والمنافقين.
الثالث: إن قوله: على الإطلاق لا ينافي أنه يكفر ببعض البدع المقيدة.
الرابع: إن قوله: وما استند إلى تأويل، يلتبس الأمر على مثله: مخرج لعبَّاد القبور وأهل الردَّة، فإنه لا تأويل معهم يلتبس به الأمر. ولهذا لم يعذر أهل الفترة ونحوهم، ممن اتخذ مع الله إلهًا آخر» (1).
وسئل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى: هل يعذر المسلم إذا فعل شيئًا من الشرك، كالذبح، والنذر لغير الله جاهلاً؟ فأجاب رحمه الله تعالى قوله:
الأمور قسمان: قسم يعذر فيه بالجهل، وقسم لا يعذر فيه بالجهل. فإذا كان من أتى ذلك بين المسلمين، وأتى الشرك بالله وعبد غير الله، فإنه لا يعذر لأنه مقصر لم يسأل، ولم يتبصر في دينه فيكون غير معذور في عبادته غير الله من: أموات أو أشجار أو أحجار أو أصنام، لإعراضه وغفلته عن دينه، كما قال الله سبحانه:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ} [الأحقاف: 3]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما استأذن ربه أن يستغفر لأمه لأنها ماتت في الجاهلية لم يؤذن له ليستغفر لها، لأنها ماتت على دين قومها عبَّاد الأوثان.
ولأنه صلى الله عليه وسلم قال لشخص سأله عن أبيه، قال:«هو في النار» ، فلما رأى ما في وجهه قال:«إني أبي وأباك في النار» ؛ لأنه مات على الشرك بالله،
(1)«منهاج التأسيس والتقديس» : (ص 268 - 269).
وعلى عبادة غيره سبحانه وتعالى، فكيف بالذي بين المسلمين وهو يعبد البدوي، أو يعبد الحسين، أو يعبد الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو يعبد الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم، أو يعبد عليًا أو يعبد غيرهم؟!
فهؤلاء وأِشباههم لا يعذرون من باب أولى، لأنهم أتوا الشرك الأكبر وهم بين المسلمين، والقرآن بين أيديهم، وهكذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودة بينهم ولكنهم عن ذلك معرضون.
والقسم الثاني: من يعذر بالجهل، كالذي ينشأ في بلاد بعيدة عن الإسلام في أطراف الدنيا أو لأسباب أخرى، كأهل الفترة، ونحوه، ممن لم تبلغهم الرسالة، فهؤلاء معذورون بجهلهم وأمرهم إلى الله عز وجل، والصحيح أنهم يمتحنون يوم القيامة فيؤمرون، فإن أجابوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار لقوله جلَّ وعلا:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]، ولأحاديث صحيحة وردت في ذلك (1).
وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
(السؤال الثاني من الفتوى رقم 4400)
س: هناك من يقول: كل من يتقيد برسالة محمد صلى الله عليه وسلم واستقبل القبلة بالصلاة، ولو سجد لشيخه لم يكفر، ولم يسمِّه مشركًا حتى قال: إن محمد بن عبد الوهاب الذي يتكلم في المشركين في خلودهم في النار إذا لم يتوبوا قد أخطأ وغلط، وقال: إن المشركين في هذه الأمة يعذبهم ثم يخرجهم إلى الجنة، وقال: إن أمة محمد لم يخلد فيهم أحد في النار.
ج: كل من آمن برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وسائر ما جاء به في الشريعة، إذا سجد بعد ذلك لغير الله من ولي وصاحب قبر أو شيخ طريق يعتبر كافرًا مرتدًا عن الإسلام مشركًا مع الله غيره في العبادة، ولو نطق بالشهادتين وقت
(1)«مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» للشيخ ابن باز: (4/ 26، 27).
سجوده؛ لإتيانه بما ينقض قوله من سجوده لغير الله، لكنه قد يعذر لجهله فلا تنزل به العقوبة حتى يعلم، وتقام عليه الحجة، ويمهل ثلاثة أيام إعذارًا إليه ليراجع نفسه عسى أن يتوب، فإن أصرَّ على سجوده لغير الله بعد البيان قتل لردته لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من بدُل دينه فاقتلوه» أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
فالبيان وإقامة الحجة للإعذار إليه قبل إنزال العقوبة به، لا ليسمَّى كافرًا بعد البيان، فإنه يسمَّى كافرًا بما حدث منه من سجود لغير الله، أو نذره قربة، أو ذبحه شاة مثلاً لغير الله.
وقد دل الكتاب والسنة على أن من مات على الشرك لا يغفر له ويخلد في النار لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48]، إلى قوله:{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} [التوبة: 17].
وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب رئيس اللجنة
…
الرئيس
عبد الله بن قعود
…
عبد الله بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
عبد العزيز بن عبد الله بن باز» (1)
* * *
(1)«فتاوى اللجنة الدائمة» : (1/ 220).