الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
علة بعثته، ودلائل نبوته صلى الله عليه وسلم
-
قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب:
ولما أراد سبحانه إظهار توحيده، وإكمال دينه، وأن تكون كملته هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، بعث محمدًا خاتم النبيين، وحبيب رب العالمين، وما زال في كل جيل مشهورًا، وفي توراة موسى وإنجيل عيسى مذكورًا، إلى أن أخرج الله تلك الدرة، بين بني كنانة وبني زهرة، فأرسله على حين فترة من الرسل، وهداه إلى أقوم السبل، فكان له صلى الله عليه وسلم من الآيات الدالة على نبوته قبل مبعثه ما يعجز أهل عصرها. فمن ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم: «أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني أنه خرج منها نور أضاءت له بُصرى من أرض الشام» .
(آيات مولده صلى الله عليه وسلم)
وولد صلى الله عليه وسلم ليلة الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول عام الفيل، وانشق إيوان كسرى ليلة مولده حتى سمع انشقاقه وسقط أربع عشر شرفة (1) وهو باقٍ إلى اليوم آية من آيات الله، وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك، وغاضت بحيرة ساوة، وكانت بحيرة عظيمة في مملكة العراق عراق العجم وهمدان تسير فيها السفن وهي أكثر من ستة فراسخ، فأصبحت ليلة مولده يابسة ناشفة كأن لم يكن بها ماء، واستمرت على ذلك، حتى بني مكانها مدينة
(1) كذا في الأصل، ولا بدَّ أن يكون صوابه: أربع عشرة شرفة منه، أو من شرفاته.
قال الشيخ محمد رشيد رضا محقِّق الكتاب محل النقل.
ساوة وهي باقية إلى اليوم، وأرسلت الشهب على الشياطين كما أخبر الله بقوله:{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا} [الجن: 9] الآية.
وأنبته الله نباتًا حسنًا، وكان أفضل قومه مروءة وأحسنهم خلقًا وأعزهم جوارًا وأعظمهم حلمًا وأصدقهم حديثًا، حتى سمَّاه قومه «الأمين» ؛ لِمَا جعل الله فيه من الأحوال الصالحة والخصال المرضية.
ووصل بُصرى من أرض الشام مرتين، فرآه بحيرى الراهب فعرفه وأخبر عمَّه أنه رسول الله، ونصحه أن يرده، فردَّه مع غلمانه وقال لعمه: احتفظ به فلم نجد قدمًا أشبه بالقدم الذي بالمقام من قدمه.
واستمرت كفالة أبي طالب له كما هو مشهور. وبّغِّض إليه الأوثان ودين قومه فلم يكن شيء أبغض إليه من ذلك.
(الأدلة العقلية والنقلية على صحة نبوِّته صلى الله عليه وسلم)
والدليل على أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقل والنقل.
فأما النقل فواضح.
وأما العقل فنَّبه عليه القرآن.
من ذلك: أن ترك الله خلقه بلا أمر ولا نهي لا يناسب في حق الله، ونبَّه عليه في قوله:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 91].
ومنه: أن قول الرجل: إني رسول الله إما أن يكون خير الناس، وإما أن يكون شرهم وأكذبهم. والتمييز بين ذلك سهل يعرف بأمور كثيرة، ونبه على ذلك بقوله:{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: 221، 222] الآيات.
ومنه: شهادة الله بقوله: {كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43].
ومنها: شهادة أهل الكتاب بما في كتبهم كما في هذه الآية.
ومنها - وهي أعظم الآيات العقلية -: هذا القرآن الذي تحدَّاهم بسورة من مثله، ونحن إن لم نعلم وجه ذلك من جهة العربية، فنحن نعلمه من معرفتنا بشدة عداوة أهل الأرض له، علمائهم وفصحائهم، وتكريره هذا واستعجازهم به، ولم يتعرضوا لذلك على شدة حرصهم على تكذيبه وإدخال الشبهة على الناس.
ومنها: تمام ما ذكرنا وهو إخباره سبحانه أنه لا يقدر أحد أن يأتي بسورة مثله إلى يوم القيامة، فكان كما ذكر، مع كثرة أعدائه في كل عصر، وما أعطوا من الفصاحة والكمال والعلوم.
ومنها: نصرة من اتبعه ولو كانوا أضعف الناس.
ومنها: خذلان من عاداه وعقوبته في الدنيا ولو كانوا أكثر الناس وأقواهم.
ومنها: أنه رجل أمِّي لا يخط ولا يقرأ الخط، ولا أخذ عن العلماء ولا ادعى ذلك أحد من أعدائه، مع كثرة كذبهم وبهتانهم، ومع هذا أتى بالعلم الذي في الكتب الأولى كما قال تعالى:{وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَاّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48]» (1).
* * *
(1)«مجموعة الرسائل والمسائل النجدية» : (4/ 28، 29).