الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
أحكام وأحوال المقيم بين أظهر المشركين
قال الشيخ أبو بطين في جواب سؤال ورد عليه:
وسئل الشيخان حسين وعبد الله ابنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعًا عن: رجل دخل الدِّين وأحبه ويحب من دخل فيه، ويبغض الشرك وأهله، ولكن أهل بلده يصرِّحون بعداوة أهل الإسلام، ويقاتلون أهله، ويعتذر أن ترك الوطن يشق عليه، ولم يهاجر عنهم، فهل يكون مسلمًا أو كافرًا؟ وهل يعذر بعدم الهجرة؟
الجواب: أما الرجل الذي عرف التوحيد وآمن به، وأحبه وأحب أهله، وعرف الشرك وأبغضه، وأبغض أهله، ولكن أهل بلده على الكفر والشرك، ولم يهاجر، فهذا فيه تفصيل:
فإن كان يقدر على إظهار دينه عندهم، ويتبرأ مما هم عليه من الكفر والشرك، ويظهر لهم كفرهم وعدواتهم، ولا يفتنونه عن دينه، لأجل عشيرته أو ماله، أو غير ذلك، فهذا لا يحكم بكفره، ولكنه إذا قدر على الهجرة ولم يهاجر، ومات بين أظهر المشركين، فيخاف عليه أن يكون قد دخل في أهل
(1)«الدرر السنية» : (8/ 295).
فلم يعذر الله إلَاّ من لا يستطع حيلة ولا يهتدي سبيلاً، ولكن قلَّ أن يوجد اليوم من هو كذلك، إلَاّ أن يشاء الله، بل الغالب: أن المشركين لا يدعونه بين أظهرهم، بل إما قتلوه، وإما أخرجوه إن وجدوا إلى ذلك سبيلاً.
وأما إن لم يكن له عذر، وجلس بين أظهرهم، وأظهر لهم أنه منهم، وأن دينهم حق، ودين الإسلام باطل، فهذا كافر مرتد، ولو عرف الدين بقلبه، لأنه يمنعه عن الهجرة محبة الدنيا على الآخرة، ويتكلَّم بكلام الكفر من غير إكراه، فدخل في قوله تعالى:{مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [النحل: 106، 107]» (1).
وسئل الشيخ محمد بن عبد اللطيف:
«ما يقال في الهجرة من بين ظهراني المشركين من البادية والحاضرة، وفضلها، وما الواجب منها، وما المستحب، وهل بين بادية نجد وغيرهم كعنزة والظفير، ومن والاهم من بادية الشمال ومن جنوب إلى ما لا يخفى على المسؤول.
الجواب: الهجرة من واجبات الدين ومن أفضل الأعمال الصالحة، وهي سبب لسلامة دين العبد وحفظ لإيمانه وهي أقسام:
الأول: هجر المحرَّمات التي حرَّمها الله في كتابه وحرمها رسوله صلى الله عليه وسلم على جميع المكلَّفين، وأخبر أن من هجرها فقد هجر ما حرَّمه الله عليه. وقد
(1)«الدرر السنية» : (10/ 140، 141).
أخبر صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» ، وهذا أمر مجمل شامل لجميع المحرمات القولية والفعلية.
القسم الثاني: الهجرة من كل بلد تظهر فيها شعائر الشرك وأعلام الكفر ويعلن فيها بالمحرَّمات، والمقيم فيها لا يقدر على إظهار دينه والتصريح بالبراءة من المشركين وعداوتهم، ومع هذا يعتقد: كفرهم وبطلان ما هم عليه، لكن إنما جلس بين ظهرانيهم شحًا بالمال والوطن فهذا عاص ومرتكب محرمًا وداخل في حكم الوعيد، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 97]. إلى قوله: {فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 99].
فلم يعذر الله إلَاّ المستعضف الذي لا يقدر على التخلص من أيدي المشركين، ولو قدر ما عرف سلوك الطريق وهدايته إلى غير ذلك من الأعذار.
وقال صلى الله عليه وسلم: «من جامع المشرك أو سكن معه فإنه مثله» فلا يقال إنه بمجرد المجامعة والمساكنة يكون كافرًا، بل المراد أنه من عجز عن الخروج من بين ظهراني المشركين وأخرجوه معهم كرهًا فحكمه حكمهم في القتل وأخذ المال لا في الكفر. وأما إن خرج معهم لقتال المسلمين طوعًا واختيارًا وأعانهم ببدنه وماله فلا شك أن حكمه حكمهم في الكفر.
ومن الهجرة الواجبة أيضًا: الهجرة من بين ظهراني الأعراب المتظاهرين بالكفر والشرك وارتكاب بعض المحرَّمات وهو عاجز عن إظهار دينه ولا قدرة له على الإنكار عليهم، فهذا هجرته فرض إذا قدر عليها، فإن تركها مع قدرته واستطاعته فحكمه حكم من هو في بلدان المشركين المتقدم ذكرهم» (1).
(1)«مجموعة الرسائل والمسائل النجدية» : (2/ 134، 135).