الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس
أصول التوحيد العاصمة من الشرك والتنديد قد اتفقت عليها الرسالات، وتطابقت عليها النبوَّات، ومن ثمَّ فلا يسع أي عبد فيها إلا الإتباع دون الابتداع والاجتهاد
قال عبد اللطيف بن عبد الرحمن:
«ومسائل معرفة الله ووجوب توحيده، وإسلام الوجه له وحده لا شريك له، ومسائل ربوبيته واختصاصه بالخلق والإيجاد والتدبير، ونحو ذلك، مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام، كصَمَدِيَّته تعالى، ونفي الكفء والصاحبة والولد، وغناه بذاته ومباينته لمخلوقاته، وعموم قدرته وإحاطة سمعه وبصره وعلمه بجميع المعلومات والمبصرات والمسموعات، ونحو ذلك من أصول الدين.
فكل الرسل متفقون عليه، وجميع الكتب داعية إليه والعقول الصحيحة حاكمة به، فكل اجتهاد خالفه فباطل مردود لا يسوغ العمل به في شريعة من الشرائع، ولا عند عالم من العلماء ولا فقيه من الفقهاء. والعراقي (1) أجنبي عن هذه المباحث والعلوم، ولا يدري الفرق بين مسائل الاجتهاد وغيرها، وكأن الرجل من أهل الفترات لم يأنس بشيء مما جاءت به النبوَّات.
قال شمس الدين في هدايته: بل جميع النبوَّات من أولها إلى آخرها متفقة على أصول.
(1) العراقي هذا: من أشد المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - التى هي دعوة التوحيد، وزبدة رسالة الرسل والنبيين - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -.
(أصول التوحيد التي اتفقت عليها جميع الرسل)
أحدها: أن الله تعالى قديم واحد لا شريك له في ملكه، ولا ندَّ ولا ضدَّ، ولا وزير ولا مشير ولا ظهير، ولا شافع إلَاّ من بعد إذنه.
الثاني: أنه لا والد له ولا ولد، ولا كفء ولا نظير ولا نسب بوجه من الوجوه، ولا زوجة.
الثالث: أنه غني بذاته، فلا يأكل ولا يشرب، ولا يحتاج إلى شيء مما يحتاج إليه خلقه بوجه من الوجوه.
الرابع: أنه لا يتغير ولا تعرض له الآفات، من: الهرم والمرض والسنَة والنوم والنسيان والندم، والخوف والهمِّ والحزن، ونحو ذلك.
الخامس: أنه لا يماثله شيء من مخلوقاته، بل ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
السادس: أنه لا يحل بشيء من مخلوقاته، ولا يحل في ذاته شيء منها، بل هو بائن، عن خلقه بذاته، والخلق بائنون عنه.
السابع: أنه أعظم من كل شيء، وأكبر من كل شيء، وفوق كل شيء، وعال على كل شيء، وليس فوقه شيء البتة.
الثامن: أنه قادر على كل شيء، ولا يعجزه شيء يريده، بل هو فعَّال لما يريد.
التاسع: أنه عالم بكل شيء، يعلم السرَّ وأخفى، ويعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، وما تسقط من ورقة إلَاّ يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس، ولا متحرِّك ولا ساكن إلَاّ وهو يعلمه على حقيقته.
العاشر: أنه سميع بصير، يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات
على تفنن الحاجات، ويرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصمَّاء في الليلة الظلماء، قد أحاط سمعه بجميع المسموعات، وبصره بجميع المبصرات، وعلمه بجميع المعلومات، وقدرته بجميع المقدورات، ونفذت مشيئته في جميع البريات، وعمَّت رحمته جميع المخلوقات ووسع كرسيه الأرض والسماوات.
الحادي عشر: أنه الشاهد الذي لا يغيب، ولا يستخلف أحدًا على ملكه، ولا يحتاج إلى من يرفع إليه حوائج عباده أو يعاونه أو يستعطفه عليهم ويسترحمه لهم.
الثاني عشر: أنه الأبدي الباقي الذي لا يضمحل ولا يتلاشى ولا يعدم ولا يموت.
الثالث عشر: أنه المتكلِّم الآمر الناهي، قائل الحق، وهادي السبيل، مرسل الرسل، ومنزل الكتب، قائم على كل نفس بما كسبت من الخير والشر، ومجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
الرابع عشر: أنه الصادق في وعده وخبره، فلا أصدق منه قيلاً، ولا أصدق منه حديثًا، وهو لا يخلف الميعاد.
الخامس عشر: أنه تعالى صمد بجميع معاني الصمدية، يستحيل عليه ما يناقض صمديته.
السادس عشر: أنه قدُّوس سلام، فهو المبرَّأ من كل عيب وآفة ونقص.
السابع عشر: أنه الكامل الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه.
الثامن عشر: أنه العدل الذي لا يجور ولا يظلم، ولا يخاف عباده منه ظلمًا.
وهذا مما اتفقت عليه جميع الكتب والرسل، وهو من المحكم الذي لا يجوز أن تأتي شريعة بخلافه، ولا يخبر بشيء بخلافه.
فتركت المثلِّثة عبَّاد الصليب هذا كله، وتمسَّكوا بالمتشابه من المعاني،
والمجمل من الألفاظ، وأقوال من قد ضلُّوا من قبل وأضلُّوا كثيرًا وضلُّوا عن سواء السبيل، وأصول المثلِّثة ومقالاتهم في رب العالمين تخالف هذا كله وتباينه أشد المخالفة والمباينة. انتهى.
فقف وتأمل الأصول وأولها، وهو أنه تعالى لا شريك له ولا ندَّ ولا شافع إلَاّ من بعد إذنه، ووازن بينه وبين قول العراقي: إنَّ هذه المسائل (1) التي لا تعلم يعذر العلماء في جهلها أحدًا، وهل يقول من يعقل إنَّ هذه المسائل من المسائل الاجتهادية. فإن كان هذا القول صحيحًا فليهن النصارى عبَّاد الصليب اجتهادهم المنجي عند هذا العراقي، وكذا عبَّاد الأوثان، والجهمية المعطلة، والقدرية النفاة، والقدرة المجبرة، والرافضة المارقة، فإنهم قالوا بتلك الأقوال الضالة، واعتقدوها عن رأي لهم واجتهاد وشبهة تصوروها، كما قال هذا الشيخ: فترك المثلِّثة عبَّاد الصليب هذا كله وتمسَّكوا بالمتشابه.
قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً} [الكهف: 103].
وقال تعالى: {بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ} [الرعد: 33].
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ} [الأنعام: 137].
وقال تعالى: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام: 108].
والتزين: يتناول ما تمسَّكوا به من الشبه والمتشابه واعتقاد حُسنه، وأنه لا ينكر ولا يلزم بسواه.
ثم هذا مخالف للإجماع، ولو في فروع الدين، فإن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على الإنكار على المخطئ المخالف للنص في مسائل كثيرة،
منها: ما وقع من قدامة بن مظعون وأصحابه لما استحلُّوا الخمر باجتهاد
(1) أي مسائل التوحيد الواجبة بالعقل والفطرة وكافة الشرائع.
تأويل وفهم انفردوا به، في قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ} [المائدة: 93] الآية.
والصحابة أنكروا على من رأى أن دفع الزكاة لا يجب لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتلوا على ذلك واستباحوا الدماء عليه، وإن لم ينكر من قاتلوه غير ذلك من الدين.
وقد بعث صلى الله عليه وسلم سرية إلى رجل تزوج امرأة أبيه فقتلوه وغنموا ماله، وسار فيه بسيرته في المرتدين.
فكيف يقال: إنَّ من دعا الأولياء والصالحين واستغاث بهم وذبح لقبورهم وخافهم ورجاهم مع الله لا ينكر عليه؟ لأن الإنكار محل الاجتهاد؟ سبحانك هذا بهتان عظيم» (1).
* * *
(1)«منهاج التأسيس والتقديس» : (ص 80 - 83).