الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
الإجماع على حرمة التحيز للمشركين، ومجامعتهم، إلَاّ لمن قدر على إظهار البراءة منهم ومن شركهم
قال الشيخ سعد بن حمد بن عتيق - في الرد على سؤال ورد عليه -:
«وأما الانتقال من بلاد الإسلام، إلى بلاد القبوريين، والتحيز إلى جماعة المشركين، وعدم المبالاة في ذلك، فمن المصائب العظام، والدواهي الكبار، التي وقع فيها كثير من الناس وتساهلوا فيها، واستصغروها وخف شأنها عند كثير من الناس، الذين ضعفت بصائرهم في دين الإسلام، وقلَّ نصيبهم من معرفة ما بعث الله به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الصحابة، ومن تبعهم من الأئمة الأعلام.
وما زال الأمر بالناس، حتى صار النهي عن ذلك، والكلام في ذمِّه، وذم من فعله من المستنكر عند الأكثر، وصاروا لا يرون بذلك بأسًا، وينسبون من ينهى عنه وينكره على من فعله، إلى الغلو في الدين، والتشديد على المسلمين.
(الأدلة على وجوب البراءة من المشركين، وحرمة التحيز إليهم)
وفي القرآن الكريم، والسنة النبوية: ما يدل من في قلبه حياة على المنع من ذلك، وكلام العلماء مرشد إلى ذلك، فإنهم صرَّحوا بالنهي عن إقامة المسلم بين أظهر المشركين، من غير إظهار دينه، قال تعالى: {وَلَا تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ
…
} الآية [هود: 113]، وقال:{تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [المائدة: 80]، إلى قوله:{وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة: 81].
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97]، إلى قوله:{وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 100].
قال ابن كثير في الكلام على هذه الآية، وهذه الآية: عامة في كل من أقام بين أظهر المشركين، وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنًا من إقامة الدين، فهو مرتكب حرامًا بالإجماع، ونص هذه الآية، والآيات في هذا المعنى كثيرة، يعرفها من قرأ القرآن وتدبَّره.
وفي الأحاديث المأثورة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ما دل عليه القرآن، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:«من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله» ، وقوله صلى الله عليه وسلم:«ولا تستضيئوا بنار المشركين» ، وحديث بهز بن حكيم:«أن تفر من شاهق إلى شاهق بدينك» ، قال ابن كثير معناه: لا تقاربوهم في المنازل، بحيث تكونوا معهم في بلادهم، بل تباعدوهم، وتهاجروا من بلادهم، ولهذا روى أبو داود فقال:«لا تراءى نارهما» .
وفي قصة إسلام جرير، لما قال: يا رسول الله، بايعني واشترط، فقال:«أن تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتفارق المشركين» ، وعن عبد الله بن عمرو، أنه قال: من بنى بأرض المشركين، وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبَّه بهم حتى يموت، حشر معهم يوم القيامة.
وكلام العلماء في المنع من الإقامة عند المشركين، وتحريم مجامعتهم، ووجوب مباينتهم، كثير معروف، خصوصًا أئمة هذه الدعوة الإسلامية، كالشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأولاده، وأتباعهم من أهل العلم والدين، ففي كتبهم من ذلك ما يكفي ويشفي من {كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37].
(حكم المقيم في دار تعلوها شعائر الشرك، وتهدم فيها شعائر الإسلام)
فمن ذلك ما قال الشيخ عبد اللطيف، في بعض رسائله: إن الإقامة ببلد يعلو فيها الشرك والكفر، ويظهر فيها دين الإفرنج والروافض، ونحوهم من المعطلة للربوبية والألوهية، وترفع فيها شعائرهم، ويهدم الإسلام والتوحيد،
ويعطل التسبيح والتكبير والتحميد، وتقلع قواعد الملة والإيمان، ويحكم بينهم بحكم الإفرنج واليونان، ويشتم السابقون من أهل بدر، وبيعة الرضوان.
فالإقامة بين ظهرانيهم - والحالة هذه - لا تصدر عن قلب باشره حقيقة الإسلام والإيمان والدين، وعرف ما يجب من حق الله في الإسلام على المسلمين، بل لا يصدر عن قلب رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا، فإن الرضا بهذه الأصول الثلاثة، قطب رحى الدين، وعليه تدور حقائق العلم واليقين، وذلك يتضمن من محبة الله وإيثار مرضاته، والغيرة لدينه والانحياز إلى أوليائه، ما يوجب البراءة كل البراءة، والتباعد كل التباعد، عمن تلك نحلته وذلك دينه، بل نفس الإيمان المطلق في الكتاب والسنة، لا يجامع هذه المنكرات. انتهى كلامه رحمه الله.
(حكم المقيم في بلاد المشركين)
وأما السؤال عن حكم المقيم في بلدان المشركين، من المنتسبين إلى الإسلام، فهذا الجنس من الناس مشتركون في فعل ما نهى الله عنه ورسوله، إلَاّ من عذره القرآن في قوله:{إِلَاّ الْمُسْتَضْعَفِينَ} [النساء: 98]، ثم هم مختلفون في المراتب، متفاوتون في الدرجات، بحسب أحوالهم، وما يحصل منهم، من موالاة المشركين، والركون إليهم، فإن ذلك قد يكون كفرًا، وقد يكون دونه، قال تعالى:{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 132]» (1).
* * *
(1)«الدرر السنية» : (8/ 458 - 462).