الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
أنواع الشرك ودرجاته وأحكامه
قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى:
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في شرح المنازل في باب التوبة:
«وأما الشرك فهو نوعان: أكبر وأصغر، فالأكبر لا يغفره الله إلَاّ بالتوبة منه، وهو أن يتَّخذ من دون الله ندًا يحبه كما يحب الله، بل أكثرهم يحبون آلهتهم أعظم من محبة الله، ويغضبون لتنقُّص معبوديهم من المشايخ أعظم مما يغضبون إذا انتقص أحد رب العالمين ....
ومن أنواعه: طلب الحوائج من الموتى والاستعانة بهم والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، فضلاً عمَّن استغاث به، أو سأله أن يشفع له إلى الله. وهذا من جهله بالشافع والمشفوع عنده، فإن الله تعالى لا يشفع عنده أحد إلَاّ بإذنه، والله لم يجعل سؤال غيره سببًا لإذنه، وإنما السبب لإذنه كمال
التوحيد، فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن، والميت محتاج إلى من بدعو له، كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليها، ونسأل لهم العافية والمغفرة، فعكس المشركون هذا وزاروهم زيارة العبادة، وجعلوا قبورهم أوثانًا تعبد، فجمعوا بين الشرك بالمعبود وتغيير دينه، ومعاداة أهل التوحيد ونسبتهم إلى التنقُّص بالأموات، وهم قد تنقَّصوا الخالص بالشرك، وأولياءه الموحدين بذمِّهم ومعاداتهم، وتنقَّصوا من أشركوا به غاية النقص
إذ ظنوا أنه راضون منهم بهذا وأنهم أمروهم به، وهؤلاء أعداء الرسل في كل
زمان ومكان، وما أكثر المستجيبين لهم! ولله در خليله إبراهيم عليه السلام حيث قال:{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35].
وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلَاّ من جرَّد توحيده لله، وتقرب بمقتهم إلى الله». انتهى كلامه رحمه الله.
فتأمل رحمك الله كلام هذا الإمام، وتصريحه بأن من دعا الموتى وتوجه إليهم واستغاث بهم ليشفعوا له عند الله فقد فعل الشرك الأكبر الذي بعث محمد صلى الله عليه وسلم بإنكاره وتكفير من لم يتب منه وقتاله ومعاداته، وأن هذا قد وقع في زمانه، وأنهم غيّروا دين الرسول صلى الله عليه وسلم وعادوا أهل التوحيد الذين يأمرونهم بإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له» (1).
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله، وهو يتحدث عن حال المشركين مع آلهتهم:
«إذا تبين هذا فاعلم: أن الشرك ينقسم ثلاثة أقسام بالنسبة على أنواع التوحيد، وكل منها قد يكون أكبر وأصغر مطلقًا، وقد يكون أكبر بالنسبة إلى ما هو أصغر منه، ويكون أصغر بالنسبة إلى ما هو أكبر منه.
القسم الأول: الشرك في الربوبية، وهو نوعان:
أحدهما: شرك التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فرعون. إذا قال: وما رب العالمين؟ ومن هذا شرك الفلاسفة القائلين بقدم العالم وأبديته، وأنه لم يكن معدومًا أصلاً، بل لم يزل ولا يزال، والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها، يسمُّونها: العقول، والنفوس
…
النوع الثاني: شرك من جعل معه إلهًا آخر ولم يعطل أسماءه وصفاته وربوبيته، كشرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة، وشرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور وحوادث الشر إلى الظلمة.
(1)«عقيدة الموحدين» ، رسالة الكلمات النافعة في المكَّفرات الواقعة:(ص 232، 234).
ومن هذا شرك كثير ممن يشرك بالكواكب العلويات، يجعلها مدبرة لأمر هذا العالم، كما هو مذهب مشركي الصابئة وغيرهم.
قلت: ويلتحق به من وجه شرك غلاة عبَّاد القبور الذين يزعمون أن أرواح الأولياء تتصرف بعد الموت، فيقضون الحاجات، ويفرِّجون الكربات، وينصرون من دعاهم، ويحفظون من التجأ إليهم ولاذ بحماهم، فإن هذه من خصائص الربوبية، كما ذكره بعضهم في هذا النوع.
القسم الثاني: الشرك في توحيد الأسماء والصفات، وهو أسهل مما قبله، وهو نوعان:
أحدهما: تشبيه الخالق بالمخلوق، كمن يقول: يد كيدي، وسمع كسمعي، وبصر كبصري، واستواء كاستوائي، وهو شرك المشبِّهة.
الثاني: اشتقاق أسماء للآلهة الباطلة من أسماء الإله الحق.
قال الله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180]. قال ابن عباس: يلحدون في أسمائه: يشركون. وعنه: سموا اللات من الإله، والعُزَّى من العزيز.
القسم الثالث: الشرك في توحيد الإلهية والعبادة.
قال القرطبي: أصل الشرك المحرم اعتقاد شريك لله تعالى في الإلهية، وهو الشرك الأعظم، وهو شرك الجاهلية، ويليه في الرتبة اعتقاد شريك لله تعالى في الفعل، وهو قول من قال: إن موجودًا ما غير الله تعالى يستقل بإحداث فعل وإيجاده وإن لم يعتقد كونه غلهًا هذا كلام القرطبي. وهو نوعان:
أحدهما: أن يجعل لله ندًا يدعوه كما يدعو الله، ويسأله الشفاعة كما يسأل الله، ويرجوه كما يرجو الله، ويحبه كما يحب الله، ويخشاه كما يخشى الله، وبالجملة فهو أن يجعل الله ندًا يعبده كما يعبد الله، وهذا هو الشرك
الأكبر، وهو الذي قال الله فيه:{وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36].
وقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة: 4]، والآيات في النهي عن هذا الشرك وبيان بطلانه كثيرة جدًا.
الثاني: الشرك الأصغر، كيسير الرياء والتصنُّع للمخلوق، وعدم الإخلاص لله تعالى في العبادة، بل يعمل لحظ نفسه تارة، ولطلب الدنيا تارة، ولطلب المنزلة والجاه عند الخلق تارة، فله من عمله نصيب، ولغيره منه نصيب، ويتبع هذا النوع الشرك بالله في الألفاظ كالحلف بغير الله وقول: ما شاء الله وشئت، وما لي إلَاّ الله وأنت، وأنا في حسب الله وحسبك، ونحوه. وقد يكون ذلك شركًا أكبر بحسب حال قائله ومقصده. هذا حاصل كلام ابن القيم وغيره» (1).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمهما الله تعالى:
«ثم اعلم أن ضد التوحيد: الشرك، وهو ثلاثة أنواع: شرك أكبر، وشرك أصغر، وشرك خفي، والدليل على الشرك الأكبر قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيدًا} [النساء: 116].
(1)«تيسير العزيز الحميد» : (ص 28 - 30).
وهو أربعة أنواع:
النوع الأول: شرك الدعوة. والدليل قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65].
النوع الثاني: شرك النيَّة والإرادة والقصد. والدليل قوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16].
النوع الثالث: شرك الطاعة. والدليل قوله تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلَاّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لَاّ إِلَهَ إِلَاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31]، وتفسيرها الذي لا إشكال فيه: طاعة العلماء والعباد في المعصية، لا دعاؤهم إياهم، كما فسَّرها النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم لمَّا سأله فقال: لسنا نعبدهم، فذكر له أن عبادتهم طاعتهم في المعصية.
النوع الرابع: شرك المحبة. والدليل قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ} [البقرة: 165].
والنوع الثاني: (شرك أصغر) وهو الرياء، والدليل قوله تعالى:{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
النوع الثالث: (شرك خفي)، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:«الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة السوداء على صفاة سوداء في ظلمة الليل» وكفارته قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئًا وأنا أعلم، وأستغفرك من الذنب الذي لا أعلم» (1).
(1)«مجموعة التوحيد» : (ص 463).