الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
لقد ملأ الشرك الأرض، قاصيها ودانيها، وللشيطان ما يبذل من أهله، وليس للرحمن من ذلك نصيب
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في بيان أحوال الأمة، وما أصابها من الشرك الذي ضرب بأطنابه وجذوره في كافة بلدان المسلمين، قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهَّاب رحمهم الله جميعًا.
«كان أهل عصره ومصره في تلك الأزمان، قد اشتدت غربة الإسلام بينهم، وعفت آثار الدين لديهم، وانهدمت قواعد الملَّة الحنيفية، وغلب على الأكثرين ما كان عليه أهل الجاهلية، وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان، وغلب الجهل والتقليد، والإعراض عن السنَّة والقرآن، وشبَّ الصغير، وهو لا يعرف من الدين إلَاّ ما كان عليه أهل تلك البلدان، وهرم الكبير على ما تلقاه عن الآباء والأجداد، وأعلام الشريعة مطموسة؛ ونصوص التنزيل وأصول السنة فيما بينهم مدروسة، وطريقة الآباء والأسلاف مرفوعة الأعلام، وأحاديث الكهَّان، والطواغيت، مقبولة غير مردودة، ولا مدفوعة، قد خلعوا ربقة التوحيد والدين، وجدُّوا واجتهدوا في الاستغاثة والتعلق على غير الله، من الأولياء، والصالحين، والأوثان، والأصنام، والشياطين
…
(حالة بلاد نجد)
فأما بلاد نجد: فقد بالغ الشيطان في كيدهم وجدَّ، وكانوا ينتابون: قبر زيد بن الخطاب، ويدعونه رغبًا ورهبًا، بفصيح الخطاب، ويزعمون أنه
يقضي لهم الحوائج، ويرونه من أكبر الوسائل والولائج، وكذلك عند قبر يزعمون أنه قبر: ضرار بن الأزور، وذلك كذب ظاهر، وبهتان
مزرو (1)
…
(حالة بلاد الحرمين آنذاك)
حتى بلاد الحرمين الشريفين! فمن ذلك: ما يفعل عند قبر محجوب؛ وقبَّة أبى طالب، فيأتون قبره بالشماعات والعلامات، للاستغاثة عند نزول المصائب، وحلول النواكب، وكانوا له في غاية التعظيم، وما لا يجب عند البيت الكريم! فلو دخل سارق، أو غاصب، أو ظالم قبر أحدهما، لم يتعرض له أحد، لما يرون له من وجوب التعظيم، والاحترام، والمكارم
…
(حالة بلاد الطائف)
وفي الطائف: قبر ابن عباس رضي الله عنهما، يفعل عنده من الأمور الشركية التى تشمئز منها نفوس الموحدين، وتنكره قلوب عباد الله المخلصين، وتردها الآيات القرآنية، وما ثبت من النصوص عن سيد المرسلين، منها: وقوف السائل عند القبر متضرِّعًا مستغيثًا، وإبداء الفاقة إلى معبودهم، مستكينًا مستعينًا، وصرف خالص المحبة التى هى محبة العبودية، والنذر والذبح لمن تحت ذاك المشهد، والبنية.
وأكثر سوقتهم وعامتهم يلهجون بالأسواق: اليوم على الله وعليك يا ابن عباس، فيستمدون منه الرزق، والغوث، وكشف الضر، والبأس
…
كذلك ما يفعل بالمدينة المشرَّفة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، هو من هذا القبيل، بالبعد عن منهاج الشريعة والسبيل، وفي بندر جدة ما قد بلغ من الضلال حدَّه، وهو القبر الذي يزعمون أنه قبر حوّاء؛ وضعه لهم
بعض الشياطين، وأكثروا في شأنه الإفك المبين، وجعلوا له السدنة والخدام،
(1) هكذا في الأصل، ولعلها (مزوَّر).
وبالغوا في مخالفة ما جاء به محمد عليه أفصل الصلاة والسلام، من النهي عن تعظيم القبور، والفتنة بمن فيها من الصالحين والكرام
…
(حالة بلاد مصر)
وأما بلاد مصر، وصعيدها، وفيُّومها، وأعمالها، فقد جمعت من الأمور الشركية، والعبادات الوثنية، والدعاوى الفرعونية، ما لا يتسع له كتاب، ولا يدنو له خطاب، لا سيما عند مشهد: أحمد البدوي، وأمثاله من المعتقَدين المعبودين، فقد جاوزوا بهم ما ادعته الجاهلية لآلهتهم؛ وجمهورهم يرى: من تدبير الربوبية، والتصريف في الكون بالمشيئة، والقدرة العامة، ما لم ينقل مثله عن أحد من الفراعنة والنماردة
…
(حالة أهل اليمن)
كذلك ما يفعل في بلدان اليمن، جار على تلك الطريق والسنن؛ ففي صنعاء، وبرع، والمخا، وغيرها من تلك البلاد، ما يتنزَّه العاقل عن ذكره ووصفه، ولا يمكن الوقوف على غايته وكشفه؛ ناهيك بقوم: استخفَّهم الشيطان، وعدلوا عن عبادة الرحمن، إلى عبادة القبور والشيطان؛ فسبحان من لا يعجل بالعقوبة على الجرائم، ولا يهمل الحقوق والمظالم.
وفي حضرموت، والشحر، وعدن، ويافع، ما تستك عن ذكره المسامع، يقول قائلهم: شيء لله يا عيدروس! شيء لله يا محيي النفوس!
وفي أرض نجران، من تلاعب الشيطان، وخلع ربقة الإيمان، ما لا يخفى على أهل العلم بهذا الشأن، كذلك رئيسهم المسمَّى: بالسيد، لقد أتوا من طاعته وتعظيمه، وتقديمه وتصديره، والغلو فيه، بما أفضى بهم إلى مفارقة الملَّة والإسلام، والانحياز إلى عبادة الأوثان والأصنام: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلَاّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا
لَاّ إِلَهَ إِلَاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31].
(حالة بلاد الشام والعراق)
وكذلك، حلب، ودمشق، وسائر بلاد الشام، فيها من تلك المشاهد، والنُّصب، والأعلام، ما لا يجامع عليه أهل الإيمان والإسلام، من أتباع سيد الأنام، وهى: تقارب ما ذكرنا من الكفريات المصرية، والتلطخ بتلك الأحوال الوثنية الشركية.
وكذلك: الموصل، وبلاد الأكراد، ظهر فيها من أصناف الشرك والفجور والفساد؛ وفي العراق: من ذلك بحره المحيط بسائر الخلجان، وعندهم المشهد الحسيني، قد اتخذه الرافضة وثنًا، بل ربًا مدبِّرًا، وخالقًا ميسِّرًا، وأعادوا به المجوسية، وأحيوا به معاهد اللات والعزى، وما كان عليه أهل الجاهلية
…
وكذلك جميع قرى الشط؛ والمجرة، على غاية من الجهل، وفي القطيف، والبحرين، من البدع الرافضية، والأحداث المجوسية، والمقامات الوثنية، ما يضاد ويصادم أصول الملَّة الحنيفية» (1).
* * *
(1)«الدرر السنية» : (1/ 387 - 386).