الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
المشرك الجاهل، الذي لم تقم عليه حجة البلاغ لا يكون مسلمًا، ولو نطق بالشهادتين، واستقبل القبلة، وقام ببعض الفرائض، إلا أنه لا يعين بالكفر المستلزم للعقوبة إلا بعد إقامة الحجة
إذا وقع العبد في عبادة غير الله جاهلاً، ولم تقم عليه حجة البلاغ، في وقت يقاس فيه أهله بأهل الفترات، فهذا العبد لا يحكم عليه بالكفر حتى تقام عليه الحجة، ولكن هذا لا يستلزم الحكم له بالإسلام، لا وكلا، لأن للإسلام حد، من قام به كان من أهله، ومن لم يقم به تحت أي شبهة من الشبهات فهو خارج من عداد المسلمين، وماثل في عداد المشركين.
إذا تمهَّد هذا، فنقول: إن هذا العبد لا يكون كافرًا إلَاّ بعد قيام الحجة، لأن الكفر وصف ومعنى متضمن للرد والإنكار والتكذيب المستلزم للعقوبة، وهذا لا يكون إلَاّ بعد بلوغ الرسالة وإقامة الحجة، وكذلك الحكم بالخلود في النيران لمن مات على الكفر دون توبة منه، فهو أيضًا لا يكون إلَاّ بعد قيام الحجة بالرسل.
فالمشرك الجاهل الذي لم تقم عليه حجة البلاغ، لا يكون مسلمًا، وإن نطق بالشهادتين، واستقبل القبلة، وقام ببعض الفرائض.
وهذا هو المقصود المتعين من كلام الأئمة: كابن تيمية، وابن القيم، ومحمد بن عبد الوهاب، وأحفاده.
ولذلك عندما يطلق هؤلاء الأئمة: القول بعدم تكفير المعين، من الذين وقعوا في عبادة غير الله، حتى تقام عليه الحجة، فمقصودهم الأكيد في هذا
الشأن هو: الكفر المستلزم للعقوبة في الدنيا، والخلود في النيران في الآخرة.
وكما قطع هؤلاء الأئمة بعدم تكفير المعيَّن، الذي وقع في عبادة غير الله، حتى تقام عليه الحجة، فنجدهم قد جزموا أيضًا بعدم إسلامه، وأثبتوا له حكم الشرك ووصفه، ولو لم تقم عليه حجة البلاغ.
فهؤلاء المشركون الجاهلون يعاملون، معاملة أهل الفترات، سواء بسواء في الدنيا والآخرة.
وبهذا التفصيل، يزول الإشكال في هذه المسألة بالكلية، أما الذين يريدون الدفع: في نحر نصوص الشريعة الواضحة الحاكمة بعكازة قضايا الأعيان، والأدلة والأقوال المطلقة من غير تقييد، فشأنهم وما ارتضوه لأنفسهم، إلَاّ أن هذا ليس من الإسلام في شيء، ونقول لهم:
أين المفر
…
والإله الطالب
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمهما الله تعالى:
«إن كلام الشيخين - أي ابن تيمية وابن القيم - في كل موضع فيه البيان الشافي أن نفي التكفير بالمكفِّرات قولها وفعلها فيما يخفى دليله، ولم تقم الحجة على فاعله، وأن النفي يراد به نفي تكفير الفاعل وعقابه، قبل قيام الحجة، وأن نفي التكفير مخصوص بمسائل النزاع بين الأمة.
وأما دعاء الصالحين، والاستغاثة بهم، وقصدهم في الملمَّات والشدائد، فهذا لا ينازع مسلم في تحريمه، أو الحكم بأنه من الشرك الأكبر، وتقدم عن الشيخ أن فاعله يستتاب فإن تاب وإلَاّ قُتل، كما في عبارة الرسالة السنية، وتقدم قوله: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم، كفر إجماعًا، وتقدم قوله في الرد على المتكلمين: وهذا إذا كان في المسائل الخفية، فقد يقال إنه خفي عليهم، ولكنه يقع منهم في مسائل يعلم
الخاصة والعامة أن الرسول قد جاء بها
…
إلخ. وهذا عين كلام شيخنا محمد بن عبد الوهاب ضاعف الله لنا وله الثواب، وأدخلنا وإياه الجنة بغير حساب، على رغم كل مبير وكذاب» (1).
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى أحمد بن عبد الكريم، سلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
أما بعد: وصل مكتوبك، تقرِّر المسألة التي ذكرت، وتذكر أن عليك إشكالاً تطلب إزالته، ثم ورد منك مراسلة، تذكر أنك عثرت على كلام للشيخ، أزال عنك الإشكال، فنسأل الله أن يهديك لدين الإسلام.
وعلى أي شيء يدل كلامه، على أن من عبد الأوثان عبادة، أكبر من عبادة اللَاّت والعزَّى، وسبَّ دين الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما شهد به، مثل سبَّ أبي جهل، أنه لا يكفر بعينه. بل العبارة صريحة واضحة في تكفيره مثل ابن فيروز، وصالح بن عبد الله، وأمثالهما، كفرًا ظاهرًا ينقل عن الملة، فضلاً عن غيرهما، هذا صريح واضح، في كلام ابن القيم الذي ذكرت، وفي كلام الشيخ الذي أزال عنك الإشكال، في كفر من عبد الوثن، الذي على قبر يوسف وأمثاله، ودعاهم في الشدائد والرخاء، وسب دين الرسل بعد ما أقرَّ به، ودان بعبادة الأوثان بعد ما أقرَّ بها ....
وإن كنت تزعم أن الإنسان، إذا أظهر الإسلام لا يكفر، ولو أظهر عبادة الأوثان، وزعم أنها الدين، وأظهر سبَّ دين الأنبياء، وسمَّاه دين أهل العارض، وأفتى بقتل من أخلص لله الدين، وإحراقه، وحل ماله، فهذه مسألتك وقد
(1)«منهاج التأسيس والتقديس» : (ص 315).
قرَّرتها، وذكرت: أن من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا لم يقتلوا أحدًا، ولم يكفِّروه من أهل الملة.
(الأدلة الجلية على كفر وقتل من أتى بناقض من أهل القبلة)
أما ذكرت: قول الله تعالى: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} ، إلى قوله:{مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [الأحزاب: 60 - 61].
واذكر قوله: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا} [النساء: 91]، إلى قوله: {فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ
…
} [النساء: 91].
واذكر قوله في الاعتقاد في الأنبياء: {أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 80].
واذكر ما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شخص رجلاً معه الراية إلى من تزوج امرأة أبيه، ليقتله ويأخذ ماله.
فأي هذين أعظم؟ تزوُّج امرأة الأب؟ أو سب دين الأنبياء بعد معرفته؟
واذكر أنه قد همَّ بغزو المصطلق، لما قيل إنهم منعوا الزكاة، حتى كذَّب الله من نقل ذلك.
واذكر قوله في أعبد هذه الأمة، وأشدهم اجتهادًا:«لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد، أينما لقيتموهم فاقتلوها، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة» .
واذكر قتال الصدِّيق وأصحابه، مانعي الزكاة، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم.
واذكر إجماع الصحابة، على قتل أهل مسجد الكوفة، وكفرهم وردَّتهم، لما قالوا كلمة في تقرير نبوة مسيلمة، ولكن الصحابة اختلفوا في قبول توبتهم لما تابوا، والمسألة في صحيح البخاري وشرحه في الكفالة.
واذكر إجماع الصحابة لما استفتاهم عمر، على أن من زعم: أن الخمر
تحل للخواص، مستدلاً بقوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 93]، مع كونه من أهل بدر.
وأجمع الصحابة على كفر من اعتقد في علي، مثل اعتقاد هؤلاء، في عبد القادر، وردتهم وقتلهم، فأحرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهم أحياء، فخالفه ابن عباس في الإحراق، وقال: يقتلون بالسيف، مع كونهم من أهل القرن الأول، أخذوا العلم عن الصحابة. واذكر إجماع أهل العلم من التابعين وغيرهم، على قتل الجعد بن درهم، وأمثاله، قال ابن القيم:
شكر الضحية كل صاحب سنة
…
لله درك من أخي قربان
ولو ذهبنا نعدِّد من كفَّره العلماء، مع ادعائه الإسلام، وأفتوا بردِّته وقتله، لطال الكلام، لكن من آخر ما جرى قصة بني عبيد، ملوك مصر وطائفتهم، وهم يدعون أنهم من أهل البيت، ويصلُّون الجمعة والجماعة، ونصبوا القضاة والمفتين، وأجمع العلماء على كفرهم وردتهم وقتالهم، وأن بلادهم بلاد حرب، يجب قتالهم ولو كانوا مكرهين، مبغضين لهم.
واذكر كلامه في الإقناع وشرحه، في الردة، كيف ذكروا أنواعًا كثيرة، موجودة عندكم، ثم قال منصور: وقد عمَّت البلوى بهذه الفرق، وأفسدوا كثيرًا من عقائد أهل التوحيد، نسأل الله العفو والعافية، هذا لفظه بحروفه، ثم ذكر قتل الواحد منهم، وحكم ماله.
هل قال واحد من هؤلاء من الصحابة، إلى زمن منصور، إن هؤلاء: يكفر أنواعهم لا أعيانهم؟!
…
- ثم ذكر كلام ابن تيمية في تكفير من ذبح لغير الله، وحكمه بردة بعض المتكلمين، السابق نقله من قبل كثيرًا، ثم قال -:
فانظر كلامه في التفرقة، بين المقالات الخفية، وبين ما نحن فيه، في كفر المعيَّن، وتأمل تكفيره رءوسهم، فلانًا وفلانًا بأعيانهم، وردتهم ردة صريحة وتأمَّل تصريحه بحكاية الإجماع على ردة الفخر الرازي عن الإسلام، مع كونه عند علمائكم من الأئمة الأربعة، هل يناسب هذا لما فهمت من كلامه: أن المعيَّن لا يكفر، ولا دعا عبد القادر في الرخاء والشدة، ولو أحب عبد الله بن عون، وزعم أن دينه حسن، مع عبادته أبي حديدة، ولو أبغضك واستنجسك - مع أنك أقرب الناس إليه - لما رآك ملتفتًا بعض الالتفات إلى التوحيد، مع كونك توافقهم على شيء من شرطهم، وكفرهم؟!
…
فتأمل كلامه، وأعرضه على ما غرَّك به الشيطان، من الفهم الفاسد، الذي كذبت به الله ورسوله، وإجماع الأمة، وتحيَّزت به على عبادة الطواغيت، فإن فهمت هذا، وإلَاّ أشير عليك أنك تكثر من التضرع والدعاء، إلى من الهداية بيده، فإن الخطر عظيم، فإن الخلود في النار جزاء الردة الصريحة، ما يسوى بضيعة تربح تومان أو نصف تومان» (1).
ولقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة، بفهم جمهور أهل العلم على أن: من عبد غير الله يكون مشركًا، ويعيَّن بالكفر إذا قامت الحجة عليه، ولقد قطع أئمة الدعوة بخروجه من الملة ولو لم تقم عليه الحجة، وأما ما دون ذلك من القدر فالردة فيه متوقفة على قيام الحجة ووضوح المحجة.
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمهما الله تعالى:
«وكيف لا يحكم الشيخان - أي: ابن تيمية وابن القيم - على أحد بالكفر، أو الشرك، وقد حكم به الله ورسوله، وكافة أهل العلم؟
وهذان الشيخان يحكمان: أن من ارتكب ما يوجب الكفر والردة والشرك
(1)«الدرر السنية» : (10/ 63، 74).
يحكم عليه بمقتضى ذلك، وبموجب ما اقترف كفرًا أو شركًا أو فسقًا، إلَاّ أن يقوم مانع شرعي يمنع من الإطلاق، وهذا له صور مخصوصة، لا يدخل فيها من عبد صنمًا أو قبرًا أو بشرًا أو مدرًا لظهور البرهان، وقيام الحجة بالرسل» (1).
وقال عبد الله وإبراهيم، ابنا عبد اللطيف، وسليمان ابن سحمان:
وأما قول القائل: نقول بأن القول كفر، ولا نحكم بكفر القائل، فإطلاق هذا جهل صرف، لأن هذه العبارة لا تنطبق إلَاّ على المعين، ومسألة تكفير المعيَّن، مسألة معروفة إذا قال قولاً يكون القول به كفرًا، فيقال: من قال بهذا القول فهو كافر، لكن الشخص المعين إذا قال ذلك لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة، التي يكفر بها تاركها، وهذا في المسائل الخفية، التي قد يخفى دليلها على بعض الناس، كما في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك، فما قاله أهل الأهواء، فإن بعض أقوالهم تتضمن أمورًا كفرية، من رد أدلة الكتاب والسنة المتواترة، فيكون القول المتضمن لرد بعض النصوص كفرًا، ولا يحكم على قائله بالكفر لاحتمال وجود مانع كالجهل وعدم العلم بنقض النص أو بدلالته، فإن الشرائع لا تلزم إلَاّ بعد بلوغها.
ذكر ذلك الله شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، في كثير من كتبه، وذكر أيضًا: تكفير أناس من أعيان المتكلمين، بعد أن قرَّر هذه المسائل، قال: وهذا إذا كان في المسائل الخفية، فقد يقال بعدم التكفير، وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية، أو ما يعلم من الدين بالضرورة، فهذا لا يتوقف في كفر قائله (2). اهـ.
(ظاهر الآيات والأحاديث، وكلام جمهور العلماء، يدل على تكفير من عبد مع الله غيره بالتعيين)
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين - رحمه الله تعالى -: نقول في تكفير المعين: ظاهر الآيات، والأحاديث، وكلام جمهور العلماء يدل على كفر من أشرك بالله فعبد معه غيره، ولم تفرق الأدلة بين المعين وغيره. قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]. وقال تعالى: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: 5]. وهذا عام في كل واحد من المشركين.
وجميع العلماء في كتب الفقه، يذكرون حكم المرتد، وأول ما يذكرون من أنواع الكفر والردة، الشرك، فقالوا: إن من أشرك بالله كفر، ولم يستثنوا الجاهل، ومن زعم لله صاحبة أو ولدًا كفر، ولم يستثنوا الجاهل، ومن قذف عائشة كفر، ومن استهزأ بالله أو رسله أو كتبه، كفر إجماعًا، لقوله تعالى:{لَا تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 66]، ويذكرون أنواعًا كثيرة مجمعًا على كفر صاحبها، وَلم يفرِّقوا بين المعين وغيره.
ثم يقولون: فمن ارتد عن الإسلام قتل بعد الاستتابة، فحكموا بردته قبل الحكم باستتابته، فالاستتابة بعد الحكم بالردة، والاستتابة إنما تكون لمعين.
ويذكرون في هذا الباب: حكم من جحد وجوب واحدة من العبادات الخمس، أو استحلَّ شيئًا من المحرَّمات، كالخمر والخنزير ونحو ذلك، أو شك فيه يكفر، إذا كان مثله لا يجهله.
ولم يقولوا ذلك في الشرك (1) ونحوه مما ذكرنا بعضه، بل أطلقوا كفره
(1) وذلك لأن الشرائع لا تلزم إلَاّ بعد البلاغ، أما التوحيد وترك الشرك، فلن يكون العبد مسلمًا إلَاّ بتحقيقه، بل وأخذ على ذلك الميثاق، وفطر عليه العباد، وركَّز في عقولهم أدلته وحجه وبراهينه، ثم قامت الأدلة الكونية - التي لا يخلو منها الكون في أي بقعة من بقاعه، ولا في أي لحظة من لحظاته - شاهدة على صحة التوحيد، وآمرة به، وعلى قبح الشرك وناهية عنه. ثم جاءت الرسل كلهم، تخاطب من عبد غير الله من أقوامهم بالشرك، وتوجب عليهم التوبة والانخلاع منه، كل هذا قبل أن تقيم الحجة عليهم، وتبين لهم حرمة الشك، ثم تعلمهم أن الدخول في دينهم ليس له إلَاّ طريقًا واحدًا لا ثاني له، وهو: الانخلاع من الشرك إلى الاستقامة على التوحيد، مع إفرادهم عليهم السلام بوحدانية المتابعة، وتحذرهم بأن من مات منهم غير مؤمن برسالته، فمصيره نار جهنم خالدًا فيها أبدًا، وتبشر المؤمنين بهم بجنة عرضها السماوات والأرض، وهكذا كانت القضية واضحة وحاسمة ومتفقة في كل الرسالات وكافة النبوات والشرائع. هذا والله أعلا وأعلم.
ولم يقيِّدوه بالجهل، ولا فرَّقوا بين المعين وغيره، وكما ذكرنا: أن الاستتابة إنما تكون لمعين.
وهل يجوز لمسلم أن يشك في كفر من قال إن لله صاحبة أو ولدًا؟ أو أن جبرائيل غلط في الرسالة؟ أو ينكر البعث بعد الموت؟ أو ينكر أحدًا من الأنبياء؟ وهل ويفرق مسلم بين المعين وغيره في ذلك ونحوه؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» ، وهذا يعمُّ المعين وغيره» (1).
* * *
(1)«الدرر السنية» : (10/ 401).