الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس
الجهاد لا يسقط بحال عن الأمة والقيام به شرط في صحة الإمامة
إن الإمام، لا يكون إمامًا إلَاّ بالجهاد، لأنه ماضي إلى قيام الساعة، والدين لا يقوم إلَاّ به، ويستحيل أن يسقط فرضه على الأمة، لأن قيامها بالعمل المناط بنشأتها وعلة وجودها، متوقف وقائم عليه.
وعليه، فأي طائفة، مجتمعه، ولها منعة، فعليها جهاد أعداء الله بقدر ما تستطيع، إما باللسان، وإما باليد، وإما بالقلب، وإما بهم جميعًا، بل ولا يسقط عنها فردها بحال.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمهما الله تعالى، في ردِّه على أحد المثبطين عن الجهاد:
«وأما قولك: ولا وجه لاستدلالك علينا بهذه الآية (1)، فإن هذه الآية جهادية مع إمام متبع، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هناك إمام متبع، فعرِّفنا لعلَّنا نتَّبعه.
فأقول: قد بيَّنا خطابك في قولك: أن الآية جهادية، وأنه قول على الله وفي كتابه بلا علم، وقد قال الله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].
ويقال: بأي كتاب، أم بأية حجة أن الجهاد لا يجب إلَاّ مع إمام متبع؟!
هذا من الفرية في الدين، والعدول عن سبيل المؤمنين، والأدلة على إبطال هذا القول أشهر من أن تذكر، من ذلك عموم الأمر بالجهاد، والترغيب فيه، والوعيد في تركه، قال تعالى:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة: 251]، وقال في سورة الحج:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} [الحج: 40].
وكل من قام بالجهاد في سبيل الله، فقد أطاع الله وأدَّى ما فرضه الله، ولا يكون الإمام إمامًا إلَاّ بالجهاد، لأنه (1) لا يكون جهاد إلَاّ بإمام، والحق عكس ما قلته يا رجل، وقد قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى
…
} الآية [سبأ: 46]، وقال:{وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} [العنكبوت: 6].
وفي الحديث: «لا تزال طائفة» الحديث، والطائفة بحمد الله موجودة مجتمعة على الحق، يجاهدون في سبيل الله، لا يخافون لومة لائم، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] إلى قوله: {ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54]، أي: واسع الفضل والعطاء، عليم بمن يصلح للجهاد.
والعبر والأدلة على بطلان ما ألفته، كثير في الكتاب والسنة والسير والأخبار، وأقوال أهل العلم بالأدلة والآثار، لا تكاد تخفى على البليد إذا (2) علم بقصة أبي بصير، لما جاء مهاجرًا فطلبت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرده إليهم، بالشرط الذي كان بينهم في صلح الحديبية، فانفلت منهم حين قتل المشركين، اللذين أتيا في طلبه.
(1) هكذا في الأصل وإن كان السياق يقتضي: لأنه
…
والله تعالى أعلم.
(2)
بياض بالأصل (هكذا في الأصل).
فرجع إلى الساحل لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ويل أمِّه مسعر حرب، لو كان معه غيره» ، فتعرَّض لعير قريش - إذا أقبلت من الشام - يأخذ ويقتل، فاستقل بحربهم دون رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا معه في صلح - القصة بطولها - فهل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطأتم في قتال قريش، لأنكم لستم مع إمام؟
سبحان الله ما أعظم مضرة الجهل على أهله؟ عياذًا بالله من معارضة الحق بالجهل والباطل، قال الله تعالى:{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الشورى: 13] ....
ولا ريب: أن فرض الجهاد باق إلى يوم القيامة، والمخاطب به المؤمنون، فإذا كان هناك طائفة مجتمعة لها منعة، وجب عليها أن تجاهد في سبيل الله بما تقدر عليه، لا يسقط عنها فرضه بحال، ولا عن جميع الطوائف، لما ذكرت من الآيات، وقد تقدم الحديث:«لا تزال طائفة» الحديث.
فليس في الكتاب والسنَّة ما يدل على أن الجهاد يسقط في حال دون حال، ولا يجب على أحد دون أحد، إلَاّ ما استثني في سورة براءة (1)، وتأمل قوله:{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} [الحج: 40]» (2).
* * *
(2)
«الدرر السنية» : (8/ 199 - 203).