الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
الرد على أشهر الشبهات المثارة في حق إمام الدعوة محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى
ولقد أشاع المشركون عن إمام الدعوة رحمه الله تعالى: أنه ينهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يريد أن يهدم قبته صلى الله عليه وسلم، وأن الشيخ يقرِّر: أن الناس منذ ستمائة سنة ليسوا على شيء، وأنه مبطل كتب المذاهب.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في رده على هذه التُرِّهات:
بسم الله الرحمن الرحيم
الذي يعلم من وقف عليه من الإخوان، المتبعين محمدًا صلى الله عليه وسلم أن ابن صياح: سألني عما ينسب إلي؟ فطلب مني أن أكتب الجواب، فكتبته:
الحمد لله رب العالمين، أما بعد: فما ذكره المشركون على أني أنهى عن الصلاة على النبي، أو أني أقول: لو أن لي أمرًا، هدمت قبة النبي صلى الله عليه وسلم، أو أني أتكلم في الصالحين، أو أنهى عن محبتهم، فكل هذا كذب وبهتان، افتراه عليَّ الشياطين، الذين يريدون أن يأكلوا الناس بالباطل، مثل أولاد شمسان، وأولاد إدريس الذين يأمرون الناس ينذرون لهم، وينخونهم (1)، ويندبونهم (2)، وكذلك فقراء الشيطان، الذين ينتسبون إلى الشيخ عبد القادر رحمه الله، وهو منهم بريء، كبراءة علي بن أبي طالب من الرافضة ....
(1) ينخونهم، أي: يعظمونهم، والنخوة: العظمة والكبر والفخر. انظر: لسان العرب - مادة (نخا).
(2)
الندب: فيه تعديد المحاسن، والاستجابة للمندوب راجع: المصدر السابق - مادة (ندب).
والجملة: فالذي أنكره: الاعتقاد في غير الله، مما لا يجوز لغيره، فإن كنت قلته من عندي، فارم به، أو من كتاب لقيته ليس عليه عمل فارم به كذلك، أو نقلته عن أهل مذهبي فارم به، وإن كنت قلته عن أمر الله ورسوله، وعمَّا أجمع عليه العلماء في كل مذهب، فلا ينبغي لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرض عنه لأجل أهل زمانه، أو أهل بلده، وأن أكثر الناس في زمانه أعرضوا عنه
…
فإذا كان من اعتقد في عيسي ابن مريم، مع أنه نبي من الأنبياء وندبه ونخاه فقد كفر، فكيف بمن يعتقدون في الشياطين، كالكلب: أبي حديدة، وعثمان، الذي في الوادي، والكلاب الأخر في الخرج، وغيرهم في سائر البلدان، الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله؟!» (1).
وقال أيضًا رحمه الله تعالى في رسالة بعث بها إلا أهل القصيم جاء فيها:
«ثم لا يخفى عليكم: أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم، قد وصلت إليكم، وأنه قبلها وصدَّقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم، والله يعلم أن الرجل افترى على أمورًا لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي.
فمنها قوله: إني مبطل كتب المذاهب الأربعة، وإني أقول: إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وإني ادَّعي الاجتهاد، وإني خارج عن التقليد، وإني أقول: إن اختلاف العلماء نقمة، وإني أكفر من توسَّل بالصالحين، وإني أكفر البوصيري لقوله: يا أكرم الخلق، وإني أقول: لو اقدر على
هدم قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لهدمتها، ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها، وجعلت لها ميزابًا من خشب، وإني أحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإني أنكر
(1)«الدرر السنية» : (1/ 74 - 78).
زيارة قبر الوالدين وغيرهما، وإني أكفر من حلف بغير الله. وإني (1)
أكفر
(1) قول الشيخ رحمه الله تعالى: وإني أكفر ابن الفارض وابن عربي، وكذا بعض ما جاء قبله، وبعض ما جاء بعده، لا بد فيه من النظر: بعين الاعتبار والتأمل.
ولا يسعنا في ذلك إلَاّ تأويل إمام الدعوة الثاني الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمهما الله تعالى - وقد مر علينا من قبل - أن هذا الكلام وأمثاله مثل: قوله وإن كنا لا نكفر من عبد الصنم عند قبر فلان بن فلان
…
هو من باب السياسة الشرعية القائمة على مراعاة أحوال المدعوين، وحتى يتمكن الإمام من تمرين قومه على نفي الشرك، كيف لا وقد قرر الشيخ عبد الرحمن: أن ابن عربي هو إمام أهل الوحدة الذين هم أكفر أهل الأرض. اهـ. فتح المجيد: (ص 107).
وهذا مما يؤكد على أن الدعوة الوهابية قد مرت بفترات متباينة في الجهر بأحكام التكفير، ولا أدل على ذلك من قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن الأمر لو كان مستقيمًا لأفتيت بحل دم ابن سحيم ووجوب قتله. وقد مرَّ علينا من قبل.
وأما بالنسبة لكفر إمامي الزندقة ابن عربي وابن الفارض فنكتفي هنا بذكر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في بحث قل نظيره في بيان كفر الرافضة والاتحادية، قرر فيه الشيخ أن كفرهما أعظم من كفر اليهود والنصارى، بل وقد اتفق عليه سائر أهل الملل، بل ويضيف الشيخ إلى هذا: أن من كان مسلمًا في الباطن، وهو جاهل معظم لقول إمامي الزندقة فهو منهم، وبهذا نقطع أن ظاهر كلام الإمام محمد بن عبد الوهاب غير مراد وأنه من باب المعاريض الممدوحة، ولهذا ختمه بقوله: جوابي عن هذه المسائل أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم، فتأمل أخي بعين الإنصاف هذه الجملة تجد ما قررناه صحيحًا منضطبًا بفضل الله تعالى.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في النقل المشار إليه سابقًا: «وهذا الذي ذكرته حال أئمتهم وقادتهم العالمين بحقيقة قولهم، ولا ريب أنه قد انضم إليهم من الشيعة والرافضة من لا يكون في الباطن عالمًا بحقيقة باطنهم، ولا موافقًا لهم على ذلك، فيكون من أتباع الزنادقة المرتدين، الموالي لهم، المناصر لهم، بمنزلة أتباع الاتحادية، الذين يوالونهم ويعظمونهم، وينصرونهم، ولا يعرفون حقيقة قولهم في وحدة الوجود، وأن الخالق هو المخلوق.
فمن كان مسلمًا في الباطن، وهو جاهل معظِّم لقول ابن عربي وابن سبعين، وابن الفارض وأمثالهم من أهل الاتحاد فهو منهم، وكذا من كان معظمًا للقائلين بمذهب الحلول والاتحاد، فإن نسبة هؤلاء إلى الجهمية كنسبة أولئك إلى الرافضة والجهمية، ولكن القرامطة أكفر من الاتحادية بكثير، ولهذا كان أحسن عوامهم أن يكونوا رافضة جهمية، وأما الاتحادية ففي عوامهم من ليس برافضي، ولا جهمي صريح، ولكن لا يفهم كلامهم، ويعتقد أن كلامهم كلام الأولياء المحققين، وبسط هذا الجواب له مواضع غير هذا. والله أعلم». انتهى كلامه بحروفه رحمه الله تعالى. «مجموع الفتاوى»:(35/ 144)، ومن أراد الوقوف على هذا البحث فليراجع من هذا الجزء صفحة (120 - 144).
ابن الفارض، وابن عربي، وإني أحرق دلائل الخيرات، وروض الرياحين، وأسميه روض الشياطين.
جوابي عن هذه المسائل، أن أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، وقبله من بهت محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه يسبُّ عيسى ابن مريم، ويسب الصالحين، فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور، قال تعالى:{إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النحل: 105]، بهتوه صلى الله عليه وسلم بأنه يقول: إن الملائكة، وعيسى، وعزيزًا في النار، فأنزل الله في ذلك:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101].
وأما المسائل الأخر وهي: أني أقول لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إله إلَاّ الله، وأني أعرف من يأتيني بمعناها، وأني أكفر الناذر إذا أراد بنذره التقرب لغير الله، وأخذ النذر لأجل ذلك، وأن الذبح لغير الله كفر، والذبيحة حرام، فهذه المسائل حق، وأنما قائل بها، ولي عليها دلائل من كلام الله وكلام رسوله، ومن أقوال العلماء المتبعين، كالأئمة الأربعة، وإذا سهَّل الله تعالى، بسطت الجواب عليها في رسالة مستقلة، إن شاء الله تعالى.
ثم اعلموا وتدبَّروا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ
…
} الآية [الحجرات: 6]» (1).
(1)«الدرر السنية» : (1/ 33 - 35).