الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
اتخاذ الوسائط لجلب المنافع ودفع المضار شرك بالله العظيم، ومروق من ملة المسلمين
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمهما الله تعالى:
«وقد قال شيخ الإسلام لما سئل عن رجلين تناظرا، فقال أحدهما، لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله تعالى، فإنا لا نقدر أن نصل إليه بغير ذلك، فما معنى الواسطة؟ وهل التوسط عام في كل شيء يوجبه الله تعالى، أم في ذلك بيان وتفصيل؟
فأجاب رحمه الله ورضي الله عنه بقوله: الحمد لله، إن أراد بذلك أنه لا بد من واسطة تبلغ أمر الله تعالى ودينه، فهذا حق، فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه وما أمر الله به ونهى عنه، وما أعدَّ لأوليائه من كرامته، وما أوعد به أعداءه من عذابه، ولا يعرفون ما يستحقه الله من أسمائه الحسنى وصفاته العليا، التى يعجز العقول عن الإحاطة بها إلى أمثال ذلك إلَاّ بالرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده
…
وإن أرادوا بالواسطة: أنه لا بد من واسطة يتخذها العباد بينهم وبين الله في جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يكون واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم يسألونهم ذلك ويرجونهم فيه، فهذا من أعظم الشرك الذي كفَّر الله به المشركين حيث اتخذوا من دون الله أولياء شفعاء يجلبون بهم المنافع ويدفعون بهم المضار، لكن الشفاعة لمن يأذن الله تعالى له فيها.
قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى
عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة: 4]، وقال تعالى:{وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} [الأنعام: 51]، وقال تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ * وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22، 23]، وساق - آيات في المعنى - إلى أن قال: وقال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلَائِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 79، 80].
فبيَّن سبحانه وتعالى أن اتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا كفر، فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط، يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع، ودفع المضار، مثل: أن يسألهم غفران الذنوب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين.
والمقصود هنا: أن من أثبت وسائط بين الله تعالى وبين خلقه، كالوسائط التي تكون بين الملوك والرعية فهو مشرك، بل هذا دين المشركين عباد الأوثان. كانوا يقولون: إنها تماثبل الأنبياء والصالحين، وإنها وسائط يتقرَّبون بها إلى الله تعالى، وهو من الشرك الذي أنكره الله تعالى على النصارى، حيث قال:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلَاّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لَاّ إِلَهَ إِلَاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31]، وقد قال تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، ثم ذكر آيات في المعنى.
وهذا الذي قاله الشيخ لا خلاف فيه بين المسلمين، وإنما اشتبه الأمر على هؤلاء الضلال، لما قدم العهد، ونسي العلم، واعتادوا سؤال غير الله فيما يختص به تعالى ونشئوا على ذلك» (1).
وجاء في نواقض الإسلام العشرة للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
«الناقض الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم، فقد كفر إجماعًا» (2).