الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية
سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
قال السائل: تفكَّرت في الإيمان وقوته وضعفه، وأن محلَّه القلب، وأن التقوى ثمرته ومركبة عليه، فبقوته تقوى، وبضعفه تضعف.
فأجاب: قولك إن الإيمان محله القلب؛ فالإيمان بإجماع السلف محله القلب والجوارح جميعًا، كما ذكر الله في سورة الأنفال وغيرها؛ وأما كون الذي في القلب والذي في الجوارح، يزيد وينقص، فذلك شيء معلوم، والسلف يخافون على الإنسان إذا كان ضعيف الإيمان من النفاق، أو سلب الإيمان كله» (1).
وقال الشيخ حسن ابن الشيخ حسين ابن الشيخ محمد رحمهم الله تعالى:
قال ابن القيم رحمه الله: ونحن نحكي إجماعهم، كما حكاه حرب، صاحب الإمام أحمد، بلفظه، قال في مسائله المشهورة، هذا مذهب أهل العلم، وأصحاب الأثر، وأهل السنَّة المتمسِّكين بها، المقتدى بهم فيها، من لدن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وأدركت من أدركت من علماء الحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها، فهو مخالف مبتدع، خارج عن الجماعة، زائل عن مذهب أهل السنَّة وسبيل الحق.
قال: وهو مذهب أحمد، وإسحاق بن إبراهيم، وعبد الله بن مخلد،
(1)«الدرر السنية» : (1/ 187).
وعبد الله بن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا، وأخذنا عنهم العلم، فكان من قولهم: إن الإيمان قول وعمل ونية، وتمسك بالكتاب والسنَّة؛ والإيمان: يزيد وينقص، ويستثنى في الإيمان غير أن لا يكون شكًا، إنما هي سنة ماضية عند العلماء، وإذا سئل الرجل: أمؤمن أنت؟ فإنه يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، أو مؤمن أرجو، ويقول: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله.
(أقوال الفرق في الإيمان)
ومن زعم: أن الإيمان قول بلا عمل، فهو مرجئ؛ ومن زعم: أن الإيمان هو القول، والأعمال شرائع، فهو مرجئ، ومن زعم: أن الإيمان يزيد، ولا ينقص فقد قال بقوله المرجئة؛ ومن لم ير الاستثناء في الإيمان فهو مرجئ؛ ومن زعم أن إيمانه كإيمان جبريل والملائكة، فهو مرجئ؛ ومن زعم أن المعرفة تقع في القلب، وإن لم يتكلم بها، فهو مرجئ» (1).
وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عن معنى أبيات من الشعر، قيلت في التوحيد فأجاب:
«
…
الثالثة: هل يشترط في الواجب، النطق بالشهادتين؟ أو يصير مسلمًا بالمعرفة، فذكر (2): أنه لا يصير مسلمًا إلَاّ بالنطق للقادر عليه، والمخالف في ذلك جهم ومن تبعه؛ وقد أفتى الإمام أحمد، وغيره من السلف، بكفر من قال: إنه يصير مسلمًا بالمعرفة، وتفرع على هذه مسائل؛ منها: من دعي إلى الصلاة فأبى مع الإقرار بوجوبها، هل يقتل كفرًا أو حدًا؟ ومن قال: يقتل حدًا، من رأى أن هذا أصل المسألة.
الرابعة: أن ابن كرَّام، وأتباعه، يقولون: إن الإيمان، قول باللسان، من
(1)«الدرر السنية» : (1/ 345، 346).
(2)
أي: صاحب الأبيات الشعرية.
غير عقيدة القلب، مع أنهم يوافقون أهل السنَّة، أنه مخلد في النار، فذكر أنه: لا بد مع النطق بتصديق القلب» (1).
وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين رحمه الله تعالى:
وقال أيضًا رحمه الله تعالى:
«وأما المعتزلة: فهم الذين يقولون بالمنزلة بين المنزلتين؛ يعنون: أن مرتكب الكبيرة، يصير في منزلة بين الكفر والإسلام، فليس هو بمسلم، ولا كافر؛ ويقولون: إنه يخلد في النار، ومن دخل النار لم يخرج منها بشفاعة، ولا غيرها.
وأول من اشتهر عنه ذلك: عمرو بن عبيد، وكان هو وأصحابه يجلسون معتزلين الجماعة، فيقول قتادة وغيره: أولئك المعتزلة، وهم كانوا بالبصرة بعد موت الحسن البصري، وضم المعتزلة إلى ذلك: التكذيب بالقدر؛ ثم ضمُّوا إلى ذلك نفي الصفات؛ فيثبتون الاسم دون الصفة؛ فيقولون: عليم بلا علم؛ سميع بلا سمع؛ بصير بلا بصر؛ وهكذا سائر الصفات؛ فهم قدرية جهمية، وامتازوا (3): بالمنزلة بين المنزلتين، وخلود عصاة الموحدين في النار.
وأما الخوارج: فهم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه؛ وقبل ذلك: قتلوا
(1)«الدرر السنية» : (1/ 110، 111).
(2)
«الدرر السنية» : (1/ 364).
(3)
الحق أن المعتزلة لم تتميز بقول عن بقية الفرق، إلَاّ: بالمنزلة بين المنزلتين، وأما خلود عصاة الموحدين في النار، فقد شاركتهم فيه الخوارج.
عثمان رضي الله عنه؛ وكفروا عثمان، وعليًا، وطلحة، والزبير، ومعاوية، وطائفتي علي ومعاوية، واستحلوا دماءهم.
وأصل مذهبهم: الغلو الذي نهى الله عنه، وحذر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فكفروا من ارتكب كبيرة؛ وبعضهم: يكفر بالصغائر: وكفروا عليًا وأصحابه بغير ذنب، فكفَّروهم بتحكيم الحكمين: عمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري، وقالوا: لا حكم إلَاّ لله.
واستدلوا على قولهم بالتكفير بالذنوب، بعمومات أخطئوا فيها، وذلك كقوله سبحانه:{وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: 23].
وقوله: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 14].
وقوله: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93]، وغير ذلك من الآيات.
وأجمع أهل السنَّة والجماعة أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار إذا ماتوا على التوحيد؛ وأن من دخل النار منهم بذنبه يخرج منها، كما تواترت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضًا: فلو كان الزاني، وشارب الخمر، والقاذف، والسارق، ونحوهم: كفارًا مرتدين، لكان حكمهم في الدنيا القتل، الذي هو حكم الله في المرتدين؛ فلما حكم الله على الزاني البكر الجلد، وعلى السارق بالقطع، وعلى الشارب والقاذف بالجلد، دلَّنا حكم الله فيهم بذلك: أنهم لم يكفروا بهذه الذنوب، كما تزعمه الخوارج» (1).
* * *
(1)«الدرر السنية» : (1/ 360 - 363).