الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
لقد دار الناس مع أسماء، قد خلت من حقائقها ومدلولاتها ولم يقفوا مع المعاني التي تعلقت بها الأحكام فعاد بذلك: الشرك والتنديد، واستغنى أهله به عن الإخلاص والتوحيد
قال عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمهما الله تعالى:
«وتلطف الشيطان في كيد هؤلاء الغلاة في قبور الصالحين، بأن دسَّ عليهم تغيير الأسماء والحدود الشرعية، والألفاظ اللغوية، فسموا الشرك وعبادة الصالحين: توسُّلاً ونداء، وحسن اعتقاد في الأولياء، وتشفعًا بهم، واستظهارًا بأرواحهم الشريفة؛ فاستجاب له صبيان العقول، وخفافيش البصائر، وداروا مع الأسماء، ولم يقفوا مع الحقائق.
فعادت عبادة الأولياء والصالحين، ودعاء الأوثان والشياطين، كما كانت قبل النبوة، وفي زمان الفترة حذو النعل بالنعل، وحذو القذَّة بالقذَّة، وهذا من أعلام النبوة، كما ذكره غير واحد، ولم يزل ذلك في ظهور وازدياد، حتى عمَّ ضرره، وبلغ شرره الحاضر والباد» (1).
وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين - رحمه الله تعالى -:
«فإذا علم الإنسان، وتحقق معنى الإله وأنه: المعبود، وعرف حقيقة العبادة، تبين له أن من جعل شيئًا من العبادة لغير الله فقد عبده واتخذه
إلهًا، وإن فرّ من تسميته معبودًا أو إلهًا، وسمى ذلك: توسلاً وتشفعًا والتجاء
(1)«الدرر السنية في الأجوبة النجدية» : (12/ 283).
ونحو ذلك.
فالمشرك مشرك شاء أم أبى؛ كما أن المرابي مراب شاء أم أبى؛ وإن لم يسم ما فعله ربا؛ وشارب الخمر شارب للخمر، وإن سماها بغير اسمها» (1).
(لقد بلغ المشركون حدًا في شركهم، يربو على شرك أهل الجاهلية الأولى)
قال عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمهما الله تعالى:
ونذكر لك هنا طرفًا من معتقد عباد القبور والصالحين، وحقيقة ما هم عليه من الدين، وليعلم الواقف عليه أي الفريقين أحق بالأمن، إن كان الواقف ممن اختصه الله بالفضل والمنّ، ولئلا يلتبس الأمر بتسميتهم لكفرهم ومحالهم: تشفُّعًا وتوسُّلاً واستظهارًا، مع ما في التسمية من الهلاك المتناهي عند من عقل الحقائق.
من ذلك محبتهم مع الله محبة تأله وخضوع ورجاء، ودعاؤهم مع الله في المهمَّات والملمَّات والحوادث التي لا يكشفها ولا يجيب الدعاء فيها إلَاّ فاطر الأرض والسماوات والعكوف حول أجداثهم، وتقبيل أعتابهم، والتمسح بآثارهم، طلبًا للغوث، واستجابة للدعوات وإظهارًا للفاقة، وإبداء للفقر والضراعة، واستنزالاً للغوث والأمطار، وطلبًا للسلامة من شدائد البر والبحار، وسؤالهم تزويجهم الأرامل والأيامى، واللطف بالضعفاء واليتامى، والاعتماد عليهم في المطالب العالية، وتأهيلهم لمغفرة الذنوب والنجاة من الهاوية، وإعطاء تلك المراتب السامية» (2).
هذه هي بإيجاز أحوال المشركين في عصر الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، وما دهاهم من التردِّي المشين في أوحال الشرك الوخيم.
(1)«عقيدة الموحدين» - رسالة الانتصار لحزب الله الموحدين ـ: (ص 12).
(2)
«منهاج التأسيس والتقديس» : (50 - 51).
ولقد آثرت هذه البداية، لتتجلى بها قضية التوحيد - لأنه بالضد تعرف الأشياء -، وليدرك العلماء والدعاة والمربون: خطورة الموقف وعظم المقام، عندما يُغيّب التوحيد، ويحل محله الشرك والتنديد برب العالمين، ومن ثمّ تعلو راية الشرك خفاقة، وينجم علم الزندقة فوق رءوس الأمة، ويلوح بهما في وجه الموحِّدين نكاية بهم، وضربة موجعة لكيانهم وصفوفهم
…
والحاصل أن ما تقدم ينبئ بحاجة الأمة الماسَّة لمعرفة التوحيد، والحد الحقيقي من الديانة، الذي ينبغي القيام به حتى تتحقق النجاة الحقيقية ويتسنى للأمة القيام بدورها المناط بها، والمراد لها.
ولهذا ولغيره الكثير سوَّد علماء وأئمة الأمة كتبهم في جلاء قضية التوحيد، لبناء حائط الصدر الشامخ، الذي يقي الأمة الضربات المتلاحقة من قبل أعدائها، ويضمن لها استمرارية البقاء في حلبة الصراع، عن طريق الجهاد الحثيث، المتواصل، للحفاظ على عقيدة المسلمين صافية، من زيف وبطلان دعاوى أهل الشرك والإلحاد.
* * *