الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَقْوَاتِ الْبَلَدِ (1)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (كَفَّارَة)
ح -
غَالِبُ النَّقْدِ فِي الْبَيْعِ:
9 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ فَأَكْثَرُ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْهَا غَالِبًا انْصَرَفَتِ الْعُقُودُ إِلَيْهِ عِنْدَ الإِْطْلَاقِ؛ لأَِنَّهُ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ عُرْفًا، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ فَأَكْثَرُ - وَلَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهَا - اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ لَفْظًا وَلَا يَكْفِي التَّعْيِينُ بِالنِّيَّةِ، أَمَّا إِذَا اتَّفَقَتِ النُّقُودُ بِأَنْ لَمْ تَتَفَاوَتْ فِي الْقِيمَةِ وَالْغَلَبَةِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَيُسَلِّمُ الْمُشْتَرِي أَيَّهَا شَاءَ، وَإِنْ عَيَّنَ فِي الْعَقْدِ غَيْرَ النَّقْدِ الْغَالِبِ تَعَيَّنَ، وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ تَقْوِيمَ الْمُتْلِفَاتِ يَكُونُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ، فَإِنْ كَانَ لَا غَالِبَ فِيهَا عَيَّنَ الْقَاضِي وَاحِدًا مِنَ النُّقُودِ لِلتَّقْوِيمِ بِهَا (2) .
مُعَامَلَةُ مَنْ غَالِبُ مَالِهِ حَرَامٌ:
10 -
مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 582، المجموع للنووي 6 / 130، مغني المحتاج 3 / 367، 4 / 327، وجواهر الإكليل 1 / 378.
(2)
حاشية ابن عابدين 4 / 26، ومواهب الجليل 4 / 277، مغني المحتاج 2 / 17، كشاف المخدرات ص 215، قواعد الأحكام لابن عبد السلام 2 / 120.
الْحَلَال وَالْحَرَامُ غَلَبَ الْحَرَامُ، قَال الْجُوَيْنِيُّ: لَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إِلَاّ مَا نَدَرَ.
قَال السُّيُوطِيُّ: خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فُرُوعٌ مِنْهَا: مُعَامَلَةُ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ عَنِ الْحَرَامِ لَا يَحْرُمُ فِي الأَْصَحِّ لَكِنْ يُكْرَهُ، وَكَذَا الأَْخْذُ مِنْ عَطَايَا السُّلْطَانِ إِذَا غَلَبَ الْحَرَامُ فِي يَدِهِ.
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا اشْتَرَى مِمَّنْ فِي مَالِهِ حَرَامٌ وَحَلَالٌ كَالسُّلْطَانِ الظَّالِمِ وَالْمُرَابِي، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَبِيعَ مِنْ حَلَال مَالِهِ فَهُوَ حَلَالٌ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ حَرَامٌ فَهُوَ حَرَامٌ؛ لأَِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا فِي يَدِ الإِْنْسَانِ مِلْكُهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ كَرِهْنَاهُ لاِحْتِمَال التَّحْرِيمِ فِيهِ، وَلَمْ يَبْطُل الْبَيْعُ؛ لإِِمْكَانِ الْحَلَال، قَل الْحَرَامُ أَوْ كَثُرَ، وَهَذَا هُوَ الشُّبْهَةُ، وَبِقَدْرِ قِلَّةِ الْحَرَامِ وَكَثْرَتِهِ تَكُونُ كَثْرَةُ الشُّبْهَةِ وَقِلَّتُهَا، قَال أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْكُل مِنْهُ (1)، لَمَا رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: الْحَلَال بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى
(1) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 50 وما بعدها و105 وما بعدها، والمغني لابن قدامة 4 / 295، وانظر فتح المبين شرح الأربعين النووية مع حاشية المدابغي ص113 وما بعدها.
الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْل الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا إِنَّ لِكُل مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ (1) . وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ (2)
وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَمِنْ بَيْنِهِمْ الْغَزَالِيُّ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّعَامُل مَعَ مَنْ غَالِبُ مَالِهِ مِنَ الْحَرَامِ (3) .
وَقَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مُعَامَلَةِ مَنِ اعْتَرَفَ بِأَنَّ أَكْثَرَ مَالِهِ حَرَامٌ: إِنْ غَلَبَ الْحَرَامُ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَنْدُرُ الْخَلَاصُ مِنْهُ لَمْ تَجُزْ مُعَامَلَتُهُ، مِثْل أَنْ يُقِرَّ إِنْسَانٌ بِأَنَّ فِي يَدِهِ أَلْفَ دِينَارٍ كُلَّهَا حَرَامٌ إِلَاّ دِينَارًا وَاحِدًا، فَهَذَا لَا تَجُوزُ مُعَامَلَتُهُ بِدِينَارٍ لِنُدْرَةِ الْوُقُوعِ فِي الْحَلَال، كَمَا لَا يَجُوزُ الاِصْطِيَادُ إِذَا اخْتَلَطَتْ حَمَامَةٌ بَرِّيَّةٌ بِأَلْفِ حَمَامَةٍ بَلَدِيَّةٍ، وَإِنْ عُومِل بِأَكْثَرَ مِنَ الدِّينَارِ أَوِ اُصْطِيدَ بِأَكْثَرَ مِنْ حَمَامَةٍ فَلَا شَكَّ فِي
(1) حديث:: " " الحلال بيِّنٌ والحرام بيِّنٌ وبينهما مشبهات. . . " ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 126) ، ومسلم (3 / 1219 - 1220) من حديث النعمان بن بشير.
(2)
حديث:: " " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " ". أخرجه الترمذي (4 / 668) وقال:: حديث حسن صحيح.
(3)
الأشباه والنظائر للسيوطي ص50، 105، وفتح المبين شرح الأربعين النووية 3 / 113 وما بعدها، والمغني لابن قدامة 4 / 295 - 298.
تَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَإِنْ غَلَبَ الْحَلَال بِأَنِ اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ حَرَامٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَلَالٍ جَازَتِ الْمُعَامَلَةُ كَمَا لَوِ اخْتَلَطَتْ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعِ بِأَلْفِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، أَوِ اخْتَلَطَتْ أَلْفُ حَمَامَةٍ بَرِّيَّةٍ بِحَمَامَةٍ بَلَدِيَّةٍ فَإِنَّ الْمُعَامَلَةَ صَحِيحَةٌ جَائِزَةٌ لِنُدْرَةِ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ، وَكَذَلِكَ الاِصْطِيَادُ. ثُمَّ قَال: وَبَيْنَ هَاتَيْنِ الرُّتْبَتَيْنِ مِنْ قِلَّةِ الْحَرَامِ وَكَثْرَتِهِ مَرَاتِبُ مُحَرَّمَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَمُبَاحَةٌ، وَضَابِطُهَا: أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَشْتَدُّ بِكَثْرَةِ الْحَرَامِ وَتَخِفُّ بِكَثْرَةِ الْحَلَال، فَاشْتِبَاهُ أَحَدِ الدِّينَارَيْنِ بِآخَرَ سَبَبُ تَحْرِيمٍ بَيِّنٍ، وَاشْتِبَاهُ دِينَارٍ حَلَالٍ بِأَلْفِ دِينَارٍ حَرَامٍ سَبَبُ تَحْرِيمٍ بَيِّنٍ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قِلَّةِ الْحَرَامِ وَكَثْرَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَلَال، فَكُلَّمَا كَثُرَ الْحَرَامُ تَأَكَّدَتِ الشُّبْهَةُ، وَكُلَّمَا قَل خَفَّتِ الشُّبْهَةُ، إِلَى أَنْ يُسَاوِيَ الْحَلَال الْحَرَامَ فَتَسْتَوِي الشُّبُهَاتُ (1) .
(1) قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1 / 72 - 73، 2 / 18، 47، 89.