الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ج -
الْهَدْمُ وَالْقَلْعُ
.
21 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْغَاصِبَ يُلْزَمُ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ إِلَى صَاحِبِهِ كَمَا أَخَذَهُ، كَمَا يُلْزَمُ بِإِزَالَةِ مَا أَحْدَثَ فِيهِ مِنْ بِنَاءٍ، أَوْ زَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ (1) وَلِلْمَالِكِ الْمُطَالَبَةُ بِهَدْمِ الْبِنَاءِ الَّذِي بَنَاهُ الْغَاصِبُ عَلَى الْمَغْصُوبِ، وَقَلْعِ الشَّجَرِ الَّذِي غَرَسَهُ أَوِ الزَّرْعِ الَّذِي زَرَعَهُ بِلَا إِذْنِ الْمَالِكِ.
غَيْرَ أَنَّ فُقَهَاءَ الْمَذَاهِبِ فَصَّلُوا فِي الأَْمْرِ كَمَا يَلِي:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ سَاجَةً (خَشَبَةً عَظِيمَةً تُسْتَعْمَل فِي أَبْوَابِ الدُّورِ وَبِنَائِهَا) فَبَنَى عَلَيْهَا أَوْ حَوْلَهَا، وَكَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا، زَال مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا، وَلَزِمَ الْغَاصِبَ قِيمَتُهَا، لِصَيْرُورَتِهَا شَيْئًا آخَرَ، وَفِي الْقَلْعِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ لِصَاحِبِ الْبِنَاءِ (الْغَاصِبِ) مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ تَعُودُ لِلْمَالِكِ، وَضَرَرُ الْمَالِكِ يَنْجَبِرُ بِالضَّمَانِ، وَلَا ضَرَرَ فِي الإِْسْلَامِ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاجَةِ أَكْثَرَ مِنَ الْبِنَاءِ، فَلَمْ يَزُل مِلْكُ مَالِكِهَا، لأَِنَّهُ " يَرْتَكِبُ أَخَفَّ الضَّرَرَيْنِ وَأَهْوَنَ الشَّرَّيْنِ ".
(1) حديث: " ليس لعرق ظالم حق. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 653) من حديث سعيد بن زيد، وخرج الحديث ابن حجر في الفتح (5 / 19) وقال عن طرقه: في أسانيدها مقال، لكن يتقوى بعضها ببعض.
وَعَقَّبَ قَاضِي زَادَهْ عَلَى هَذِهِ التَّفْرِقَةِ، فَقَال: لَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ السَّاجَةِ وَبَيْنَ الْعَكْسِ؛ لأَِنَّ ضَرَرَ الْمَالِكِ مَجْبُورٌ بِالْقِيمَةِ، وَضَرَرَ الْغَاصِبِ ضَرَرٌ مَحْضٌ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الضَّرَرَ الْمَجْبُورَ دُونَ الضَّرَرِ الْمَحْضِ، فَلَا يَرْتَكِبُ الضَّرَرَ الأَْعْلَى عِنْدَ إِمْكَانِ الْعَمَل بِالضَّرَرِ الأَْدْنَى، فَيُعْمَل بِقَاعِدَةِ:" الضَّرَرُ الأَْشَدُّ يُزَال بِالأَْخَفِّ " فِي مَسْأَلَةِ السَّاجَةِ، أَيْ أَنَّهُ يُعَوِّضُ الْمَالِكَ، وَتَزُول مِلْكِيَّتُهُ عَنِ السَّاجَةِ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ السَّاجَةِ فَهِيَ. . لَوْ غَصَبَ غَاصِبٌ أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا، أَوْ بَنَى فِيهَا، وَكَانَتْ قِيمَةُ الأَْرْضِ (السَّاجَةِ) أَكْثَرَ، أُجْبِرَ الْغَاصِبُ عَلَى قَلْعِ الْغَرْسِ، وَهَدْمِ الْبِنَاءِ، وَرَدِّ الأَْرْضِ فَارِغَةً إِلَى صَاحِبِهَا كَمَا كَانَتْ؛ لأَِنَّ الأَْرْضَ لَا تُغْصَبُ حَقِيقَةً عِنْدَهُمْ، فَيَبْقَى فِيهَا حَقُّ الْمَالِكِ كَمَا كَانَ، وَالْغَاصِبُ جَعَلَهَا مَشْغُولَةً، فَيُؤْمَرُ بِتَفْرِيغِهَا، إِذْ لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ، فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَضْمَنَ لِلْمَالِكِ قِيمَةَ الأَْرْضِ وَيَأْخُذَهَا.
وَإِذَا كَانَتِ الأَْرْضُ تَنْقُصُ بِقَلْعِ الْغَرْسِ مِنْهَا أَوْ هَدْمِ الْبِنَاءِ، فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَضْمَنَ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسَ مَقْلُوعًا
أَنْقَاضًا) رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ الطَّرَفَيْنِ، وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا فَتُقَوَّمُ الأَْرْضُ بِدُونِ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ، وَتُقَوَّمُ وَبِهَا شَجَرٌ وَبِنَاءٌ مُسْتَحَقُّ الْقَلْعِ وَالْهَدْمِ، فَيَضْمَنُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا.
وَإِذَا زَرَعَ الْغَاصِبُ الأَْرْضَ، فَإِنْ كَانَتِ الأَْرْضُ مِلْكًا فَإِنْ أَعَدَّهَا صَاحِبُهَا لِلزِّرَاعَةِ، فَيَكُونُ الأَْمْرُ مُزَارَعَةً بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ، وَيُحْتَكَمُ إِلَى الْعُرْفِ فِي حِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا، النِّصْفِ أَوِ الرُّبُعِ مَثَلاً، وَإِنْ كَانَتْ مُعَدَّةً لِلإِْيجَارِ فَالنَّاتِجُ لِلزَّارِعِ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْل الأَْرْضِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ، فَعَلَى الْغَاصِبِ نُقْصَانُ مَا نَقَصَ الزَّرْعُ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الأَْرْضُ وَقْفًا أَوْ مَال يَتِيمٍ، اعْتُبِرَ الْعُرْفُ إِذَا كَانَ أَنْفَعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ أَنْفَعَ، وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْل، لِقَوْلِهِمْ: يُفْتَى بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ. (1)
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي حَالَةِ الْبِنَاءِ: أَنَّ مَنْ غَصَبَ أَرْضًا أَوْ عَمُودًا أَوْ خَشَبًا، فَبَنَى فِيهَا أَوْ بِهَا. يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ الْمُطَالَبَةِ بِهَدْمِ الْبِنَاءِ عَلَى الْمَغْصُوبِ، وَبَيْنَ إِبْقَائِهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ الْغَاصِبَ قِيمَةَ الأَْنْقَاضِ، بَعْدَ طَرْحِ أُجْرَةِ الْقَلْعِ أَوِ الْهَدْمِ، وَلَا يُعْطِيهِ قِيمَةَ
(1) تكملة فتح القدير 7 / 379 - 383، الدر المختار 5 / 135 - 137، تبيين الحقائق 5 / 228 وما بعدها، اللباب شرح الكتاب 2 / 192.
التَّجْصِيصِ وَالتَّزْوِيقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ، أَيْ إِنَّهُمْ يُرَجِّحُونَ مَصْلَحَةَ الْمَالِكِ؛ لأَِنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ.
وَمَنْ غَصَبَ سَارِيَةً أَوْ خَشَبَةً فَبَنَى عَلَيْهَا، فَلِصَاحِبِهَا أَخْذُهَا وَإِنْ هَدَمَ الْبُنْيَانَ.
أَمَّا فِي حَالَةِ الْغَرْسِ: فَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا، فَغَرَسَ فِيهَا أَشْجَارًا، فَلَا يُؤْمَرُ بِقَلْعِهَا، وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهَا بَعْدَ طَرْحِ أُجْرَةِ الْقَلْعِ كَالْبُنْيَانِ، فَإِنْ غَصَبَ أَشْجَارًا، فَغَرَسَهَا فِي أَرْضِهِ، أُمِرَ بِقَلْعِهَا.
وَأَمَّا فِي حَالَةِ الزَّرْعِ: فَمَنْ زَرَعَ فِي الأَْرْضِ الْمَغْصُوبَةِ زَرْعًا، فَإِنْ أَخَذَهَا صَاحِبُهَا فِي إِبَّانِ الزِّرَاعَةِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُقْلِعَ الزَّرْعَ، أَوْ يَتْرُكَهُ لِلزَّارِعِ وَيَأْخُذَ الْكِرَاءَ، وَإِنْ أَخَذَهَا بَعْدَ إِبَّانِ الزِّرَاعَةِ فَلِلْمَالِكِيَّةِ رَأْيَانِ: رَأْيٌ أَنَّ الْمَالِكَ يُخَيَّرُ كَمَا ذُكِرَ، وَرَأْيٌ لَيْسَ لَهُ قَلْعُهُ وَلَهُ الْكِرَاءُ، وَالزَّرْعُ لِزَارِعِهِ (1) . وَقَرَّرَ الشَّافِعِيَّةُ: أَنَّ الْغَاصِبَ يُكَلَّفُ بِهَدْمِ الْبِنَاءِ وَقَلْعِ الْغِرَاسِ عَلَى الأَْرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، وَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْصِ إِنْ حَدَثَ،
(1) الشرح الكبير للدردير 3 / 448، الشرح الصغير 3 / 595، بداية المجتهد 2 / 319، القوانين الفقهية ص331.