الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّاسِ مَعَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِبَيْعِهِ فِي زَمَنِ الْغَلَاءِ مَحْظُورٌ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي دَرَجَةِ الْحَظْرِ، مِنْ تَحْرِيمٍ أَوْ كَرَاهَةٍ
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ عِنْدَهُ طَعَامٌ زَائِدٌ عَنْ حَاجَتِهِ أَنْ يَبِيعَهُ لِلنَّاسِ، فِي زَمَنِ الْغَلَاءِ. (1)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (احْتِكَار ف 3 وَمَا بَعْدَهَا)
ب -
مُرَاعَاةُ الْغَلَاءِ عِنْدَ تَقْدِيرِ عَطَاءِ الْجُنْدِ:
3 -
يُرَاعِي الإِْمَامُ الْغَلَاءَ عِنْدَ تَقْدِيرِ عَطَاءَاتِ الْجُنُودِ الْمُرْصَدِينَ لِلْجِهَادِ، فَيُعْطِيهِمْ كِفَايَتَهُمْ مَعَ مُرَاعَاةِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ، وَيَزِيدُ لَهُمْ كُلَّمَا حَدَثَ غَلَاءٌ وَارْتَفَعَتِ الأَْسْعَارُ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (فَيْء)
ج -
أَثَرُ الْغَلَاءِ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ:
4 -
إِذَا فَرَضَ لِلزَّوْجَةِ نَفَقَةً، ثُمَّ حَدَثَ غَلَاءٌ كَانَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ زِيَادَةَ النَّفَقَةِ. (2)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (نَفَقَة)
(1) القليوبي 2 / 186.
(2)
) فتح القدير 3 / 331 - 332، القليوبي 4 / 70.
غَلَبَة
التَّعْرِيفُ:
1 -
الْغَلَبَةُ فِي اللُّغَةِ: الْقَهْرُ وَالاِسْتِيلَاءُ، يُقَال: غَلَبَهُ غَلْبًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ: قَهَرَهُ، وَغَلَبَ فُلَانًا عَلَى الشَّيْءِ: أَخَذَهُ مِنْهُ كُرْهًا، فَهُوَ غَالِبٌ وَغَلَاّبٌ، وَغَالَبْتُهُ مُغَالَبَةً وَغِلَابًا أَيْ: حَاوَل كُلٌّ مِنَّا مُغَالَبَةَ الآْخَرِ، وَتَغَالَبُوا عَلَى الْبَلَدِ أَيْ: غَالَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَيْهِ، وَالأَْغْلَبِيَّةُ: الْكَثْرَةُ، يُقَال: غَلَبَ عَلَى فُلَانٍ الْكَرَمُ أَيْ كَانَ أَكْثَرَ خِصَالِهِ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
السُّلْطَةُ:
2 -
السُّلْطَةُ فِي اللُّغَةِ: السَّيْطَرَةُ وَالتَّحَكُّمُ وَالتَّمَكُّنُ، يُقَال: سَلَّطَهُ عَلَيْهِ مَكَّنَهُ مِنْهُ وَحَكَّمَهُ فِيهِ، وَسَلَّطَهُ: أَطْلَقَ لَهُ السُّلْطَانَ
(1) لسان العرب، والمفردات في غريب القرآن للأصفهاني.
وَالْقُدْرَةَ. (1)
وَالسُّلْطَةُ أَعَمُّ مِنَ الْغَلَبَةِ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
الْغَلَبَةُ عَلَى الْحُكْمِ:
3 -
أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَى مَنِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِمَامَتِهِ وَبَايَعُوهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ إِمَامَةِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ خَرَجَ عَلَى الإِْمَامِ الَّذِي ثَبَتَتْ إِمَامَتُهُ بِالْبَيْعَةِ، فَقَهَرَهُ وَغَلَبَ بِسَيْفِهِ (2) .
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا غَلَبَ عَلَى النَّاسِ رَجُلٌ وَقَهَرَهُمْ بِسَيْفِهِ، حَتَّى أَقَرُّوا لَهُ، وَأَذْعَنُوا بِطَاعَتِهِ وَتَابَعُوهُ، صَارَ إِمَامًا يَحْرُمُ قِتَالُهُ وَالْخُرُوجُ عَلَيْهِ، إِذِ الْمَدَارُ عَلَى دَرْءِ الْمَفَاسِدِ وَارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَصَوْنًا لإِِرَاقَةِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَذَهَابِ أَمْوَالِهِمْ، قَال الشَّافِعِيَّةُ: بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ غَلَبَتُهُ بَعْدَ مَوْتِ الإِْمَامِ الَّذِي ثَبَتَتْ إِمَامَتُهُ بِبَيْعَةِ أَهْل الاِخْتِيَارِ، أَوْ أَنْ يَتَغَلَّبَ عَلَى مُتَغَلِّبٍ مِثْلِهِ، أَمَّا إِذَا تَغَلَّبَ عَلَى إِمَامٍ حَيٍّ ثَبَتَتْ بَيْعَتُهُ عَنْ طَرِيقِ أَهْل
(1) لسان العرب، والمفردات في غريب القرآن.
(2)
البدائع 7 / 140، الفواكه الدواني 1 / 125، روضة الطالبين 10 / 42 وما بعدها، مغني المحتاج 4 / 139 وما بعدها، المغني لابن قدامة 8 / 107، دليل الفالحين 3 / 123.
الاِخْتِيَارِ فَلَا تَنْعَقِدُ إِمَامَتُهُ. زَادَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ أَيْضًا: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ التَّغَلُّبُ جَامِعًا لِلشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الإِْمَامَةِ، وَإِلَاّ فَلَا تَصِحُّ إِمَامَتُهُ. (1)
وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ إِمَامَةَ ذَلِكَ الْمُتَغَلِّبِ لَا تَصِحُّ وَلَا تَنْعَقِدُ؛ لأَِنَّ الْحَقَّ فِي الإِْمَامَةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا تَنْعَقِدُ بِدُونِ رِضَاهُمْ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (الإِْمَامَة الْكُبْرَى)
غَلَبَةُ الظَّنِّ:
4 -
بَحَثَ الْفُقَهَاءُ أَحْكَامَ غَلَبَةِ الظَّنِّ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ فِي تَمْيِيزِ الطَّاهِرِ مِنَ الأَْوَانِي وَالْمَلَابِسِ وَالْمِيَاهِ وَالأَْمَاكِنِ إِذَا اخْتَلَطَ بِنَجَسٍ مُشَابِهٍ لَهُ، وَتَمْيِيزِ أَيَّامِ الْحَيْضِ مِنْ أَيَّامِ الطُّهْرِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ نَسِيَتْ عَدَدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَاشْتَبَهَ عَلَيْهَا الأَْمْرُ بِسَبَبِ الاِسْتِحَاضَةِ، وَفِي مَعْرِفَةِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ لِمَنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ إِذَا اجْتَهَدَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي جِهَةٍ، وَفِي دُخُول وَقْتِ الصَّلَاةِ لِمَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَهْتَدِ إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَحْبُوسًا أَوْ لِوُجُودِ غَيْمٍ وَنَحْوِهِ،
(1) حاشية ابن عابدين 3 / 310، الدسوقي 4 / 892، مغني المحتاج 4 / 132، المغني لابن قدامة 8 / 107، الأحكام السلطانية ص22 - 24، دليل الفالحين 3 / 123 وما بعدها.
وَفِي مَنْ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ كَمْ رَكْعَةٍ صَلَاّهَا، وَفِي تَمْيِيزِ الْفَقِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ عَنْ غَيْرِهِ، وَفِي مَعْرِفَةِ دُخُول شَهْرِ رَمَضَانَ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَغُرُوبِ الشَّمْسِ لِلصَّائِمِ إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِحَبْسٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي الْحَجِّ إِذَا شَكَّ الْحَاجُّ هَل أَحْرَمَ بِالإِْفْرَادِ أَوْ بِالتَّمَتُّعِ أَوْ بِالْقِرَانِ، وَفِي مَنِ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْمُذَكَّاةُ بِالْمَيْتَةِ أَوْ وَجَدَ شَاةً مَذْبُوحَةً بِبَلَدٍ فِيهِ مِنْ تَحِل ذَبِيحَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْل الْكِتَابِ وَمَنْ لَا تَحِل ذَبِيحَتُهُ، وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي ذَابِحِهَا، وَفِي الدِّمَاءِ دِمَاءِ اللَّوْثِ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ. وَتَفْصِيل كُل هَذِهِ الْمَسَائِل فِي مُصْطَلَحَاتِ:(تَحَرِّي ف 7 - 17، وَاسْتِقْبَال ف 27 - 37، وَاشْتِبَاه ف 13، 19، 20، 21، وَلَوْثٌ)
غَلَبَةُ الظَّنِّ
انْظُرْ: ظَنّ، غَلَبَة
غَلَسٌ
التَّعْرِيفُ:
1 -
الْغَلَسُ فِي اللُّغَةِ: ظَلَامُ آخِرِ اللَّيْل، أَوْ إِذَا اخْتَلَطَ بِضَوْءِ الصَّبَاحِ، أَوْ أَوَّل الصُّبْحِ حِينَ يَنْتَشِرُ فِي الآْفَاقِ، وَفِي حَدِيثِ الإِْفَاضَةِ: كُنَّا نُغْلِسُ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى (1) ، أَيْ نَسِيرُ إِلَيْهَا ذَلِكَ الْوَقْتَ. (2) وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (3)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الإِْسْفَارُ:
2 -
مِنْ مَعَانِي الإِْسْفَارِ فِي اللُّغَةِ: الْكَشْفُ وَالإِْضَاءَةُ، يُقَال: سَفَرَ الصُّبْحُ، وَأَسْفَرَ: أَيْ أَضَاءَ، وَسَفَرَتِ الْمَرْأَةُ: كَشَفَتْ عَنْ وَجْهِهَا. (4)
(1) حديث: " كنا نغلس من جمع إلى منى ". أخرجه مسلم (2 / 940) من حديث أم حبيبة.
(2)
لسان العرب، ومتن اللغة.
(3)
ابن عابدين 1 / 245، بلغة السالك 1 / 73.
(4)
لسان العرب، والمصباح المنير، والمطلع على أبواب المقنع.
وَاسْتَعْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ فِي ظُهُورِ الضَّوْءِ، يُقَال: أَسْفَرَ بِالصُّبْحِ: إِذَا صَلَاّهَا وَقْتَ الإِْسْفَارِ أَيْ عِنْدَ ظُهُورِ الضَّوْءِ. (1) وَعَلَى ذَلِكَ فَالإِْسْفَارُ مُقَابِل الْغَلَسِ وَالتَّغْلِيسِ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
3 -
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الأَْفْضَل تَعْجِيل صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي أَوَّل وَقْتِهَا، أَيْ فِي الْغَلَسِ، قَال النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم. (2)
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَفْضَلِيَّةِ التَّغْلِيسِ بِالْفَجْرِ بِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها: إِنْ كَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ (3) وَبِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَسٍ، ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً
(1) ابن عابدين 1 / 245.
(2)
بلغة السالك لأقرب المسالك 1 / 73، وشرح النووي على المهذب 3 / 50، والمغني 1 / 394.
(3)
حديث عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح. . . ". أخرجه مسلم (1 / 446) بهذا اللفظ، وهو متفق عليه بألفاظ عدة.
أُخْرَى فَأَسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّغْلِيسَ حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَعُدْ إِلَى أَنْ يُسْفِرَ (1)
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الإِْسْفَارُ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَتَأْخِيرُهَا إِلَى أَنْ يَنْتَشِرَ الضَّوْءُ، وَيَتَمَكَّنَ كُل مَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ بِجَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ أَنْ يَسِيرَ فِي الطَّرِيقِ بِدُونِ أَنْ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ، مِنْ نُزُول قَدَمِهِ أَوْ وُقُوعِهِ فِي حُفْرَةٍ بِسَبَبِ السَّيْرِ فِي الظَّلَامِ.
وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الإِْسْفَارِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلأَْجْرِ (2)
وَقَالُوا فِي تَحْدِيدِ الإِْسْفَارِ: أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ ظَهَرَ فَسَادُهَا أَعَادَهَا بِقِرَاءَةٍ مَسْنُونَةٍ، قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ، أَيْ بَعْدَ مَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْل عِنْدَ اللُّزُومِ. (3)
وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ لِفَضِيلَةِ الإِْسْفَارِ
(1) المراجع السابقة، وانظر الحطاب 1 / 403، 404. وحديث:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح مرة بغلس. . . ". أخرجه أبو داود (1 / 278 - 279) وحسنه النووي في المجموع (3 / 52) .
(2)
حديث: " أسفروا بالفجر. . . ". أخرجه الترمذي (1 / 289) من حديث رافع بن خديج، وقال:" حديث حسن صحيح ".
(3)
مراقي الفلاح، مع الطحطاوي ص97.
بِالْمَعْقُول كَذَلِكَ، حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ فِي الإِْسْفَارِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ، وَفِي التَّغْلِيسِ تَقْلِيلَهَا، وَمَا يُؤَدِّي إِلَى التَّكْثِيرِ أَفْضَل.
وَالإِْسْفَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُسْتَحَبٌّ سَفَرًا وَحَضَرًا، شِتَاءً وَصَيْفًا، مُنْفَرِدًا أَوْ مُؤْتَمًّا أَوْ إِمَامًا لِلرِّجَال، (1) إِلَاّ فِي مُزْدَلِفَةَ لِلْحَاجِّ، فَإِنَّ التَّغْلِيسَ لَهُمْ أَفْضَل لِلتَّفَرُّغِ لِوَاجِبِ الْوُقُوفِ، كَمَا أَنَّ التَّغْلِيسَ أَفْضَل لِلنِّسَاءِ؛ لأَِنَّ حَالَهُنَّ عَلَى التَّسَتُّرِ، وَهُوَ فِي التَّغْلِيسِ أَكْثَرُ وَأَتَمُّ.
وَنُقِل عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالتَّغْلِيسِ وَيَخْتِمُ بِالإِْسْفَارِ، جَمْعًا بَيْنَ أَحَادِيثِ التَّغْلِيسِ وَالإِْسْفَارِ. (2) وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْخَانِيَّةِ اسْتِحْبَابَ التَّغْلِيسِ بِفَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَالأَْكْثَرُونَ عَلَى إِسْفَارِهِ. (3)
(1) مراقي الفلاح والطحطاوي عليه ص97، ابن عابدين 2 / 173.
(2)
الاختيار 1 / 38 ط دار المعرفة.
(3)
ابن عابدين 2 / 173.
غَلْصَمَة
انْظُرْ: ذَبَائِح.
غَلَط
انْظُرْ: خَطَأ.
غَلْق
انْظُرْ: إِغْلَاق.
غَلَّةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 -
الْغَلَّةُ فِي اللُّغَةِ: الدَّخْل مِنْ كِرَاءِ دَارٍ وَأَجْرِ حَيَوَانٍ وَفَائِدَةِ أَرْضٍ، وَالدَّخْل الَّذِي يَحْصُل مِنَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَالإِْجَارَةِ وَالنِّتَاجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْجَمْعُ: غَلَاّتٌ، وَغِلَالٌ.
وَأَغْلَتِ الضَّيْعَةُ: أَعْطَتِ الْغَلَّةَ فَهِيَ مُغِلَّةٌ: إِذَا أَتَتْ بِشَيْءٍ وَأَصْلُهَا بَاقٍ، وَفُلَانٌ يُغِل عَلَى عِيَالِهِ، أَيْ يَأْتِيهِمْ بِالْغَلَّةِ. (1)
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ -
الرِّبْحُ:
2 -
الرِّبْحُ وَالرِّبْحُ لُغَةً: النَّمَاءُ فِي التِّجَارَةِ وَيُسْنَدُ الْفِعْل إِلَى التِّجَارَةِ مَجَازًا،
(1) لسان العرب.
(2)
تقريرات الشيح عليش على الشرح الكبير للدردير 3 / 246، والقليوبي 3 / 171.
فَيُقَال: رَبِحَتْ تِجَارَتُهُ فَهِيَ رَابِحَةٌ. (1) وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الرِّبْحِ وَالْغَلَّةِ أَنَّ الْغَلَّةَ أَعَمُّ.
ب -
النَّمَاءُ
.
3 -
النَّمَاءُ: الزِّيَادَةُ، وَهُوَ نَوْعَانِ: حَقِيقِيٌّ وَتَقْدِيرِيٌّ.
فَالْحَقِيقِيُّ: الزِّيَادَةُ وَالتَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُل وَالتِّجَارَاتُ.
وَالتَّقْدِيرِيُّ: تَمَكُّنُهُ مِنَ الزِّيَادَةِ بِكَوْنِ الْمَال فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ نَائِبِهِ. (2)
وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ النَّمَاءِ وَالْغَلَّةِ أَنَّ النَّمَاءَ مِنْ أَسْبَابِ الْغَلَّةِ.
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَلَّةِ مِنْ أَحْكَامٍ:
أَوَّلاً - غَلَّةُ الْمُوصَى بِهِ:
4 -
الْوَصِيَّةُ تُنَفَّذُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ: تَمْلِيكٌ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيَنْتَقِل مِلْكُ الْمُوصَى بِهِ إِلَى الْمُوصَى لَهُ إِذَا تَمَّ قَبُول الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي مُبَاشَرَةً.
فَإِنْ تَأَخَّرَ قَبُول الْمُوصَى لَهُ لِلْوَصِيَّةِ بَعْدَ
(1) لسان العرب.
(2)
لسان العرب، وحاشية ابن عابدين 2 / 7.
مَوْتِ الْمُوصِي، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ غَلَّةِ الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي إِلَى وَقْتِ الْقَبُول، هَل تَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ أَمْ تَكُونُ لِلْوَرَثَةِ؟
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَحَدُ الأَْقْوَال عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَكُونُ الْغَلَّةُ الْحَادِثَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْل الْقَبُول لِلْمُوصَى لَهُ؛ لأَِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَمْلِكُ الْمُوصَى بِهِ بِالْمَوْتِ، وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْقَبُول.
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الأَْقْوَال عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْغَلَّةَ الْحَادِثَةَ تَكُونُ لِلْوَرَثَةِ؛ لأَِنَّ الْمِلْكَ فِي الْوَصِيَّةِ لَا يَثْبُتُ لِلْمُوصَى لَهُ إِلَاّ بِقَبُولِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَتَكُونُ الْغَلَّةُ لِلْوَرَثَةِ؛ لأَِنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِمْ.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ فَقَطْ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ الأَْمْرَانِ مَعًا (وَقْتُ الْمَوْتِ وَوَقْتُ الْقَبُول) . (1)
ثَانِيًا - غَلَّةُ الْمَشْفُوعِ فِيهِ:
5 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي غَلَّةِ الْمَشْفُوعِ فِيهِ
(1) البدائع 7 / 332، 334، والدسوقي 4 / 424، والشرح الصغير 2 / 466 ط الحلبي، ومغني المحتاج 3 / 54، والمغني 6 / 158، وكشاف القناع 4 / 346.
الَّتِي تَحْدُثُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَبْل الأَْخْذِ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ، هَل تَكُونُ لِلشَّفِيعِ، أَوْ تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي؟
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ غَلَّةَ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ فِيهِ الَّتِي تَحْدُثُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَبْل أَخْذِهِ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ، تَكُونُ لَهُ؛ لأَِنَّ هَذِهِ الْغَلَّةَ حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِ؛ وَلأَِنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لِلْمَشْفُوعِ فِيهِ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ. (1)
وَإِنْ زَرَعَ الْمُشْتَرِي فِي الأَْرْضِ فَلِلشَّفِيعِ الأَْخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَيَبْقَى زَرْعُ الْمُشْتَرِي إِلَى أَوَانِ الْحَصَادِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ زَرَعَهُ فِي مِلْكِهِ؛ وَلأَِنَّ الشَّفِيعَ اشْتَرَى الأَْرْضَ وَفِيهَا زَرْعٌ لِلْبَائِعِ، فَكَانَ لَهُ مُبَقًّى إِلَى الْحَصَادِ بِلَا أُجْرَةٍ كَغَيْرِ الْمَشْفُوعِ، وَإِنْ كَانَ فِي الشَّجَرِ ثَمَرٌ ظَاهِرٌ أَثْمَرَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ لَهُ مُبْقًى إِلَى الْجُذَاذِ كَالزَّرْعِ (2) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْمَشْفُوعَ فِيهِ لَوْ كَانَ نَخْلاً وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَمَرٌ وَقْتَ الْبَيْعِ ثُمَّ أَثْمَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِالثَّمَرَةِ؛ لأَِنَّ الْبَيْعَ سَرَى إِلَيْهَا فَكَانَتْ تَبَعًا، فَإِذَا جَذَّهَا الْمُشْتَرِي فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ النَّخْل بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، لأَِنَّ الثَّمَرَةَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً
(1) حديث: " الخراج بالضمان ". أخرجه أبو داود (3 / 780) من حديث عائشة وقال: هذا إسناد ليس بذاك.
(2)
جواهر الإكليل 2 / 163، والمغني 5 / 346.
وَقْتَ الْعَقْدِ فَلَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً، فَلَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنِ اشْتَرَى شِقْصًا وَحَدَثَ فِيهِ زِيَادَةٌ قَبْل أَنْ يَأْخُذَ الشَّفِيعُ، فَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةً لَا تَتَمَيَّزُ - كَالْفَصِيل إِذَا طَال وَامْتَلأََ - فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ مَعَ زِيَادَتِهِ؛ لأَِنَّ مَا لَا يَتَمَيَّزُ يَتْبَعُ الأَْصْل فِي الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَمَيِّزَةً - كَالثَّمَرَةِ - فَإِنْ كَانَتْ ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ فِيهَا حَقٌّ لأَِنَّهَا لَا تَتْبَعُ الأَْصْل، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ فَفِي الْجَدِيدِ لَا تَتْبَعُ لأَِنَّهُ اسْتِحْقَاقٌ بِغَيْرِ تَرَاضٍ، فَلَا يُؤْخَذُ بِهِ إِلَاّ مَا دَخَل بِالْعَقْدِ. (2)
ثَالِثًا - غَلَّةُ الْمَرْهُونِ:
6 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ غَلَّةَ الْمَرْهُونِ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ؛ لأَِنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي غَلَّةِ الْمَرْهُونِ الَّتِي تَحْدُثُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، هَل تَدْخُل فِي الرَّهْنِ أَمْ لَا؟
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْغَلَّةَ (الزَّوَائِدَ الْمُنْفَصِلَةَ) الَّتِي تَحْدُثُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ لَا تَدْخُل فِي الرَّهْنِ؛ لأَِنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ لَا يُزِيل الْمِلْكَ عَنِ الرَّقَبَةِ فَلَا يَسْرِي إِلَى الْغَلَّةِ. (3)
(1) البدائع 5 / 29، والاختيار 2 / 50.
(2)
المهذب 1 / 389.
(3)
جواهر الإكليل 2 / 82، والدسوقي 3 / 245، ومغني المحتاج 2 / 122، 139.
لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا: لَوِ اشْتَرَطَ الْمُرْتَهِنُ دُخُولَهَا فِي الرَّهْنِ دَخَلَتْ فِيهِ، وَإِنْ رَهَنَ النَّخْل انْدَرَجَ فِي رَهْنِهَا فَرْخُ النَّخْل مَعَ الأَْصْل. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ تَكُونَ زَوَائِدُ الْمَرْهُونِ مِنْ صُوفٍ وَثَمَرَةٍ وَوَلَدٍ مَرْهُونَةً مِثْل الأَْصْل، فَالأَْظْهَرُ فَسَادُ الشَّرْطِ لأَِنَّهَا مَعْدُومَةٌ وَمَجْهُولَةٌ، وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ لَا يُفْسِدُ الشَّرْطَ؛ لأَِنَّ الرَّهْنَ عِنْدَ الإِْطْلَاقِ إِنَّمَا لَمْ يَتَعَدَّ لِلزَّوَائِدِ لِضَعْفِهِ، فَإِذَا قَوِيَ بِالشَّرْطِ سَرَى. (2)
وَفَصَّل الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ مَا يَتَوَلَّدُ مِنَ الأَْصْل وَمَا لَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْهُ، فَقَالُوا: إِنَّ مَا تَوَلَّدَ مِنَ الأَْصْل كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالثَّمَرَةِ يَصِيرُ رَهْنًا مَعَ الأَْصْل؛ لأَِنَّ الرَّهْنَ حَقٌّ لَازِمٌ فَيَسْرِي إِلَى التَّبَعِ، أَمَّا مَا لَمْ يَتَوَلَّدْ مِنَ الأَْصْل كَغَلَّةِ الْعَقَارِ وَكَسْبِ الرَّهْنِ فَلَا يَنْدَرِجُ فِي الرَّهْنِ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مُتَوَلِّدٍ مِنْهُ. (3)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَكُونُ نَمَاءُ الرَّهْنِ جَمِيعِهِ وَغَلَاّتِهِ رَهْنًا فِي يَدِ مَنِ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ كَالأَْصْل؛ لأَِنَّهُ حُكْمٌ يَثْبُتُ فِي الْعَيْنِ لِعَقْدِ الْمَالِكِ، فَيَدْخُل فِيهِ النَّمَاءُ وَالْمَنَافِعُ. (4)
(1) المراجع السابقة للمالكية.
(2)
مغني المحتاج 2 / 122.
(3)
الاختيار 2 / 65 - 66، والبدائع 6 / 152.
(4)
المغني 4 / 430 ط الرياض.
غُلْمَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 -
الْغُلْمَةُ فِي اللُّغَةِ - وِزَانُ غُرْفَةٍ - شِدَّةُ
الشَّهْوَةِ
لِلْجِمَاعِ، وَغَلِمَ غَلْمًا فَهُوَ غَلِمٌ - مِنْ بَابِ تَعِبَ - إِذَا اشْتَدَّ شَبَقُهُ وَشَهْوَتُهُ لِلْجِمَاعِ، وَأَغْلَمَهُ الشَّيْءُ: أَيْ هَيَّجَ غُلْمَتَهُ، وَيُقَال: اغْتَلَمَ الْغُلَامُ: إِذَا بَلَغَ حَدَّ الْغُلُومَةِ مِنْ عُمْرِهِ، قَال الرَّاغِبُ الأَْصْفَهَانِيُّ: وَلَمَّا كَانَ مَنْ بَلَغَ هَذَا الْحَدَّ كَثِيرًا مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الشَّبَقُ قِيل لِلشَّبَقِ: غُلْمَةٌ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الشَّهْوَةُ:
2 -
أَصْل الشَّهْوَةِ نُزُوعُ النَّفْسِ وَاشْتِيَاقُهَا إِلَى الشَّيْءِ الَّذِي تُرِيدُهُ، وَهِيَ حَرَكَةٌ لِلنَّفْسِ
(1) المفردات في غريب القرآن، المصباح المنير، المعجم الوسيط، والمغرب في ترتيب المعرب، ومغني المحتاج 1 / 445.
طَلَبًا لِلْمُلَائِمِ، وَيُقَال: رَجُلٌ شَهْوَانُ وَشَهْوَانِيٌّ: أَيْ شَدِيدُ الرَّغْبَةِ فِي الْمَلَذَّاتِ، وَهُوَ نِسْبَةٌ إِلَى الشَّهْوَةِ، وَامْرَأَةٌ شَهْوَى.
وَاصْطِلَاحًا: لَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. (1)
وَالصِّلَةُ أَنَّ الْغُلْمَةَ نَوْعٌ مِنَ الشَّهْوَةِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْغُلْمَةِ:
3 -
قَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ: يَجُوزُ لِلْمُكَفِّرِ الْمُفْطِرِ فِي رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ الْعُدُول عَنِ الصَّوْمِ إِلَى الإِْطْعَامِ لِشِدَّةِ الْغُلْمَةِ، أَيْ حَاجَتِهِ الشَّدِيدَةِ لِلْوَطْءِ؛ لِئَلَاّ يَقَعَ فِيهِ أَثْنَاءَ الصَّوْمِ فَيَحْتَاجَ إِلَى اسْتِئْنَافِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَهُوَ حَرَجٌ شَدِيدٌ. قَالُوا: لأَِنَّ حَرَارَةَ الصَّوْمِ وَشِدَّةَ الْغُلْمَةِ قَدْ يُفْضِيَانِ بِهِ إِلَى الْوِقَاعِ، وَلَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنَ الشَّهْرَيْنِ، وَذَلِكَ يُبْطِل التَّتَابُعَ، وَلأَِنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَمَرَ الْمُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ قَال لَهُ الرَّجُل: وَهَل أَصَبْتُ الَّذِي أَصَبْتُ إِلَاّ مِنَ الصِّيَامِ، فَأَمَرَهُ بِالإِْطْعَامِ، (2) قَالُوا: وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ تَرْكُ رَمَضَانَ لِسَبَبِ الْغُلْمَةِ؛ لأَِنَّ رَمَضَانَ لَا بَدِيل عَنْهُ، وَلأَِنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ فِيهِ لَيْلاً،
(1) المصباح المنير، والمغرب في ترتيب المعرب.
(2)
حديث: " هل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام ". أخرجه أبو داود (2 / 662) وفي إسناده انقطاع كما في تحفة المحتاج لابن الملقن (2 / 406) .
بِخِلَافِهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ مَثَلاً لاِسْتِمْرَارِ حُرْمَتِهِ إِلَى الْفَرَاغِ مِنْ صِيَامِ الشَّهْرَيْنِ.
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الصَّوْمِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْعُدُول عَنْهُ كَصَوْمِ رَمَضَانَ. (1)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْغُلْمَةِ وَمَنْ بِهِ شَبَقٌ أَنْ يُجَامِعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ إِذَا خَافَ تَشَقُّقَ ذَكَرِهِ مِنَ الْغُلْمَةِ، أَوْ تَشَقُّقَ أُنْثَيَيْهِ أَوْ مَثَانَتِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، بَل يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ.
قَالُوا: وَإِنِ انْدَفَعَتْ شَهْوَتُهُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ كَالاِسْتِمْنَاءِ بِيَدِهِ، أَوْ يَدِ زَوْجَتِهِ وَكَالْمُفَاخَذَةِ أَوِ الْمُضَاجَعَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْوَطْءُ، فَهُوَ كَالصَّائِل يَنْدَفِعُ بِالأَْسْهَل فَالأَْسْهَل.
وَيَجُوزُ لَهُ إِفْسَادُ صَوْمِ زَوْجَتِهِ الْمُسْلِمَةِ الْبَالِغَةِ لِلضَّرُورَةِ كَأَكْل الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، لَكِنْ إِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ لَا يُفْسِدَ صَوْمَ زَوْجَتِهِ فَلَا يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ لاِنْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ.
وَإِنِ اضْطُرَّ إِلَى وَطْءِ حَائِضٍ وَصَائِمَةٍ بَالِغَةٍ - بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا - فَوَطْءُ الصَّائِمَةِ أَوْلَى مِنْ وَطْءِ الْحَائِضِ؛ لأَِنَّ تَحْرِيمَ وَطْءِ الْحَائِضِ ثَبَتَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، أَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنِ الصَّائِمَةُ بَالِغَةً فَيَجِبُ
(1) تحفة المحتاج 3 / 452، نهاية المحتاج 3 / 199، مغني المحتاج 1 / 445.
اجْتِنَابُ الْحَائِضِ لِلاِسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِوَطْءِ الصَّغِيرَةِ، وَكَذَا الْمَجْنُونَةُ.
وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَى صَاحِبِ الْغُلْمَةِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ لِدَوَامِ شَبَقِهِ، فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْكَبِيرِ الَّذِي عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ، فَيُطْعِمُ عَنْ كُل يَوْمٍ مِسْكِينًا.
وَتَجْرِي أَحْكَامُ صَاحِبِ الْغُلْمَةِ أَوِ الشَّبَقِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - فِي جَوَازِ الْوَطْءِ وَإِفْسَادِ صَوْمِ زَوْجَتِهِ الْمُسْلِمَةِ الْبَالِغَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ غَيْرُهَا - عَلَى مَنْ بِهِ مَرَضٌ يَنْتَفِعُ بِالْجِمَاعِ. (1)
وَكَمَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الشَّبَقِ أَنْ يُفْطِرَ بِالْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ لَهُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَنْتَقِل إِلَى الإِْطْعَامِ بَدَل الصِّيَامِ فِي الْكَفَّارَاتِ الْمُرَتَّبَةِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ مَثَلاً، فَمَذْهَبُهُمْ فِي ذَلِكَ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ. (2)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (كَفَّارَة) .
(1) المغني لابن قدامة 3 / 141، كشاف القناع 2 / 311 - 323، كشف المخدرات ص157.
(2)
كشاف القناع 5 / 385.
غُلُول
التَّعْرِيفُ:
1 -
مِنْ مَعَانِي الْغُلُول فِي اللُّغَةِ: الْخِيَانَةُ، يُقَال: غَل مِنَ الْمَغْنَمِ غُلُولاً أَيْ خَانَ، وَأَغَل مِثْلَهُ. (1)
وَالْغُلُول فِي الاِصْطِلَاحِ: أَخْذُ شَيْءٍ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْل الْقِسْمَةِ وَلَوْ قَل، أَوِ الْخِيَانَةُ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْل حَوْزِهَا، أَوِ الْخِيَانَةُ مِنَ الْمَغْنَمِ، (2) لأَِنَّ صَاحِبَهُ يَغُلُّهُ أَيْ يُخْفِيهِ فِي مَتَاعِهِ، أَوْ هُوَ السَّرِقَةُ مِنَ الْمَغْنَمِ.
وَعَرَّفَ ابْنُ قُدَامَةَ الْغَال بِأَنَّهُ: الَّذِي يَكْتُمُ مَا يَأْخُذُهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَلَا يَطَّلِعُ الإِْمَامُ عَلَيْهِ وَلَا يَضَعُهُ مَعَ الْغَنِيمَةِ. (3)
وَقَال النَّوَوِيُّ: وَأَصْل الْغُلُول الْخِيَانَةُ مُطْلَقًا وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ خَاصَّةً فِي الْخِيَانَةِ فِي الْغَنِيمَةِ. (4)
(1) مختار الصحاح والمصباح المنير.
(2)
الشرح الصغير 2 / 279، والدسوقي 2 / 179.
(3)
البحر الرائق 5 / 83، وابن عابدين 3 / 224، والمغني 8 / 470 ط المنار.
(4)
شرح صحيح مسلم للنووي 4 / 216، وانظر ابن عابدين 3 / 224، والزرقاني 3 / 28.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْغُلُول حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُل وَمَنْ يَغْلُل يَأْتِ بِمَا غَل يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (1)، وَلِقَوْل الرَّسُول صلى الله عليه وسلم: لَا يَحِل لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، وَلَا أَنْ يَبْتَاعَ مَغْنَمًا حَتَّى يُقْسَمَ، وَلَا أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ، وَلَا يَرْكَبُ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهُ فِيهِ. (2)
قَال النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الْغُلُول، وَأَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ رَدَّ مَا غَلَّهُ. (3)
عُقُوبَةُ الْغَال:
3 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْغَال مِنَ الْغَنِيمَةِ يُعَزَّرُ وَلَا يُقْطَعُ؛ لأَِنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْغَنِيمَةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ قَطْعِهِ؛ لأَِنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.
(1) `سورة آل عمران / 161.
(2)
حديث: " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره. . . ". أخرجه أحمد (4 / 108) من حديث رويفع بن ثابت.
(3)
صحيح مسلم بشرح النووي 12 / 217.
وَوَافَقَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ فِيمَا كَانَ قَبْل الْحَوْزِ أَوْ دُونَ النِّصَابِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُقْطَعُ إِذَا سَرَقَ نِصَابًا بَعْدَ الْحَوْزِ، وَلَمْ يَجْعَلُوا كَوْنَهُ مِنَ الْغَانِمِينَ الَّذِينَ لَهُمْ حَقٌّ فِي الْغَنِيمَةِ شُبْهَةً تَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ. وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُقْطَعُ إِذَا سَرَقَ بَعْدَ الْحَوْزِ نِصَابًا فَوْقَ مَنَابِهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ. (1)
وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يُحْرَقُ رَحْلُهُ وَلَا مَتَاعُهُ؛ لأَِنَّ الإِْحْرَاقَ إِضَاعَةٌ لِلْمَال، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ. (2)
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ وَالأَْوْزَاعِيُّ أَنَّ مَنْ غَل مِنَ الْغَنِيمَةِ حُرِقَ رَحْلُهُ كُلُّهُ وَمَتَاعُهُ كُلُّهُ، إِلَاّ الْمُصْحَفَ وَمَا فِيهِ رُوحٌ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ: إِذَا وَجَدْتُمِ الرَّجُل قَدْ غَل فَاحْرِقُوا مَتَاعَهُ وَاضْرِبُوهُ (3)
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 12 / 217 - 218، والشرح الصغير 2 / 279، 280، والبحر الرائق 5 / 62 - 63، والمغني 8 / 491.
(2)
حديث: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال. أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 340) ومسلم (3 / 1341) من حديث المغيرة بن شعبة.
(3)
حديث: " إذا وجدتم الرجل قد غل. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 157) من حديث عمر بن الخطاب، وأورده ابن حجر في التلخيص (4 / 114) وذكر تضعيف أحد رواته.
مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ غُلُولاً:
4 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى جَوَازِ الاِنْتِفَاعِ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْل قَسْمِهَا بِالطَّعَامِ وَالْعَلَفِ لِلدَّوَابِّ، سَوَاءٌ أَذِنَ الإِْمَامُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَيَنْتَفِعُ الْغَانِمُ مِنْهَا، لَا التَّاجِرُ وَلَا الدَّاخِل لِخِدْمَةِ الْغَانِمِ بِأَجْرٍ، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ خَبَزَ الْحِنْطَةَ أَوْ طَبَخَ اللَّحْمَ فَلَا بَأْسَ بِهِ لأَِنَّهُ مَلَكَهُ بِالاِسْتِهْلَاكِ، وَيَنْتَفِعُ الْغَانِمُ مِنَ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِلَا قِسْمَةٍ بِالسِّلَاحِ وَالرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ - إِنِ احْتِيجَ لِلسِّلَاحِ وَالدَّابَّةِ وَاللُّبْسِ - إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا، يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعْمِل كُل ذَلِكَ، وَإِلَاّ فَلَا، وَبِالْعَلَفِ وَالدُّهْنِ وَالطِّيبِ مُطْلَقًا، أَيْ يَنْتَفِعُ بِهَا سَوَاءً وُجِدَ الاِحْتِيَاجُ أَمْ لَمْ يُوجَدْ. وَفِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْلِفَ الْعَسْكَرُ دَوَابَّهُمْ وَيَأْكُلُوا مَا وَجَدُوا مِنَ الطَّعَامِ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَمَا يُسْتَعْمَل فِيهِ كَالسَّمْنِ وَالزَّيْتِ، وَيَسْتَعْمِلُوا الْحَطَبَ؛ لأَِنَّ الْحَاجَةَ تَمَسُّ إِلَيْهَا، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَال كُل ذَلِكَ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ بِلَا قِسْمَةٍ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ كَمَا فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ، وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَمْ يَشْتَرِطِ الْحَاجَةَ اسْتِحْسَانًا، وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
فِي طَعَامِ خَيْبَرَ: كُلُوا وَاعْلِفُوا وَلَا تَحْمِلُوا، (1) وَلأَِنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيل الْحَاجَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، بِخِلَافِ السِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ لَا يَسْتَصْحِبُهَا فَلَا يُوجَدُ دَلِيل الْحَاجَةِ فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَقَيَّدَ جَوَازَ الاِنْتِفَاعِ بِمَا إِذَا لَمْ يَنْهَهُمُ الإِْمَامُ عَنِ الاِنْتِفَاعِ بِالْمَأْكُول وَالْمَشْرُوبِ، وَأَمَّا إِذَا نَهَاهُمْ فَلَا يَجُوزُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ لَكِنْ يُعْتَبَرُ هَذَا الشَّرْطُ بِمَا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَتُهُمْ إِلَيْهِ مَوْجُودَةً وَإِلَاّ لَا يُعْمَل بِنَهْيِهِ. (2)
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ السِّلَاحَ لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ إِلَاّ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ اتِّفَاقًا، وَأَطْلَقَ فِي الطَّعَامِ مُهَيَّأً لِلأَْكْل أَمْ لَا، فَيَجُوزُ ذَبْحُ الْمَاشِيَةِ، وَتُرَدُّ جُلُودُهَا لِلْغَنِيمَةِ.
وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه: أَصَبْنَا جِرَابًا مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فَالْتَزَمْتُهُ، فَقُلْتُ: لَا أُعْطِي الْيَوْمَ أَحَدًا مِنْ هَذَا شَيْئًا، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُول اللَّهِ مُبْتَسِمًا. (3) وَلَمْ يَأْمُرِ
(1) حديث: " كلوا واعلفوا ولا تحملوا ". أخرجه البيهقي في سننه (9 / 61) وفي المعرفة (13 / 189) من حديث عبد الله بن عمرو، ونقل في المصدر الثاني عن الشافعي أنه ضعف إسناده.
(2)
مجمع الأنهر 1 / 643.
(3)
حديث عبد الله بن مغفل: " أصبنا جرابًا من شحم. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1393) وهو في البخاري (فتح الباري 7 / 481) بلفظ مقارب.
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَدِّهِ فِي الْغَنِيمَةِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ لِلْمُحْتَاجِ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْغَنِيمَةِ - لَا عَلَى وَجْهِ الْغُلُول - نَعْلاً يَنْتَعِل بِهِ، وَحِزَامًا يَشُدُّ بِهِ ظَهْرَهُ، وَطَعَامًا يَأْكُلُهُ وَنَحْوَهُ كَعَلَفٍ لِدَابَّتِهِ وَإِبْرَةٍ وَمِخْيَاطٍ وَخَيْطٍ وَقَصْعَةٍ وَدَلْوٍ، وَإِنْ نَعَمًا يَذْبَحُهُ لِيَأْكُلَهُ أَوْ يَحْمِل عَلَيْهِ مَتَاعًا، وَيَرُدَّ جِلْدَهُ لِلْغَنِيمَةِ إِنْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهِ. وَمِنَ الْجَائِزِ ثَوْبٌ يَحْتَاجُ لِلُبْسِهِ أَوْ يَتَغَطَّى بِهِ، وَسِلَاحٌ يُحَارِبُ بِهِ إِنِ احْتَاجَ وَدَابَّةٌ يَرْكَبُهَا أَوْ يُقَاتِل عَلَيْهَا، وَيَأْخُذُ الثَّوْبَ وَمَا ذَكَرْنَاهُ بَعْدَهُ إِنِ احْتَاجَ وَقَصَدَ الرَّدَّ لَهَا بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ، لَا إِنْ قَصَدَ التَّمَلُّكَ فَلَا يَجُوزُ.
وَكُل مَا فَضَل عَنْ حَاجَتِهِ مِنْ كُل مَا أَخَذَهُ - سَوَاءٌ اشْتُرِطَ فِي أَخْذِهِ الْحَاجَةُ أَمْ لَا - يَجِبُ رَدُّ مَا زَادَ مِنْهُ إِنْ كَثُرَ بِأَنْ سَاوَى دِرْهَمًا فَأَعْلَى، لَا إِنْ كَانَ تَافِهًا. فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهِ كُلِّهِ عَلَى الْجَيْشِ وُجُوبًا بَعْدَ إِخْرَاجِ خُمُسِهِ. (1) وَفِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: وَلَيْسَ مِنْهُ - أَيْ مِنَ الْغُلُول الْمُحَرَّمِ - أَخْذُ قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّ مِنْهَا إِذَا كَانَ الأَْمِيرُ جَائِرًا لَا يَقْسِمُ قِسْمَةً شَرْعِيَّةً، فَإِنَّهُ يَجُوزُ إِنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ قَال بَعْدَ ذَلِكَ: وَجَازَ أَخْذُ مُحْتَاجٍ مِنَ الْغَانِمِينَ وَلَوْ لَمْ
(1) الشرح الصغير للدردير 2 / 280.
@ @ @ @ @ تَبْلُغْ حَاجَتُهُ الضَّرُورَةَ، سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الإِْمَامُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ، مَا لَمْ يَمْنَعِ الإِْمَامُ مِنْ ذَلِكَ، قَال الدُّسُوقِيُّ مُعَلِّقًا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ إِذَا مَنَعَ الإِْمَامُ، قَال: لَكِنَّ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ نَهَاهُمُ الإِْمَامُ ثُمَّ اضْطُرُّوا إِلَيْهِ جَازَ لَهُمْ أَخْذُهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِنَهْيِهِ، قَال أَبُو الْحَسَنِ: لأَِنَّ الإِْمَامَ إِذْ ذَاكَ عَاصٍ، قَال الْبُنَانِيِّ: وَأَخْذُ الْمُحْتَاجِ مِنْ الْغَنِيمَةِ مَحَل جَوَازِهِ إِذَا أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ الاِحْتِيَاجِ، لَا عَلَى وَجْهِ الْخِيَانَةِ، وَكَانَ أَخَذَ عَلَى نِيَّةِ رَدِّهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مُعْتَادًا لِمِثْلِهِ، لَا حِزَامًا كَأَحْزِمَةِ الْمُلُوكِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لِلْغَانِمِ التَّبَسُّطُ فِي الْغَنِيمَةِ قَبْل الْقَسْمِ: بِأَخْذِ الْقُوتِ وَمَا يَصْلُحُ بِهِ كَالشَّحْمِ وَاللَّحْمِ وَكُل طَعَامٍ يَعْتَادُونَ أَكْلَهُ عُمُومًا قَبْل الْقِسْمَةِ وَقَبْل احْتِيَازِ مِلْكِ الْغَنِيمَةِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّبَسُّطِ التَّوَسُّعُ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ جَوَازُ الْفَاكِهَةِ.
وَيَجُوزُ ذَبْحُ حَيَوَانٍ لِغَيْرِ لَحْمِهِ إِذَا قَصَدَ بِهِ الأَْكْل، كَأَنْ يَقْصِدَ أَكْل الْجِلْدِ، أَمَّا إِذَا قَصَدَ بِالْجِلْدِ غَيْرَ الأَْكْل كَأَنْ يُجْعَل سِقَاءً أَوْ خِفَافًا فَلَا يَجُوزُ، وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ، كَمَا
(1) حاشية الدسوقي 2 / 184.
لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ لِذَلِكَ وَيَضْمَنُ ذَابِحُهُ جِلْدَهُ وَقِيمَتَهُ.
وَلَا يَخْتَصُّ الْجَوَازُ بِمُحْتَاجٍ إِلَى طَعَامٍ وَعَلَفٍ، وَقِيل: يَخْتَصُّ بِهِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُمَا لاِسْتِغْنَائِهِ عَنْ أَخْذِ حَقِّ الْغَيْرِ.
وَلَا يَجُوزُ الأَْخْذُ مِنْ الْغَنِيمَةِ لِغَيْرِ الْغَانِمِينَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْخِلَافُ عِنْدَهُمْ فِي جَوَازِ الأَْخْذِ مُطْلَقًا لِلْغَانِمِ أَوْ لِلْمُحْتَاجِ لَا غَيْرُ. (1)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَجُوزُ لِلْغُزَاةِ إِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْحَرْبِ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا وَجَدُوا مِنَ الطَّعَامِ وَيَعْلِفُوا دَوَابَّهُمْ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَكَانَ الرَّجُل يَجِيءُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ (2) وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: كُنَّا نَصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَل وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ (3) ؛ وَلأَِنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ وَفِي الْمَنْعِ مِنْهُ مَضَرَّةٌ بِالْجَيْشِ وَدَوَابِّهِمْ، فَإِنَّهُ يَصْعُبُ نَقْلُهُ مِنْ دَارِ الإِْسْلَامِ، وَلَا
(1) شرح المنهاج للمحلي 4 / 223.
(2)
حديث عبد الله بن أبي أوفى: " أصبنا طعامًا يوم خيبر. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 151) والحاكم (2 / 126) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(3)
حديث ابن عمر: " كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 255) .
يَجِدُونَ بِدَارِ الْحَرْبِ مَا يَشْتَرُونَهُ، وَلَوْ وَجَدُوهُ لَمْ يَجِدُوا ثَمَنَهُ، وَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ مَا يَأْخُذُهُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ، وَلَوْ قَسَمَ لَمْ يَحْصُل لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ شَيْءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ أَوْ يَدْفَعُ بِهِ حَاجَتَهُ، فَأُبِيحَ لِلْمُجَاهِدِ ذَلِكَ مِنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِنَ الطَّعَامِ يَقْتَاتُ بِهِ وَيَصْلُحُ بِهِ الْقُوتُ مِنَ الإِْدَامِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ عَلَفٍ لِدَابَّتِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَيَكُونُ أَحَقَّ بِمَا يَأْخُذُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ فَضَل مِنْهُ مَا لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِ إِلَيْهِ رَدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لأَِنَّهُ إِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ. (1)
تَمَلُّكُ مَا بَقِيَ مِمَّا أُبِيحَ لَهُ أَخْذُهُ قَبْل الْقَسْمِ:
5 -
عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: مَا فَضَل مِمَّا أَخَذَهُ قَبْل الْقَسْمِ رُدَّ إِلَى الْغَنِيمَةِ، أَيْ هَذَا الَّذِي فَضَل مِمَّا أَخَذَهُ قَبْل الْخُرُوجِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ، رَدَّهُ إِلَى الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُرُوجِ إِلَى دَارِ الإِْسْلَامِ؛ لِزَوَال حَاجَتِهِ وَالإِْبَاحَةِ بِاعْتِبَارِهَا، وَهَذَا قَبْل الْقِسْمَةِ، وَبَعْدَهَا: إِنْ كَانَ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِعَيْنِهِ إِنْ كَانَ قَائِمًا، وَبِقِيمَتِهِ إِنْ كَانَ هَالِكًا.
أَمَّا إِنْ كَانَ فَقِيرًا فَيَنْتَفِعُ بِالْعَيْنِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِنْ هَلَكَ؛ لأَِنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الرَّدُّ
(1) المغني 8 / 438 ط الرياض.
صَارَ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَرُدُّ الْفَاضِل مِنْ كُل مَا أَخَذَهُ لِلأَْكْل، إِمَّا يُرَدُّ بِعَيْنِهِ إِنْ كَثُرَ بِأَنْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ لِتَفَرُّقِ الْجَيْشِ تَصَدَّقَ بِهِ كُلِّهِ بَعْدَ إِخْرَاجِ خُمُسِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، قَال الدُّسُوقِيُّ: الَّذِي فِي التَّوْضِيحِ يَتَصَدَّقُ بِهِ كُلِّهِ وَلَوْ كَطَعَامٍ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَقَال ابْنُ الْمَوَّازِ: يَتَصَدَّقُ مِنْهُ حَتَّى يَبْقَى الْيَسِيرُ فَيَجُوزُ أَكْلُهُ. (2)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: مَنْ رَجَعَ إِلَى دَارِ الإِْسْلَامِ وَمَعَهُ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَبَسَّطَهُ لَزِمَهُ رَدُّهَا إِلَى الْغَنِيمَةِ، وَالْقَوْل الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ لأَِنَّ الْمَأْخُوذَ مُبَاحٌ، وَلَا يُمْلَكُ بِالأَْخْذِ، وَإِذَا رَدَّهَا قَسَمَهَا الإِْمَامُ إِنْ أَمْكَنَ، وَإِلَاّ أَخْرَجَ لأَِهْل الْخُمُسِ حِصَّتَهُمْ فِيهَا، وَجَعَل الْبَاقِيَ لِلْمَصَالِحِ وَكَأَنَّ الْغَانِمِينَ أَعْرَضُوا عَنْهُ، وَكَانَ عَدَمُ لُزُومِ حِفْظِهِ لَهُ حَتَّى يُضَمَّ لِغَيْرِهِ لأَِنَّهُ تَافِهٌ. (3)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ قَال فِي الْمُغْنِي: وَمَا بَقِيَ مِنَ الطَّعَامِ فَأَدْخَلَهُ الْبَلَدَ طَرَحَهُ فِي الْمَغْنَمِ لِلْغُزَاةِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُْخْرَى: يُبَاحُ لَهُ أَكْلُهُ إِنْ كَانَ يَسِيرًا، أَمَّا الْكَثِيرُ
(1) الزيلعي 2 / 253.
(2)
الشرح الكبير بحاشية الدسوقي 2 / 184.
(3)
المنهاج وشرح المحلي عليه وتعليق عميرة 4 / 223.
فَيَجِبُ رَدُّهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لأَِنَّ مَا كَانَ مُبَاحًا لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِذَا أَخَذَهُ عَلَى وَجْهٍ يَفْضُل مِنْهُ كَثِيرٌ إِلَى دَارِ الإِْسْلَامِ فَقَدْ أَخَذَ مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ، لأَِنَّ الأَْصْل تَحْرِيمُهُ؛ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَسَائِرِ الْمَال، وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ مَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، فَمَا زَادَ يَبْقَى عَلَى أَصْل التَّحْرِيمِ، وَلِهَذَا لَمْ يُبَحْ لَهُ بَيْعُهُ، وَأَمَّا الْيَسِيرُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: يَجِبُ رَدُّهُ أَيْضًا، لِقَوْل الرَّسُول صلى الله عليه وسلم: أَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ (1) وَلأَِنَّهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَلَمْ يُقْسَمْ، فَلَمْ يُبَحْ فِي دَارِ الإِْسْلَامِ كَالْكَثِيرِ لَوْ أَخَذَهُ فِي دَارِ الإِْسْلَامِ، وَالثَّانِي: مُبَاحٌ، وَهُوَ قَوْل مَكْحُولٍ وَالأَْوْزَاعِيِّ، قَال أَحْمَدُ: أَهْل الشَّامِ يَتَسَاهَلُونَ فِي هَذَا، وَقَدْ رَوَى الْقَاسِمُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُنَّا نَأْكُل الْجَزُورَ فِي الْغَزْوِ وَلَا نَقْسِمُهُ، حَتَّى إِنْ كُنَّا لَنَرْجِعُ إِلَى رِجَالِنَا وَأَخْرِجَتُنَا مِنْهُ مُمْلأََةٌ. (2) وَقَال الأَْوْزَاعِيُّ أَدْرَكْت
(1) حديث: " أدوا الخيط والمخيط ". أخرجه ابن ماجه (2 / 950) من حديث عبادة بن الصامت، وحسن إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (2 / 21) .
(2)
حديث بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كنا نأكل الجزور في الغزو. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 152) وعنه البيهقي في المعرفة (13 / 189) ونقل البيهقي عن الشافعي أنه ضعف إسناده.
النَّاسَ يَقْدَمُونَ بِالْقَدِيدِ فَيُهْدِيهِ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، لَا يُنْكِرُهُ عَامِلٌ وَلَا إِمَامٌ وَلَا جَمَاعَةٌ، وَهَذَا نَقْلٌ لِلإِْجْمَاعِ؛ وَلأَِنَّهُ أُبِيحَ إِمْسَاكُهُ عَنِ الْقَسْمِ فَأُبِيحَ فِي دَارِ الإِْسْلَامِ، كَمَا أُبِيحَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي الأَْشْيَاءِ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا. وَيُفَارِقُ الْكَثِيرَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِمْسَاكُهُ عَنِ الْقِسْمَةِ لأَِنَّ الْيَسِيرَ تَجْرِي الْمُسَامَحَةُ فِيهِ وَنَقْصُهُ قَلِيلٌ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ. (1)
سَهْمُ الْغَال:
6 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْغَال يَسْتَحِقُّ سَهْمَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ، قَال الْمِرْدَاوِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيل: يَحْرُمُ سَهْمُهُ، وَاخْتَارَهُ الآْجُرِّيُّ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. (2)
مَال الْغَال الَّذِي غَلَّهُ إِذَا تَابَ:
7 -
إِذَا تَابَ الْغَال قَبْل الْقِسْمَةِ رَدَّ مَا أَخَذَهُ فِي الْمَغْنَمِ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لأَِنَّهُ حَقٌّ تَعَيَّنَ رَدُّهُ لأَِصْلِهِ، فَإِنْ تَابَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَمُقْتَضَى مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ أَنْ يَرُدَّ خُمُسَهُ إِلَى الإِْمَامِ وَيَتَصَدَّقَ بِالْبَاقِي، وَهَذَا قَوْل الْحَسَنِ وَاللَّيْثِ وَالزُّهْرِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ، لِمَا
(1) المغني 8 / 442 - 443 ط الرياض.
(2)
شرح السير الكبير 4 / 1208، والتاج والإكليل بهامش الحطاب 3 / 354، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 4 / 185 ط التراث.
رَوَى حَوْشَبٌ قَال: غَزَا النَّاسُ الرُّومَ وَعَلَيْهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَغَل رَجُلٌ مِائَةَ دِينَارٍ، فَلَمَّا قُسِمَتِ الْغَنِيمَةُ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ، تَقَدَّمَ فَأَتَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقَال: قَدْ غَلَلْت مِائَةَ دِينَارٍ فَاقْبِضْهَا، قَال: قَدْ تَفَرَّقَ النَّاسُ، فَلَنْ أَقْبِضَهَا مِنْك حَتَّى تُوَافِيَ اللَّهَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَتَى مُعَاوِيَةَ فَذَكَرَ ذَلِكَ فَقَال مِثْل ذَلِكَ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَبْكِي، فَمَرَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشَّاعِرِ السَّكْسَكِيِّ فَقَال: مَا يُبْكِيك؟ قَال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أَمُطِيعِي أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قَال: نَعَمْ، قَال: فَانْطَلِقْ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقُل لَهُ: خُذْ مِنِّي خُمُسَك فَأَعْطِهِ عِشْرِينَ دِينَارًا، وَانْظُرْ إِلَى الثَّمَانِينَ الْبَاقِيَةِ فَتَصَدَّقْ بِهَا عَنْ ذَلِكَ الْجَيْشِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَسْمَاءَهُمْ وَمَكَانَهُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَل التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، فَقَال مُعَاوِيَةُ: أَحْسَن وَاللَّهِ، لأََنْ أَكُونَ أَنَا أَفْتَيْت بِذَلِكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي أَحْسَن شَيْءٍ امْتَلَكْت (1) .
غَمُوس
انْظُرْ: أَيْمَان
(1) المغني 8 / 473.
غِنًى
التَّعْرِيفُ:
1 -
الْغِنَى بِالْكَسْرِ وَبِالْقَصْرِ: الْيَسَارُ، قَال أَبُو عُبَيْدٍ: أَغْنَى اللَّهُ الرَّجُل حَتَّى غَنِيَ غِنًى، أَيْ صَارَ لَهُ مَالٌ.
وَالْغَنِيُّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عز وجل، وَهُوَ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ فِي شَيْءٍ، وَكُل أَحَدٍ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْغِنَى الْمُطْلَقُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى (1) أَيْ مَا فَضَل عَنْ قُوتِ الْعِيَال وَكِفَايَتِهِمْ. (2)
وَالْغِنَى يَكُونُ بِالْمَال وَغَيْرِهِ، مِنَ الْقُوَّةِ وَالْمَعُونَةِ، وَكُل مَا يُنَافِي الْحَاجَةَ. (3)
وَلَا يَخْرُجُ مَعْنَى الْغِنَى فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، إِلَاّ أَنَّهُمْ
(1) حديث: " خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 294) من حديث أبي هريرة.
(2)
لسان العرب، والمصباح المنير.
(3)
الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري ص144.
يَخْتَلِفُونَ فِي الْغِنَى الْمُعْتَبَرِ بِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَكُونُ الْغِنَى فِيهَا أَسَاسًا فِي الْحُكْمِ: فَالْغِنَى الْمُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ مَثَلاً غَيْرُ الْغِنَى الْمُعْتَبَرِ فِي إِيجَابِ الزَّكَاةِ، يَقُول الْكَاسَانِيُّ: الْغِنَى أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: غِنًى تَجِبُ بِهِ الزَّكَاةُ، وَغِنًى يَحْرُمُ بِهِ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَقَبُولُهَا، وَغِنًى يَحْرُمُ بِهِ السُّؤَال وَلَا يَحْرُمُ بِهِ الأَْخْذُ. (1)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ -
الْمَال:
2 -
الْمَال لُغَةً: مَا مَلَكْته مِنْ جَمِيعِ الأَْشْيَاءِ، قَال ابْنُ الأَْثِيرِ: الْمَال فِي الأَْصْل مَا يُمْلَكُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى كُل مَا يُقْتَنَى وَيُمْلَكُ مِنَ الأَْعْيَانِ، وَمَال الرَّجُل يَمُول وَيُمَال: إِذَا صَارَ ذَا مَالٍ. (2)
وَفِي الاِصْطِلَاحِ: الْمَال مَا يَمِيل إِلَيْهِ الطَّبْعُ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ. (3)
وَالْمَال مِنْ أُسُسِ الْغِنَى، وَالْغِنَى أَعَمُّ مِنَ الْمَال، لأَِنَّهُ يَكُونُ بِالْمَال وَغَيْرِهِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالْمَعُونَةِ وَكُل مَا يُنَافِي الْحَاجَةَ. (4)
(1) البدائع 2 / 47 - 48 - 319، والمغني 6 / 484، والمهذب 2 / 40، والمواق 2 / 342.
(2)
لسان العرب.
(3)
حاشية ابن عابدين 4 / 3.
(4)
الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري ص144، والمواق 2 / 342.
ب -
الاِكْتِسَابُ:
3 -
الاِكْتِسَابُ: طَلَبُ الرِّزْقِ وَتَحْصِيل الْمَال عَلَى الْعُمُومِ.
وَأَضَافَ الْفُقَهَاءُ إِلَى ذَلِكَ مَا يُفْصِحُ عَنِ الْحُكْمِ فَقَالُوا: الاِكْتِسَابُ هُوَ تَحْصِيل الْمَال بِمَا حَل مِنَ الأَْسْبَابِ. (1)
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغِنَى، أَنَّ الاِكْتِسَابَ وَسِيلَةٌ مِنْ وَسَائِل الْغِنَى.
ج -
النِّعْمَةُ:
4 -
النَّعِيمُ وَالنُّعْمَى وَالنِّعْمَةُ فِي اللُّغَةِ: الْخَفْضُ وَالدَّعَةُ وَالْمَال، وَهُوَ ضِدُّ الْبَأْسَاءِ وَالْبُؤْسِ، وَالْجَمْعُ: نِعَمٌ، وَالنِّعْمَةُ: الْيَدُ الْبَيْضَاءُ الصَّالِحَةُ، وَالصَّنِيعَةُ، وَالْمِنَّةُ.
وَنِعْمَةُ اللَّهِ: مَنُّهُ وَمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ الْعَبْدَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ غَيْرُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ. (2)
وَلَا يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لَهُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. (3)
وَعَلَى ذَلِكَ تَكُونُ النِّعْمَةُ أَعَمَّ مِنَ الْغِنَى؛ لأَِنَّهَا تَشْمَل الْغِنَى وَغَيْرَهُ.
(1) القاموس المحيط، والمصباح المنير، ولسان العرب، والمبسوط للسرخسي 30 / 244.
(2)
لسان العرب، والمصباح المنير، والمغرب، والمعجم الوسيط.
(3)
نهاية المحتاج 1 / 22، 24، والبدائع 2 / 11.
د -
الْفَقْرُ
.
5 -
الْفَقْرُ: الْعَوَزُ، وَالْحَاجَةُ، وَالْهَمُّ، وَالْحِرْصُ. وَالْفَقْرُ ضِدُّ الْغِنَى.
قَال ابْنُ السِّكِّيتِ: الْفَقِيرُ الَّذِي لَهُ بُلْغَةٌ مِنَ الْعَيْشِ، وَالْمِسْكِينُ: الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، وَقَال ابْنُ الأَْعْرَابِيِّ: الْفَقِيرُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، وَالْمِسْكِينُ مِثْلُهُ (1) .
وَيَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ كِلَاهُمَا يَشْعُرُ بِالْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ وَعَدَمِ الْغِنَى، إِلَاّ أَنَّ الْفَقِيرَ أَشَدُّ حَاجَةً مِنَ الْمِسْكِينِ، لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} ، (2) وَإِنَّمَا يُبْدَأُ بِالأَْهَمِّ فَالأَْهَمِّ، وَقِيل: الْعَكْسُ. (3)
حُكْمُ طَلَبِ الْغِنَى:
6 -
طَلَبُ الْغِنَى أَمْرٌ مَشْرُوعٌ فِي الإِْسْلَامِ، وَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ الْكَثِيرُ مِنَ الآْيَاتِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى طَلَبِ الرِّزْقِ وَالسَّعْيِ فِي الأَْرْضِ، يَقُول اللَّهُ تَعَالَى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَْرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْل اللَّهِ} (4) ، وَيَقُول سُبْحَانَهُ
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(2)
سورة التوبة / 60.
(3)
المغني 6 / 420.
(4)
سورة الجمعة / 10.
وَتَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَل لَكُمُ الأَْرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} (1)، يَقُول ابْنُ كَثِيرٍ: أَيْ فَسَافِرُوا حَيْثُ شِئْتُمْ مِنْ أَقْطَارِ الأَْرْضِ، وَتَرَدَّدُوا فِي أَقَالِيمِهَا وَأَرْجَائِهَا فِي أَنْوَاعِ الْمَكَاسِبِ وَالتِّجَارَاتِ (2) .
وَطَلَبُ الْغِنَى قَدْ يَكُونُ فَرْضًا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْعَى الإِْنْسَانُ لِيَكْسِبَ مَا تَحْصُل بِهِ كِفَايَةُ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَيُغْنِيهِ عَنِ السُّؤَال (3) .
وَقَدْ يَكُونُ طَلَبُ الْغِنَى مُسْتَحَبًّا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْعَى الإِْنْسَانُ لِيَكْسِبَ مَا يَزِيدُ عَلَى نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ مَنْ يَعُولُهُ، بِقَصْدِ مُوَاسَاةِ الْفُقَرَاءِ وَصِلَةِ الأَْرْحَامِ وَمُجَازَاةِ الأَْقَارِبِ، وَطَلَبُ الْغِنَى بِهَذِهِ النِّيَّةِ أَفْضَل مِنَ التَّفَرُّغِ لِلْعِبَادَةِ (4) .
وَقَدْ يَكُونُ طَلَبُ الْغِنَى مُبَاحًا، وَهُوَ مَا كَانَ زَائِدًا عَلَى الْحَاجَةِ وَقَصَدَ بِطَلَبِهِ التَّجَمُّل وَالتَّنَعُّمَ.
وَيُكْرَهُ طَلَبُ الْغِنَى بِجَمْعِ الْمَال لِلتَّفَاخُرِ وَالتَّكَاثُرِ وَالْبَطَرِ وَالأَْشَرِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ طَرِيقٍ حَلَالٍ (5)، فَقَدْ قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا حَلَالاً مُكَاثِرًا
(1) سورة الملك / 15.
(2)
مختصر تفسير ابن كثير 3 / 528.
(3)
المبسوط 30 / 250، والاختيار 4 / 172، والآداب الشرعية 3 / 278، 282.
(4)
المبسوط 30 / 250، والاختيار 4 / 172.
(5)
الاختيار 4 / 172.
مُفَاخِرًا مُرَائِيًا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ (1)
وَيَحْرُمُ طَلَبُ الْغِنَى إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ إِلَيْهِ حَرَامًا كَالرِّبَا وَالرِّشْوَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَال ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلَاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (2) الاِسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، كَأَنَّهُ يَقُول: لَا تَتَعَاطَوُا الأَْسْبَابَ الْمُحَرَّمَةَ فِي اكْتِسَابِ الأَْمْوَال (3) .
الْغِنَى الْمَحْمُودُ وَفَضْلُهُ:
يَكُونُ الْغِنَى مَحْمُودًا إِذَا تَحَقَّقَ فِيهِ مَا يَأْتِي:
7 -
أَوَّلاً: أَنْ تَكُونَ السُّبُل الْمُؤَدِّيَةُ إِلَى كَسْبِ الْمَال مَشْرُوعَةً وَجَائِزَةً، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى يَدْعُو إِلَى الْكَسْبِ الْحَلَال الطَّيِّبِ، يَقُول اللَّهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَْرْضِ حَلَالاً طَيِّبًا} (4)، يَقُول الْقُرْطُبِيُّ: وَذَلِكَ بِخُلُوِّهِ مِنَ الرِّبَا وَالْحَرَامِ وَالسُّحْتِ (5) . وَيَقُول النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
(1) حديث: " من طلب الدنيا حلالاً مكاثرًا. . . ". أخرجه أبو نعيم في الحلية (3 / 110) من حديث أبي هريرة، وضعف إسناده العراقي (3 / 217 - بهامش الإحياء) .
(2)
سورة النساء / 29.
(3)
مختصر تفسير ابن كثير 1 / 378.
(4)
سورة البقرة / 168.
(5)
القرطبي 2 / 8.
: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَل إِلَاّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَال:{يَا أَيُّهَا الرُّسُل كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (1)، وَقَال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (2)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُل يُطِيل السَّفَرَ أَشْعَث أَغْبَر يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ (3)
وَنَهَى اللَّهُ سبحانه وتعالى عَنْ أَكْل أَمْوَال النَّاسِ بِالْبَاطِل، فَقَال عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلَاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} . (4)
وَالْبَاطِل يَشْمَل مَا كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ، كَالْغِشِّ وَالرِّشْوَةِ وَالْغَصْبِ وَالْقِمَارِ وَالاِسْتِغْلَال وَالرِّبَا، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ. وَيَقُول الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى
(1) سورة المؤمنون / 51.
(2)
سورة البقرة / 172.
(3)
القرطبي 2 / 215، ومختصر تفسير ابن كثير 1 / 149، 150، وِأسهل المدارك 3 / 346. وحديث:" أيها الناس، إن الله طيب. . . ". أخرجه مسلم (2 / 703) من حديث أبي هريرة.
(4)
سورة النساء / 29.
الْحُكَّامِ} (1) : يَدْخُل فِي هَذَا الْقِمَارُ وَالْخِدَاعُ وَالْغُصُوبُ وَجَحْدُ الْحُقُوقِ وَمَا لَا تَطِيبُ بِهِ نَفْسُ مَالِكِهِ (2) .
8 -
ثَانِيًا: مِمَّا يَجْعَل الْغِنَى مَحْمُودًا أَنْ يُؤَدِّيَ شُكْرَ اللَّهِ فِي هَذِهِ النِّعْمَةِ، وَشُكْرُ اللَّهِ فِي النِّعْمَةِ كَمَا يَقُول الْفُقَهَاءُ هُوَ: صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِ إِلَى مَا خُلِقَ لأَِجْلِهِ (3) . وَقَال الْحَلِيمِيُّ: شُكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ وَاجِبٌ شَرْعًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ (4) . قَال تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} (5)، وَقَال تَعَالَى:{كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} (6)
وَفِي الآْدَابِ الشَّرْعِيَّةِ لاِبْنِ مُفْلِحٍ: الشُّكْرُ زِينَةُ الْغِنَى، وَالْعَفَافُ زِينَةُ الْفَقْرِ (7) ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِإِنْفَاقِ الْمَال فِي الأُْمُورِ الْمَشْرُوعَةِ، وَعَدَمِ إِنْفَاقِهِ فِيمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ، يَقُول ابْنُ جُزَيٍّ: الْحُقُوقُ فِي الْغِنَى هِيَ: أَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ، وَالتَّطَوُّعُ بِالْمَنْدُوبَاتِ، وَالشُّكْرُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَعَدَمُ الطُّغْيَانِ
(1) سورة البقرة / 188.
(2)
القرطبي 2 / 338.
(3)
مغني المحتاج 1 / 4، 5، والحطاب 1 / 5.
(4)
المنهاج في شعب الإيمان 2 / 545، 555.
(5)
سورة البقرة / 152.
(6)
سورة سبأ / 15.
(7)
الآداب الشرعية 3 / 325.
بِالْمَال (1) . وَيَقُول ابْنُ كَثِيرٍ: حُبُّ الْمَال تَارَةً يَكُونُ لِلْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ، وَالتَّكَبُّرِ عَلَى الضُّعَفَاءِ، وَالتَّجَبُّرِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَهَذَا مَذْمُومٌ، وَتَارَةً يَكُونُ لِلنَّفَقَةِ فِي الْقُرُبَاتِ وَصِلَةِ الأَْرْحَامِ وَالْقَرَابَاتِ، وَوُجُوهِ الْبِرِّ وَالطَّاعَاتِ، فَهَذَا مَمْدُوحٌ مَحْمُودٌ شَرْعًا (2) .
9 -
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْفَقْرِ وَالْغِنَى، فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْغِنَى أَفْضَل، قَالُوا: لأَِنَّ الْغَنِيَّ يَقْدِرُ عَلَى أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا الْفَقِيرُ، كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ (3) ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْغِنَى نِعْمَةٌ، وَالْفَقْرَ بُؤْسٌ وَنِقْمَةٌ وَمِحْنَةٌ، وَلَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ أَنَّ النِّعْمَةَ أَفْضَل مِنَ النِّقْمَةِ وَالْمِحْنَةِ، وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَال فَضْلاً، فَقَال عز وجل:{وَابْتَغُوا مِنْ فَضْل اللَّهِ} (4) وَقَال تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} (5) ، وَمَا هُوَ فَضْل اللَّهِ فَهُوَ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ، وَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْمَال خَيْرًا، فَقَال تَعَالَى:{إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ} (6) ، وَهَذَا
(1) القوانين الفقهية ص 427 - 428 ط دار الكتاب العربي.
(2)
مختصر ابن كثير 1 / 270.
(3)
القوانين الفقهية ص427 - 428.
(4)
سورة الجمعة / 10.
(5)
سورة البقرة / 198.
(6)
سورة البقرة / 180.
اللَّفْظُ يَدُل عَلَى أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ عِنْدِهِ، وَقَال تَعَالَى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُد مِنَّا فَضْلاً} (1) ، يَعْنِي الْمُلْكَ وَالْمَال، وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ، قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى (2) وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّك أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ. (3)
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْغِنَى مِنْ أَحْكَامٍ:
10 -
يَتَعَلَّقُ بِالْغِنَى أَحْكَامٌ مِنْ حَيْثُ الإِْعْطَاءُ، سَوَاءٌ أَكَانَ وَاجِبًا كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ، أَوْ كَانَ الإِْعْطَاءُ مُسْتَحَبًّا كَالتَّبَرُّعَاتِ، أَوْ كَانَ الإِْعْطَاءُ حَرَامًا كَالإِْنْفَاقِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ.
كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغِنَى أَحْكَامٌ مِنْ حَيْثُ الأَْخْذُ، فَيَحْرُمُ عَلَى الْغَنِيِّ الأَْخْذُ مِنَ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالْكَفَّارَاتِ، بَيْنَمَا يَحِل لَهُ الأَْخْذُ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَيَتَعَلَّقُ بِالْغِنَى كَذَلِكَ أَحْكَامٌ مِنْ حَيْثُ
(1) سورة سبأ / 10.
(2)
حديث: " اليد العليا خير من اليد السفلى ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 335) ومسلم (2 / 717) من حديث حكيم بن حزام.
(3)
حديث: " إنك إن تذر ورثتك. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 7 / 269) ، ومسلم (3 / 1251) من حديث سعد بن أبي وقاص، وانظر المبسوط 30 / 251 - 252، وفتح الباري 11 / 274 - 275.
الْعَلَاقَةُ مَعَ الْغَيْرِ، كَاعْتِبَارِ غِنَى الزَّوْجِ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْغِنَى. وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
أَثَرُ الْغِنَى فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ:
11 -
مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ وَكَانَ غَنِيًّا قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ عِنْدَ طَلَبِهِ، فَإِنْ مَاطَل كَانَ آثِمًا ظَالِمًا، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَطْل الْغَنِيِّ ظُلْمٌ (1) وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُلْزِمَهُ بِالأَْدَاءِ بَعْدَ طَلَبِ الْغُرَمَاءِ، فَإِنِ امْتَنَعَ حَبَسَهُ الْقَاضِي لِظُلْمِهِ بِتَأْخِيرِ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِل عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ (2) ، وَالْحَبْسُ عُقُوبَةٌ، فَإِنِ امْتَنَعَ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَفَّى الْقَاضِي مِنْهُ غُرَمَاءَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَال مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ بَاعَ الْقَاضِي عَلَيْهِ هَذَا الْمَال، أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْبَيْعِ لأَِدَاءِ الدَّيْنِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَاعَ عَلَى مُعَاذٍ
(1) حديث: " مطل الغنى ظلم ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 61) ، ومسلم (3 / 1197) من حديث أبي هريرة.
(2)
حديث: " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته ". أخرجه أبو داود (4 / 45 - 46) من حديث الشريد بن سويد، وحسنه ابن حجر في الفتح (5 / 62) .
مَالَهُ، وَقَضَى دُيُونَهُ (1) ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَاعَ مَال أُسَيْفِعَ وَقَسَمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ (2) .
أَثَرُ الْغِنَى فِي تَحْرِيمِ السُّؤَال:
12 -
بَيَّنَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم مَنْ تَحِل لَهُ الْمَسْأَلَةُ، فَقَال لِقَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ: يَا قَبِيصَةُ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِل إِلَاّ لأَِحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّل حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكَ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَال: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَال: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ - يَا قَبِيصَةُ - سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا (3)
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: فَمَدَّ إِبَاحَةِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى
(1) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم باع على معاذ ماله ". أخرجه الحاكم (3 / 273) من حديث كعب بن مالك، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(2)
الاختيار 2 / 89 - 90، والبدائع 7 / 173، والدسوقي 3 / 278 - 279، والمواق بهامش الحطاب 5 / 48، ومغني المحتاج 2 / 157، والمغني 4 / 484 - 485، وكشاف القناع 3 / 418، 420.
(3)
حديث: " يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة. . . ". أخرجه مسلم (2 / 722) .
وُجُودِ إِصَابَةِ الْقِوَامِ أَوِ السِّدَادِ؛ وَلأَِنَّ الْحَاجَةَ هِيَ الْفَقْرُ، وَالْغِنَى ضِدُّهَا، فَمَنْ كَانَ مُحْتَاجًا فَهُوَ فَقِيرٌ يَدْخُل فِي عُمُومِ النَّصِّ، وَمَنِ اسْتَغْنَى دَخَل فِي عُمُومِ النُّصُوصِ الْمُحَرِّمَةِ لِلسُّؤَال.
وَيَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْغَنِيَّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ سُؤَال الصَّدَقَةِ، وَلَكِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي تَقْدِيرِ الْغِنَى الَّذِي يَحْرُمُ مَعَهُ السُّؤَال (1) .
يَقُول الْكَاسَانِيُّ: الْغِنَى الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ السُّؤَال هُوَ: أَنْ يَكُونَ لِلإِْنْسَانِ سِدَادُ عَيْشٍ، بِأَنْ كَانَ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ (2)، لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: مَنْ سَأَل وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ، فَقَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَال: قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ (3)
وَذَكَرَ الْحَطَّابُ نَقْلاً عَنْ التَّمْهِيدِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَأَل وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ (4) الْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّ السُّؤَال مَكْرُوهٌ لِمَنْ لَهُ أُوقِيَّةٌ مِنْ
(1) المغني 2 / 662.
(2)
بدائع الصنائع 2 / 49.
(3)
حديث: " من سأل وعنده ما يغنيه. . . ". أخرجه أبو داود (2 / 281) من حديث سهل بن الحنظلية.
(4)
حديث: " من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف ". أخرجه أبو داود (2 / 279) من حديث أبي سعيد الخدري.
فِضَّةٍ (1) .
وَفَرَّقَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بَيْنَ الْغِنَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى سُؤَال صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَبَيْنَ سُؤَال الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ، فَقَالُوا: غَيْرُ الْمُحْتَاجِ مَنْ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى طَلَبِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، أَوْ قُوتُ سَنَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سُؤَال الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ ذَلِكَ حَرُمَ عَلَيْهِ الأَْخْذُ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ مِنَ الْمُتَصَدِّقِ وَاجِبًا عَلَيْهِ كَالزَّكَاةِ، أَوْ كَانَ تَطَوُّعًا (2) .
وَفِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: يُكْرَهُ التَّعَرُّضُ لأَِخْذِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ مَالُهُ أَوْ كَسْبُهُ إِلَاّ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَسُؤَال الْغَنِيِّ حَرَامٌ إِنْ وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ هُوَ وَمَنْ يَمُونُهُ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ، وَسُتْرَتَهُ، وَآنِيَةٌ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا، وَالأَْوْجَهُ جَوَازُ سُؤَال مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِنْ كَانَ السُّؤَال عِنْدَ نَفَادِ ذَلِكَ غَيْرَ مُتَيَسِّرٍ، وَإِلَاّ امْتَنَعَ، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ غَايَةَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ، وَنَازَعَ الأَْذْرَعِيُّ فِي التَّحْدِيدِ بِهَا، ثُمَّ قَال فِي النِّهَايَةِ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ سُؤَال مَا اعْتِيدَ سُؤَالُهُ - مِنْ قَلَمٍ وَسِوَاكٍ - مِنَ الأَْصْدِقَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّا لَا يُشَكُّ فِي رِضَا بَاذِلِهِ وَإِنْ عَلِمَ غِنَى آخِذِهِ لَا حُرْمَةَ فِيهِ وَلَوْ عَلَى الْغَنِيِّ، لاِعْتِيَادِ الْمُسَامَحَةِ بِهِ، ثُمَّ قَال أَيْضًا فِي النِّهَايَةِ: وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
(1) الحطاب 2 / 347، 348.
(2)
الحطاب 2 / 348.
وَغَيْرِهِ: مَتَى أَذَلّ نَفْسَهُ أَوْ أَلَحَّ فِي السُّؤَال أَوْ آذَى الْمَسْئُول حَرُمَ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا، كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ (1) .
وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ نَقْلاً عَنْ الْحَاوِي: الْغَنِيُّ بِمَالٍ أَوْ بِصَنْعَةٍ سُؤَالُهُ حَرَامٌ، وَمَا يَأْخُذُهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ (2) .
وَفِي الْفُرُوعِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ: مَنْ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ أُبِيحَ لَهُ سُؤَالُهُ، وَعَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ: يَحْرُمُ السُّؤَال لَا الأَْخْذُ عَلَى مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ غَدَاءً وَعَشَاءً، ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَيَكُونُ هَذَا هُوَ الْغِنَى الَّذِي يَمْنَعُ السُّؤَال، وَعَنْ أَحْمَدَ: غَدَاءً أَوْ عَشَاءً، وَعَنْهُ: إِذَا كَانَ عِنْدَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْخَلَاّل، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ: إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يَسْأَلُهُ كُل يَوْمٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْأَل أَكْثَر مِنْ قُوتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنْ خَافَ أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُعْطِيهِ أَوْ خَافَ أَنْ يَعْجِزَ عَنِ السُّؤَال أُبِيحَ لَهُ السُّؤَال أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ يَسْأَل فَوْقَ مَا يَكْفِيهِ لِسَنَةٍ، وَعَلَى هَذَا يَنْزِل الْحَدِيثُ فِي الْغِنَى بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا، فَإِنَّهَا تَكْفِي الْمُنْفَرِدَ الْمُقْتَصِدَ لِسَنَتِهِ (3) .
(1) نهاية المحتاج 6 / 169، 170.
(2)
القليوبي 3 / 204.
(3)
الفروع 2 / 594، 595، كشاف القناع 2 / 273.
الْحَجْرُ عَلَى الْغَنِيِّ بِسَبَبِ إِسْرَافِهِ وَتَبْذِيرِهِ:
13 -
مِنَ الْمُقَرَّرِ شَرْعًا أَنَّ الْحِفَاظَ عَلَى الْمَال مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وَمِنَ الْحِفَاظِ عَلَيْهِ عَدَمُ الإِْسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ فِيهِ، كَصَرْفِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ نَفْعٌ، أَوْ فِيمَا فِيهِ مَعْصِيَةٌ وَضَرَرٌ، كَالصَّرْفِ فِي شِرَاءِ الْخَمْرِ، وَآلَاتِ اللَّهْوِ وَالْقِمَارِ، وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ، وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ فَهُوَ سَفِيهٌ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، كَمَا يُحْجَرُ عَلَى الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ؛ لأَِنَّهُ لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهِ.
وَقَدْ نَهَى اللَّهُ سبحانه وتعالى عَنْ إِيتَاءِ السُّفَهَاءِ أَمْوَالَهُمْ، يَقُول اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَل اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} (1) وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ أَمْوَال الْيَتَامَى إِلَاّ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى أَضَافَهَا إِلَى الأَْوْلِيَاءِ لأَِنَّهُمْ قُوَّامُهَا وَمُدَبِّرُوهَا، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ سبحانه وتعالى عَنْ أَنْ يُؤْتَوْهَا الْيَتَامَى حَتَّى يَبْلُغُوا الرُّشْدَ فَقَال تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (2) ، أَيْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ وَعَلِمْتُمْ مِنْهُمْ حِفْظًا لأَِمْوَالِهِمْ وَصَلَاحِهِمْ فِي تَدْبِيرِ مَعَايِشِهِمْ فَادْفَعُوهَا إِلَيْهِمْ.
(1) سورة النساء / 5.
(2)
سورة النساء / 6.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: قَال أَكْثَرُ أَهْل الْعِلْمِ: الرُّشْدُ الصَّلَاحُ فِي الْمَال، وَالإِْنْسَانُ إِذَا كَانَ يُنْفِقُ مَالَهُ فِي الْمَعَاصِي كَشِرَاءِ الْخَمْرِ وَآلَاتِ اللَّهْوِ، أَوْ يَتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْفَسَادِ، فَهُوَ غَيْرُ رَشِيدٍ؛ لِتَبْذِيرِهِ مَالَهُ وَتَضْيِيعِهِ إِيَّاهُ فِي غَيْرِ فَائِدَةٍ.
وَلِهَذَا فَإِنَّهُ يَحْجُرُ عَلَى السَّفِيهِ حِفَاظًا عَلَى مَالِهِ، وَكَذَلِكَ فَإِنَّ الصَّغِيرَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إِذَا فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ لِرُشْدِهِ وَبُلُوغِهِ وَدَفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ ثُمَّ عَادَ إِلَى السَّفَهِ أُعِيدَ عَلَيْهِ الْحَجْرُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ. وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ (1) . وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (حَجْرٍ ف 11، 12، 13)
الْغِنَى الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ:
14 -
الْغِنَى الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ نَوْعَانِ: غِنًى تَجِبُ بِهِ الزَّكَاةُ، وَغِنًى مَانِعٌ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ.
وَالْغِنَى الْمُعْتَبَرُ فِي إِيجَابِ الزَّكَاةِ هُوَ كَوْنُ الْمَال الَّذِي فِيهِ الزَّكَاةُ فَاضِلاً عَنْ
(1) البدائع 7 / 169 - 170، والاختيار 2 / 96، وجواهر الإكليل 2 / 98، ومغني المحتاج 2 / 170، والمهذب 1 / 338، ومغني المحتاج 2 / 170، والمهذب 1 / 338، والمغني 4 / 505، 518، وكشاف القناع 3 / 445.
الْحَاجَةِ الأَْصْلِيَّةِ لأََنْ بِهِ يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْغِنَى (1) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (زَكَاةٍ ف 28، 31)
وَالْغِنَى أَيْضًا هُوَ الأَْصْل فِي الْمَنْعِ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُعْطَى الزَّكَاةُ لِغَنِيٍّ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} (2)، وَقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ (3) وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْغِنَى الْمَانِعِ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ عَلَى مَذَاهِبَ، وَالتَّفْصِيل فِي (زَكَاةٍ ف 159) .
أَثَرُ الْغِنَى فِي أَدَاءِ الْكَفَّارَاتِ:
15 -
لِلْغِنَى أَثَرٌ فِي أَدَاءِ الْكَفَّارَاتِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْكَفَّارَةُ عَنْ ظِهَارٍ، أَمْ قَتْلٍ، أَمْ إِفْطَارٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، أَمْ حِنْثٍ فِي يَمِينٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاجِبُ فِي الأَْدَاءِ عَلَى التَّعْيِينِ فِي أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْل، أَمْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى
(1) البدائع 2 / 11، 15، 48، والدسوقي 1 / 492، 494، والحطاب 2 / 346 وما بعدها، وحاشية الجمل 4 / 97، ومغني المحتاج 3 / 106، وكشاف القناع 2 / 272، والمغني 2 / 661.
(2)
سورة التوبة / 60.
(3)
حديث: " لاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ". أخرجه أبو داود (2 / 285) من حديث رجلين من الصحابة، ونقل ابن حجر في التلخيص 3 / 108 عن أحمد أنه قال: ما أجوده من حديث.
التَّخْيِيرِ فِي أَنْوَاعِهَا كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.
وَالْغِنَى الْمُعْتَبَرُ فِي أَدَاءِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هُوَ: أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الإِْنْسَانِ مَا يُؤَدِّي بِهِ النَّوْعَ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ فَاضِلاً عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ حَوَائِجِهِ الأَْصْلِيَّةِ؛ لأَِنَّ مَا اسْتَغْرَقَتْهُ حَاجَةُ الإِْنْسَانِ كَالْمَعْدُومِ فِي جَوَازِ الاِنْتِقَال إِلَى الْبَدَل.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ تُعْتَبَرُ بِمِلْكِ مَا يُكَفِّرُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ لِعِلَاجِ مَرَضٍ، وَسَكَنٍ لَا فَضْل فِيهِ عَلَى مَا يَسْكُنُهُ، فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ وَيُكَفِّرُ بِهِ، وَكَذَلِكَ تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ بِمَا يَمْلِكُهُ مِنْ كُتُبِ فِقْهٍ وَحَدِيثٍ مُحْتَاجٍ لَهَا، وَلِلْمُرَاجَعَةِ فِيهَا، فَيُبَاعُ ذَلِكَ وَيُكَفِّرُ بِثَمَنِهِ، قَال الْعَدَوِيُّ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ: وَلَا يُتْرَكُ لَهُ قُوتُهُ، وَلَا النَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ، لإِِتْيَانِهِ بِمُنْكَرٍ مِنَ الْقَوْل (1) .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَقْتِ اعْتِبَارِ الْغِنَى بِالنِّسْبَةِ لأَِدَاءِ الْكَفَّارَةِ، هَل هُوَ وَقْتُ الْوُجُوبِ، أَوْ وَقْتُ الأَْدَاءِ؟ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: الْمُعْتَبَرُ وَقْتُ الأَْدَاءِ؛ لأَِنَّهَا عِبَادَةٌ لَهَا بَدَلٌ
(1) البدائع 5 / 97 إلى 112، والدسوقي 2 / 450، والمواق 4 / 127، وحاشية العدوي على هامش الخرشي 4 / 116، ومغني المحتاج 3 / 364 - 367، والمهذب 2 / 115 - 116، وكشاف القناع 5 / 377 - 378.
مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا، فَاعْتُبِرَ حَال أَدَائِهَا، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: الْمُعْتَبَرُ وَقْتُ الْوُجُوبِ، وَلَا يُعْطَى مِنَ الْكَفَّارَاتِ لِغَنِيٍّ يُمْنَعُ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ (1) . وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (كَفَّارَة) .
أَثَرُ الْغِنَى فِي النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ لِلزَّوْجَةِ:
16 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ النَّفَقَةَ الْوَاجِبَةَ لِلزَّوْجَةِ تَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالإِْعْسَارِ، وَالأَْصْل فِي هَذَا قَوْل اللَّهِ تَعَالَى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} (2) وقَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (3) وَقَدْ قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدِ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ: خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ. (4)
لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ: هَل الْعِبْرَةُ فِي
(1) بدائع الصنائع 5 / 97، 2 / 47، والحطاب 2 / 432، والمدونة 2 / 120 - 121، ومغني المحتاج 3 / 365، ونهاية المحتاج 3 / 198 - 199، والمغني 3 / 132، وكشاف القناع 2 / 273.
(2)
سورة الطلاق / 7.
(3)
سورة الطلاق / 6.
(4)
حديث: " خذي من مال. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 507) ومسلم (3 / 1338) من حديث عائشة، واللفظ لمسلم.
الإِْنْفَاقِ بِيَسَارِ الزَّوْجِ فَقَطْ، أَمِ الْعِبْرَةُ بِيَسَارِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ مَعًا؟
فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْخَصَّافِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ تَكُونُ الْعِبْرَةُ فِي النَّفَقَةِ بِحَال الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ مَعًا فِي الْيَسَارِ وَالإِْعْسَارِ، وَدَلِيلُهُمْ قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدٍ: خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ. فَاعْتَبَرَ حَالَهَا، فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ، وَالْفَقِيرَةُ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى كِفَايَةِ الْمُوسِرَاتِ، فَلَا مَعْنَى لِلزِّيَادَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْكَرْخِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي النَّفَقَةِ تَكُونُ بِحَال الزَّوْجِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} (1) فَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ.
وَالْيَسَارُ الْمُعْتَبَرُ فِي النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ لِلزَّوْجَةِ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى النَّفَقَةِ بِالْمَال أَوْ بِالْكَسْبِ (2) .
وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (نَفَقَةٍ) .
اعْتِبَارُ الْغِنَى فِي نَفَقَةِ الأَْقَارِبِ:
17 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى اشْتِرَاطِ
(1) سورة الطلاق / 7.
(2)
الهداية 2 / 39 - 40، والاختيار 4 / 4، والبدائع 4 / 24، وجواهر الإكليل 1 / 402، والمهذب 2 / 162، ومغني المحتاج 3 / 426، وشرح منتهى الإرادات 3 / 243 - 244، والمغني 7 / 563 وما بعدها.
الْغِنَى وَالْيَسَارِ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الأَْقَارِبِ، وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ الأَْبَ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ الْفُقَرَاءِ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا مَا دَامَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ.
وَحَدُّ الْغِنَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِلْكُ نِصَابِ الزَّكَاةِ زَائِدًا عَنْ حَاجَتِهِ الأَْصْلِيَّةِ وَحَاجَاتِ عِيَالِهِ فِي قَوْل أَبِي يُوسُفَ، وَقَال مُحَمَّدٌ: إِذَا كَانَ لَهُ نَفَقَةُ شَهْرٍ وَعِنْدَهُ فَضْلٌ عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ لَهُ وَلِعِيَالِهِ، أُجْبِرَ عَلَى نَفَقَةِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَأَمَّا مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ وَهُوَ يَكْتَسِبُ كُل يَوْمٍ دِرْهَمًا وَيَكْتَفِي مِنْهُ بِجُزْءٍ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَرْفَعُ لِنَفْسِهِ وَلِعِيَالِهِ مَا يَتَّسِعُ بِهِ، وَيُنْفِقُ فَضْلَهُ عَلَى مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، وَقَوْل مُحَمَّدٍ هُوَ الأَْوْفَقُ كَمَا قَال الْكَاسَانِيُّ.
وَأَطْلَقَ الْمَالِكِيَّةُ اشْتِرَاطَ الْيَسَارِ دُونَ تَحْدِيدٍ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ الْمُعْسِرِ لِوَالِدَيْهِ تَكَسُّبٌ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِمَا وَلَوْ قَدَرَ عَلَى التَّكَسُّبِ (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ إِلَاّ عَلَى مُوسِرٍ أَوْ مُكْتَسِبٍ يَفْضُل عَنْ حَاجَتِهِ مَا يُنْفِقُ عَلَى قَرِيبِهِ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَفْضُل عَنْ نَفَقَتِهِ شَيْءٌ
(1) الاختيار 4 / 12، والبدائع 4 / 30، وما بعدها، وجواهر الإكليل 1 / 406، والشرح الصغير 1 / 525 - 526 ط الحلبي.
فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فَقِيرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ فَعَلَى عِيَالِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ فَعَلَى ذِي قَرَابَتِهِ (1) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَضْلٌ غَيْرَ مَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه؛ وَلأَِنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ مُوَاسَاةٌ وَنَفَقَةَ الزَّوْجَةِ عِوَضٌ، فَقُدِّمَتْ عَلَى الْمُوَاسَاةِ؛ وَلأَِنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ تَجِبُ لِحَاجَتِهِ فَقُدِّمَتْ عَلَى نَفَقَةِ الْقَرِيبِ، كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ.
وَقَالُوا إِنَّهُ يَلْزَمُ كَسُوبًا - إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ - كَسْبُهَا فِي الأَْصَحِّ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ (2) وَلأَِنَّ الْقُدْرَةَ بِالْكَسْبِ كَالْقُدْرَةِ بِالْمَال (3) .
اعْتِبَارُ الْغِنَى فِيمَنْ يَتَحَمَّل الدِّيَةَ:
18 -
يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَتَحَمَّل الدِّيَةَ مِنَ الْعَاقِلَةِ أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا قَادِرًا عَلَى دَفْعِ مَا يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ مِنَ الدِّيَةِ.
(1) حديث: " إذا كان أحدكم فقيرًا. . . ". أخرجه أبو داود (4 / 266) من حديث جابر بن عبد الله، وأصله في صحيح مسلم (2 / 693) .
(2)
حديث: " كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته ". أخرجه مسلم (2 / 692) من حديث عبد الله بن عمرو.
(3)
المهذب 2 / 167، ومغني المحتاج 3 / 448، والمغني 7 / 584، وكشاف القناع 5 / 481، وشرح منتهى الإرادات 3 / 255.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْدِيرِ الْغِنَى الَّذِي يُوجِبُ التَّحَمُّل:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى عَدَمِ التَّحْدِيدِ، وَإِنَّمَا قَالُوا: يَضْرِبُ عَلَى كُل شَخْصٍ مِنَ الْعَاقِلَةِ بِحَسَبِ غِنَاهُ، بِحَيْثُ لَا يُجْحِفُ بِمَالِهِ، فَلَا يُسَاوِي مَا يُجْعَل عَلَى قَلِيل الْمَال مَا يُجْعَل عَلَى كَثِيرِهِ. وَذَلِكَ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ فِي يُسْرِهِمْ، وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ حَدًّا.
وَحَدَّدَ الشَّافِعِيَّةُ الْغَنِيَّ الَّذِي يَتَحَمَّل فِي الدِّيَةِ بِأَنَّهُ مَنْ يَمْلِكُ آخِرَ السَّنَةِ فَاضِلاً عَنْ حَاجَتِهِ عِشْرِينَ دِينَارًا ذَهَبًا أَوْ قَدْرَهَا، اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَا يَتَحَمَّل الدِّيَةَ فَقِيرٌ، وَهُوَ مَنْ لَا يَمْلِكُ نِصَابًا عِنْدَ حُلُول الْحَوْل فَاضِلاً عَنْهُ (1) .
أَثَرُ الْغِنَى فِي دَفْعِ الضَّرَرِ:
19 -
تَبَرُّعُ الْغَنِيِّ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ مُسْتَحَبٌّ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ الصَّدَقَةِ الْمُطْلَقَةِ، أَمِ الْوَصِيَّةِ، أَمِ الْوَقْفِ، أَمْ مَا شَابَهَ ذَلِكَ.
إِلَاّ أَنَّ التَّبَرُّعَ قَدْ يَجِبُ عَلَى الأَْغْنِيَاءِ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ لِدَفْعِ حَاجَةِ الْمُضْطَرِّينَ. فَقَدْ
(1) منح الجليل 4 / 427، وجواهر الإكليل 2 / 271، وحاشية الجمل 5 / 95، ومغني المحتاج 4 / 99، وشرح منتهى الإرادات 3 / 328.
ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ عَلَى الأَْغْنِيَاءِ دَفْعَ ضَرَرِ الْمُسْلِمِ، كَكِسْوَةِ الْعَارِي، وَإِطْعَامِ الْجَائِعِ، وَفَكِّ الأَْسِيرِ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَنْدَفِعِ الضَّرَرُ بِزَكَاةٍ وَلَا بَيْتِ مَالٍ وَنَحْوِهِمَا، وَإِذَا فَعَل وَاحِدٌ ذَلِكَ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنِ الْبَاقِينَ، فَإِنِ امْتَنَعُوا أَثِمُوا جَمِيعًا (1)، قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ (2) وَإِذَا امْتَنَعَ الْغَنِيُّ عَنْ دَفْعِ حَاجَةِ الْمُضْطَرِّ إِلَى الطَّعَامِ أَوِ الشَّرَابِ، كَانَ مِنْ حَقِّ الْمُضْطَرِّ أَخْذُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ مِنْ صَاحِبِهِ قَهْرًا.
قَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا كَانَ عِنْدَ الشَّخْصِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا يُمْسِكُ صِحَّتَهُ حَالاً وَمَآلاً إِلَى مَحَلٍّ يُوجَدُ فِيهِ الطَّعَامُ، وَكَانَ مَعَهُ مُضْطَرٌّ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُوَاسَاتُهُ بِذَلِكَ الزَّائِدِ، فَإِنْ مَنَعَ وَلَمْ يَدْفَعْ حَتَّى مَاتَ ضَمِنَ دِيَتَهُ.
وَالْغِنَى الْمُعْتَبَرُ هُنَا فِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى كِفَايَةِ سَنَةٍ لِلْغَنِيِّ وَلِمَنْ يَمُونُهُمْ، لَكِنْ يَكْفِي فِي وُجُوبِ
(1) الاختيار 4 / 175 والبدائع 6 / 188، وابن عابدين 5 / 215، 283، 284، والدسوقي 2 / 174، وحاشية الجمل 5 / 183، ومغني المحتاج 4 / 212، 308، 309، و3 / 120، وكشاف القناع 6 / 198، 200.
(2)
حديث: " ما آمن بي من بات شبعان. . . ". أورده المنذري في الترغيب (3 / 334) وقال: رواه الطبراني والبزار، وإسناده حسن.
الْمُوَاسَاةِ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَحْوُ وَظَائِفَ يَتَحَصَّل مِنْهَا مَا يَكْفِيهِ عَادَةً جَمِيعَ السَّنَةِ، وَيَتَحَصَّل عِنْدَهُ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ مَا يُمْكِنُ مِنْهُ الْمُوَاسَاةُ. قَال الشَّافِعِيَّةُ: هَذَا فِي الْمُحْتَاجِ غَيْرِ الْمُضْطَرِّ، أَمَّا الْمُضْطَرُّ فَإِنَّهُ يَجِبُ إِطْعَامُهُ وَلَوْ كَانَ مَنْ مَعَهُ الطَّعَامُ يَحْتَاجُهُ فِي ثَانِي الْحَال عَلَى الأَْصَحِّ، لِلضَّرُورَةِ النَّاجِزَةِ.
وَلَمْ يُحَدِّدِ الْحَنَابِلَةُ تَقْدِيرًا لِلْغِنَى، لَكِنَّهُمْ قَالُوا: مَنْ كَانَ مَعَهُ طَعَامٌ وَكَانَ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ وَلَوْ فِي الْمُسْتَقْبَل، بِأَنْ كَانَ خَائِفًا أَنْ يَضْطَرَّ إِلَيْهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَقَالُوا: إِذَا اشْتَدَّتِ الْمَخْمَصَةُ فِي سَنَةِ مَجَاعَةٍ وَأَصَابَتِ الضَّرُورَةُ خَلْقًا كَثِيرًا، وَكَانَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ قَدْرُ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لِلْمُضْطَرِّينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْهُ، لأَِنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَال بِالضَّرَرِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانُوا فِي سَفَرٍ وَمَعَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ فَضْلَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْل مَا مَعَهُ لِلْمُضْطَرِّ (1)
اعْتِبَارُ الْغِنَى فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ:
20 -
الْغِنَى الْمُعْتَبَرُ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ هُوَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الإِْنْسَانِ فَائِضٌ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ، فَيَتَصَدَّقُ مِنْهُ، فَإِنْ
(1) ابن عابدين 5 / 215، 283، والاختيار 4 / 175، والدسوقي 2 / 112، 174، ومغني المحتاج 4 / 212، 308 - 309، والمغني 8 / 602 - 603، وكشاف القناع 6 / 198 - 200.
تَصَدَّقَ الإِْنْسَانُ بِمَا يُنْقِصُ مُؤْنَتَهُ أَوْ مُؤْنَةَ مَنْ يَمُونُهُ كَانَ آثِمًا، فَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ، عِنْدِي دِينَارٌ، قَال: أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِك، قَال: عِنْدِي آخَرُ، قَال: أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِك، قَال عِنْدِي آخَرُ. قَال: أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِك، قَال: عِنْدِي آخَرُ، قَال: أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِك، قَال: عِنْدِي آخَرُ، قَال: أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ (1) وَقَال صلى الله عليه وسلم: كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ (2) وَتَحِل صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لِلأَْغْنِيَاءِ كَمَا تَحِل لِلْفُقَرَاءِ.
وَالْمُرَادُ بِالْغَنِيِّ هُنَا مَنْ مُنِعَ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ لِغِنَاهُ، فَيَحِل لَهُ الأَْخْذُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، إِلَاّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّنَزُّهُ عَنْهَا وَالتَّعَفُّفُ، فَلَا يَأْخُذْهَا وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا، فَإِنْ أَظْهَرَ الْفَاقَةَ وَأَخَذَهَا حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ (3) .
(1) حديث: " أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عندي دينار. . . ". أخرجه الشافعي في المسند (2 / 64 - ترتيبه) والحاكم (1 / 415) وصححه، ووافقه الذهبي، واللفظ للشافعي.
(2)
حديث: " كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته ". تقدم ف 17.
(3)
حاشية ابن عابدين 2 / 67، 71، وبدائع الصنائع 2 / 47، و6 / 133، 221، والحطاب 2 / 347، والفواكه الدواني 2 / 216، 223، والمهذب 1 / 182، ومغني المحتاج 3 / 120، 122، وكشاف القناع 2 / 295، 298، والكافي 1 / 342، والمغني 2 / 659.
اعْتِبَارُ الْغِنَى فِي الأُْضْحِيَّةِ:
21 -
الأُْضْحِيَّةُ سَوَاءٌ أَكَانَتْ سُنَّةً كَمَا يَقُول جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، أَمْ وَاجِبَةً كَمَا يَقُول أَبُو حَنِيفَةَ، يُشْتَرَطُ فِيهَا الْغِنَى بِالنِّسْبَةِ لِلْمُضَحِّي، وَذَلِكَ لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَاّنَا (1) وَالسَّعَةُ هِيَ الْغِنَى.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْغِنَى الْمُعْتَبَرِ بِالنِّسْبَةِ لِلأُْضْحِيَّةِ.
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِ الإِْنْسَانِ مِائَتَا دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرُونَ دِينَارًا أَوْ شَيْءٌ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ذَلِكَ، سِوَى مَسْكَنِهِ وَحَوَائِجِهِ الأَْصْلِيَّةِ وَدُيُونِهِ.
وَلَمْ يُحَدِّدِ الْمَالِكِيَّةُ تَقْدِيرَ الْغِنَى وَإِنَّمَا قَالُوا: يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَحْتَاجَ لِثَمَنِهَا فِي الأُْمُورِ الضَّرُورِيَّةِ فِي عَامِهِ، فَإِنِ احْتَاجَ لَهُ فِيهِ فَلَا تُسَنُّ لَهُ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الأُْضْحِيَّةُ فَاضِلَةً عَنْ حَاجَةِ الْمُضَحِّي وَحَاجَةِ مَنْ يَمُونُهُ وَكِسْوَةِ فَصْلِهِ يَوْمَ الْعِيدِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ وَقْتُهَا.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُكْرَهُ تَرْكُ الأُْضْحِيَّةِ لِقَادِرٍ عَلَيْهَا، وَمَنْ عَدِمَ مَا يُضَحِّي بِهِ
(1) حديث: " من كان له سعة ولم يضح. . . ". أخرجه ابن ماجه (2 / 1044) والحاكم (4 / 232) من حديث أبي هريرة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
اقْتَرَضَ وَضَحَّى مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَفَاءِ (1)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (أُضْحِيَّةٍ ف 16، 59)
أَثَرُ الْغِنَى بِالنِّسْبَةِ لِلْوَصِيَّةِ:
22 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَنْ كَانَ غَنِيًّا فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ، أَمَّا الْفَقِيرُ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ (2) . لأَِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى قَال:{إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} (3) وَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: إِنَّك أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ. (4)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ قَلِيل الْمَال الَّذِي لَهُ وَرَثَةٌ فُقَرَاءُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ دُونَ الأَْلْفِ لَا تُسْتَحَبُّ الْوَصِيَّةُ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَالَّذِي يَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْمَتْرُوكُ لَا يَفْضُل عَنْ غِنَى الْوَرَثَةِ فَلَا تُسْتَحَبُّ الْوَصِيَّةُ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّل الْمَنْعَ مِنَ الْوَصِيَّةِ بِقَوْلِهِ: أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً وَلأَِنَّ إِعْطَاءَ الْقَرِيبِ
(1) البدائع 5 / 64، وجواهر الإكليل 1 / 219، وأسهل المدارك 2 / 41، ومغني المحتاج 4 / 283، والمغني 8 / 617، وكشاف القناع 3 / 21.
(2)
البدائع 7 / 330 - 331، والمهذب 1 / 456 والمغني 6 / 2، 3.
(3)
سورة البقرة / 180.
(4)
حديث: " إنك إن تذر ورثتك أغنياء. . ". تقدم ف9.
الْمُحْتَاجِ خَيْرٌ مِنْ إِعْطَاءِ الأَْجْنَبِيِّ، فَمَتَى لَمْ يَبْلُغِ الْمِيرَاثُ غِنَاهُمْ كَانَ تَرْكُهُ لَهُمْ كَعَطِيَّتِهِمْ إِيَّاهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَفْضَل مِنَ الْوَصِيَّةِ بِهِ لِغَيْرِهِمْ، فَعِنْدَ هَذَا يَخْتَلِفُ الْحَال بِاخْتِلَافِ الْوَرَثَةِ، فَلَا يَتَقَيَّدُ بِقَدْرٍ مِنَ الْمَال (1) .
اعْتِبَارُ الْغِنَى فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ:
23 -
لِلْفُقَهَاءِ اتِّجَاهَانِ فِي اعْتِبَارِ الْغِنَى فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ:
أ -
الاِتِّجَاهُ الأَْوَّل:
هُوَ أَنَّ الْغِنَى مُعْتَبَرٌ فِي النِّكَاحِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ، فَلَا يَكُونُ الْفَقِيرُ كُفْئًا لِلْغَنِيَّةِ؛ لأَِنَّ التَّفَاخُرَ بِالْمَال أَكْثَرُ مِنَ التَّفَاخُرِ بِغَيْرِهِ عَادَةً؛ وَلأَِنَّ لِلنِّكَاحِ تَعَلُّقًا لَازِمًا بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الْحَسَبُ: الْمَال (2) وَقَال: إِنَّ أَحْسَابَ أَهْل الدُّنْيَا الَّذِي يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ هَذَا الْمَال (3) وَقَال لَفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ حِينَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ خَطَبَهَا: أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَال
(1) المغني 6 / 3.
(2)
حديث: " الحسب: المال ". أخرجه الترمذي (5 / 390) من حديث سمرة بن جندب، وقال: حديث حسن صحيح.
(3)
حديث: " إن أحساب أهل الدنيا. . . ". أخرجه النسائي (6 / 64) والحاكم (2 / 163) من حديث بريدة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
لَهُ (1) ، وَلأَِنَّ عَلَى الْمُوسِرَةِ ضَرَرًا فِي إِعْسَارِ زَوْجِهَا، وَلِهَذَا مَلَكَتِ الْفَسْخَ بِإِخْلَالِهِ بِالنَّفَقَةِ فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مُقَارَنًا؛ وَلأَِنَّ ذَلِكَ مَعْدُودٌ نَقْصًا فِي عُرْفِ النَّاسِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، قَال الأَْذْرَعِيُّ عَنْهُ إِنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ الأَْرْجَحُ دَلِيلاً وَنَقْلاً، وَهُوَ كَذَلِكَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ ذَكَرَهَا ابْنُ قُدَامَةَ، فِي حِينِ أَنَّ أَكْثَر كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ لَمْ يَرْوِ غَيْرَهَا فِي الْمَذْهَبِ (2) .
ب -
وَالاِتِّجَاهُ الثَّانِي:
هُوَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْغِنَى فِي الْكَفَاءَةِ؛ لأَِنَّ الْمَال ظِلٌّ زَائِلٌ، وَهُوَ يَرُوحُ وَيَغْدُو، وَلَا يَفْتَخِرُ بِهِ أَهْل الْمُرُوءَاتِ وَالْبَصَائِرِ. وَهَذَا قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْل: إِنَّهُ لَيْسَ لِلأُْمِّ الاِعْتِرَاضُ عَلَى الأَْبِ إِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ رَجُلٍ فَقِيرٍ، خِلَافًا لِمَنْ قَال - بِاعْتِبَارِ الْغِنَى - بِأَنَّ لَهَا الاِعْتِرَاضَ، وَعَدَمُ اعْتِبَارِ الْغِنَى هُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا قَال النَّوَوِيُّ وَالشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ
(1) حديث فاطمة بنت قيس: " أما معاوية فصعلوك. . . ". أخرجه مسلم (2 / 1114) .
(2)
البدائع 2 / 319، ومنح الجليل 2 / 46، والقوانين الفقهية 202، ومغني المحتاج 3 / 167، والمهذب 2 / 40، وشرح منتهى الإرادات 3 / 27، والمغني 6 / 484.
ذَكَرَهَا ابْنُ قُدَامَةَ (1) .
وَالْغِنَى الْمُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَالنَّفَقَةِ، وَلَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ الزَّوْجَ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَنَفَقَتِهَا يَكُونُ كُفْئًا لَهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يُسَاوِيهَا فِي الْمَال، وَمَنْ لَا يَمْلِكُ مَهْرًا وَلَا نَفَقَةً فَلَا يَكُونُ كُفْئًا لِلْغَنِيَّةِ، وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْغِنَى؛ لأَِنَّ الْغِنَى لَا ثَبَاتَ لَهُ؛ لأَِنَّ الْمَال غَادٍ وَرَائِحٌ، وَهَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْقَائِلُونَ بِاعْتِبَارِ الْغِنَى فِي الْكَفَاءَةِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الأُْصُول: أَنْ تُسَاوِيَ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ فِي الْغِنَى شَرْطُ تَحَقُّقِ الْكَفَاءَةِ؛ لأَِنَّ التَّفَاخُرَ يَقَعُ فِي الْغِنَى عَادَةً (2) .
(1) منح الجليل 2 / 46، ومغني المحتاج 3 / 167، والمغني 6 / 485.
(2)
البدائع 2 / 319، والقوانين الفقهية / 202، والمهذب 2 / 40، ومغني المحتاج 3 / 167، والمغني 6 / 484.
غِنَاءٌ
التَّعْرِيفُ:
1 -
الْغِنَاءُ - بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ - لُغَةً اسْمٌ مِنَ التَّغَنِّي، وَلَهُ مَعَانٍ مِنْهَا: مَا طَرِبَ بِهِ مِنَ الصَّوْتِ وَالسَّمَاعِ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ، وَالتَّطْرِيبُ، وَالتَّرَنُّمُ بِالْكَلَامِ الْمَوْزُونِ وَغَيْرِهِ وَيَكُونُ مَصْحُوبًا بِالْمُوسِيقَى وَغَيْرَ مَصْحُوبٍ، وَالْغَنَاءُ بِالْفَتْحِ: النَّفْعُ، وَالْغِنَى بِالْكَسْرِ: الْيَسَارُ (1) .
وَالْغِنَاءُ اصْطِلَاحًا: يُطْلَقُ عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ بِالشِّعْرِ وَمَا قَارَبَهُ مِنَ الرِّجْزِ عَلَى نَحْوٍ مَخْصُوصٍ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ.
وَعَرَّفَهُ آخَرُونَ بِأَنَّهُ: رَفْعُ الصَّوْتِ الْمُتَوَالِي بِالشِّعْرِ وَغَيْرِهِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَرْعِيِّ الْخَاصِّ فِي الْمُوسِيقَى، لِيُدْرَجَ فِيهِ الْبَسِيطُ الْمُسَمَّى بِالاِسْتِبْدَاءِ، أَوِ السَّاذَجِ فَإِنَّهُ صَوْتٌ مُجَرَّدٌ مِنْ غَيْرِ شِعْرٍ وَلَا رَجَزٍ، لَكِنَّهُ عَلَى تَرْتِيبٍ خَاصٍّ مَضْبُوطٍ مِنْ أَهْل
(1) لسان العرب، والقاموس المحيط، والمعجم الوسيط، ومختار الصحاح.
الْخِبْرَةِ (1)، وَلِذَلِكَ نَقَل الْجَاحِظُ عَنْ غَيْرِهِ: أَنَّ النَّغَمَ فَضْلٌ بَقِيَ مِنَ النُّطْقِ لَمْ يَقْدِرِ اللِّسَانُ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ، فَاسْتُخْرِجَ بِالأَْلْحَانِ عَلَى التَّرْجِيعِ (2) ، لَا عَلَى التَّقْطِيعِ (3) ، فَلَمَّا ظَهَرَ عَشِقَتْهُ النُّفُوسُ، وَحَنَّتْ إِلَيْهِ الرُّوحُ، أَلَا تَرَى إِلَى أَهْل الصِّنَاعَاتِ كُلِّهَا، إِذَا خَافُوا الْمَلَالَةَ وَالْفُتُورَ عَلَى أَبْدَانِهِمْ تَرَنَّمُوا بِالأَْلْحَانِ وَاسْتَرَاحَتْ إِلَيْهَا أَنْفُسُهُمْ، وَلَيْسَ مِنْ أَحَدٍ - كَائِنًا مَنْ كَانَ - إِلَاّ وَهُوَ يَطْرَبُ مِنْ صَوْتِ نَفْسِهِ، وَيُعْجِبُهُ طَنِينُ رَأْسِهِ (4) ، وَقَدْ ذَكَرَ مَا يُقَارِبُ هَذَا لَفْظًا وَمَعْنًى الإِْمَامُ الْغَزَالِيُّ (5) ، وَغَيْرُهُ (6) ، مِمَّا يَدُل عَلَى أَنَّ الْغِنَاءَ كَمَا يَقَعُ بِالشِّعْرِ وَالأَْلْحَانِ وَالآْلَاتِ يَقَعُ سَاذَجًا بِصَوْتٍ مُجَرَّدٍ عَنِ الْجَمِيعِ، لَكِنَّهُ عَلَى نَمَطٍ خَاصٍّ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ -
التَّغْبِيرُ:
2 -
التَّغْبِيرُ هُوَ فِي حَقِيقَةِ الأَْمْرِ ضَرْبٌ مِنَ الْغِنَاءِ يُذَكِّرُ بِالْغَابِرَةِ وَهِيَ الآْخِرَةُ،
(1) الإمتاع بأحكام السماع للأدفوي ورقة 17. وهو مخطوط بالمكتبة الوطنية بتونس، فرح الأسماع برخص السماع للتونسي ص49 تحقيق محمد الشريف الرحموني. الدار العربية للكتاب بتونس 1985.
(2)
يقال: رجع في صوته إذا ردده في حلقه.
(3)
التقطيع: تحليل الأجزاء (النوتة) .
(4)
الحيوان 4 / 191 وما بعدها، تحقيق عبد السلام هارون.
(5)
إحياء علوم الدين 2 / 275، دار المعرفة.
(6)
فرح الأسماع برخص السماع ص14 / 17.
وَيُزَهِّدُ فِي الْحَاضِرَةِ وَهِيَ الدُّنْيَا، وَالْمُغَبِّرَةُ قَوْمٌ يُغَبِّرُونَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِدُعَاءٍ وَتَضَرُّعٍ، وَقَدْ أُطْلِقَ عَلَيْهِمْ هَذَا الاِسْمُ لِتَزْهِيدِهِمُ النَّاسَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ وَتَرْغِيبِهِمْ فِي الْبَاقِيَةِ وَهِيَ الآْخِرَةُ، وَهُوَ مِنْ " غَبَّرَ " الَّذِي يُسْتَعْمَل لِلْبَاقِي كَمَا يُسْتَعْمَل لِلْمَاضِي.
وَقَال الشَّافِعِيُّ: أَرَى الزَّنَادِقَةَ وَضَعُوا هَذَا التَّغْبِيرَ لِيَصُدُّوا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ (1) .
وَالصِّلَةُ أَنَّ التَّغْبِيرَ نَوْعٌ مِنَ الْغِنَاءِ.
ب -
الْحُدَاءُ:
3 -
الْحُدَاءُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا ضَرْبٌ مِنَ الْغِنَاءِ لِلإِْبِل إِذَا سَمِعَتْهُ أَسْرَعَتْ (2) . قَال ابْنُ قُدَامَةَ: الْحُدَاءُ هُوَ الإِْنْشَادُ الَّذِي تُسَاقُ بِهِ الإِْبِل - وَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ غُلَامٌ يَحْدُو بِهِنَّ يُقَال لَهُ: أَنْجَشَةُ. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: رُوَيْدَك يَا أَنْجَشَةُ سَوْقُك بِالْقَوَارِيرِ قَال أَبُو قِلَابَةَ: يَعْنِي النِّسَاءَ (3) .
(1) لسان العرب.
(2)
المصباح المنير، والصحاح والقاموس المحيط.
(3)
حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان في سفر. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 593 - 594) ومسلم (4 / 1811) واللفظ للبخاري.
وَالْحُدَاءُ نَوْعٌ مِنَ الْغِنَاءِ (1) .
ج -
النَّصْبُ:
4 -
مِنْ مَعَانِي النَّصْبِ: (بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ) التَّرَنُّمُ بِالشِّعْرِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَغَانِي الْعَرَبِ فِيهِ تَمْطِيطٌ يُشْبِهُ الْحُدَاءَ، وَقِيل: هُوَ الَّذِي أُحْكِمَ مِنَ النَّشِيدِ وَأُقِيمَ لَحْنُهُ وَوَزْنُهُ (2)، فَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَال: كَانَ رَبَاحٌ - وَهُوَ ابْنُ الْمُغْتَرِفِ - يُحْسِنُ النَّصْبَ (3)، وَفِي حَدِيثِ نَائِلٍ مَوْلَى عُثْمَانَ: فَقُلْنَا لِرَبَاحٍ: لَوْ نَصَبْت لَنَا نَصْبَ الْعَرَبِ. وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: النَّصْبُ نَشِيدُ الأَْعْرَابِ لَا بَأْسَ بِهِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الإِْنْشَادِ مَا لَمْ يَخْرُجْ إِلَى حَدِّ الْغِنَاءِ (4) . وَالصِّلَةُ أَنَّ النَّصْبَ ضَرْبٌ مِنَ الْغِنَاءِ.
حُكْمُ الْغِنَاءِ:
5 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْغِنَاءِ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِكَرَاهَتِهِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِتَحْرِيمِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِالإِْبَاحَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّل بَيْنَ الْقَلِيل
(1) المغني مع الشرح الكبير 12 / 44، وانظر أيضًا: الإمتاع بأحكام السماع للأدفوي ورقة 17 و18.
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر 5 / 62، والصحاح.
(3)
أثر السائب بن يزيد: كان رباح - وهو ابن المغترف - يحسن النصب. أخرجه البيهقي في السنن (10 / 224) .
(4)
المغني مع الشرح الكبير 12 / 44.
وَالْكَثِيرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَاحَظَ جِنْسَ الْمُغَنِّي فَفَرَّقَ بَيْنَ غِنَاءِ الرِّجَال وَغِنَاءِ النِّسَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَيَّزَ بَيْنَ الْبَسِيطِ السَّاذَجِ وَبَيْنَ الْمُقَارَنِ لأَِنْوَاعٍ مِنَ الآْلَاتِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِمَاعٍ ف 15 - 22)(وَمَعَازِفَ) .
وَهُنَاكَ مَسَائِل تَتَعَلَّقُ بِالْغِنَاءِ مِنْهَا:
أ -
احْتِرَافُ الْغِنَاءِ:
6 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ اتِّخَاذَ الْغِنَاءِ حِرْفَةً يُرْتَزَقُ مِنْهَا حَرَامٌ.
وَذَهَبَ الإِْمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الأُْمِّ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ أَوِ الرَّجُل يُغْنِي، فَيَتَّخِذُ الْغِنَاءَ صِنَاعَةً يُؤْتَى عَلَيْهِ وَيَأْتِي لَهُ، وَيَكُونُ مَنْسُوبًا إِلَيْهِ مَشْهُورًا بِهِ مَعْرُوفًا، لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنَ اللَّهْوِ الْمَكْرُوهِ الَّذِي يُشْبِهُ الْبَاطِل، وَأَنَّ مَنْ صَنَعَ هَذَا كَانَ مَنْسُوبًا إِلَى السَّفَهِ وَسِقَاطَةِ الْمُرُوءَةِ، وَمَنْ رَضِيَ بِهَذَا لِنَفْسِهِ كَانَ مُسْتَخِفًّا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا بَيِّنَ التَّحْرِيمِ (1) .
ب -
الإِْجَارَةُ عَلَى الْغِنَاءِ:
7 -
مِنْ شُرُوطِ الإِْجَارَةِ: أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ
(1) الأم 6 / 209، المغني مع الشرح الكبير 12 / 43، فتح القدير 6 / 34، 35، البيان والتحصيل 18 / 545.
الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا مُبَاحَةً شَرْعًا (1) ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الاِسْتِئْجَارَ لِلْغِنَاءِ الْمُحَرَّمِ وَالنَّوْحِ لَا يَجُوزُ؛ لأَِنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَالْمَعْصِيَةُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ. أَمَّا الاِسْتِئْجَارُ لِكِتَابَةِ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأَِنَّ الْمَمْنُوعَ إِنَّمَا هُوَ نَفْسُ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ - عَلَى الْقَوْل بِذَلِكَ - لَا كِتَابَتُهُمَا (2) .
ج -
الْوَصِيَّةُ بِإِقَامَةِ لَهْوٍ بِعُرْسٍ:
8 -
مَنْ أَوْصَى بِإِقَامَةِ لَهْوٍ بِعُرْسٍ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تُنَفَّذُ إِذَا كَانَ اللَّهْوُ مُرَخَّصًا فِيهِ وَبِآلَاتٍ مُرَخَّصٍ فِي اسْتِعْمَالِهَا، وَلَا تَنْفُذُ إِذَا دَاخَلَهُ مَا لَا يَجُوزُ (3) .
د -
مُرُوءَةُ الْمُغَنِّي وَشَهَادَتُهُ:
9 -
احْتِرَافُ الْغِنَاءِ وَكَثْرَةُ اسْتِمَاعِهِ مِمَّا يَقْدَحُ فِي مُرُوءَةِ الْمَرْءِ مُغَنِّيًا وَمُسْتَمِعًا، بِحَيْثُ يُعَرِّضُهُ إِلَى رَدِّ شَهَادَتِهِ (4) ، وَنَقَل الْحَطَّابُ أَنَّ الْغِنَاءَ إِنْ كَانَ بِغَيْرِ آلَةٍ فَهُوَ
(1) بداية المجتهد 2 / 241، القوانين الفقهية ص275، بدائع الصنائع 4 / 189، والشرح الكبير مع الدسوقي 4 / 21.
(2)
المغني مع الشرح الكبير 6 / 134، ومواهب الجليل 5 / 424، والبدائع 4 / 189.
(3)
البيان والتحصيل 13 / 139 - 140.
(4)
الأم 6 / 209، المدونة 5 / 153، مواهب الجليل 6 / 153، جواهر الإكليل 2 / 233، المغني مع الشرح الكبير 12 / 43.
مَكْرُوهٌ، وَلَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ، بَل لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِهِ مِثْلَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لأَِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَادِحًا فِي الْمُرُوءَةِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: تُرَدُّ شَهَادَةُ الْمُغَنِّي وَالْمُغَنِّيَةِ وَالنَّائِحِ وَالنَّائِحَةِ إِذَا عُرِفُوا بِذَلِكَ (1)، وَنُقِل عَنْ الْمَازِرِيِّ: إِذَا كَانَ الْغِنَاءُ بِآلَةٍ فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ أَوْتَارٍ كَالْعُودِ وَالطُّنْبُورِ فَمَمْنُوعٌ، وَكَذَلِكَ الْمِزْمَارُ، وَالظَّاهِرُ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ يُلْحَقُ بِالْمُحَرَّمَاتِ، وَنَصَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَى أَنَّ سَمَاعَ الْعُودِ تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ، إِلَاّ إِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي عُرْسٍ أَوْ صَنِيعٍ لَيْسَ مَعَهُ شَرَابٌ يُسْكِرُ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُول الشَّهَادَةِ، وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ رَدَّ شَهَادَةِ الْمُغَنِّي بِأَنْ يُغْنِيَ لِلنَّاسِ بِأُجْرَةٍ (2) .
هـ -
الْوَقْفُ عَلَى الْمُغَنِّي:
10 -
نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَصِحُّ عَلَى جِهَةِ الْمَغَانِي، وَيَصِحُّ عَلَى مُعَيَّنٍ مُتَّصِفٍ بِذَلِكَ وَيَسْتَحِقُّهُ لَوْ زَال ذَلِكَ الْوَصْفُ (3) ، وَيَلْغُو شَرْطُ الْوَاقِفِ مَا دَامَ كَذَلِكَ، وَسَائِرُ الْمَذَاهِبِ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى جِهَةِ الْمَعْصِيَةِ.
(رَاجِعْ مُصْطَلَحَ: وَقْفٍ) .
(1) المدونة 5 / 153.
(2)
ابن عابدين 4 / 381 - 382، مواهب الجليل 6 / 153، وجواهر الإكليل 2 / 233.
(3)
شرح منتهى الإرادات 2 / 494.
التَّغَنِّي بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ:
11 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِلَى عَدَمِ جَوَازِ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ أَوِ الاِسْتِمَاعِ إِلَيْهِ بِالتَّرْجِيعِ وَالتَّلْحِينِ الْمُفْرِطِ.
أَمَّا تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لأُِصُول الْقِرَاءَةِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَاسْتِمَاعُهُ حَسَنٌ، لِقَوْل رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ (1)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (اسْتِمَاعٍ ف 7) .
(1) حديث: " زينوا القرآن بأصواتكم ". أخرجه أبو داود (2 / 155) من حديث البراء بن عازب، وأخرجه الدارقطني في الأفراد من حديث ابن عباس كما في الفتح لابن حجر (13 / 519) ، وحسن ابن حجر إسناده.
غَنَمٌ
التَّعْرِيفُ:
1 -
الْغَنَمُ لُغَةً: اسْمُ جِنْسٍ يُطْلَقُ عَلَى الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، وَقَدْ تُجْمَعُ عَلَى " أَغْنَامٍ " عَلَى مَعْنَى قِطْعَانَاتٍ مِنَ الْغَنَمِ، وَلَا وَاحِدَ لِلْغَنَمِ مِنْ لَفْظِهَا (1) .
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، قَال الْحَصْكَفِيُّ: الْغَنَمُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْغَنِيمَةِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ لَهَا آلَةُ الدِّفَاعِ، فَكَانَتْ غَنِيمَةً لِكُل طَالِبٍ (2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْغَنَمِ:
أ -
الصَّلَاةُ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ:
2 -
يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِبَاحَةَ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ إِذَا أُمِنَتِ النَّجَاسَةُ (3) ، فَقَدْ رَوَى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً سَأَل رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(1) المصباح المنير.
(2)
الدر المختار ورد المحتار 2 / 18.
(3)
حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص196 - 197 ورد المحتار 1 / 254، المجموع 2 / 160 - 161، وروضة الطالبين 1 / 278 - 279، والمغني 2 / 67.
أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الإِْبِل؟ قَال: لَا (1)
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّمَا تُبَاحُ الصَّلَاةُ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ إِذَا كَانَتْ فَوْقَ السَّجَّادَةِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ، أَوْ إِذَا كَانَ أَصْحَابُ الْغَنَمِ يُنَظِّفُونَ الْمَرَابِضَ، فَأُبِيحَتِ الصَّلَاةُ فِيهَا لِذَلِكَ (2)، وَقَالُوا: لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ إِذَا كَانَ بَعِيدًا مِنَ النَّجَاسَةِ (3) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا صَلَّى فِي أَعْطَانِ الإِْبِل أَوْ مَرَاحِ الْغَنَمِ وَمَاسَّ شَيْئًا مِنْ أَبْوَالِهَا أَوْ أَبْعَارِهَا أَوْ غَيْرِهَا مِنَ النَّجَاسَاتِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ بَسَطَ شَيْئًا طَاهِرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ أَوْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ مِنْهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، لَكِنْ تُكْرَهُ فِي أَعْطَانِ الإِْبِل وَلَا تُكْرَهُ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَلَيْسَتِ الْكَرَاهَةُ بِسَبَبِ النَّجَاسَةِ، فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي نَجَاسَةِ الْبَوْل وَالْبَعْرِ، وَإِنَّمَا سَبَبُ كَرَاهَةِ أَعْطَانِ الإِْبِل هُوَ مَا يُخَافُ مِنْ نِفَارِهَا، بِخِلَافِ الْغَنَمِ فَإِنَّهَا ذَاتُ سَكِينَةٍ (4) .
(1) حديث: جابر بن سمرة: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم " أصلي في مرابض الغنم. . . ". أخرجه مسلم (1 / 275) .
(2)
مراقي الفلاح ص197.
(3)
رد المحتار 1 / 254.
(4)
المجموع 3 / 161.
وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ الصَّلَاةَ - وَلَوْ مِنْ غَيْرِ فَرْشٍ - بِمَرْبِضِ غَنْمٍ وَبَقَرٍ لِطَهَارَةِ زِبْلِهَا (1)
وَلِلتَّفْصِيل (ر: صَلَاةٌ ف 105)
ب -
زَكَاةُ الْغَنَمِ:
3 -
زَكَاةُ الْغَنَمِ وَاجِبَةٌ بِالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ. أَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَاهُ أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمِنْ سُئِل فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ. . . وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِي كُل مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُل نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةٌ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا (2)
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ
(1) الشرح الصغير 1 / 268.
(2)
حديث أنس: أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب. أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 317، 318) .
فِيهَا (1) . وَلِلتَّفْصِيل (ر: زَكَاةٌ ف 57 وَمَا بَعْدَهَا)
ج -
سَرِقَةُ الْغَنَمِ:
4 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَى مَنْ سَرَقَ الْغَنَمَ مِنَ الأَْبْنِيَةِ الْمُغْلَقَةِ الأَْبْوَابِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْعِمَارَةِ (2) .
وَاخْتَلَفُوا فِي سَرِقَةِ الْغَنَمِ مِنْ الْمَرْعَى: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِي الْغَنَمِ الرَّاعِيَةِ فِي حَال رَعْيِهَا، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا رَاعٍ أَوْ لَا (3) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وُجُوبَ الْقَطْعِ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ الْغَنَمَ مِنَ الْمَرْعَى، إِذَا كَانَ الرَّاعِي عَلَى نَشَزٍ مِنَ الأَْرْضِ يَرَاهَا جَمِيعًا وَيَبْلُغُهَا صَوْتُهُ (4) .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلَا يَشْتَرِطُونَ بُلُوغَ الصَّوْتِ، وَيَكْتَفُونَ بِالنَّظَرِ، حَيْثُ قَالُوا: وَحِرْزُ الْغَنَمِ فِي الْمَرْعَى بِالرَّاعِي وَنَظَرُهُ
(1) العناية 3 / 53، 55، وحاشية العدوي على شرح الرسالة 1 / 381 - 382 ط الحلبي، والمجموع 5 / 338 المغني 2 / 597.
(2)
فتح القدير 4 / 246 ط الأميرية، والفتاوى الهندية 268 ط الحلبي، وروضة الطالبين 10 / 127، وكشاف القناع 6 / 137.
(3)
فتح القدير 4 / 246، وحاشية العدوي على شرح الرسالة 2 / 267 - 268.
(4)
روضة الطالبين 10 / 128، وأسنى المطالب 4 / 144.
إِلَيْهَا إِذَا كَانَ الرَّاعِي يَرَاهَا فِي الْغَالِبِ؛ لأَِنَّ الْعَادَةَ حِرْزُهَا بِذَلِكَ (1) وَلِلتَّفْصِيل فِي أَحْوَال حِرْزِ الْغَنَمِ وَسَائِرِ الْمَوَاشِي فِي الأَْبْنِيَةِ وَغَيْرِ الأَْبْنِيَةِ ر: (سَرِقَةٌ ف 37)
د -
السَّلَمُ فِي الْغَنَمِ:
5 -
يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ السَّلَمِ فِي الْغَنَمِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِهِ فِي الْحَيَوَانِ - وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - ذِكْرُ الأُْنُوثَةِ وَالذُّكُورَةِ وَالسِّنِّ وَاللَّوْنِ وَالنَّوْعِ (2) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ عَدَمَ جَوَازِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ، لأَِنَّهُ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِالْوَصْفِ، إِذْ يَبْقَى بَعْدَ بَيَانِ جِنْسِهَا وَنَوْعِهَا وَصِفَتِهَا وَقَدْرِهَا جَهَالَةً فَاحِشَةً مُفْضِيَةً إِلَى الْمُنَازَعَةِ لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ بَيْنَ حَيَوَانٍ وَحَيَوَانٍ (3) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ ر: (سَلَمٍ ف 20 وَمَا بَعْدَهَا) .
(1) كشاف القناع 6 / 137.
(2)
الدسوقي 3 / 208، والمنتقى 4 / 293، وروضة الطالبين 4 / 20، والمغني 4 / 312، 313.
(3)
بدائع الصنائع 5 / 209، والمبسوط للسرخسي 11 / 131.
غُنْمٌ
التَّعْرِيفُ:
1 -
الْغُنْمُ - بِالضَّمِّ - لُغَةً: هُوَ الْفَوْزُ بِالشَّيْءِ (1) .
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
2 -
مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ قَاعِدَةُ: " الْغُنْمُ بِالْغُرْمِ " وَمَعْنَاهَا: أَنَّ مَنْ يَنَال نَفْعَ شَيْءٍ يَتَحَمَّل ضَرَرَهُ (2) .
وَدَلِيل هَذِهِ الْقَاعِدَةِ هُوَ قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ (3) قَال الشَّافِعِيُّ: غُنْمُهُ زِيَادَتُهُ، وَغُرْمُهُ هَلَاكُهُ وَنَقْصُهُ (4) .
(1) لسان العرب والمصباح المنير.
(2)
مجلة الأحكام العدلية (مادة 87) مع شرح الأتاسي 1 / 245.
(3)
حديث: " لا يغلق الرهن من صاحبه. . . ". أخرجه الدارقطني (3 / 33) من حديث سعيد بن المسيب مرسلاً، وقال ابن حجر في التلخيص (3 / 36) : صحح أبو داود والبزار والدارقطني إرساله.
(4)
شرح السنة للبغوي 8 / 185.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (رَهْنٍ ف 19)
3 -
وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ جُمْلَةٌ مِنَ الأَْحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ:
مِنْهَا: الْوَقْفُ إِذَا كَانَ دَارًا فَعِمَارَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى، فَإِنِ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ فَقِيرًا آجَرَهَا الْحَاكِمُ وَعَمَّرَهَا بِأُجْرَتِهَا. وَإِنَّمَا يُعَامَل بِذَلِكَ لأَِنَّ مَنْفَعَةَ السُّكْنَى لَهُ فَعَلَيْهِ عِمَارَتُهَا.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (وَقْفٍ) .
وَمِنْهَا: إِذَا احْتَاجَ الْمَال الْمُشْتَرَكُ إِلَى التَّعْمِيرِ، يُعَمِّرُهُ أَصْحَابُهُ بِالاِشْتِرَاكِ عَلَى مِقْدَارِ حِصَصِهِمْ؛ لأَِنَّ مَنْفَعَةَ كُلٍّ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ (1)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (جِوَارٍ ف 4، وَحَائِطٍ ف 5)
(1) ينظر في تتبع هذه الفروع شرح مجلة الأحكام العدلية للأتاسي ومواد المجلة الخاصة بها 1 / 245، 246.
غَنِيمَة
التَّعْرِيفُ:
1 -
الْغَنِيمَةُ وَالْمَغْنَمُ وَالْغَنِيمُ وَالْغُنْمُ بِالضَّمِّ فِي اللُّغَةِ:
الْفَيْءُ
، يُقَال: غَنِمَ الشَّيْءَ غُنْمًا: فَازَ بِهِ، وَغَنِمَ الْغَازِي فِي الْحَرْبِ: ظَفِرَ بِمَال عَدُوِّهِ (1) .
وَالْغَنِيمَةُ فِي الاِصْطِلَاحِ: اسْمٌ لِلْمَأْخُوذِ مِنْ أَهْل الْحَرْبِ عَلَى سَبِيل الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، إِمَّا بِحَقِيقَةِ الْمَنَعَةِ أَوْ بِدَلَالَتِهَا، وَهِيَ إِذْنُ الإِْمَامِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (2) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: هِيَ اسْمٌ لِلْمَأْخُوذِ مِنْ أَهْل الْحَرْبِ الْمُوجَفِ عَلَيْهَا بِالْخَيْل وَالرِّكَابِ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْفَيْءُ.
2 -
الْفَيْءُ: هُوَ الْمَال الْحَاصِل لِلْمُسْلِمِينَ
(1) القاموس المحيط، ولسان العرب، والمعجم الوسيط.
(2)
بدائع الصنائع 7 / 118، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق 5 / 82.
(3)
الأم 4 / 139.
مِنْ أَمْوَال الْكُفَّارِ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَا إِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ (1) .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ: أَنَّ الْغَنِيمَةَ مَا أُخِذَ مِنْ أَهْل الْحَرْبِ عَنْوَةً وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، وَالْفَيْءُ مَا أُخِذَ مِنْ أَهْل الْحَرْبِ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَا إِيجَافِ خَيْلٍ.
وَثَمَّةَ فَرْقٌ آخَرُ بَيْنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ، هُوَ أَنَّ الْفَيْءَ لَا يُخَمَّسُ كَمَا تُخَمَّسُ الْغَنِيمَةُ.
ب -
الْجِزْيَةُ:
3 -
الْجِزْيَةُ: اسْمٌ لِمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ، فَهُوَ عَامٌّ يَشْمَل كُل جِزْيَةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُوجِبُهَا الْقَهْرَ وَالْغَلَبَةَ وَفَتْحَ الأَْرْضِ عَنْوَةً، أَوْ عَقْدُ الذِّمَّةِ الَّذِي يَنْشَأُ بِالتَّرَاضِي (2) وَالْغَنِيمَةُ مُخَالِفَةٌ لِلْجِزْيَةِ؛ لأَِنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَالْغَنِيمَةُ لَا تَكُونُ إِلَاّ فِي الْقِتَال.
وَالتَّفْصِيل فِي (جِزْيَةٍ ف 1 وَ 5)
ج -
النَّفَل:
4 -
النَّفَل بِالتَّحْرِيكِ فِي اللُّغَةِ: الْغَنِيمَةُ، وَالْجَمْعُ أَنْفَالٌ.
(1) بدائع الصنائع 7 / 116، ومنح الجليل على مختصر خليل 1 / 737، ونهاية المحتاج 6 / 133، والمغني 6 / 402، وكشاف القناع 3 / 100.
(2)
الفتاوى الهندية 2 / 244، وجواهر الإكليل 2 / 266.
وَمِنْ مَعَانِيهِ فِي الاِصْطِلَاحِ: مَا خَصَّهُ الإِْمَامُ لِبَعْضِ الْغُزَاةِ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى الْقِتَال، وَسُمِّيَ نَفْلاً لِكَوْنِهِ زِيَادَةً عَلَى مَا يُسْهِمُ لَهُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ (1) .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغَنِيمَةِ وَالنَّفَل: أَنَّ النَّفَل يَنْفَرِدُ بِهِ بَعْضُ الْغَانِمِينَ مِنَ الْغَنِيمَةِ زِيَادَةً عَلَى أَسْهُمِهِمْ لِعَمَلٍ قَامُوا بِهِ نِكَايَةً بِالْعَدُوِّ، أَمَّا الْغَنِيمَةُ فَلِلْجَمِيعِ (2) .
د -
السَّلَبُ:
5 -
السَّلَبُ: مَا يَأْخُذُهُ الْمُقَاتِل الْمُسْلِمُ مِنْ قَتِيلِهِ الْكَافِرِ فِي الْحَرْبِ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابٍ وَآلَاتِ حَرْبٍ، وَمِنْ مَرْكُوبِهِ الَّذِي يُقَاتِل عَلَيْهِ، وَمَا عَلَيْهِ مِنْ سَرْجٍ وَلِجَامٍ (3) .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّلَبِ وَالْغَنِيمَةِ: أَنَّ السَّلَبَ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى سَهْمِ الْمُقَاتِل مِمَّا مَعَ الْقَتِيل.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ
لِلْغَنِيمَةِ:
6 -
الْغَنِيمَةُ مَشْرُوعَةٌ أَحَلَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لِهَذِهِ الأُْمَّةِ، وَحِلُّهَا مُخْتَصٌّ بِهَا، قَال صلى الله عليه وسلم: أُعْطِيت خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي. . . وَذَكَرَ
(1) بدائع الصنائع للكاساني 7 / 115، وشرح السير الكبير للسرخسي 2 / 593، ومنح الجليل على مختصر خليل 1 / 737.
(2)
كشاف القناع 3 / 86.
(3)
الروضة 6 / 374.
فِيهَا: وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ (1) وَكَانَتِ الْغَنِيمَةُ فِي أَوَّل الإِْسْلَامِ لِرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً يَصْنَعُ فِيهَا مَا يَشَاءُ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُول وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيل} (2) فَجَعَل خُمُسَهَا مَقْسُومًا عَلَى هَذِهِ الأَْسْهُمِ الْخَمْسَةِ، وَجَعَل أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِلْغَانِمِينَ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ الْغَنِيمَةَ إِلَى الْغَانِمِينَ فِي قَوْلِهِ:{غَنِمْتُمْ} وَجَعَل الْخُمُسَ لِغَيْرِهِمْ، فَدَل ذَلِكَ عَلَى أَنَّ سَائِرَهَا لَهُمْ (3) .
مَا يُعْتَبَرُ مِنْ أَمْوَال الْغَنِيمَةِ وَمَا لَا يُعْتَبَرُ:
أ -
الأَْمْوَال الْمَنْقُولَةُ:
7 -
يُعَدُّ مِنَ الْغَنِيمَةِ مَا أُخِذَ مِنَ الْحَرْبِيِّ مِنْ أَمْوَالٍ مَنْقُولَةٍ قَهْرًا بِقِتَالٍ؛ لأَِنَّهُ مَالٌ أُخِذَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِقُوَّةِ الْجَيْشِ، فَكُل مَالٍ يَصِل إِلَى يَدِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِاعْتِبَارِ قُوَّتِهِمْ فَهُوَ غَنِيمَةٌ، لَا مَا أُخِذَ
(1) حديث: " أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 436) ، ومسلم (1 / 370 - 371) من حديث جابر بن عبد الله.
(2)
سورة الأنفال / 41.
(3)
روضة الطالبين 6 / 368، وكشاف القناع 3 / 77، وأحكام القرآن للقرطبي 7 / 361.
مِنْ أَمْوَال أَهْل الذِّمَّةِ مِنْ جِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا مَا جَلَوَا عَنْهُ وَتَرَكُوهُ فَزَعًا، وَلَا مَا أُخِذَ مِنْهُمْ مِنَ الْعُشْرِ إِذَا اتَّجَرُوا إِلَيْنَا وَنَحْوُهُ (1) .
ب -
الأَْرْضُ:
وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
أَوَّلاً - مَا فُتِحَ عَنْوَةً:
8 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَسْمِ الأَْرْضِ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً، أَوْ عَدَمِ قَسْمِهَا: فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الإِْمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقْسِمَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْمُقَاتِلِينَ، أَوْ يَضْرِبَ عَلَى أَهْلِهَا الْخَرَاجَ وَيُقِرَّهَا بِأَيْدِيهِمْ.
وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهَا لَا تُقْسَمُ، وَتَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى قَسْمِهَا بَيْنَ الْمُقَاتِلِينَ كَمَا يُقْسَمُ الْمَنْقُول.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يُوَافِقُ رَأْيَ كُلٍّ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ. وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (أَرْضٍ ف 25 - 26) .
ثَانِيًا - مَا جَلَا أَهْلُهَا عَنْهَا خَوْفًا:
9 -
وَهَذِهِ تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الظُّهُورِ
(1) شرح السير الكبير 4 / 1174، وكشاف القناع 3 / 77 - 81.
عَلَيْهَا؛ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ غَنِيمَةً، فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْفَيْءِ.
ثَالِثًا - مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ مِنْ الأَْرْضِ:
10 -
وَهُوَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُصَالِحَهُمُ الإِْمَامُ أَوْ نَائِبُهُ عَلَى أَنَّ الأَْرْضَ لَنَا وَنُقِرُّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ، فَهَذِهِ الأَْرْضُ تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ مِلْكِنَا لَهَا كَالَّتِي قَبْلَهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُصَالَحُوا عَلَى أَنَّ الأَْرْضَ لَهُمْ وَيُضْرَبَ عَلَيْهَا خَرَاجٌ يُؤَدُّونَهُ عَنْهَا، وَهَذَا الْخَرَاجُ فِي حُكْمِ الْجِزْيَةِ، مَتَى أَسْلَمُوا سَقَطَ عَنْهُمْ (1) .
ج -
الْمَال الْمَأْخُوذُ بِاتِّفَاقٍ:
11 -
مَا يُؤْخَذُ مِنْ فِدْيَةِ الأُْسَارَى غَنِيمَةٌ، لأَِنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَسَّمَ فِدَاءَ أُسَارَى بَدْرٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ؛ وَلأَِنَّهُ مَالٌ حَصَل بِقُوَّةِ الْجَيْشِ أَشْبَهَ بِالسِّلَاحِ.
وَمَا أَهْدَاهُ الْكُفَّارُ لِبَعْضِ الْغَانِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ غَنِيمَةٌ لِلْجَيْشِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ فُعِل خَوْفًا مِنَ الْجَيْشِ، فَيَكُونُ غَنِيمَةً، كَمَا لَوْ أَخَذَهُ بِغَيْرِهَا، فَلَوْ كَانَتِ الْهَدِيَّةُ بِدَارِنَا فَهِيَ لِمَنْ أُهْدِيَتْ إِلَيْهِ (2) .
(ر: مُصْطَلَحُ أَسْرَى ف 23 - 24) .
(1) كشاف القناع 3 / 94 - 95، والأحكام السلطانية للماوردي 138.
(2)
كشاف القناع 3 / 93.
د -
السَّلَبُ:
12 -
السَّلَبُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَلَا اخْتِلَافَ عَلَى تَخْمِيسِ الْغَنِيمَةِ. لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي سَلَبِ الْقَاتِل.
وَأَكْثَرُ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَتَل قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ (1) وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَهُ كُلُّهُ، وَلَوْ خُمِّسَ لَمْ يَكُنْ جَمِيعُهُ لَهُ، وَلِقَوْل عُمَرَ رضي الله عنه: كُنَّا لَا نُخَمِّسُ السَّلَبَ (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (سَلَبٍ ف 12)
هـ -
النَّفَل:
13 -
سَبَقَ تَعْرِيفُ النَّفَل. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَكُونُ مِنْهُ النَّفَل إِذَا كَانَ مِنْ الْغَنِيمَةِ، فَقِيل: إِنَّهُ يَكُونُ مِنْ أَصْل الْغَنِيمَةِ، أَوْ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا أَوْ خُمُسِهَا أَوْ خُمُسِ خُمُسِهَا.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَنْفِيلٍ ف 5) .
و
أَمْوَال الْبُغَاةِ
14 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَمْوَال الْبُغَاةِ لَا تُغْنَمُ وَلَا تُقْسَمُ وَلَا يَجُوزُ إِتْلَافُهَا. وَإِنَّمَا
(1) حديث: " من قتل قتيلاً له عليه بينّة فله سلبه ". أخرجه البخاري (فتح الباري 8 / 35) ، ومسلم (3 / 1371) من حديث أبي قتادة.
(2)
مغني المحتاج 3 / 99، والمغني 6 / 405.
تُرَدُّ إِلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ يَتُوبُوا.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (بُغَاةٍ ف 16)
ز -
أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ إِذَا اسْتَرَدُّوهَا مِنَ الْحَرْبِيِّينَ:
15 -
إِذَا اسْتَوْلَى الْحَرْبِيُّونَ عَلَى أَمْوَالٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَحَازُوهَا فِي بِلَادِهِمْ ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا الْمُسْلِمُونَ. فَهَل تُعْتَبَرُ هَذِهِ الأَْمْوَال غَنِيمَةً أَمْ لَا؟ وَإِذَا وُجِدَ مِنْهَا شَيْءٌ بِعَيْنِهِ عُرِفَ صَاحِبُهُ، فَهَل يَأْخُذُهُ قَبْل الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا عَيْنًا بِدُونِ بَدَلٍ؟ أَمْ يَدْفَعُ قِيمَتَهُ؟ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الأَْمْوَال تُعْتَبَرُ غَنِيمَةً.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ مِنْهَا شَيْءٌ بِعَيْنِهِ عُرِفَ صَاحِبُهُ فَيَأْخُذُهُ عَيْنًا بِدُونِ بَدَلٍ إِذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْل قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ. أَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَيَأْخُذُهُ مَالِكُهُ بِالْقِيمَةِ مِمَّنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ أَوْ بِثَمَنِهِ الَّذِي بِيعَ بِهِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمَال الَّذِي يُعْرَفُ صَاحِبُهُ الْمُسْلِمُ أَوِ الذِّمِّيُّ لَا يُقْسَمُ أَصْلاً، فَإِذَا قُسِمَ لَمْ تَنْفُذِ الْقِسْمَةُ، وَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ بِدُونِ ثَمَنٍ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ إِذَا
قُسِّمَتِ الْغَنِيمَةُ فَلَا حَقَّ لِلْمُسْلِمِ فِي مَالِهِ الَّذِي وُجِدَ فِي الْغَنِيمَةِ بِحَالٍ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ هَذَا الْمَال يَجِبُ رَدُّهُ إِلَى صَاحِبِهِ الْمُسْلِمِ قَبْل الْقِسْمَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى قُسِمَ دُفِعَ إِلَى مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ الْعِوَضُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، وَرُدَّ الْمَال إِلَى صَاحِبِهِ؛ لأَِنَّهُ يَشُقُّ نَقْضُ الْقِسْمَةِ (1) .
الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْغَنِيمَةِ:
16 -
يَجِبُ عَلَى أَمِيرِ الْجَيْشِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْغَنِيمَةِ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى مَنْ يَقُومُ بِحِفْظِهَا بِأَجْرٍ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنِ اسْتُعْمِل لِذَلِكَ مَنْ لَهُ سَهْمٌ مِنَ الْمُجَاهِدِينَ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُ الأُْجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ " وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ سَهْمِهِ شَيْءٌ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ مِنْ مُؤْنَةِ الْغَنِيمَةِ، فَهُوَ كَعَلَفِ الدَّوَابِّ وَإِطْعَامِ السَّبْيِ، يَجُوزُ لِلإِْمَامِ بَذْلُهُ. وَيُبَاحُ لِلأَْجِيرِ أَخْذُ الأُْجْرَةِ عَلَيْهِ (2) .
مَكَانُ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ:
17 -
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ
(1) تبيين الحقائق 3 / 261 وما بعدها، وحاشية الدسوقي 2 / 194 و195 وبلغة السالك 1 / 364 وما بعدها، والمهذب 2 / 243، والمغني 8 / 430 وما بعدها.
(2)
كشاف القناع 3 / 90، ومغني المحتاج 3 / 101.
إِلَى أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُقْسَمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ تَعْجِيلاً لِمَسَرَّةِ الْغَانِمِينَ، وَذَهَابِهِمْ لأَِوْطَانِهِمْ، وَنِكَايَةً لِلْعَدُوِّ.
وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ هَذَا بِمَا إِذَا أَمِنُوا كَثْرَةَ الْعَدُوِّ وَكَانَ الْغَانِمُونَ جَيْشًا " وَأَمَّا إِنْ كَانُوا سَرِيَّةً مِنَ الْجَيْشِ. فَلَا يَقْتَسِمُونَ حَتَّى يَعُودُوا إِلَى الْجَيْشِ.
وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ التَّقْسِيمِ لِبَلَدِ الإِْسْلَامِ بِلَا عُذْرٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرْجِعْ مِنْ غَزْوَةٍ فِيهَا مَغْنَمٌ إِلَاّ خَمَّسَهُ وَقَسَمَهُ قَبْل أَنْ يَرْجِعَ، فَقَدْ قَسَّمَ غَنَائِمَ خَيْبَرَ بِخَيْبَرِ، وَغَنَائِمَ أَوْطَاسٍ بِأَوْطَاسٍ، وَغَنَائِمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فِي دِيَارِهِمْ (1) . "
وَالتَّقْسِيمُ رَاجِعٌ عِنْدَهُمْ إِلَى نَظَرِ الإِْمَامِ وَاجْتِهَادِهِ، فَإِذَا رَأَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ آمِنُونَ مِنْ كَرِّ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ فَلَا يُؤَخِّرُ الْقِسْمَةَ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي غَنِمَ فِيهِ " وَإِنْ كَانَتْ بِلَادُ الْحَرْبِ أَوْ كَانَ يَخَافُ كَرَّةَ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ أَوْ كَانَ مَنْزِلُهُ غَيْرَ رَافِقٍ بِالْمُسْلِمِينَ. تَحَوَّل عَنْهُ إِلَى أَرْفَق بِهِمْ مِنْهُ وَآمَنَ لَهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ، ثُمَّ قَسَمَهُ وَإِنْ كَانَتْ بِلَادَ شِرْكٍ (2) .
(1) فتح الباري 6 / 181 ط السلفية، ومنح الجليل على مختصر خليل 1 / 475، وحاشية الدسوقي 2 / 194، والخرشي على مختصر خليل 3 / 136، والمغني 8 / 421، وكشاف القناع 3 / 82، والأم 4 / 66.
(2)
شرح السير الكبير 3 / 1010، وفتح الباري 12 / 154، والأم 4 / 66.
وَانْفَرَدَ الْحَنَفِيَّةُ بِرَأْيٍ فِي قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ، فَجَعَلُوا هَذِهِ الْقِسْمَةَ ضَرْبَيْنِ:
قِسْمَةِ الْحَمْل: وَتَكُونُ فِي حَالَةِ مَا إِذَا عَزَّتِ الدَّوَابُّ وَلَمْ يَجِدِ الإِْمَامُ حُمُولَةً، فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ الْغَنَائِمَ عَلَى الْغُزَاةِ، فَيَحْمِل كُل رَجُلٍ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ إِلَى دَارِ الإِْسْلَامِ، ثُمَّ يَسْتَرِدُّهَا مِنْهُمْ فَيَقْسِمُهَا.
قِسْمَةُ الْمِلْكِ: وَهِيَ لَا تَجُوزُ فِي دَارِ الْحَرْبِ.
وَهَذَا الاِخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ. وَهُوَ أَنَّ الْمِلْكَ هَل يَثْبُتُ فِي الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِلْغُزَاةِ؟
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ أَصْلاً فِيهَا. لَا مِنْ كُل وَجْهٍ وَلَا مِنْ وَجْهٍ، وَلَكِنْ يَنْعَقِدُ سَبَبُ الْمِلْكِ فِيهَا عَلَى أَنْ تَصِيرَ عِلَّةً عِنْدَ الإِْحْرَازِ بِدَارِ الإِْسْلَامِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ حَقِّ الْمِلْكِ أَوْ حَقِّ التَّمَلُّكِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
كَمَا أَنَّ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ (1) ، وَالْقِسْمَةُ بَيْعٌ مَعْنًى، فَتَدْخُل تَحْتَهُ (2)
وَعِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ: الْغَنِيمَةُ تُمْلَكُ بِالاِسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، لأَِنَّهَا
(1) حديث: " النهي عن بيع الغنيمة في دار الحرب ". قال الزيلعي في نصب الراية (3 / 408) : غريب جدًا، وقال ابن حجر في الدراية (2 / 120) : لم أجده.
(2)
بدائع الصنائع 7 / 122، والبحر الرائق 5 / 83 - 84، وشرح السير الكبير 3 / 1010.
مَالٌ مُبَاحٌ، فَمُلِكَتْ بِالاِسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ وَمُجَرَّدُ الاِسْتِيلَاءِ وَإِزَالَةُ أَيْدِي الْكُفَّارِ عَنْهَا كَافٍ.
وَالدَّلِيل عَلَى تَحَقُّقِ الاِسْتِيلَاءِ أَنَّ الاِسْتِيلَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ إِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى الْمَحَل، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ حَقِيقَةً (1)
الأَْخْذُ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَالاِنْتِفَاعُ بِهَا قَبْل الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا:
18 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِشَخْصٍ مِنَ الْمُجَاهِدِينَ الَّذِينَ يُسْهَمُ لَهُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا إِنْ كَانَ مُحْتَاجًا وَإِنْ لَمْ يَبْلُغِ الضَّرُورَةَ الْمُبِيحَةَ لِلْمَيْتَةِ. وَقَيَّدَ الْحَنَابِلَةُ ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ قَبْل جَمْعِ الْغَنِيمَةِ، أَمَّا إِذَا جُمِعَتِ الْغَنَائِمُ. فَلَا يَجُوزُ لأَِحَدٍ الأَْخْذُ مِنَ الطَّعَامِ أَوِ الْعَلَفِ إِلَاّ لِلضَّرُورَةِ (2) .
فَإِنْ كَانَ لَا يُسْهَمُ لَهُ، فَفِي جَوَازِ أَخْذِهِ وَعَدَمِهِ قَوْلَانِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (3) .
وَيَجُوزُ لِلْمُجَاهِدِ الَّذِي يُسْهَمُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَعْلاً وَحِزَامًا وَإِبْرَةً وَطَعَامًا وَعَلَفًا لِدَابَّتِهِ، فَإِنْ أَخَذَ نِعَمًا، أَيْ إِبِلاً وَبَقَرًا وَغَنَمًا. ذَكَّاهُ وَأَكَل لَحْمَهُ وَرَدَّ جِلْدَهُ لِلْغَنِيمَةِ إِنْ لَمْ يَحْتَجْ لَهُ.
(1) الأم 4 / 66، وكشاف القناع 3 / 82.
(2)
المغني 8 / 445، وبدائع الصنائع 7 / 123، 124.
(3)
منح الجليل 1 / 720.
وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ كُل مَا كَانَ مَأْكُولاً، مِثْل السَّمْنِ وَالزَّيْتِ وَالْخَل لِتَنَاوُلِهِ وَالاِنْتِفَاعِ بِهِ لِنَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ؛ لأَِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الاِنْتِفَاعِ بِهَذِهِ الأَْشْيَاءِ قَبْل الإِْحْرَازِ بِدَارِ الإِْسْلَامِ قَائِمَةٌ.
وَيَرُدُّ الآْخِذُ لِلْغَنِيمَةِ مَا فَضَل عَنْ حَاجَتِهِ مِنْ جَمِيعِ مَا أَخَذَهُ وَإِنْ كَثُرَ. أَيْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَنْ دِرْهَمٍ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْيَسِيرَ وَهُوَ مَا يُسَاوِي دِرْهَمًا لَا يَجِبُ رَدُّهُ إِلَيْهَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّ مَا وَجَبَ رَدُّهُ. تَصَدَّقَ بِهِ كُلِّهِ بِلَا تَخْمِيسٍ (1) . وَفِي الْمُقَابِل إِذَا أَعْطَى صَاحِبُ الْمَقَاسِمِ قَوْمًا بَعْضَ حِصَصِهِمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ عَلَى الْحَزْرِ وَالظَّنِّ، ثُمَّ تَبَيَّنَ مِنَ الْقِسْمَةِ أَنَّ حِصَّتَهُمْ كَانَتْ أَكْثَر مِمَّا أَخَذُوا، فَإِنَّ الْبَاقِيَ يُرَدُّ إِلَيْهِمْ، أَوْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ إِنْ كَانُوا قَدْ ذَهَبُوا (2) .
وَلَوْ أَخَذَ جُنْدِيٌّ شَيْئًا مِنْ طَعَامِ الْغَنِيمَةِ فَأَهْدَاهُ إِلَى تَاجِرٍ فِي الْعَسْكَرِ لَا يُرِيدُ الْقِتَال، لَمْ يُسْتَحَبَّ لِلتَّاجِرِ أَنْ يَأْكُل ذَلِكَ لأَِنَّ التَّنَاوُل مِنْهُ مُبَاحٌ لِلْجُنْدِيِّ. وَذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى إِلَى الإِْهْدَاءِ (3)
وَمَا سِوَى الْمَأْكُول وَالْمَشْرُوبِ وَالْعَلَفِ وَالْحَطَبِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَفِعُوا بِهِ؛ لأَِنَّ حَقَّ
(1) منح الجليل 1 / 720، والشرح الكبير للدردير بهامش حاشية الدسوقي 2 / 179.
(2)
شرح السير الكبير 4 / 1142، 1143، ومغني المحتاج 4 / 231 - 232.
(3)
شرح السير الكبير 4 / 1182.
الْغَانِمِينَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَفِي الاِنْتِفَاعِ بِهِ إِبْطَال حَقِّهِمْ، إِلَاّ إِذَا احْتَاجَ إِلَى اسْتِعْمَال شَيْءٍ مِنَ السِّلَاحِ أَوِ الدَّوَابِّ أَوِ الثِّيَابِ. فَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهِ، ثُمَّ يَرُدُّهُ إِلَى الْغَنِيمَةِ؛ لأَِنَّ هَذَا مَوْضِعُ الضَّرُورَةِ أَيْضًا، لَكِنَّ الثَّابِتَ بِالضَّرُورَةِ لَا يَتَعَدَّى مَحَل الضَّرُورَةِ. حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وِقَايَةً لِسِلَاحِهِ وَدَوَابِّهِ وَثِيَابِهِ وَصِيَانَةً لَهَا، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ؛ لاِنْعِدَامِ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ.
وَلَا يَنْتَفِعُ بِالْغَنِيمَةِ إِلَاّ الْغَانِمُونَ أَنْفُسُهُمْ، فَلَا يَجُوزُ لِلتُّجَّارِ أَنْ يَأْكُلُوا شَيْئًا مِنَ الْغَنِيمَةِ إِلَاّ بِثَمَنٍ (1) .
وَقَدْ قُيِّدَ جَوَازُ الاِنْتِفَاعِ بِالْغَنِيمَةِ بِمَا إِذَا لَمْ يَنْهَهُمُ الإِْمَامُ عَنِ الاِنْتِفَاعِ بِالْمَأْكُول أَوِ الْمَشْرُوبِ، أَمَّا إِذَا نَهَاهُمْ عَنْهُ فَلَا يُبَاحُ لَهُمُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ، فَعَنْ رَافِعٍ رضي الله عنه قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذِي الْحُلَيْفَةِ. فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ. وَأَصَبْنَا إِبِلاً وَغَنَمًا. وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، فَعَجَّلُوا فَنَصَبُوا الْقُدُورَ. فَأَمَرَ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ ثُمَّ قَسَمَ. (2) وَأَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ مُشْعِرٌ بِكَرَاهَةِ مَا صَنَعُوا مِنْ
(1) بدائع الصنائع 7 / 124، والبحر الرائق 5 / 86.
(2)
حديث رافع: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 188) .
الذَّبْحِ بِغَيْرِ إِذْنٍ (1) . وَأَمَّا إِذَا نَهَاهُمُ الإِْمَامُ ثُمَّ اضْطُرُّوا إِلَيْهِ جَازَ لَهُمْ أَكْلُهُ؛ لأَِنَّ الإِْمَامَ إِذْ ذَاكَ عَاصٍ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.
وَإِذَا قُسِمَتِ الْغَنِيمَةُ أَوْ بِيعَتْ. فَلَيْسَ لأَِحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الطَّعَامِ أَوِ الْعَلَفِ شَيْئًا بِدُونِ إِذْنِ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ. وَإِنْ فَعَل ذَلِكَ كَانَ ضَامِنًا لَهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَمْلَاكِهِ.
بَيْعُ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ:
19 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْغَانِمِينَ أَنْ يَبِيعُوا شَيْئًا مِنَ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُبَاحُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَلَا عُرُوضٍ؛ لأَِنَّ إِطْلَاقَ الاِنْتِفَاعِ وَإِسْقَاطَ اعْتِبَارِ الْحُقُوقِ وَإِلْحَاقَهَا بِالْعَدَمِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْبَيْعِ؛ وَلأَِنَّ مَحَل الْبَيْعِ هُوَ الْمَال الْمَمْلُوكُ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَالٍ مَمْلُوكٍ؛ لأَِنَّ الإِْحْرَازَ بِالدَّارِ شَرْطُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ.
فَإِنْ بَاعَ رَجُلٌ شَيْئًا رَدَّ الثَّمَنَ إِلَى الْغَنِيمَةِ؛ لأَِنَّ الثَّمَنَ بَدَل مَالٍ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَانِمِينَ، فَكَانَ مَرْدُودًا إِلَى الْمَغْنَمِ (2) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى
(1) فتح الباري 12 / 162.
(2)
بدائع الصنائع 7 / 124.
قَوْلَيْنِ.
الْقَوْل الأَْوَّل لِسَحْنُونٍ. وَهُوَ: أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلإِْمَامِ أَنْ يَبِيعَ الْغَنَائِمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِيَقْسِمَ أَثْمَانَهَا خَمْسَةَ أَقْسَامٍ: أَرْبَعَةٌ لِلْجَيْشِ وَخُمُسٌ لِبَيْتِ الْمَال.
وَالْقَوْل الثَّانِي لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ، وَهُوَ: أَنَّ الإِْمَامَ مُخَيَّرٌ فِي بَيْعِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ قَسْمِ الأَْعْيَانِ، وَهَذَا كُلُّهُ إِنْ أَمْكَنَ الْبَيْعُ فِي دَارِ الْحَرْبِ " بِأَنْ وُجِدَ مُشْتَرٍ يَشْتَرِي بِالْقِيمَةِ لَا بِالْعَيْنِ. وَبَحَثَ فِي بَيْعِهَا بِبَلَدِ الْحَرْبِ بِأَنَّهُ ضَيَاعٌ لِرُخْصِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ لِلْغَانِمِينَ لأَِنَّهُمُ الْمُشْتَرُونَ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنِ الْبَيْعُ فِي بَلَدِ الْحَرْبِ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الإِْمَامِ أَنْ يَقْسِمَهَا قِسْمَةَ الأَْعْيَانِ.
وَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لأَِحَدِ الْغَانِمِينَ بَيْعُ حِصَّتِهِ قَبْل قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ لِلإِْمَامِ الْبَيْعَ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْل الْقِسْمَةِ لِمَصْلَحَةٍ؛ لأَِنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْبَيْعُ لِلْغَانِمِينَ أَمْ غَيْرِهِمْ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلإِْمَامِ أَوْ أَمِيرِ الْجَيْشِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَغْنَمِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا؛ لأَِنَّهُ يُحَابَى " وَلأَِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه رَدَّ مَا اشْتَرَاهُ ابْنُهُ فِي غَزْوَةِ جَلُولَاءَ، لَكِنْ إِذَا قَوَّمَ أَصْحَابُ الْمَغَانِمِ شَيْئًا مَعْرُوفًا، فَقَالُوا فِي جُلُودِ الْمَاعِزِ بِكَذَا،
وَالْخِرْفَانِ بِكَذَا. فَيَجُوزُ أَخْذُهُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ (1) .
السَّرِقَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَالْغُلُول
.
20 -
الأَْخْذُ مِنَ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ حَوْزِهَا سَرِقَةٌ " وَالأَْخْذُ مِنْهَا قَبْل حَوْزِهَا غُلُولٌ (2) .
فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَال: كَانَ عَلَى ثِقَل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ يُقَال لَهُ كَرْكَرَةٌ، فَمَاتَ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هُوَ فِي النَّارِ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا.
(3)
وَقَدْ عُدَّ الْغُلُول كَبِيرَةً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ يَغْلُل يَأْتِ بِمَا غَل يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (4) . وَلَيْسَ مِنَ الْغُلُول أَخْذُ قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّ مِنْهَا إِذَا كَانَ الأَْمِيرُ جَائِرًا لَا يَقْسِمُ قِسْمَةً شَرْعِيَّةً، فَإِنَّهُ يَجُوزُ إِنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ (5) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (غُلُولٍ) .
(1) حاشية الدسوقي 2 / 194، ومنح الجليل 1 / 745، والقليوبي وعميرة 2 / 213، وكشاف القناع 3 / 91.
(2)
منح الجليل 1 / 720، وفتح الباري 6 / 187.
(3)
حديث: عبد الله بن عمرو: " كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: كركرة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 187) .
(4)
سورة آل عمران / 161.
(5)
منح الجليل 1 / 719، والشرح الكبير مع الدسوقي 2 / 179.
التَّنْفِيل مِنْ الْغَنِيمَةِ لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَال
.
21 -
لَا خِلَافَ أَنَّ التَّنْفِيل جَائِزٌ قَبْل الإِْصَابَةِ لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَال، فَإِنَّ الإِْمَامَ مَأْمُورٌ بِالتَّحْرِيضِ، قَال تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَال} . (1) وَقَال: {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} . (2)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تَنْفِيلٍ ف 3) .
حَقُّ الْغَائِبِ عَنْ الْقِتَال لِمَصْلَحَةٍ فِي الْغَنِيمَةِ:
22 -
يُعْطِي الأَْمِيرُ لِمَنْ بَعَثَهُ لِمَصْلَحَةٍ، كَرَسُولٍ وَجَاسُوسٍ وَدَلِيلٍ وَشِبْهِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا " وَلِمَنْ خَلَّفَهُ الأَْمِيرُ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ، فَكُل هَؤُلَاءِ يُسْهِمُ لَهُمْ لأَِنَّهُمْ فِي مَصْلَحَةِ الْجَيْشِ، وَهُمْ أَوْلَى بِالإِْسْهَامِ مِمَّنْ شَهِدَ وَلَمْ يُقَاتِل (3) . وَلَوْ أَنَّ قَائِدًا فَرَّقَ جُنُودَهُ فِي وَجْهَيْنِ، فَغَنِمَتْ إِحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ وَلَمْ تَغْنَمِ الأُْخْرَى، أَوْ بَعَثَ سَرِيَّةً مِنْ عَسْكَرٍ، أَوْ خَرَجَتْ هِيَ، فَغَنِمَتْ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَلَمْ يَغْنَمِ الْعَسْكَرُ، أَوْ غَنِمَ الْعَسْكَرُ وَلَمْ تَغْنَمِ السَّرِيَّةُ، شَرِكَ كُل وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ صَاحِبَهُ؛ لأَِنَّهُ جَيْشٌ
(1) سورة الأنفال / 65.
(2)
سورة النساء / 84.
(3)
كشاف القناع 3 / 83، ومنح الجليل 1 / 742.
وَاحِدٌ (1) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (سَرِيَّةٍ ف 6)
شُرُوطُ اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ:
23 -
يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ التَّالِيَةُ:
أَوَّلاً:
أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحِقُّ صَحِيحًا أَيْ مِنْ أَهْل الْقِتَال، وَإِنْ كَانَ يُسْهَمُ لِلْمَرِيضِ الَّذِي شَهِدَ ابْتِدَاءَ الْقِتَال صَحِيحًا ثُمَّ مَرِضَ وَاسْتَمَرَّ يُقَاتِل، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَرَضُهُ مِنَ الْقِتَال، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْهُ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ. إِلَاّ أَنْ يَكُونَ ذَا رَأْيٍ، كَمُقْعَدٍ أَوْ أَعْرَج أَوْ أَشَل أَوْ أَعْمَى لَهُ رَأْيٌ.
وَكَذَلِكَ مَنْ مَنَعَهُ الشَّرْعُ مِنَ الْجِهَادِ لِدَيْنٍ عَلَيْهِ، أَوْ مَنَعَهُ أَبَوَاهُ مِنْهُ فَحَضَرَ، فَيُسْهِمُ لَهُ لِتَعَيُّنِ الْجِهَادِ بِحُضُورِهِ، أَيْ لِصَيْرُورَةِ الْجِهَادِ فَرْضَ عَيْنٍ بِحُضُورِهِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الإِْذْنِ.
ثَانِيًا:
أَنْ يَدْخُل دَارَ الْحَرْبِ عَلَى قَصْدِ الْقِتَال، سَوَاءٌ قَاتَل أَوْ لَمْ يُقَاتِل؛ لأَِنَّ الْجِهَادَ وَالْقِتَال إِرْهَابٌ لِلْعَدُوِّ " وَهَذَا كَمَا يَحْصُل بِمُبَاشَرَةِ الْقَتْل يَحْصُل بِثَبَاتِ الْقَدَمِ فِي صَفِّ الْقِتَال رَدًّا لِلْمُقَاتِلَةِ، خَشْيَةَ كَرِّ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ.
(1) الأم 4 / 70، ونهاية المحتاج 6 / 145 - 146.
وَكَذَلِكَ إِذَا حَضَرَ بِنِيَّةٍ أُخْرَى وَقَاتَل، لِقَوْل أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما: إِنَّمَا الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ. وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ. لأَِنَّ فِي شُهُودِ الْقِتَال تَكْثِيرَ سَوَادِ الْمُسْلِمِينَ. فَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ هَرَبَ أَسِيرٌ مِنْ كُفَّارٍ فَحَضَرَ بِنِيَّةِ خَلَاصِ نَفْسِهِ دُونَ الْقِتَال لَمْ يَسْتَحِقَّ إِلَاّ إِنْ قَاتَل. وَلَا شَيْءَ لِمَنْ حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَال وَحِيَازَةِ الْمَال، أَمَّا مَنْ حَضَرَ قَبْل حِيَازَةِ الْمَال وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَال. فَيُعْطَى - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ - لِلُحُوقِهِ قَبْل تَمَامِ الاِسْتِيلَاءِ. وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْمَنْعُ. لأَِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ شَيْئًا مِنَ الْوَقْعَةِ.
وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَال وَقَبْل الْحِيَازَةِ يُعْطَى عَلَى الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِلتَّمْلِيكِ وَهُوَ انْقِضَاءُ الْقِتَال، وَالْقَوْل الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يُعْطَى، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تُمْلَكُ بِالاِنْقِضَاءِ مَعَ الْحِيَازَةِ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ. وَلَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْقِتَال قَبْل حِيَازَةِ شَيْءٍ، فَلَا شَيْءَ لَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
أَمَّا الأَْجِيرُ لِسِيَاسَةِ الدَّوَابِّ وَحِفْظِ الأَْمْتِعَةِ، وَالتَّاجِرُ وَالْمُحْتَرِفُ فَيُسْهِمُ لَهُمْ إِذَا قَاتَلُوا. لِشُهُودِ الْوَقْعَةِ وَقِتَالِهِمْ فِي الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْقَوْل الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَا يُسْهِمُ لَهُمْ؛ لأَِنَّهُمْ لَمْ
يَقْصِدُوا الْجِهَادَ.
ثَالِثًا:
أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا، فَلَا يُسْهِمُ لِلأُْنْثَى وَلَوْ قَاتَلَتْ.
رَابِعًا:
أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، فَلَا يُسْهِمُ لِكَافِرٍ وَلَوْ قَاتَل.
خَامِسًا:
أَنْ يَكُونَ حُرًّا، فَلَا يُسْهِمُ لِعَبْدٍ وَلَوْ قَاتَل.
سَادِسًا
. أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً بَالِغًا. فَلَا يُسْهِمُ لِمَجْنُونٍ أَوْ لِصَبِيٍّ (1) .
وَيَرْضَخُ لِمَنْ سَبَقَ بِحَسَبِ رَأْيِ الإِْمَامِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (رَضْخٍ ف 5 - 6) .
قِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ:
24 -
يَبْدَأُ الإِْمَامُ فِي الْقِسْمَةِ بِالأَْسْلَابِ فَيَدْفَعُهَا إِلَى أَهْلِهَا. لأَِنَّ الْقَاتِل يَسْتَحِقُّهَا غَيْرَ مُخَمَّسَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِي الْغَنِيمَةِ مَالٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ دُفِعَ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَيِّنٌ.
ثُمَّ يَبْدَأُ بِمُؤْنَةِ الْغَنِيمَةِ، مِنْ أُجْرَةِ نَقَّالٍ وَحَمَّالٍ، وَحَافِظِ مَخْزَنٍ وَحَاسِبٍ، لأَِنَّهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْغَنِيمَةِ. وَإِعْطَاءِ جُعْل مَنْ دَلَّهُ عَلَى مَصْلَحَةٍ كَطَرِيقٍ أَوْ قَلْعَةٍ.
25 -
ثُمَّ يَجْعَلُهَا خَمْسَةَ أَقْسَامٍ مُتَسَاوِيَةً.
(1) البدائع 7 / 126، ومنح الجليل 1 / 743، وحاشية الدسوقي 2 / 192، ونهاية المحتاج 6 / 146، والإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 2 / 258، والمغني لابن قدامة 8 / 468، 469، وكشاف القناع 3 / 82.
الْخُمُسُ الأَْوَّل يُقْسَمُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَسَهْمٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى رضي الله عنهم، وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٌ لأَِبْنَاءِ السَّبِيل.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (خُمُسٍ 7 - 12) .
أَمَّا الأَْخْمَاسُ الأَْرْبَعَةُ فَتُوَزَّعُ كَمَا يَلِي:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُقَاتِل إِذَا كَانَ رَاجِلاً فَلَهُ سَهْمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ فَارِسًا فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ (1) . وَذَلِكَ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَل لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا. (2)
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُسْهِمُ لِلْفَارِسِ بِسَهْمَيْنِ: سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمٌ لِفَرَسِهِ؛ لأَِنَّهُ لَا يُجْعَل سَهْمُ الْفَرَسِ أَفْضَل مِنْ سَهْمِ الرَّجُل الْمُسْلِمِ؛ لأَِنَّ الْفَرَسَ لَا يُقَاتِل بِدُونِ الرَّجُل، وَالرَّجُل يُقَاتِل بِدُونِ الْفَرَسِ، وَكَذَلِكَ مُؤْنَةُ الرَّجُل قَدْ تَزْدَادُ عَلَى مُؤْنَةِ الْفَرَسِ (3) .
(1) بدائع الصنائع 7 / 126، والشرح الكبير للدردير بهامش حاشية الدسوقي 2 / 193 والأم 4 / 70، والمغني 6 / 419.
(2)
حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 67) ، ومسلم (3 / 1383) .
(3)
بدائع الصنائع 7 / 126، والبحر الرائق 5 / 88، وشرح السير الكبير 3 / 885.
وَلَقَدْ تَعَارَضَتْ رِوَايَاتُ الأَْخْبَارِ فِي الْبَابِ: فَرُوِيَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ قَسَمَ لَهُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ. (1)
وَإِذَا شَهِدَ الْفَارِسُ الْقِتَال بِفَرَسٍ صَحِيحٍ، ثُمَّ مَرِضَ هَذَا الْفَرَسُ مَرَضًا يُرْجَى بُرْؤُهُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُسْهِمُ لَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ شَهِدَ الْقِتَال عَلَى حَالَةٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ وَيُتَرَقَّبُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ. وَهَذَا قَوْل مَالِكٍ. وَفِي قَوْل أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ لَا يُسْهِمُ لَهُ؛ لأَِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْقِتَال عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ الْكَبِيرَ (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُسْهِمُ لِفَرَسٍ مُحَبَّسٍ، وَسَهْمَاهُ لِلْمُقَاتِل عَلَيْهِ لَا لِلْمُحَبَّسِ، وَلَا فِي مَصَالِحِهِ كَعَلَفٍ وَنَحْوِهِ، وَلِفَرَسٍ مَغْصُوبٍ، وَسَهْمَاهُ لِلْمُقَاتِل عَلَيْهِ إِنْ غُصِبَ مِنَ الْغَنِيمَةِ فَقَاتَل بِهِ فِي غَنِيمَةٍ أُخْرَى. وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ لِلْجَيْشِ، أَوْ غَصَبَهُ مِنْ غَيْرِ الْجَيْشِ، بِأَنْ غَصَبَهُ مِنْ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَسَهْمَاهُ لِلْغَاصِبِ، وَلِرَبِّهِ أُجْرَةُ
(1) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم " قسم للفارس سهمين ". أخرجه أبو داود (3 / 175) من حديث مجمع بن جارية، وضعف إسناده ابن حجر في الفتح (6 / 68) .
(2)
منح الجليل 1 / 745، والخرشي 3 / 134.
الْمِثْل (1) .
وَلَا يُسْهِمُ لِفَرَسٍ أَعْجَفَ - أَيْ مَهْزُولٍ - وَلَا مَا لَا نَفْعَ فِيهِ كَالْهَرَمِ وَالْكَبِيرِ، وَلَا لِبَعِيرٍ وَغَيْرِهِ كَالْفِيل وَالْبَغْل وَالْحِمَارِ؛ لأَِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْحَرْبِ صَلَاحِيَّةَ الْخَيْل، وَلَكِنْ يَرْضَخُ لَهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَيُفَاوِتُ بَيْنَهَا بِحَسَبِ النَّفْعِ، فَيَكُونُ رَضْخُ الْفِيل أَكْثَر مِنْ رَضْخِ الْبَغْل، وَرَضْخُ الْبَغْل أَكْثَرُ مِنْ رَضْخِ الْحِمَارِ.
وَلَقَدْ كَانَ مَعَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعُونَ بَعِيرًا، فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُمْ أَسْهَمُوا لِغَيْرِ الْخَيْل؛ لأَِنَّ غَيْرَ الْخَيْل لَا يُلْحَقُ بِهَا فِي التَّأْثِيرِ فِي الْحَرْبِ، وَلَا يَصْلُحُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ (2) . وَلَا يُسْهِمُ لأَِكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ؛ لأَِنَّ الإِْسْهَامَ لِلْخَيْل فِي الأَْصْل ثَبَتَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ، إِلَاّ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهِ لِفَرَسٍ وَاحِدٍ، فَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ تُرَدُّ إِلَى أَصْل الْقِيَاسِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ يُسْهِمُ لِفَرَسَيْنِ؛ لأَِنَّ الْغَازِيَ تَقَعُ الْحَاجَةُ لَهُ إِلَى فَرَسَيْنِ، يَرْكَبُ أَحَدَهُمَا وَيُجَنِّبُ الآْخَرَ.
(1) الشرح الكبير 2 / 193.
(2)
الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 2 / 218، ونهاية المحتاج 6 / 147 وما بعدها، وروضة الطالبين 6 / 383 وما بعدها، وكشاف القناع 3 / 87 - 89.
حَتَّى إِذَا أَعْيَا الْمَرْكُوبُ عَنِ الْكَرِّ وَالْفَرِّ تَحَوَّل إِلَى الْجَنِيبَةِ، وَلِمَا رَوَى الأَْوْزَاعِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسْهِمُ لِلْخَيْل، وَكَانَ لَا يُسْهِمُ لِلرَّجُل فَوْقَ فَرَسَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عَشْرَةُ أَفْرَاسٍ (1) . وَإِنْ غَزَا اثْنَانِ عَلَى فَرَسٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا " أُعْطِيَا سَهْمَهُ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا (2) .
الْفَارِسُ وَاسْتِخْدَامُهُ لِلْفَرَسِ:
26 -
قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى بَابِ الْمَدِينَةِ وَقَاتَلُوا الْعَدُوَّ رَجَّالَةً، وَقَدْ سَرَّجُوا خُيُولَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، لَمْ يَضْرِبْ لَهُمْ إِلَاّ بِسَهْمِ الرَّجَّالَةِ؛ لأَِنَّهُمْ مَا قَاتَلُوا عَلَى الأَْفْرَاسِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا. فَإِسْرَاجُ الْفَرَسِ لَيْسَ مِنْ عَمَل الْقِتَال فِي شَيْءٍ.
وَإِنْ كَانُوا خَرَجُوا مِنْ مَنَازِلِهِمْ عَلَى الْخَيْل " ثُمَّ نَزَلُوا فِي الْمَعْرَكَةِ وَقَاتَلُوا رَجَّالَةً اسْتَحَقُّوا سَهْمَ الْفُرْسَانِ؛ لأَِنَّهُمْ شَهِدُوا الْوَقْعَةَ فُرْسَانًا، وَإِنَّمَا تَرَجَّلُوا لِضِيقِ الْمَكَانِ أَوْ لِزِيَادَةِ جَدٍّ مِنْهُمْ فِي الْقِتَال، فَلَا
(1) حديث الأوزاعي: أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يسهم للخيل. . . ". أورده ابن حجر في التلخيص (3 / 107) وقال: رواه سعيد بن منصور، وهو معضل.
(2)
البدائع 7 / 126، والدسوقي 2 / 193، والإقناع 2 / 218، ونهاية المحتاج 6 / 147، وكشاف القناع 3 / 87، 89.
يُحْرَمُونَ بِهِ سَهْمُ الْفَرَسَانِ (1) . وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي كَوْنِ الْفَارِسِ فَارِسًا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فَرَسٌ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْقِتَال وَلَوْ أَوْجَفَ رَاجِلاً، وَلِذَا يُسْهِمُ لِلْفَرَسِ وَإِنْ كَانَ الْقِتَال بِسَفِينَةٍ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حَمْل الْخَيْل فِي الْجِهَادِ إِرْهَابُ الْعَدُوِّ (2)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (3)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: وَيُسْهِمُ كَذَلِكَ لِلْفَارِسِ بِسَهْمِ فَارِسٍ إِذَا حَضَرَ شَيْئًا مِنَ الْحَرْبِ فَارِسًا قَبْل أَنْ تَنْقَطِعَ الْحَرْبُ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ فَارِسًا إِذَا دَخَل بِلَادَ الْعَدُوِّ، أَوْ كَانَ فَارِسًا بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَرْبِ وَقَبْل جَمْعِ الْغَنِيمَةِ، فَلَا يُسْهِمُ لَهُ بِسَهْمِ فَارِسٍ، وَقَال الْبَعْضُ: إِذَا دَخَل بِلَادَ الْعَدُوِّ فَارِسًا ثُمَّ مَاتَ فَرَسُهُ، أَسْهَمَ لَهُ سَهْمَ فَارِسٍ (4) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: مَنْ دَخَل دَارَ الْحَرْبِ رَاجِلاً. ثُمَّ مَلَكَ فَرَسًا أَوِ اسْتَعَارَهُ أَوِ اسْتَأْجَرَهُ وَشَهِدَ بِهِ الْوَقْعَةَ، فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ وَلَوْ صَارَ بَعْدَ الْوَقْعَةِ رَاجِلاً؛ لأَِنَّ الْعِبْرَةَ بِاسْتِحْقَاقِ سَهْمِ الْفَرَسِ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ الْوَقْعَةَ. لَا حَال دُخُول الْحَرْبِ، وَلَا مَا بَعْدَ
(1) شرح السير الكبير 3 / 919.
(2)
منح الجليل 1 / 745، والخرشي على مختصر خليل 3 / 134.
(3)
سورة الأنفال / 60.
(4)
الأم 4 / 145 ط. دار المعرفة للطباعة والنشر، ونهاية المحتاج 6 / 147.
الْوَقْعَةِ
وَإِنْ دَخَل دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا. ثُمَّ حَضَرَ الْوَقْعَةَ رَاجِلاً حَتَّى فَرَغَتِ الْحَرْبُ لِمَوْتِ فَرَسِهِ أَوْ شُرُودِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ وَلَوْ صَارَ فَارِسًا بَعْدَ الْوَقْعَةِ، اعْتِبَارًا بِحَال شُهُودِهَا (1) .
الرَّضْخُ مِنْ الْغَنِيمَةِ:
27 -
الرَّضْخُ دُونَ سَهْمٍ يَجْتَهِدُ الإِْمَامُ فِي قَدْرِهِ (2) وَلَا يَبْلُغُ بِرَضْخِ الرَّجُل سَهْمَ رَاجِلٍ، وَلَا الْفَارِسِ سَهْمَ فَارِسٍ، لأَِنَّ السَّهْمَ أَكْمَل مِنَ الرَّضْخِ، فَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ إِلَيْهِ، كَمَا لَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ الْحَدَّ (3) .
أَصْحَابُ الرَّضْخِ:
28 -
الأَْصْل أَنَّ مَنْ يَلْزَمُهُ الْقِتَال وَشَارَكَ فِيهِ يُسْهَمُ لَهُ لأَِنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَأَنَّ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْقِتَال فِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ لَا يُسْهَمُ لَهُ إِلَاّ أَنَّهُ يَرْضَخُ لَهُ حَسَبَ مَا يَرَاهُ الإِْمَامُ تَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَال، مَعَ إِظْهَارِ انْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ (4) .
وَأَصْحَابُ الرَّضْخِ مَنْ يَلِي:
(1) كشاف القناع 3 / 89.
(2)
ابن عابدين 3 / 235، والشرح الصغير 2 / 299، ونهاية المحتاج 6 / 148.
(3)
كشاف القناع 3 / 87.
(4)
الاختيار لتعليل المختار 4 / 130، 131، والهداية مع البناية 5 / 731، 733.
أ -
الصَّبِيُّ:
29 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ يُرْضَخُ وَلَا يُسْهَمُ لَهُ، لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ كَانَ الصِّبْيَانُ يُحْذَوْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ إِذَا حَضَرُوا الْغَزْوَ وَالْمَجْنُونُ وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ (1) .
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنَّ الصَّبِيَّ يُسْهَمُ لَهُ إِنْ أَطَاقَ الْقِتَال وَأَجَازَهُ الإِْمَامُ وَقَاتَل بِالْفِعْل. وَإِلَاّ فَلَا، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ - وَشَهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ مُطْلَقًا (2) .
وَقَال الأَْوْزَاعِيُّ: يُسْهَمُ لِلصَّبِيِّ؛ لأَِنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْهَمَ لِلصِّبْيَانِ بِخَيْبَرِ. (3) وَأَسْهَمَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ لِكُل مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، وَرَوَى الْجُوزَجَانِيُّ بِإِسْنَادٍ عَنِ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ قَال: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي قَالَتْ: كُنْت مَعَ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَكَانَ يُسْهِمُ لأُِمَّهَاتِ الأَْوْلَادِ لِمَا فِي بُطُونِهِنَّ (4) .
(1) ابن عابدين 3 / 435، والبناية 5 / 731، ونهاية المحتاج 6 / 148، والمغني 8 / 412، والقوانين الفقهية ص 148 ط دار الكتاب العربي.
(2)
الشرح الصغير ص298 ط دار المعارف بمصر.
(3)
قول الأوزاعي: " أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان بخيبر ". أخرجه الترمذي (4 / 126) .
(4)
المغني 8 / 412 - 413، والبناية 5 / 732.
ب -
الْمَرْأَةُ:
30 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْقَوْل الْمُقَابِل لِلْمَشْهُورِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعْطَى الرَّضْخَ وَلَا يُسْهَمُ لَهَا، لِمَا وَرَدَ أَنَّ نَجْدَةَ بْنَ عَامِرٍ الْحَرُورِيَّ سَأَل ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: هَل كَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَهَل كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ؟ فَأَجَابَهُ: قَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ. فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى، وَيُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ وَفِي رِوَايَةٍ: وَقَدْ كَانَ يَرْضَخُ لَهُنَّ (1) وَلأَِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْل الْقِتَال. فَلَمْ يُسْهَمْ لَهَا كَالصَّبِيِّ (2) .
وَالْخُنْثَى الْمُشْكِل يُرْضَخُ لَهُ مِثْل الْمَرْأَةِ مَا لَمْ تَبِنْ ذُكُورَتُهُ (3) . وَقَال الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ: كَمَا لَا يُسْهَمُ لِلْمَرْأَةِ لَا يُرْضَخُ لَهَا وَلَوْ قَاتَلَتْ (4) .
(1) حديث أن نجدة بن عامر الحروري سأل ابن عباس: " هل كان. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1444) وأبو داود (3 / 170) والرواية الأخرى له.
(2)
البناية 5 / 731، وابن عابدين 3 / 235، وروضة الطالبين 6 / 370، ونهاية المحتاج 6 / 148، والمغني 8 / 410، 411، والقوانين الفقهية ص148.
(3)
نهاية المحتاج 6 / 148، وكشاف القناع 3 / 78.
(4)
حاشية الصاوي على الشرح الصغير 2 / 298 - 299.
وَقَال الأَْوْزَاعِيُّ: يُسْهَمُ لِلْمَرْأَةِ لِمَا رَوَى حَشْرَجُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّهَا حَضَرَتْ فَتْحَ خَيْبَرَ قَالَتْ. فَأَسْهَمَ لَنَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَسْهَمَ لِلرِّجَال (1)
وَأَسْهَمَ أَبُو مُوسَى فِي غَزْوَةِ تَسْتُرَ لِنِسْوَةٍ مَعَهُ، وَقَال أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَسْهَمْنَ النِّسَاءَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ (2) .
ح -
الْعَبْدُ
.
31 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ، إِلَى أَنَّ الْعَبِيدَ لَا يُسْهَمُ لَهُمْ، وَلَكِنْ يُرْضَخُ لَهُمْ حَسَبَ مَا يَرَاهُ الإِْمَامُ إِذَا قَاتَلُوا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما (3) "، وَاحْتَجُّوا بِمَا وَرَدَ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَال: شَهِدْت خَيْبَرَ مَعَ سَادَتِي، فَكَلَّمُوا فِي رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَلَّمُوهُ أَنِّي مَمْلُوكٌ، فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ
(1) حديث حشرج بن زياد عن جدته " أنها حضرت غزوة خيبر. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 170، 171) وضعف إسناده الخطابي في معالم السنن (2 / 307) .
(2)
البناية 5 / 732، والمغني 8 / 411.
(3)
البناية 5 / 731، وبدائع الصنائع 7 / 126، ونهاية المحتاج 6 / 148، والمغني 8 / 410، وشرح الزركشي 6 / 495، والقوانين الفقهية ص148.
خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ (1)
وَلَا يَشْتَرِطُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لإِِعْطَاءِ الرَّضْخِ لِلْعَبْدِ إِذْنَ السَّيِّدِ، فَيُعْطَى لَهُ الرَّضْخُ إِذَا حَضَرَ الْوَقْعَةَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ سَيِّدُهُ (2) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا غَزَا الْعَبْدُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ يُرْضَخْ لَهُ وَلَا لِفَرَسِهِ لِعِصْيَانِهِ (3) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ لَا يُرْضَخُ لِلْعَبِيدِ كَمَا لَا يُسْهَمُ لَهُمْ (4) .
د -
الذِّمِّيُّ:
32 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ يُرْضَخُ لَهُ إِذَا بَاشَرَ الْقِتَال وَلَا يُسْهَمُ لَهُ؛ لأَِنَّ السَّهْمَ لِلْغُزَاةِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِغَازٍ، فَإِنَّ الْغَزْوَ عِبَادَةٌ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَأَمَّا الرَّضْخُ فَلِتَحْرِيضِهِمْ عَلَى الإِْعَانَةِ إِذَا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ (5) .
(1) حديث عمير مولى آبي اللحم: " شهدت خيبر مع سادتي. . . ". أخرجه الترمذي (4 / 127) وقال: حديث حسن صحيح.
(2)
ابن عابدين 3 / 235، ونهاية المحتاج 6 / 148.
(3)
كشاف القناع 3 / 87.
(4)
القوانين الفقهية ص148 - 149 ط دار الكتاب العربي، وحاشية الصاوي مع الشرح الصغير 2 / 298 - 299، والزرقاني 3 / 130.
(5)
ابن عابدين 3 / 235، والفتاوى الهندية 2 / 214، والمبسوط 10 / 138، ونهاية المحتاج 6 / 148، والمغني 8 / 414.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ إِنْ حَضَرَ الذِّمِّيُّ بِغَيْرِ إِذْنِ الإِْمَامِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا عَلَى الصَّحِيحِ، بَل يُعَزِّرُهُ الإِْمَامُ آنَذَاكَ، وَيُلْحَقُ بِالذِّمِّيِّ الْمُعَاهَدُ وَالْمُؤَمَّنُ وَالْحَرْبِيُّ إِنْ جَازَتِ الاِسْتِعَانَةُ بِهِمْ. وَأَذِنَ الإِْمَامُ لَهُمْ (1) .
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ: لَوْ كَانَ فِي الْعَسْكَرِ قَوْمٌ مُسْتَأْمَنُونَ، فَإِنْ كَانُوا دَخَلُوا بِإِذْنِ الإِْمَامِ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَهْل الذِّمَّةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الرَّضْخِ وَاسْتِحْقَاقِ النَّفَل إِذَا قَاتَلُوا، وَإِنْ كَانُوا دَخَلُوا بِغَيْرِ إِذْنِ الإِْمَامِ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ مِمَّا يُصِيبُونَ مِنَ السَّلَبِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ، بَل ذَلِكَ كُلُّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، قَال الْخَصَّافُ: لأَِنَّ هَذَا الاِسْتِحْقَاقَ مِنَ الْمَرَافِقِ الشَّرْعِيَّةِ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْل دَارِنَا، فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْل دَارِنَا، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ الإِْمَامُ اسْتَعَانَ بِهِمْ. فَبِاسْتِعَانَتِهِ بِهِمْ يُلْحَقُونَ بِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْل دَارِنَا حُكْمًا (2) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ كَمَا لَا يُسْهَمُ لِلذِّمِّيِّ لَا يُرْضَخُ لَهُ (3) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْكَافِرَ يُسْهَمُ لَهُ إِذَا غَزَا مَعَ الإِْمَامِ بِإِذْنِهِ، وَبِهَذَا قَال الأَْوْزَاعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ
(1) روضة الطالبين 6 / 370، ونهاية المحتاج 6 / 148.
(2)
شرح السير الكبير 2 / 687.
(3)
حاشية الصاوي مع الشرح الكبير 2 / 298، 299.
وَإِسْحَاقُ (1) . وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَانَ بِنَاسٍ مِنْ الْيَهُودِ فِي حَرْبِهِ. فَأَسْهَمَ لَهُمْ. (2)
وَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ السَّهْمَ إِلَاّ فِي الذِّمِّيِّ إِذَا دَل، فَيُزَادُ عَلَى السَّهْمِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأَِنَّهُ كَالأُْجْرَةِ (3) .
التَّفْضِيل وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَهْل الرَّضْخِ:
33 -
الرَّضْخُ مَالٌ مَوْكُولٌ تَقْدِيرُهُ لِلإِْمَامِ (4) ، فَإِنْ رَأَى التَّسْوِيَةَ بَيْنَ أَهْل الرَّضْخِ سَوَّى بَيْنَهُمْ، وَإِنْ رَأَى التَّفْضِيل بِحَسَبِ نَفْعِهِمْ فَضَّل (5)، قَال النَّوَوِيُّ: يُفَاوِتُ الإِْمَامُ بَيْنَ أَهْل الرَّضْخِ بِحَسَبِ نَفْعِهِمْ. فَيُرَجَّحُ الْمُقَاتِل " وَمَنْ قِتَالُهُ أَكْثَرُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفَارِسُ عَلَى الرَّاجِل، وَالْمَرْأَةُ الَّتِي تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَسْقِي الْعِطَاشَ عَلَى الَّتِي تَحْفَظُ الرِّحَال، بِخِلَافِ سَهْمِ الْغَنِيمَةِ. فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُقَاتِل وَغَيْرُهُ؛ لأَِنَّهُ
(1) المغني 8 / 414، وكشاف القناع 3 / 87.
(2)
قول الزهري: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود. . ". أورده ابن قدامة في المغني (8 / 414) وعزاه إلى سعيد بن منصور.
(3)
المغني 8 / 415، وروضة الطالبين 6 / 370، وابن عابدين 3 / 235، وشرح السير الكبير 3 / 995ِ.
(4)
حاشية الصاوي مع الشرح الصغير 2 / 299.
(5)
المغني 8 / 410، وكشاف القناع 3 / 87، وروضة الطالبين 6 / 370.
مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَالرَّضْخُ بِالاِجْتِهَادِ، كَدِيَةِ الْحُرِّ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ (1) .
مَحَل الرَّضْخِ:
34 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، إِلَى أَنَّ مَحَل الرَّضْخِ هُوَ أَصْل الْغَنِيمَةِ؛ لأَِنَّهُ اسْتَحَقَّ بِالْمُعَاوَنَةِ فِي تَحْصِيل الْغَنِيمَةِ، فَأَشْبَهَ أُجْرَةَ النَّقَّالِينَ وَالْحَافِظِينَ لَهَا (2) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ فِي أَظْهَرِ الأَْقْوَال، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْوَجْهِ الآْخَرِ، أَنَّ الرَّضْخَ يَكُونُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ؛ لأَِنَّهُ اسْتَحَقَّ بِحُضُورِ الْوَقْعَةِ، فَأَشْبَهَ سِهَامَ الْغَانِمِينَ (3) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ، إِلَى أَنَّ مَحَل الرَّضْخِ هُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ (4) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: مَحَل الرَّضْخِ الْخُمُسُ كَالنَّفَل (5) .
زَمَنُ الرَّضْخِ
35 -
يَجْرِي فِي زَمَنِ الرَّضْخِ الْخِلَافُ
(1) روضة الطالبين 6 / 370 - 371.
(2)
البناية 5 / 733، وابن عابدين 3 / 235، وروضة الطالبين 6 / 371، والمغني 8 / 315.
(3)
روضة الطالبين 6 / 371، والمغني 8 / 415.
(4)
روضة الطالبين 6 / 371
(5)
حاشية الصاوي مع الشرح الصغير 2 / 299
الْجَارِي فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ الْمِلْكُ فِي الْغَنَائِمِ.
فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مِلْكَ الْغُزَاةِ يَثْبُتُ فِي الْغَنِيمَةِ فَوْرَ الاِسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَبِالتَّالِي يَجُوزُ عِنْدَهُمْ قَسْمُ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، بِحُجَّةِ أَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ فِيهَا بِالْقَهْرِ وَالاِسْتِيلَاءِ فَصَحَّتْ قِسْمَتُهَا، كَمَا لَوْ أُحْرِزَتْ بِدَارِ الإِْسْلَامِ (1) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ فِي الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالاِسْتِيلَاءِ أَصْلاً، لَا مِنْ كُل وَجْهٍ وَلَا مِنْ وَجْهٍ، وَلَكِنْ يَنْعَقِدُ سَبَبُ الْمِلْكِ فِيهَا عَلَى أَنْ تَصِيرَ عِلَّةً عِنْدَ الإِْحْرَازِ بِدَارِ الإِْسْلَامِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ حَقِّ الْمِلْكِ أَوْ حَقِّ التَّمَلُّكِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الاِسْتِيلَاءَ إِنَّمَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إِذَا وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ وَلَمْ يُوجَدْ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لأَِنَّ مِلْكَ الْكَفَرَةِ كَانَ ثَابِتًا لَهُمْ، وَالْمِلْكُ مَتَى ثَبَتَ لإِِنْسَانٍ لَا يَزُول إِلَاّ بِإِزَالَتِهِ، أَوْ بِخُرُوجِ الْمَحَل مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ حَقِيقَةً بِالْهَلَاكِ، أَوْ بِعَجْزِ الْمَالِكِ عَنِ الاِنْتِفَاعِ بِهِ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ فِيمَا شُرِعَ الْمِلْكُ لَهُ. وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (2) .
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الأَْصْل، إِذَا قَسَمَ الإِْمَامُ
(1) المغني 8 / 421 - 422، والقوانين الفقهية ص 147، وروضة الطالبين 6 / 376.
(2)
بدائع الصنائع 7 / 121.
الْغَنَائِمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُجَازِفًا غَيْرَ مُجْتَهِدٍ وَلَا مُعْتَقِدٍ جَوَازَ الْقِسْمَةِ لَا تَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَمَّا إِذَا رَأَى الْقِسْمَةَ فَقَسَمَهَا نَفَذَتْ قِسْمَتُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَى الْبَيْعَ فَبَاعَهَا؛ لأَِنَّهُ حُكْمٌ أَمْضَاهُ فِي مَحَل الاِجْتِهَادِ بِالاِجْتِهَادِ فَيَنْفُذُ (1) .
انْفِرَادُ الْكُفَّارِ بِغَزْوَةٍ:
36 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَحَدِ الاِحْتِمَالَيْنِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ مَا يُصِيبُهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ لَهُمْ مَنَعَةٌ أُخْرِجَ خُمُسُهُ، وَالْبَاقِي غَنِيمَةٌ بَيْنَهُمْ، لأَِنَّهُ غَنِيمَةُ قَوْمٍ مِنْ أَهْل دَارِ الإِْسْلَامِ، فَأَشْبَهَ غَنِيمَةَ الْمُسْلِمِينَ، إِذْ إِنَّ أَهْل الذِّمَّةِ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِينَ فِي السُّكْنَى حِينَ صَارُوا مِنْ أَهْل دَارِنَا، فَيَكُونُونَ تَبَعًا لِلْمُسْلِمِينَ فِيمَا يُصِيبُونَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَيْضًا، وَقَدْ تَمَّ الإِْحْرَازُ بِالْكُل، فَلِهَذَا يُخَمَّسُ جَمِيعُ الْمُصَابِ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَا يُخَمَّسُ مَا أَخَذَهُ الذِّمِّيُّونَ مِنْ أَهْل الْحَرْبِ؛ لأَِنَّ الْخُمُسَ حَقٌّ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَالزَّكَاةِ (3) .
وَمَا أَصَابَ الْمُسْتَأْمَنُونَ فَهُوَ لَهُمْ لَا خُمُسَ فِيهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَهُوَ مُقْتَضَى
(1) بدائع الصنائع 7 / 121، وانظر المغني 8 / 421.
(2)
شرح السير الكبير 2 / 688، والمغني 8 / 414.
(3)
روضة الطالبين 6 / 372.
مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ، إِذِ الْخُمُسُ عِنْدَهُمْ حَقٌّ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَطْ كَالزَّكَاةِ، فَلَا مَجَال لِتَخْمِيسِ مَا يَأْخُذُهُ الْمُسْتَأْمَنُونَ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُعْطَى لَهُ شَيْءٌ وَلَوْ قَاتَل (1) .
انْفِرَادُ أَهْل الرَّضْخِ بِغَزْوَةٍ
.
37 -
إِذَا انْفَرَدَ الْعَبِيدُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ بِغَزْوَةٍ وَغَنِمُوا، أَخَذَ الإِْمَامُ خُمُسَهُ، وَمَا بَقِيَ لَهُمْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ كَمَا يُقْسَمُ الرَّضْخُ، عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الرَّأْيُ مِنْ تَسْوِيَةٍ وَتَفْضِيلٍ عَلَى أَصَحِّ الأَْوْجُهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَحَدُ الاِحْتِمَالَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، أَطْلَقَهَا ابْنُ قُدَامَةَ وَغَيْرُهُ (2) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَهُوَ احْتِمَالٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ كَالْغَنِيمَةِ: لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلرَّاجِل سَهْمٌ؛ لأَِنَّهُمْ تَسَاوَوْا فَأَشْبَهُوا الرِّجَال الأَْحْرَارَ (3) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ: يَرْضَخُ لَهُمْ مِنْهُ، وَيُجْعَل الْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَال.
(1) شرح السير الكبير 2 / 687 - 688، وروضة الطالبين 6 / 372، وحاشية الصاوي مع الشرح الصغير 2 / 298 - 299.
(2)
روضة الطالبين 6 / 371، وكشاف القناع 3 / 87، 88، والمغني 8 / 413.
(3)
روضة الطالبين 6 / 371، والمغني 8 / 413.
وَخَصَّصَ الْبَغَوِيّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ هَذَا الْخِلَافَ بِالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ، وَقَطَعَ فِي الْعَبِيدِ بِكَوْنِهِ لِسَادَتِهِمْ (1) .
أَمَّا إِذَا كَانَ مِنْ أَهْل الرَّضْخِ وَاحِدٌ مِنْ أَهْل الْكَمَال:
فَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يُرْضَخُ لَهُمْ، وَالْبَاقِي لِذَلِكَ الْوَاحِدِ (2) . وَقَال الْحَنَابِلَةُ: أُعْطِيَ هَذَا الرَّجُل الْحُرُّ سَهْمًا، وَفُضِّل عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ مَا يَفْضُل الأَْحْرَارُ عَلَى الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ مَنْ بَقِيَ عَلَى مَا يَرَاهُ الإِْمَامُ مِنَ التَّفْضِيل؛ لأَِنَّ فِيهِمْ مَنْ لَهُ سَهْمٌ (3) .
جَوَازُ بَيْعِ الْغَازِي شَيْئًا مِنْ مَال دَارِ الْحَرْبِ:
38 -
نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَصَابَ رَجُلٌ مِنْ أَهْل الْعَسْكَرِ مَالاً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَبَاعَهُ مِنْ تَاجِرٍ قَبْل أَنْ يَعْلَمَ الأَْمِيرُ بِهِ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ، فَرَأَى الإِْمَامُ أَنْ يُجِيزَ بَيْعَهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الثَّمَنَ فَيَجْعَلُهُ فِي الْغَنِيمَةِ؛ لأَِنَّ أَهْل الْعَسْكَرِ كَانُوا شُرَكَاءَهُ فِيمَا بَاعَ قَبْل الْبَيْعِ. فَيَكُونُ لَهُمُ الشَّرِكَةُ فِي الثَّمَنِ أَيْضًا.
(1) روضة الطالبين 6 / 371.
(2)
روضة الطالبين 6 / 371.
(3)
المغني 8 / 413.
وَلَوْ كَانَ احْتَشَّ حَشِيشًا وَبَاعَهُ جَازَ ذَلِكَ. وَكَانَ الثَّمَنُ طَيِّبًا لَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ يَسْتَقِي الْمَاءَ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ دَابَّتِهِ فَيَبِيعُهُ؛ لأَِنَّ الْحَشِيشَ وَالْمَاءَ مُبَاحٌ لَيْسَ مِنَ الْغَنِيمَةِ فِي شَيْءٍ، فَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْغَنِيمَةِ بِأَخْذِهِ كَانَ هُوَ الْمُنْفَرِدَ بِإِحْرَازِهِ، فَيَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ خَشَبًا أَوْ حَطَبًا فَبَاعَهُ مِنْ تَاجِرٍ فِي الْعَسْكَرِ، فَإِنَّ الأَْمِيرَ يَأْخُذُ الثَّمَنَ مِنْهُ فَيَجْعَلُهُ فِي الْغَنِيمَةِ، لأَِنَّ الْحَطَبَ وَالْخَشَبَ مَالٌ مَمْلُوكٌ، فَيَكُونُ كَسَائِرِ الأَْمْوَال (1) .
اسْتِيلَاءُ الْكُفَّارِ عَلَى أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ:
39 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ، هَل يَمْلِكُونَهَا فِي ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ أَمْ لَا؟ عَلَى أَقْوَالٍ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِيلَاءٍ ف 15) .
غَوْثٌ
انْظُرْ: اسْتِغَاثَةٌ.
(1) شرح السير الكبير 4 / 1174.
غَيْبَة
التَّعْرِيفُ:
1 -
الْغَيْبَةُ - بِالْفَتْحِ - مَصْدَرُ غَابَ. وَمَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ: الْبُعْدُ، يُقَال: غَابَ الشَّيْءُ يَغِيبُ غَيْبًا وَغَيْبَةً وَغِيَابًا أَيْ بَعُدَ، وَتُسْتَعْمَل بِمَعْنَى التَّوَارِي. يُقَال: غَابَتِ الشَّمْسُ إِذَا تَوَارَتْ عَنِ الْعَيْنِ.
وَالْغِيبَةُ - بِالْكَسْرِ - ذِكْرُ شَخْصٍ بِمَا يَكْرَهُ مِنَ الْعُيُوبِ وَهُوَ حَقٌّ (1) .
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْغَيْبَةِ:
غَيْبَةُ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ:
2 -
لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَيَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ بِرِضَاهَا - وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا وَلِيٌّ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (2) .
(1) المصباح المنير، لسان العرب، والمفردات للراغب الأصفهاني.
(2)
ابن عابدين 2 / 296، 297، والشرح الصغير للدردير 2 / 253، ومغني المحتاج 3 / 147، وكشاف القناع 5 / 49، والمغني 6 / 448.
وَيُرَاعَى فِي النِّكَاحِ وِلَايَةُ الأَْقْرَبِ فَالأَْقْرَبِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا غَابَ الأَْقْرَبُ.
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ - عَدَا زُفَرَ - وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ إِذَا غَابَ الْوَلِيُّ الأَْقْرَبُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً جَازَ لِمَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ أَنْ يُزَوِّجَ دُونَ السُّلْطَانِ. لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ (1) ، وَهَذِهِ لَهَا وَلِيٌّ، كَمَا قَال الْبُهُوتِيُّ؛ وَلأَِنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ. وَلَيْسَ مِنَ النَّظَرِ التَّفْوِيضُ إِلَى مَنْ لَا يُنْتَفَعُ بِرَأْيِهِ؛ لأَِنَّ التَّفْوِيضَ إِلَى الأَْقْرَبِ لَيْسَ لِكَوْنِهِ أَقْرَب، بَل لأَِنَّ فِي الأَْقْرَبِيَّةِ زِيَادَةَ مَظِنَّةٍ لِلْحِكْمَةِ، وَهِيَ الشَّفَقَةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى زِيَادَةِ إِتْقَانِ الرَّأْيِ لِلْمُوَلِّيَةِ. فَحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِرَأْيِهِ أَصْلاً سُلِبَتْ إِلَى الأَْبْعَدِ كَمَا قَال الْحَنَفِيَّةُ، فَإِذَا غَابَ الأَْبُ مَثَلاً زَوَّجَهَا الْجَدُّ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّلْطَانِ، كَمَا إِذَا مَاتَ الأَْقْرَبُ (2) .
وَقَال زُفَرُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا الأَْبْعَدُ فِي غِيَابِ الأَْقْرَبِ؛ لأَِنَّ وِلَايَةَ الأَْقْرَبِ قَائِمَةٌ؛ لأَِنَّهَا ثَبَتَتْ حَقًّا لَهُ صِيَانَةً لِلْقَرَابَةِ، فَلَا تَبْطُل بِغَيْبَتِهِ.
(1) حديث: " السلطان ولي من لا ولي له ". أخرجه الترمذي (3 / 399) من حديث عائشة وقال: حديث حسن.
(2)
الهداية مع الفتح 2 / 415، كشاف القناع 5 / 55، ومغني المحتاج 3 / 157.
وَحَدُّ الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا تَصِل إِلَيْهَا الْقَوَافِل فِي السَّنَةِ إِلَاّ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ، وَقِيل: أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ؛ لأَِنَّهُ لَا نِهَايَةَ لأَِقْصَاهُ، وَقِيل: إِذَا كَانَ بِحَالٍ يَفُوتُ الْخَاطِبُ الْكُفْءُ بِاسْتِطْلَاعِ رَأْيِ الْوَلِيِّ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْغَيْبَةَ الْمُنْقَطِعَةَ هِيَ مَا لَا تُقْطَعُ إِلَاّ بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ، قَال الْبُهُوتِيُّ نَقْلاً عَنْ الْمُوَفَّقِ: وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ. فَإِنَّ التَّحْدِيدَ بَابُهُ التَّوْقِيفُ وَلَا تَوْقِيفَ، وَتَكُونُ الْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، لأَِنَّ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ (2) .
وَقَالُوا: إِنْ كَانَ الأَْقْرَبُ أَسِيرًا أَوْ مَحْبُوسًا فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ لَا يُمْكِنُ مُرَاجَعَتُهُ أَوْ تَتَعَذَّرُ فَزَوَّجَ الأَْبْعَدُ صَحَّ، لأَِنَّهُ صَارَ كَالْبَعِيدِ، كَمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ الأَْقْرَبُ غَائِبًا لَا يُعْلَمُ مَحَلُّهُ أَقَرِيبٌ هُوَ أَمْ بَعِيدٌ؟ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ قَرِيبُ الْمَسَافَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ (3) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ الْمُجْبِرَ الأَْقْرَبَ إِذَا كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً بَعِيدَةً زَوَّجَ الْحَاكِمُ ابْنَةَ الْغَائِبِ الْمُجْبَرَةِ، دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الأَْوْلِيَاءِ، وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا فِي
(1) فتح القدير مع الهداية 2 / 416.
(2)
كشاف القناع 5 / 55.
(3)
نفس المرجع.
غَيْبَةٍ قَرِيبَةٍ، لَا لِلْحَاكِمِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنَ الأَْوْلِيَاءِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ وَبِدُونِ تَفْوِيضِهِ، حَتَّى إِنَّهُمْ قَالُوا: يُفْسَخُ النِّكَاحُ أَبَدًا إِذَا زَوَّجَ الْحَاكِمُ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الأَْوْلِيَاءِ، وَلَوْ أَجَازَهُ الْمُجْبِرُ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَلَوْ وَلَدَتِ الأَْوْلَادَ (1) .
وَهَذَا - أَيْ تَحَتُّمُ الْفَسْخِ - إِذَا كَانَتِ النَّفَقَةُ جَارِيَةً عَلَيْهَا. وَلَمْ يَخْشَ عَلَيْهَا الْفَسَادَ، وَكَانَتِ الطَّرِيقُ مَأْمُونَةً، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ إِضْرَارُهُ بِهَا بِغَيْبَتِهِ بِأَنْ قَصَدَ تَرْكَهَا مِنْ غَيْرِ زَوَاجٍ، فَإِنْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ كَتَبَ لَهُ الْحَاكِمُ: إِمَّا أَنْ تَحْضُرَ تَزَوُّجَهَا أَوْ تُوَكِّل وَكِيلاً يُزَوِّجُهَا، وَإِلَاّ زَوَّجْنَاهَا عَلَيْك، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، وَلَا فَسْخَ، سَوَاءٌ كَانَتْ بَالِغَةً أَوْ لَا (2) .
وَحَدُّ الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَسَافَةُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ذَهَابًا، وَحَدُّ الْبَعِيدَةِ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ.
أَمَّا الْغَيْبَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدَّيْنِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمُهُ كَمَا قَال الدُّسُوقِيُّ، ثُمَّ قَال: وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِي النِّصْفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهِ، وَيُلْحَقُ بِالْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ
(1) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2 / 229.
(2)
الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2 / 229.
فَيُفْسَخُ (1) .
وَهَذَا كُلُّهُ فِي غِيَابِ الْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ. أَمَّا غَيْبَةُ الْوَلِيِّ غَيْرِ الْمُجْبِرِ الأَْقْرَبِ، فَحَدُّهَا الثَّلَاثُ فَمَا فَوْقَهَا، فَإِذَا غَابَ غَيْبَةً مَسَافَتُهَا مِنْ بَلَدِ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا، وَدَعَتْ لِكُفْءٍ. وَأَثْبَتَتْ مَا تَدَّعِيهِ مِنَ الْغَيْبَةِ وَالْمَسَافَةِ وَالْكَفَاءَةِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُهَا لَا الأَْبْعَدُ، فَلَوْ زَوَّجَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الأَْبْعَدُ صَحَّ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ غَابَ الْوَلِيُّ الأَْقْرَبُ نَسَبًا أَوْ وَلَاءً إِلَى مَرْحَلَتَيْنِ وَلَا وَكِيل لَهُ بِالْبَلَدِ، أَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، زَوَّجَ سُلْطَانُ بَلَدِ الزَّوْجَةِ أَوْ نَائِبُهُ، لَا سُلْطَانُ غَيْرِ بَلَدِهَا، وَلَا الأَْبْعَدُ عَلَى الأَْصَحِّ؛ لأَِنَّ الْغَائِبَ وَلِيٌّ، وَالتَّزْوِيجُ حَقٌّ لَهُ، فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ نَابَ عَنْهُ الْحَاكِمُ، وَقِيل: يُزَوِّجُ الأَْبْعَدُ كَالْجُنُونِ. قَال الشَّيْخَانِ: وَالأَْوْلَى لِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لِلأَْبْعَدِ أَنْ يُزَوِّجَ، أَوْ يَسْتَأْذِنَهُ فَيُزَوِّجَ الْقَاضِي لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ. أَمَّا فِيمَا دُونَ الْمَرْحَلَتَيْنِ فَلَا يُزَوِّجُ إِلَاّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ الأَْقْرَبِ فِي الأَْصَحِّ؛ لِقِصَرِ الْمَسَافَةِ، فَيُرَاجَعُ لِيَحْضُرَ أَوْ يُوَكِّل كَمَا لَوْ كَانَ مُقِيمًا، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ: يُزَوِّجُ؛ لِئَلَاّ تَتَضَرَّرَ بِفَوَاتِ الْكُفْءِ الرَّاغِبِ كَالْمَسَافَةِ
(1) نفس المرجع.
(2)
حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 2 / 230.
الطَّوِيلَةِ، وَعَلَى الْقَوْل الأَْوَّل لَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُول إِلَيْهِ لِفِتْنَةٍ أَوْ خَوْفٍ جَازَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُزَوِّجَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ لِغَيْبَةِ وَلِيِّهَا ثُمَّ قَدِمَ وَقَال: كُنْتُ زَوَّجْتُهَا فِي الْغَيْبَةِ، قُدِّمَ نِكَاحُ الْحَاكِمِ (1) .
التَّفْرِيقُ لِغَيْبَةِ الزَّوْجِ عَنْ زَوْجَتِهِ:
3 -
غَيْبَةُ الزَّوْجِ عَنْ زَوْجَتِهِ لَا تَخْلُو عَنْ حَالَيْنِ.
الأُْولَى: أَنْ تَكُونَ غَيْبَةً قَصِيرَةً غَيْرَ مُنْقَطِعَةٍ بِحَيْثُ يُعْرَفُ خَبَرُهُ وَيَأْتِي كِتَابُهُ. فَهَذَا لَيْسَ لاِمْرَأَتِهِ أَنْ تَطْلُبَ التَّفْرِيقَ إِذَا لَمْ يَتَعَذَّرِ الإِْنْفَاقُ عَلَيْهَا مِنْ مَال الزَّوْجِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
الثَّانِيَةُ: الْغَيْبَةُ الطَّوِيلَةُ الَّتِي يَنْقَطِعُ فِيهَا خَبَرُهُ، بِأَنْ لَمْ يُدْرَ مَوْضِعُهُ وَحَيَاتُهُ وَمَوْتُهُ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْغَيْبَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِجَوَازِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ عِنْدَهُمْ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ مَوْتُهُ أَوْ يَمْضِيَ مِنَ الزَّمَنِ مَا لَا يَعِيشُ إِلَى مِثْلِهِ
(1) المنهاج مع شرحه مغني المحتاج 3 / 157.
غَالِبًا (1) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَقَدْ قَسَّمُوا حَالَاتِ الْغَيْبَةِ إِلَى أَقْسَامٍ وَبَيَّنُوا لِكُل قِسْمٍ حُكْمَهُ.
وَالتَّفْصِيل فِي: (طَلَاقٍ ف 87 وَمَا بَعْدَهَا، وَمَفْقُودٍ)
أَثَرُ غَيْبَةِ الزَّوْجِ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ:
4 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي فَرْضِ الْقَاضِي لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ النَّفَقَةَ أَوْ عَدَمِ فَرْضِهَا، وَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيل الآْتِي:
فَفِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلَانِ لأَِبِي حَنِيفَةَ.
الأَْوَّل: لِلْقَاضِي فَرْضُ النَّفَقَةِ لَهَا عَلَيْهِ إِذَا طَلَبَتْهَا، وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، هَذَا إِذَا كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا بِالزَّوْجِيَّةِ، أَوْ كَانَ لِلْغَائِبِ مَالٌ عِنْدَ آخَرَ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ وَهُوَ مُقِرٌّ بِالْمَال وَالزَّوْجِيَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الأَْمْرُ كَذَلِكَ، فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِهَا؛ لأَِنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُقَامُ عَلَى غَائِبٍ. وَأَجَازَ زُفَرُ ذَلِكَ.
وَقَيَّدَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ الْغِيَابَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِفَرْضِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ بِمَا إِذَا كَانَ مُدَّةَ سَفَرٍ، أَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، قَال
(1) الهداية مع فتح القدير 5 / 373، ومغني المحتاج 3 / 27، 397.
ابْنُ عَابِدِينَ: وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ، فَإِنَّهُ فِيمَا دُونَهَا يَسْهُل إِحْضَارُهُ وَمُرَاجَعَتُهُ، وَنُقِل عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الْقَاضِيَ يَفْرِضُ نَفَقَةَ عُرْسِ الْغَائِبِ عَنِ الْبَلَدِ سَوَاءٌ أَكَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ أَمْ لَا، وَذَكَرَ مِثْلَهُ عَنْ الْحَمَوِيِّ عَلَى الأَْشْبَاهِ، حَتَّى لَوْ ذَهَبَ إِلَى الْقَرْيَةِ وَتَرَكَهَا فِي الْبَلَدِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهَا النَّفَقَةَ. (1)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لِلزَّوْجَةِ مُطَالَبَةُ زَوْجِهَا عِنْدَ إِرَادَةِ السَّفَرِ بِنَفَقَةِ الْمُسْتَقْبَل الَّذِي أَرَادَ الْغَيْبَةَ فِيهِ قَبْل سَفَرِهِ لِمُدَّةِ غِيَابِهِ عَنْهَا، أَوْ يُقِيمُ لَهَا كَفِيلاً يَدْفَعُهَا لَهَا، وَإِذَا سَافَرَ الزَّوْجُ وَلَمْ يَدْفَعْ نَفَقَةَ الْمُسْتَقْبَل وَلَمْ يُقِمْ لَهَا كَفِيلاً بِهَا، وَرَفَعَتْ أَمْرَهَا لِلْحَاكِمِ وَطَلَبَتْ نَفَقَتَهَا فَرَضَ الْحَاكِمُ لَهَا النَّفَقَةَ فِي مَال الزَّوْجِ الْغَائِبِ. وَلَوْ وَدِيعَةً عِنْدَ غَيْرِهِ، وَكَذَا فِي دَيْنِهِ الثَّابِتِ عَلَى مَدِينِهِ، وَبِيعَتْ دَارُهُ فِي نَفَقَتِهَا بَعْدَ حَلِفِهَا بِاسْتِحْقَاقِهَا لِلنَّفَقَةِ فِي مَال زَوْجِهَا الْغَائِبِ. (2)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ مُوجِبَ النَّفَقَةِ التَّمْكِينُ، وَيَحْصُل بِالْفِعْل أَوْ أَنْ تَبْعَثَ إِلَيْهِ تَعْرِضُ نَفْسَهَا، وَتُخْبِرَهُ: أَنِّي مُسَلِّمَةٌ
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 665، والبدائع 4 / 26، والزيلعي 3 / 59.
(2)
الشرح الصغير للدردير 2 / 747، وجواهر الإكليل 1 / 406.
نَفْسِي إِلَيْك، فَلَوْ غَابَ عَنْ بَلَدِهَا قَبْل عَرْضِهَا إِلَيْهِ وَرَفَعَتِ الأَْمْرَ إِلَى الْحَاكِمِ مُظْهِرَةً لَهُ التَّسْلِيمَ، كَتَبَ الْحَاكِمُ لِحَاكِمِ بَلَدِهِ لِيُعْلِمَهُ الْحَال فَيَجِيءُ الزَّوْجُ لَهَا يَتَسَلَّمُهَا أَوْ يُوَكِّل مَنْ يَجِيءُ يُسَلِّمُهَا لَهُ أَوْ يَحْمِلُهَا إِلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل شَيْئًا مِنَ الأَْمْرَيْنِ مَعَ إِمْكَانِ الْمَجِيءِ أَوِ التَّوْكِيل، وَمَضَى زَمَنُ إِمْكَانِ وُصُولِهِ لَهَا، فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ فِي مَالِهِ مِنْ حِينِ إِمْكَانِ وُصُولِهِ، وَجُعِل كَالْمُتَسَلِّمِ لَهَا؛ لأَِنَّ الْمَانِعَ مِنْهُ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ فَلَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ شَيْئًا لأَِنَّهُ غَيْرُ مُعْرِضٍ.
وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا عُلِمَ مَكَانُ الزَّوْجِ، فَإِنْ جُهِل ذَلِكَ كَتَبَ الْحَاكِمُ إِلَى الْحُكَّامِ الَّذِينَ تَرِدُ عَلَيْهِمُ الْقَوَافِل مِنْ بَلَدِهِ عَادَةً لِيُنَادِيَ بِاسْمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَعْطَاهَا الْقَاضِي نَفَقَتَهَا مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ، وَأَخَذَ مِنْهَا كَفِيلاً بِمَا يَصْرِفُ لَهَا؛ لاِحْتِمَال مَوْتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ، أَمَّا إِذَا غَابَ بَعْدَ عَرْضِهَا عَلَيْهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ تَسَلُّمِهَا فَإِنَّ النَّفَقَةَ تُقَرَّرُ عَلَيْهِ، وَلَا تَسْقُطُ بِغَيْبَتِهِ. (1)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ غَابَ الزَّوْجُ مُدَّةً وَلَمْ يُنْفِقْ فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ مَا مَضَى، سَوَاءٌ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَرَضَهَا حَاكِمٌ أَوْ لَمْ يَفْرِضْهَا حَاكِمٌ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
(1) مغني المحتاج 3 / 436.
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الأَْجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا، فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا حَبَسُوا (1) قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ ثَابِتٌ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه؛ وَلأَِنَّهُ حَقٌّ لَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْعِوَضِ فَرَجَعَتْ بِهِ عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ، وَقَال: هَذِهِ نَفَقَةٌ وَجَبَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ، وَلَا يَزُول مَا وَجَبَ بِهَذِهِ الْحُجَجِ إِلَاّ بِمِثْلِهَا، وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى كَالنَّفَقَةِ، وَإِذَا أَنْفَقَتِ الزَّوْجَةُ فِي غَيْبَتِهِ مِنْ مَالِهِ فَبَانَ الزَّوْجُ مَيِّتًا رَجَعَ عَلَيْهَا الْوَارِثُ بِمَا أَنْفَقَتْهُ مُنْذُ مَاتَ، لأَِنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ ارْتَفَعَ بِمَوْتِ الزَّوْجِ، فَلَا تَسْتَحِقُّ مَا قَبَضَتْهُ مِنَ النَّفَقَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ فَارَقَهَا الزَّوْجُ بَائِنًا فِي غَيْبَتِهِ فَأَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهِ رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِمَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ. (2)
التَّوْكِيل أَثْنَاءَ الْغَيْبَةِ:
5 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى جَوَازِ تَوْكِيل الْغَائِبِ غَيْرَهُ فِي الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يَمْلِكُ الْمُوَكِّل إِبْرَامَهَا، كَمَا أَجَازُوا الْوَكَالَةَ بِالْخُصُومَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ وَإِيفَائِهَا
(1) أثر عمر أنه كتب إلى أمراء الأجناد. أخرجه الشافعي في مسنده (2 / 65 - ترتيبه) وعنه البيهقي في السن (7 / 469) .
(2)
كشاف القناع 5 / 469، 470.
وَاسْتِيفَائِهَا؛ لأَِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ، وَالشَّخْصُ قَدْ لَا يُحْسِنُ الْمُعَامَلَةَ أَوْ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ إِلَى السُّوقِ، أَوْ لَا يَتَفَرَّغُ لِلْقِيَامِ بِالْعَمَل بِنَفْسِهِ.
6 -
وَاخْتَلَفُوا فِي تَوْكِيل الْغَائِبِ غَيْرَهُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّوْكِيل بِإِثْبَاتِ الْحُدُودِ مِنَ الْغَائِبِ، وَكَذَا فِي الْقِصَاصِ؛ لأَِنَّ خُصُومَةَ الْوَكِيل تَقُومُ مَقَامَ خُصُومَةِ الْمُوَكِّل. (1)
وَقَال أَبُو يُوسُفَ - وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - إِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيل بِإِثْبَاتِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لأَِنَّهَا نِيَابَةٌ، فَيُتَحَرَّزُ عَنْهَا فِي هَذَا الْبَابِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. (2)
7 -
وَاخْتَلَفُوا كَذَلِكَ فِي اسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِوَاسِطَةِ الْوَكِيل:
فَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَصِحُّ التَّوْكِيل فِي اسْتِيفَاءِ حَقٍّ لآِدَمِيٍّ أَوْ لِلَّهِ، كَقَوَدٍ وَحَدِّ زِنًا وَشُرْبٍ - وَلَوْ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّل - كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَالْخُصُومَاتِ، قَال
(1) حاشية الزرقاني 8 / 21، وجواهر الإكليل 2 / 125، وفتح القدير 4 / 197، وحاشية الجمل 3 / 404، والمغني لابن قدامة 5 / 89.
(2)
الاختيار 2 / 157، وحاشية الجمل 3 / 404.
ابْنُ قُدَامَةَ: كُل مَا جَازَ التَّوْكِيل فِيهِ جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ فِي حَضْرَةِ الْمُوَكِّل وَغَيْبَتِهِ، كَالْحُدُودِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَاحْتِمَال الْعَفْوِ بَعِيدٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ عَفَا لَبَعَثَ وَأَعْلَمَ وَكِيلَهُ بِعَفْوِهِ، وَالأَْصْل عَدَمُهُ فَلَا يُؤَثِّرُ، أَلَا تَرَى أَنَّ قُضَاةَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَحْكُمُونَ فِي الْبِلَادِ وَيُقِيمُونَ الْحُدُودَ الَّتِي تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ مَعَ احْتِمَال النَّسْخِ. (1)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ إِلَاّ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّل، لأَِنَّهَا عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَوِ اسْتَوْفَاهُ الْوَكِيل مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّل كَانَ مَعَ احْتِمَال أَنَّهُ عَفَا، أَوْ أَنَّ الْمَقْذُوفَ قَدْ صَدَّقَ الْقَاذِفَ أَوْ أَكْذَب شُهُودَهُ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ. (2)
وَلِتَفْصِيل الْمَسْأَلَةِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (وَكَالَةٍ) .
غَيْبَةُ الشَّفِيعِ:
8 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ غَيْبَةَ مُسْتَحِقِّ الشُّفْعَةِ لَا تُسْقِطُ حَقَّهُ فِي الْمُطَالَبَةِ
(1) جواهر الإكليل 2 / 125، وحاشية الجمل 3 / 404، ومغني المحتاج 2 / 221، والمغني لابن قدامة 5 / 88، 89.
(2)
فتح القدير 4 / 197، والمراجع السابقة.
بِالشُّفْعَةِ.
وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالشُّفْعَةِ عَلَى الْفَوْرِ سَاعَةَ مَا يَعْلَمُ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ. (1) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا (2)
9 -
وَاسْتَثْنَوْا مِنْ هَذَا الْحُكْمِ حَالَاتٍ، مِنْهَا: إِذَا كَانَ مُسْتَحِقُّ الشُّفْعَةِ غَائِبًا: فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا يَقْضِي بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ فِي الْجَمِيعِ، وَلَا يَنْتَظِرُ لِحُضُورِ الْغَائِبِ لاِحْتِمَال عَدَمِ طَلَبِهِ فَلَا يُؤَخِّرُ بِالشَّكِّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ غَائِبًا فَطَلَبَ الْحَاضِرُ، يَقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ كُلِّهَا، ثُمَّ إِذَا حَضَرَ وَطَلَبَ قُضِيَ لَهُ بِهَا، فَإِنْ كَانَ مِثْل الأَْوَّل كَأَنْ كَانَا شَرِيكَيْنِ أَوْ جَارَيْنِ قُضِيَ لَهُ بِنِصْفِهِ، وَلَوْ كَانَ الْغَائِبُ فَوْقَهُ كَأَنْ يَكُونَ الأَْوَّل جَارًا وَالثَّانِي شَرِيكًا فَيَقْضِي لِلْغَائِبِ الَّذِي حَضَرَ بِالْكُل، وَتَبْطُل شُفْعَةُ الأَْوَّل. (3) وَإِنْ كَانَ دُونَهُ، كَأَنْ كَانَ الأَْوَّل شَرِيكًا وَالَّذِي حَضَرَ جَارًا مَنَعَهُ. وَذَلِكَ لأَِنَّ الشُّفْعَةَ لِلْجَارِ تَثْبُتُ
(1) تبيين الحقائق 5 / 242، ومغني المحتاج 2 / 307، وكشاف القناع 4 / 140.
(2)
حديث: " الشفعة لمن واثبها ". قال ابن حجر في الدراية (2 / 203) : لم أجده، وإنما ذكره عبد الرزاق من قول شريح، وكذا ذكره قاسم بن ثابت في أواخر غريب الحديث، وفي المعنى ما أخرجه ابن ماجه والبزار وابن عدي من حديث ابن عمر رفعه:" الشفعة كحل العقال "، وإسناد
(3)
حاشية رد المحتار مع الدر المختار 5 / 141.
عِنْدَهُمْ فِي حَالَةِ عَدَمِ الشَّرِيكِ. (1) وَقَال الأَْبِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ أَخَذَ الْحَاضِرُ جَمِيعَ مَا يَشْفَعُ فِيهِ هُوَ وَشَرِيكُهُ الْغَائِبُ. ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ فَلِمَنْ حَضَرَ بَعْدَ غَيْبَتِهِ مِنَ الشُّفَعَاءِ حِصَّتُهُ مِنَ الْمَشْفُوعِ فِيهِ مِنَ الْحَاضِرِ إِنْ أَحَبَّ ذَلِكَ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْعُهْدَةِ، أَيْ ضَمَانِ ثَمَنِ حِصَّةِ مَنْ حَضَرَ بَعْدَ غَيْبَتِهِ إِنْ ظَهَرَ فِيهَا عَيْبٌ أَوِ اسْتُحِقَّتْ:
فَفِي رَأْيٍ أَنَّ الْعُهْدَةَ عَلَى الشَّفِيعِ الَّذِي حَضَرَ ابْتِدَاءً وَأَخَذَ الْجَمِيعَ؛ لأَِنَّ الَّذِي حَضَرَ بَعْدَ غَيْبَتِهِ إِنَّمَا أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْهُ لَا مِنَ الْمُشْتَرِي؛ وَلأَِنَّ الَّذِي حَضَرَ لَوْ أَسْقَطَ شُفْعَتَهُ فَلَا تَرْجِعُ لِلْمُشْتَرِي، بَل تَبْقَى لِمَنْ هِيَ بِيَدِهِ وَهُوَ الْحَاضِرُ ابْتِدَاءً.
وَفِي رَأْيٍ آخَرَ: الْعُهْدَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَقَطْ؛ لأَِنَّ الشَّفِيعَ الأَْوَّل إِنَّمَا أَخَذَ مِنَ الْمُشْتَرِي حِصَّةَ الْغَائِبِ نِيَابَةً عَنْهُ. (2)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا عَنْ بَلَدِ الْمُشْتَرِي غَيْبَةً حَائِلَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُبَاشَرَةِ الطَّلَبِ، فَلْيُوَكِّل فِي طَلَبِهَا إِنْ قَدَرَ عَلَى التَّوْكِيل فِيهِ، لأَِنَّهُ الْمُمْكِنُ،
(1) نفس المرجع.
(2)
جواهر الإكليل 3 / 162.
وَيُعْذَرُ الْغَائِبُ فِي تَأْخِيرِ الْحُضُورِ، وَإِلَاّ بِأَنْ عَجَزَ عَنِ التَّوْكِيل فَلْيُشْهِدْ عَلَى الطَّلَبِ لَهَا عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلاً وَامْرَأَتَيْنِ، فَإِنْ تَرَكَ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا بَطَل حَقُّهُ فِي الأَْظْهَرِ.
وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا فَحَضَرَ عِنْدَ قَاضِي بَلَدِ الْغَيْبَةِ، وَأَثْبُت الشُّفْعَةَ، وَحَكَمَ لَهُ بِهَا، وَلَمْ يَتَوَجَّهْ إِلَى بَلَدِ الْبَيْعِ أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَبْطُل لأَِنَّهَا تَقَرَّرَتْ بِحُكْمِ الْقَاضِي. (1)
وَمِثْلُهُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ، إِلَاّ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا مَسْأَلَةَ التَّوْكِيل إِلَاّ فِي قِيَامِ الْعُذْرِ بِهِ. (2)
كَفَالَةُ النَّفْسِ فِي غَيْبَةِ الْمَكْفُول:
10 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَلَوْ كَانَ الْمَكْفُول بِهِ غَائِبًا. فَإِذَا قَال: أَنَا كَفِيلٌ بِفُلَانٍ أَوْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِبَدَنِهِ أَوْ بِوَجْهِهِ كَانَ كَفِيلاً بِهِ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى صِحَّتِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَال لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَاّ أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} (3)
(1) مغني المحتاج 2 / 307، 308.
(2)
كشاف القناع 4 / 143.
(3)
سورة يوسف / 66.
وَهَذَا أَيْضًا قَوْل شُرَيْحٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ. (1)
وَحُكْمُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ هُوَ وُجُوبُ إِحْضَارِ الْمَكْفُول بِهِ لأَِيِّ وَقْتٍ كَانَ قَدْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ، فَيَلْزَمُ إِحْضَارُهُ عَلَى الْكَفِيل بِطَلَبِ الْمَكْفُول لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَمَا قَال الْحَنَفِيَّةُ. وَأَضَافُوا: فَإِنْ أَحْضَرَهُ فَبِهَا وَإِلَاّ يُجْبَرْ عَلَى إِحْضَارِهِ. (2)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (كَفَالَةٍ) .
الْقَضَاءُ عَلَى شَخْصٍ فِي غَيْبَتِهِ:
11 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، فَقَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِجَوَازِهِ بِشُرُوطٍ، وَمَنَعَهُ الْحَنَفِيَّةُ. وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (قَضَاءٍ) .
نَصْبُ الْوَكِيل عَنْ شَخْصٍ فِي غَيْبَتِهِ:
12 -
إِذَا امْتَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنِ الْحُضُورِ وَإِرْسَال وَكِيلٍ إِلَى الْمَحْكَمَةِ فَهَل يُنْصَبُ لَهُ وَكِيلٌ مُسَخَّرٌ يُنْكِرُ عَلَى الْغَائِبِ، فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ. أَوْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ دُونَ نَصْبِ الْمُسَخَّرِ؟ لِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
(1) المغني لابن قدامة 4 / 614.
(2)
مجلة الأحكام العدلية المادة (642) والدسوقي مع الشرح الكبير 3 / 344، ومغني المحتاج 2 / 203 وما بعدها.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا امْتَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنِ الْحُضُورِ وَإِرْسَال وَكِيلٍ إِلَى الْمَحْكَمَةِ بَعْد دَعْوَتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، يُحْضَرُ إِلَيْهَا جَبْرًا، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ إِحْضَارُهُ يُدْعَى إِلَى الْمَحْكَمَةِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي أَيَّامٍ مُتَفَاوِتَةٍ. فَإِنْ أَبَى الْمَجِيءَ أَفْهَمَهُ الْحَاكِمُ بِأَنَّهُ سَيَنْصِبُ لَهُ وَكِيلاً وَيَسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَبَيِّنَتَهُ، فَإِنِ امْتَنَعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنِ الْحُضُورِ وَإِرْسَال وَكِيلٍ نَصَبَ الْحَاكِمُ لَهُ وَكِيلاً يُحَافِظُ عَلَى حُقُوقِهِ، وَسَمِعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ فِي مُوَاجَهَتِهِ، وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُبَلِّغُ الْحُكْمَ الْغِيَابِيَّ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، فَإِذَا حَضَرَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ غِيَابًا إِلَى الْمَحْكَمَةِ وَتَشَبَّثَ بِدَعْوَى صَالِحَةٍ لِدَفْعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَتُفَصَّل عَلَى الْوَجْهِ الْمُوجِبِ، وَإِنْ لَمْ يَتَشَبَّثْ بِدَفْعِ الدَّعْوَى، أَوْ تَشَبَّثَ وَلَمْ يَكُنْ تَشَبُّثُهُ صَالِحًا لِلدَّفْعِ يَنْفُذُ الْحُكْمُ الْوَاقِعُ.
وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُسَخَّرِ لَا يَجُوزُ إِلَاّ لِضَرُورَةٍ. (1)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لِلْقَاضِي الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنْ كَانَتِ الْغَيْبَةُ قَرِيبَةً كَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ مَعَ الأَْمْنِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ
(1) مجلة الأحكام العدلية المادة (1833، 1834، 1835) والدر المختار 4 / 339.
إِلَيْهِ: إِمَّا تَقْدُمْ أَوْ وَكِّل، فَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ وَلَا وَكَّل حَكَمَ عَلَيْهِ، وَالْغَيْبَةُ الْبَعِيدَةُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِيَمِينِ الْقَضَاءِ مِنَ الْمُدَّعِي مَعَ تَسْمِيَةِ الشُّهُودِ، لِيَجِدَ الْغَائِبُ لَهُ مَدْفَعًا عِنْدَ قُدُومِهِ. لأَِنَّهُ بَاتَ عَلَى حُجَّتِهِ إِذَا قَدِمَ، وَالْغَيْبَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ فِي هَذَا كَالْبَعِيدَةِ (1) . وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِي نَصْبَ مُسَخَّرٍ يُنْكِرُ عَلَى الْغَائِبِ عِنْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُقِرًّا، فَيَكُونُ إِنْكَارُ الْمُسَخَّرِ كَذِبًا. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَصْبُهُ، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقَاضِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ النَّصْبِ وَعَدَمِهِ.
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَاضِيَ نَصْبُهُ، لِتَكُونَ الْبَيِّنَةُ عَلَى إِنْكَارِ مُنْكِرٍ. (2)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ اخْتَبَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعَثَ الْحَاكِمُ مَنْ يُنَادِي عَلَى بَابِهِ ثَلَاثًا أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَحْضُرْ سَمَّرَ بَابَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ، وَيَجْمَعُ أَمَاثِل جِيرَانِهِ وَيُشْهِدُهُمْ عَلَى إِعْذَارِهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ سَمَّرَ وَخَتَمَ مَنْزِلَهُ بِطَلَبٍ مِنَ الْمُدَّعِي، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ بَعَثَ الْحَاكِمُ مَنْ يُنَادِي عَلَى بَابِهِ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْ عَدْلٍ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَ فُلَانٍ أَقَامَ عَنْهُ وَكِيلاً وَحَكَمَ عَلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَقَامَ عَنْهُ وَكِيلاً وَسَمِعَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ كَمَا يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ. (3)
(1) الشرح الكبير 4 / 162.
(2)
مغني المحتاج 4 / 407.
(3)
المغني مع الشرح الكبير 11 / 412، 413.
غِيبَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 -
الْغِيبَةُ - بِكَسْرِ الْغَيْنِ - فِي اللُّغَةِ اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنَ اغْتَابَهُ اغْتِيَابًا: إِذَا ذَكَرَهُ بِمَا يَكْرَهُ مِنَ الْعُيُوبِ وَهُوَ حَقٌّ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَاطِلاً فَهُوَ الْغِيبَةُ فِي بَهْتٍ. (1) وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. (2)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ -
الْبُهْتَانُ:
2 -
الْبُهْتَانُ فِي اللُّغَةِ: الْقَذْفُ بِالْبَاطِل وَافْتِرَاءُ الْكَذِبِ، وَهُوَ اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنْ بَهَتَهُ بَهْتًا مِنْ بَابِ نَفَعَ. (3)
وَفِي الاِصْطِلَاحِ: ذِكْرُك أَخَاك بِمَا لَيْسَ فِيهِ. (4) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغِيبَةِ وَالْبُهْتَانِ هُوَ: أَنَّ
(1) المصباح المنير.
(2)
التعريفات للجرجاني ص143 ط الحلبي.
(3)
المصباح المنير، والصحاح.
(4)
التعريفات للجرجاني / 143 ط الحلبي.
الْغِيبَةَ ذِكْرُ الإِْنْسَانِ فِي غَيْبَتِهِ بِمَا يَكْرَهُ، وَالْبُهْتَانَ وَصْفُهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي غَيْبَتِهِ أَمْ فِي وُجُودِهِ. (1)
ب -
الْحَسَدُ:
3 -
الْحَسَدُ فِي اللُّغَةِ: تَمَنِّي زَوَال النِّعْمَةِ عَنِ الْغَيْرِ. (2)
وَمِنْ مَعَانِيهِ فِي الاِصْطِلَاحِ: تَمَنِّي زَوَال نِعْمَةِ الْغَيْرِ، سَوَاءٌ تَمَنَّاهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لَا، بِأَنْ تَمَنَّى انْتِقَالَهَا عَنْ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ. (3)
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْحَسَدِ وَالْغِيبَةِ: أَنَّ الْحَسَدَ مِنَ الأَْسْبَابِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الْغِيبَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا يَحْسُدُ مَنْ يُثْنِي النَّاسُ عَلَيْهِ وَيُحِبُّونَهُ وَيُكْرِمُونَهُ، فَيُرِيدُ زَوَال تِلْكَ النِّعْمَةِ عَنْهُ، فَلَا يَجِدُ سَبِيلاً إِلَيْهِ إِلَاّ بِالْقَدْحِ فِيهِ. (4)
ج -
الْحِقْدُ:
4 -
الْحِقْدُ مَعْنَاهُ: الاِنْطِوَاءُ عَلَى الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنْ
(1) جامع البيان 26 / 137 ط الحلبي، وشرح صحيح مسلم 16 / 142.
(2)
الصحاح، والقاموس، واللسان، والمصباح.
(3)
إحياء علوم الدين 3 / 144 ط الحلبي.
(4)
إحياء علوم الدين 3 / 144 ط الحلبي.
الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. (1)
وَالصِّلَةُ هِيَ أَنَّ الْحِقْدَ مِنَ الْبَوَاعِثِ الْعَظِيمَةِ عَلَى الْغِيبَةِ. (2)
د -
الشَّتْمُ:
5 -
الشَّتْمُ فِي اللُّغَةِ: السَّبُّ.
وَفِي الاِصْطِلَاحِ: وَصْفُ الْغَيْرِ بِمَا فِيهِ نَقْصًا وَازْدِرَاءً.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغِيبَةِ وَالشَّتْمِ هُوَ: أَنَّ الْغِيبَةَ ذِكْرُ الشَّخْصِ فِي غَيْبَتِهِ بِمَا يَكْرَهُ، وَالشَّتْمُ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَفِي حَال حُضُورِهِ. (3)
هـ -
النَّمِيمَةُ:
6 -
النَّمِيمَةُ فِي اللُّغَةِ: السَّعْيُ لِلإِْيقَاعِ فِي الْفِتْنَةِ وَالْوَحْشَةِ (4) .
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ النَّمِيمَةِ وَالْغِيبَةِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهَا إِيقَاعَ الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ.
(1) المصباح المنير والتعريفات للجرجاني / 121 ط العربي، وإحياء علوم الدين 3 / 157 ط الحلبي.
(2)
إحياء علوم الدين 3 / 143 ط الحلبي.
(3)
الصحاح، والتعريفات للجرجاني 110، 143 ط الحلبي.
(4)
المصباح، والقاموس.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
7 -
الْغِيبَةُ حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ.
قَال الْقُرْطُبِيُّ (1) : لَا خِلَافَ أَنَّ الْغِيبَةَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَأَنَّ مَنِ اغْتَابَ أَحَدًا عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللَّهِ عز وجل، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُل لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} (2) وَيَقُول الرَّسُول صلى الله عليه وسلم: لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْت بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْت: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل؟ قَال: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ (3) وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُل الإِْيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ (4) وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم
(1) أحكام القرآن للقرطبي 16 / 336، 337، والزواجر 2 / 7.
(2)
سورة الحجرات / 12.
(3)
حديث: " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار. . ". أخرجه أبو داود (5 / 164) من حديث أنس بن مالك، وصححه العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (3 / 139. بهامش الإحياء)
(4)
حديث: " يا معشر من آمن بلسانه. . . ". أخرجه أبو داود (5 / 194) من حديث أبي برزة الأسلمي، وذكر المنذري في مختصره (7 / 214) أن في إسناده راويًا مجهولاً، وذكره في الترغيب والترهيب (3 / 198) وقال: رواه أبو يعلى بإسناد حسن من حديث البراء.
: إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ اسْتِطَالَةَ الْمَرْءِ فِي عِرْضِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ (1) وَبِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَال: ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ، قِيل: أَفَرَأَيْت إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُول؟ قَال: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُول فَقَدِ اغْتَبْته. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ (2) قَال الْقَرَافِيُّ: حُرِّمَتْ أَيِ الْغِيبَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَفْسَدَةِ إِفْسَادِ الأَْعْرَاضِ. (3)
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْغِيبَةَ إِنْ كَانَتْ فِي أَهْل الْعِلْمِ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فَهِيَ كَبِيرَةٌ. وَإِلَاّ فَصَغِيرَةٌ. (4)
مَا تَكُونُ بِهِ الْغِيبَةُ:
8 -
الْغِيبَةُ تَكُونُ بِالْقَوْل وَتَكُونُ بِغَيْرِهِ، قَال الْغَزَالِيُّ: الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ إِنَّمَا حَرُمَ لأَِنَّ فِيهِ تَفْهِيمَ الْغَيْرِ نُقْصَانَ أَخِيك وَتَعْرِيفَهُ بِمَا يَكْرَهُهُ، فَالتَّعْرِيضُ بِهِ كَالتَّصْرِيحِ، وَالْفِعْل فِيهِ كَالْقَوْل، وَالإِْشَارَةُ وَالإِْيمَاءُ وَالْغَمْزُ
(1) حديث: " إن من أكبر الكبائر استطالة المرء. . . ". أخرجه أبو داود (5 / 193) من حديث أبي هريرة.
(2)
حديث أبي هريرة: " أتدرون ما الغيبة ". أخرجه مسلم (4 / 2001) .
(3)
الفروق للقرافي 4 / 205، 209.
(4)
مغني المحتاج 4 / 427.
وَالْهَمْزُ وَالْكِتَابَةُ وَالْحَرَكَةُ وَكُل مَا يُفْهِمُ الْمَقْصُودَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْغِيبَةِ، وَهُوَ حَرَامٌ، (1) مِنْ ذَلِكَ قَوْل عَائِشَة رضي الله عنها: دَخَلَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ، فَلَمَّا وَلَّتْ أَوْمَأْت بِيَدَيَّ: أَنَّهَا قَصِيرَةٌ، فَقَال عليه السلام: اغْتَبْتِيهَا. (2)
الأَْسْبَابُ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْغِيبَةِ:
9 -
ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الإِْحْيَاءِ أَنَّ الأَْسْبَابَ الْبَاعِثَةَ عَلَى الْغِيبَةِ أَحَدَ عَشَرَ سَبَبًا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ ثَمَانِيَةً مِنْ تِلْكَ الأَْسْبَابِ تَطَّرِدُ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ، وَثَلَاثَةً تَخْتَصُّ بِأَهْل الدِّينِ وَالْخَاصَّةِ.
أَمَّا الثَّمَانِيَةُ الَّتِي تَطَّرِدُ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ فَهِيَ:
الأَْوَّل: أَنْ يَشْفِيَ الْغَيْظَ.
الثَّانِي: مُوَافَقَةُ الأَْقْرَانِ وَمُجَامَلَةُ الرُّفَقَاءِ وَمُسَاعَدَتُهُمْ عَلَى الْكَلَامِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَسْتَشْعِرَ مِنْ إِنْسَانٍ أَنَّهُ يُقَبِّحُ عِنْدَ مُحْتَشِمٍ. أَوْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِشَهَادَةٍ، فَيُبَادِرُهُ قَبْل أَنْ يُقَبِّحَ هُوَ وَيَطْعَنَ فِيهِ لِيُسْقِطَ أَثَرَ شَهَادَتِهِ.
(1) إحياء علوم الدين 3 / 142 - 143.
(2)
حديث عائشة: " دخلت علينا امرأة. . . ". عزاه العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (3 / 142 بهامش الإحياء) إلى ابن أبي الدنيا وابن مردويه، وقال: من راوية حسان بن مخارق عنها، وحسان وثقه ابن حبان، وباقيهم ثقات.
الرَّابِعُ: أَنْ يُنْسَبَ إِلَى شَيْءٍ، فَيُرِيدَ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ، فَيَذْكُرَ الشَّخْصَ الَّذِي فَعَلَهُ.
الْخَامِسُ: إِرَادَةُ التَّصَنُّعِ وَالْمُبَاهَاةِ، وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَ نَفْسَهُ بِتَنْقِيصِ غَيْرِهِ.
السَّادِسُ: الْحَسَدُ. وَهُوَ أَنَّهُ رُبَّمَا يَحْسُدُ مَنْ يُثْنِي النَّاسُ عَلَيْهِ وَيُحِبُّونَهُ وَيُكْرِمُونَهُ، فَيُرِيدُ زَوَال تِلْكَ النِّعْمَةِ عَنْهُ. فَلَا يَجِدُ سَبِيلاً إِلَيْهِ إِلَاّ بِالْقَدْحِ فِيهِ.
السَّابِعُ: اللَّعِبُ وَالْهَزْل وَالْمُطَايَبَةُ وَتَزْجِيَةُ الْوَقْتِ بِالضَّحِكِ، فَيَذْكُرُ عُيُوبَ غَيْرِهِ بِمَا يُضْحِكُ النَّاسَ عَلَى سَبِيل الْمُحَاكَاةِ.
الثَّامِنُ: السُّخْرِيَةُ وَالاِسْتِهْزَاءُ اسْتِحْقَارًا لِلْغَيْرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يَجْرِي فِي الْحُضُورِ وَيَجْرِي أَيْضًا فِي الْغِيبَةِ.
وَأَمَّا الأَْسْبَابُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي هِيَ فِي الْخَاصَّةِ
،
فَهِيَ أَغَمْضُهَا وَأَدَقُّهَا. وَهِيَ:
الأَْوَّل: أَنْ تَنْبَعِثَ مِنَ الدِّينِ دَاعِيَةُ التَّعَجُّبِ فِي إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ وَالْخَطَأِ فِي الدِّينِ، فَيَقُول: مَا أَعْجَبُ مَا رَأَيْت مِنْ فُلَانٍ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِهِ صَادِقًا، وَيَكُونُ تَعَجُّبُهُ مِنَ الْمُنْكَرِ. وَلَكِنْ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَتَعَجَّبَ وَلَا يَذْكُرَ اسْمَهُ، فَيُسَهِّل الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ ذِكْرَ اسْمِهِ فِي إِظْهَارِ تَعَجُّبِهِ، فَصَارَ بِهِ مُغْتَابًا وَآثِمًا مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي.
الثَّانِي: الرَّحْمَةُ، وَهُوَ أَنْ يَغْتَمَّ بِسَبَبِ
مَا يُبْتَلَى بِهِ غَيْرُهُ، فَيَقُول: مِسْكِينٌ فُلَانٌ قَدْ غَمَّنِي أَمْرُهُ، فَيَصِيرُ بِذَلِكَ مُغْتَابًا، فَيَكُونُ غَمُّهُ وَرَحْمَتُهُ خَيْرًا وَكَذَا تَعَجُّبُهُ، وَلَكِنْ سَاقَهُ الشَّيْطَانُ إِلَى شَرٍّ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي، وَهُوَ ذِكْرُ اسْمِهِ لِيُبْطِل بِهِ ثَوَابَ اغْتِمَامِهِ وَتَرَحُّمِهِ.
الثَّالِثُ: الْغَضَبُ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ قَدْ يَغْضَبُ عَلَى مُنْكَرٍ قَارَفَهُ إِنْسَانٌ إِذَا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ، فَيُظْهِرُ غَضَبَهُ وَيَذْكُرُ اسْمَهُ، وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُظْهِرَ غَضَبَهُ عَلَيْهِ بِالأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَا يُظْهِرُهُ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ يَسْتُرَ اسْمَهُ وَلَا يَذْكُرَهُ بِالسُّوءِ.
فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِمَّا يَغْمُضُ دَرْكُهَا عَلَى الْعُلَمَاءِ فَضْلاً عَنِ الْعَوَّامِ. فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ التَّعَجُّبَ وَالرَّحْمَةَ وَالْغَضَبَ إِذَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى كَانَ عُذْرًا فِي ذِكْرِ الاِسْمِ وَهُوَ خَطَأٌ. بَل الْمُرَخَّصُ فِي الْغَيْبَةِ حَاجَاتٌ مَخْصُوصَةٌ لَا تُرَخِّصُ الْغِيبَةَ فِي سِوَاهَا، (1) فَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْل عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَنَّ رَجُلاً مَرَّ عَلَى قَوْمٍ. فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا عليه السلام، فَلَمَّا جَاوَزَهُمْ قَال رَجُلٌ مِنْهُمْ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَُبْغِضُ هَذَا فِي اللَّهِ، فَقَال أَهْل الْمَجْلِسِ: بِئْسَ وَاللَّهِ مَا قُلْت، أَمَّا وَاللَّهِ لَنُنَبِّئَنَّهُ، قُمْ يَا فُلَانُ - رَجُلاً مِنْهُمْ -
(1) إحياء علوم الدين 3 / 143 - 145 ط الحلبي، ومختصر منهاج القاصدين 171 / 172 نشر مكتبة دار البيان.
فَأَخْبِرْهُ، قَال: فَأَدْرَكَهُ رَسُولُهُمْ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَال، فَانْصَرَفَ الرَّجُل حَتَّى أَتَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ مَرَرْت بِمَجْلِسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ فُلَانٌ، فَسَلَّمْت عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا السَّلَامَ، فَلَمَّا جَاوَزْتهمْ أَدْرَكَنِي رَجُلٌ مِنْهُمْ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فُلَانًا قَال: وَاللَّهِ إِنِّي لأَُبْغِضُ هَذَا الرَّجُل فِي اللَّهِ، فَادْعُهُ فَسَلْهُ عَلَى مَا يُبْغِضُنِي؟ فَدَعَاهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَمَّا أَخْبَرَهُ الرَّجُل فَاعْتَرَفَ بِذَلِكَ، وَقَال: قَدْ قُلْت لَهُ ذَلِكَ يَا رَسُول اللَّهِ، فَقَال: رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَلِمَ تَبْغُضُهُ؟ قَال: أَنَا جَارُهُ وَأَنَا بِهِ خَابِرٌ، وَاللَّهِ مَا رَأَيْته يُصَلِّي صَلَاةً قَطُّ إِلَاّ هَذِهِ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ الَّتِي يُصَلِّيهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، قَال الرَّجُل: سَلْهُ يَا رَسُول اللَّهِ هَل رَآنِي قَطُّ أَخَّرْتهَا عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ أَسَأْت الْوُضُوءَ لَهَا، أَوْ أَسَأْت الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فِيهَا؟ فَسَأَلَهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَال: لَا، ثُمَّ قَال: وَاللَّهِ مَا رَأَيْته يَصُومُ قَطُّ إِلَاّ هَذَا الشَّهْرَ الَّذِي يَصُومُهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ. قَال: فَسَلْهُ يَا رَسُول اللَّهِ، هَل رَآنِي قَطُّ أَفْطَرْت فِيهِ أَوِ انْتَقَصْت مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا؟ فَسَأَلَهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَال: لَا، ثُمَّ قَال: وَاللَّهِ مَا رَأَيْته يُعْطِي سَائِلاً قَطُّ، وَلَا رَأَيْته يُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فِي شَيْءٍ مِنْ سَبِيل اللَّهِ بِخَيْرٍ، إِلَاّ
هَذِهِ الصَّدَقَةَ الَّتِي يُؤَدِّيهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، قَال: فَسَلْهُ يَا رَسُول اللَّهِ، هَل كَتَمْت مِنَ الزَّكَاةِ شَيْئًا قَطُّ، أَوْ مَاكَسْت فِيهَا طَالِبَهَا؟ قَال: فَسَأَلَهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَال: لَا، فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قُمْ، إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ خَيْرٌ مِنْك. (1)
أُمُورٌ تُبَاحُ فِيهَا الْغِيبَةُ:
10 -
الأَْصْل فِي الْغِيبَةِ التَّحْرِيمُ لِلأَْدِلَّةِ الثَّابِتَةِ فِي ذَلِكَ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ أُمُورًا سِتَّةً تُبَاحُ فِيهَا الْغِيبَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَصْلَحَةِ؛ وَلأَِنَّ الْمُجَوِّزَ فِي ذَلِكَ غَرَضٌ شَرْعِيٌّ لَا يُمْكِنُ الْوُصُول إِلَيْهِ إِلَاّ بِهَا وَتِلْكَ الأُْمُورُ هِيَ:
الأَْوَّل:
التَّظَلُّمُ. يَجُوزُ لِلْمَظْلُومِ أَنْ يَتَظَلَّمَ إِلَى السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةٌ أَوْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إِنْصَافِهِ مِنْ ظَالِمِهِ، فَيَذْكُرُ أَنَّ فُلَانًا ظَلَمَنِي وَفَعَل بِي كَذَا وَأَخَذَ لِي كَذَا وَنَحْوُ ذَلِكَ. (2)
(1) حديث أبي الطفيل " أن رجلاً مر على قوم فسلم عليهم. . ". أخرجه أحمد (5 / 455) وصحح إسناده العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (3 / 145 - بهامش الإحياء) .
(2)
الأذكار للنووي 303 ط الكتاب العربي، والجامع لأحكام القرآن 16 / 339 ط الكتب المصرية، وفتح الباري 10 / 472 ط الرياض، ومختصر منهاج القاصدين 173 نشر دار البيان.
الثَّانِي:
الاِسْتِعَانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ وَرَدِّ الْعَاصِي إِلَى الصَّوَابِ. وَبَيَانُهُ أَنْ يَقُول لِمَنْ يَرْجُو قُدْرَتَهُ عَلَى إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ: فُلَانٌ يَعْمَل كَذَا فَازْجُرْهُ عَنْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيَكُونُ مَقْصُودُهُ إِزَالَةَ الْمُنْكَرِ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ كَانَ حَرَامًا. (1)
الثَّالِثُ:
الاِسْتِفْتَاءُ: وَبَيَانُهُ أَنْ يَقُول لِلْمُفْتِي: ظَلَمَنِي أَبِي أَوْ أَخِي أَوْ فُلَانٌ بِكَذَا. فَهَل لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَمَا طَرِيقِي فِي الْخَلَاصِ مِنْهُ وَتَحْصِيل حَقِّي وَدَفْعِ الظُّلْمِ عَنِّي؟ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ، وَلَكِنَّ الأَْحْوَطَ أَنْ يَقُول: مَا تَقُول فِي رَجُلٍ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا، أَوْ فِي زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ تَفْعَل كَذَا وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَحْصُل لَهُ الْغَرَضُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَالتَّعْيِينُ جَائِزٌ، (2) لِحَدِيثِ هِنْدٍ رضي الله عنها وَقَوْلِهَا: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ. . (3) الْحَدِيثُ. وَلَمْ يَنْهَهَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
(1) شرح صحيح مسلم للنووي 16 / 142 ط المصرية، والأذكار للنووي 303 ط الكتاب العربي، ورفع الريبة للشوكاني ص13 ط السلفية، والجامع لأحكام القرآن 16 / 339 ط الكتب المصرية، وفتح الباري 10 / 472 ط الرياض، ومختصر منهاج القاصدين 173 نشر دار البيان.
(2)
الأذكار للنووي 303 ط الكتب المصرية، رفع الريبة 13 ط السلفية، فتح الباري 10 / 472 ط الرياض، شرح صحيح مسلم 16 / 142 ط المصرية.
(3)
حديث هند: " إن أبا سفيان رجل شحيح. . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 507) ومسلم (3 / 1338)
الرَّابِعُ:
تَحْذِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الشَّرِّ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ خَمْسَةٍ كَمَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ.
أَوَّلاً: جَرْحُ الْمَجْرُوحِينَ مِنَ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالإِْجْمَاعِ، بَل وَاجِبٌ صَوْنًا لِلشَّرِيعَةِ.
ثَانِيًا. الإِْخْبَارُ بِغِيبَةٍ عِنْدَ الْمُشَاوَرَةِ فِي مُصَاهَرَةٍ وَنَحْوِهَا.
ثَالِثًا: إِذَا رَأَيْت مَنْ يَشْتَرِي شَيْئًا مَعِيبًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، تَذْكُرُ لِلْمُشْتَرِي إِذَا لَمْ يُعْلِمْهُ نَصِيحَةً لَهُ، لَا لِقَصْدِ الإِْيذَاءِ وَالإِْفْسَادِ.
رَابِعًا: إِذَا رَأَيْت مُتَفَقِّهًا يَتَرَدَّدُ إِلَى فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ يَأْخُذُ عَنْهُ عِلْمًا. وَخِفْت عَلَيْهِ ضَرَرَهُ، فَعَلَيْك نَصِيحَتُهُ بِبَيَانِ حَالِهِ قَاصِدًا النَّصِيحَةَ.
خَامِسًا: أَنْ يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ لَا يَقُومُ لَهَا عَلَى وَجْهِهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ أَوْ لِفِسْقِهِ، فَيَذْكُرُهُ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ لِيَسْتَبْدِل بِهِ غَيْرَهُ أَوْ يَعْرِفَ. فَلَا يَغْتَرَّ بِهِ وَيُلْزِمُهُ الاِسْتِقَامَةَ. (1)
الْخَامِسُ:
أَنْ يَكُونَ مُجَاهِرًا بِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ. فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِمَا يُجَاهِرُ بِهِ، وَيَحْرُمُ ذِكْرُهُ بِغَيْرِهِ مِنَ الْعُيُوبِ، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ
(1) رفع الريبة ص13، 14 ط السلفية، والأذكار للنووي 303 ط الكتاب العربي، وشرح مسلم للنووي 16 / 142، 143 ط المصرية.
لِجَوَازِهِ سَبَبٌ آخَرُ. (1)
السَّادِسُ:
التَّعْرِيفُ. . فَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِلَقَبٍ كَالأَْعْمَشِ وَالأَْعْرَجِ وَالأَْزْرَقِ وَالْقَصِيرِ وَالأَْعْمَى وَالأَْقْطَعِ وَنَحْوِهَا جَازَ تَعْرِيفُهُ بِهِ، وَيَحْرُمُ ذِكْرُهُ بِهِ تَنَقُّصًا، وَلَوْ أَمْكَنَ التَّعْرِيفُ بِغَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى. (2)
كَيْفِيَّةُ مَنْعِ الْغِيبَةِ:
11 -
ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ مَسَاوِئَ الأَْخْلَاقِ كُلَّهَا إِنَّمَا تُعَالَجُ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَل، وَإِنَّ عِلَاجَ كُل عِلَّةٍ بِمُضَادَّةٍ سَبَبِهَا. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ عِلَاجَ كَفِّ اللِّسَانِ عَنِ الْغِيبَةِ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَلَى الْجُمْلَةِ وَالآْخَرُ عَلَى التَّفْصِيل.
أَمَّا عِلَاجُهُ عَلَى الْجُمْلَةِ: فَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ تَعَرُّضَهُ لِسُخْطِ اللَّهِ سبحانه وتعالى لِغَيْبَتِهِ، وَذَلِكَ لِلأَْخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا مُحْبِطَةٌ لِحَسَنَاتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّهَا تَنْقُل حَسَنَاتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنِ اغْتَابَهُ بَدَلاً عَمَّا اسْتَبَاحَهُ مِنْ عِرْضِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ نُقِل إِلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِ خَصْمِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُتَعَرِّضٌ
(1) الأذكار للنووي 303 ط الكتب المصرية، وشرح صحيح مسلم للنووي 16 / 143 ط المصرية، وفتح الباري 10 / 472 ط الرياض، ورفع الريبة 14 ط السلفية، والآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 276 ط الرياض.
(2)
شرح صحيح مسلم للنووي 16 / 143 ط المصرية، والأذكار للنووي ص304 ط الكتاب العربي، ورفع الريبة ص 14ط السلفية، وفتح الباري 10 / 472 ط الرياض.
لِمَقْتِ اللَّهِ عز وجل، وَمُشَبَّهٌ عِنْدَهُ بِآكِل الْمَيْتَةِ، وَإِنَّمَا أَقَل الدَّرَجَاتِ أَنْ تُنْقِصَ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُطَالَبَةِ وَالسُّؤَال وَالْجَوَابِ وَالْحِسَابِ، قَال صلى الله عليه وسلم: مَا النَّارُ فِي الْيَبِسِ بِأَسْرَعَ مِنَ الْغِيبَةِ فِي حَسَنَاتِ الْعَبْدِ (1) وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلاً قَال لِلْحَسَنِ: بَلَغَنِي أَنَّك تَغْتَابُنِي؟ فَقَال: مَا بَلَغَ مِنْ قَدْرِك عِنْدِي أَنِّي أُحَكِّمُك فِي حَسَنَاتِي، فَمَهْمَا آمَنَ الْعَبْدُ بِمَا وَرَدَ مِنَ الأَْخْبَارِ فِي الْغِيبَةِ لَمْ يُطْلِقْ لِسَانَهُ بِهَا خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ. وَيَنْفَعُهُ أَيْضًا أَنْ يَتَدَبَّرَ فِي نَفْسِهِ، فَإِنْ وَجَدَ فِيهَا عَيْبًا اشْتَغَل بِعَيْبِ نَفْسِهِ، وَذَكَرَ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ (2) وَمَهْمَا وَجَدَ الْعَبْدُ عَيْبًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحْيِيَ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ ذَمَّ نَفْسِهِ وَيَذُمَّ غَيْرَهُ، بَل يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّ عَجْزَ غَيْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ فِي التَّنَزُّهِ عَنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ كَعَجْزِهِ، وَهَذَا إِنْ كَانَ ذَلِكَ عَيْبًا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ. وَإِنْ كَانَ أَمْرًا خُلُقِيًّا فَالذَّمُّ لَهُ ذَمٌّ لِلْخَالِقِ، فَإِنَّ مَنْ ذَمَّ صَنْعَةً فَقَدْ ذَمَّ صَانِعَهَا، قَال رَجُلٌ
(1) حديث: " ما النار في اليبس بأسرع من الغيبة. . . ". قال العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين: (3 / 145 - بهامش الإحياء) لم أجد له أصلاً.
(2)
حديث: " طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس. . . ". عزاه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (3 / 145) إلى البزار من حديث أنس وضعف إسناده
لِحَكِيمٍ: يَا قَبِيحَ الْوَجْهِ، قَال: مَا كَانَ خَلْقُ وَجْهِي إِلَيَّ فَأُحَسِّنَهُ، وَإِذَا لَمْ يَجِدِ الْعَبْدُ عَيْبًا فِي نَفْسِهِ فَلْيَشْكُرِ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا يُلَوِّثَنَّ نَفْسَهُ بِأَعْظَمِ الْعُيُوبِ، فَإِنَّ ثَلْبَ النَّاسِ وَأَكْل لَحْمِ الْمَيْتَةِ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ، بَل لَوْ أَنْصَفَ لَعَلِمَ أَنَّ ظَنَّهُ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ كُل عَيْبٍ جَهْلٌ بِنَفْسِهِ. وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْعُيُوبِ.
وَيَنْفَعُهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ تَأَلُّمَ غَيْرِهِ بِغِيبَتِهِ كَتَأَلُّمِهِ بِغِيبَةِ غَيْرِهِ لَهُ، فَإِذَا كَانَ لَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ أَنْ يُغْتَابَ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْضَى لِغَيْرِهِ مَا لَا يَرْضَاهُ لِنَفْسِهِ.
وَأَمَّا عِلَاجُهُ عَلَى التَّفْصِيل: فَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى السَّبَبِ الْبَاعِثِ لَهُ عَلَى الْغِيبَةِ فَيَقْطَعُهُ، فَإِنَّ عِلَاجَ كُل عِلَّةٍ إِنَّمَا يَكُونُ بِقَطْعِ سَبَبِهَا. (1)
كَفَّارَةُ الْغِيبَةِ
.
12 -
ذَكَرَ النَّوَوِيُّ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ كُل مَنِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً لَزِمَهُ الْمُبَادَرَةُ إِلَى التَّوْبَةِ مِنْهَا، وَالتَّوْبَةُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى يُشْتَرَطُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: أَنْ يُقْلِعَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ فِي الْحَال. وَإِنْ يَنْدَمَ عَلَى فِعْلِهَا، وَأَنْ يَعْزِمَ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَيْهَا، وَالتَّوْبَةُ مِنْ
(1) إحياء علوم الدين 3 / 145 - 147، ومختصر منهاج القاصدين 171 - 172.
حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ يُشْتَرَطُ فِيهَا هَذِهِ الثَّلَاثَةُ،
وَرَابِعٌ: وَهُوَ رَدُّ الظُّلَامَةِ إِلَى صَاحِبِهَا، أَوْ طَلَبُ عَفْوِهِ عَنْهَا وَالإِْبْرَاءُ مِنْهَا، فَيَجِبُ عَلَى الْمُغْتَابِ التَّوْبَةُ بِهَذِهِ الأُْمُورِ الأَْرْبَعَةِ، لأَِنَّ الْغِيبَةَ حَقُّ آدَمِيِّ، وَلَا بُدَّ مِنَ اسْتِحْلَالِهِ مَنِ اغْتَابَهُ.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَجْهَيْنِ فِي كَوْنِهِ هَل يَكْفِيهِ أَنْ يَقُول: قَدِ اغْتَبْتُك فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ، أَوْ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ مَا اغْتَابَ بِهِ؟
أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ فَإِنْ أَبْرَأَهُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِهِ لَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ أَبْرَأهُ عَنْ مَالٍ مَجْهُولٍ.
وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ لأَِنَّ هَذَا مِمَّا يُتَسَامَحُ فِيهِ، فَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِخِلَافِ الْمَال. وَالأَْوَّل أَظْهَرُ، لأَِنَّ الإِْنْسَانَ قَدْ يَسْمَحُ بِالْعَفْوِ عَنْ غِيبَةٍ دُونَ غِيبَةٍ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْغِيبَةِ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا فَقَدْ تَعَذَّرَ تَحْصِيل الْبَرَاءَةِ مِنْهَا، لَكِنْ قَال الْعُلَمَاءُ: يَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ الاِسْتِغْفَارَ لَهُ وَالدُّعَاءَ وَيُكْثِرَ مِنَ الْحَسَنَاتِ، وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ فِي الاِقْتِصَارِ عَلَى الاِسْتِغْفَارِ دُونَ الاِسْتِحْلَال. وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال: قَال رَسُول اللَّهِ: كَفَّارَةُ مَنْ
اغْتَبْته أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُ (1)، وَقَال مُجَاهِدٌ: كَفَّارَةُ أَكْلِك لَحْمَ أَخِيك أَنْ تُثْنِيَ عَلَيْهِ وَتَدْعُوَ لَهُ بِخَيْرٍ، وَصَحَّحَ الْغَزَالِيُّ قَوْل عَطَاءٍ فِي جَوَابِ مَنْ سَأَلَهُ عَنِ التَّوْبَةِ مِنَ الْغِيبَةِ، وَهُوَ: أَنْ تَمْشِيَ إِلَى صَاحِبِك، فَتَقُول لَهُ: كَذَبْت فِيمَا قُلْت وَظَلَمْتُك وَأَسَأْت، فَإِنْ شِئْت أَخَذْت بِحَقِّك، وَإِنْ شِئْت عَفَوْت.
وَأَمَّا قَوْل الْقَائِل: الْعِرْضُ لَا عِوَضَ لَهُ، فَلَا يَجِبُ الاِسْتِحْلَال مِنْهُ بِخِلَافِ الْمَال، فَكَلَامٌ ضَعِيفٌ، إِذْ قَدْ وَجَبَ فِي الْعِرْضِ حَدُّ الْقَذْفِ وَتَثْبُتُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، بَل فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَال: مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ لأَِخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْل أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَتْ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِل عَلَيْهِ (2)، وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها لاِمْرَأَةٍ قَالَتْ لأُِخْرَى إِنَّهَا طَوِيلَةُ الذَّيْل: قَدِ اغْتَبْتِيهَا
(1) حديث: " كفارة من اغتبته أن تستغفر له. . . ". عزاه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (3 / 150) إلى ابن أبي الدنيا في الصمت، والحارث ابن أبي أسامة في مسنده من حديث أنس، وضعف إسناده.
(2)
حديث: " من كان له مظلمة لأخيه. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 101) من حديث أبي هريرة.
فَاسْتَحِلِّيهَا. فَإِذَنْ لَا بُدَّ مِنَ الاِسْتِحْلَال إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ مَيِّتًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ الاِسْتِغْفَارَ وَالدُّعَاءَ وَيُكْثِرَ مِنَ الْحَسَنَاتِ. (1)
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الأَْذْكَارِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِصَاحِبِ الْغِيبَةِ أَنْ يُبْرِئَ الْمُغْتَابَ مِنْهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، لأَِنَّهُ تَبَرُّعٌ وَإِسْقَاطُ حَقٍّ، فَكَانَ إِلَى خِيرَتِهِ. وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِحْبَابًا مُؤَكَّدًا لِيُخَلِّصَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ مِنْ وَبَال هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ، وَيَفُوزَ هُوَ بِعَظِيمِ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعَفْوِ وَمَحَبَّةِ اللَّهِ سبحانه وتعالى، وَقَال: إِنَّ الصَّوَابَ هُوَ الْحَثُّ عَلَى الإِْبْرَاءِ مِنَ الْغِيبَةِ. (2)
(1) الأذكار للنووي 308 ط دار الكتاب العربي، إحياء علوم الدين 3 / 150 ط الحلبي، ومختصر منهاج القاصدين ص173، 174 نشر دار البيان.
(2)
الأذكار للنووي ص 308، 309 ط دار الكتاب العربي.
غَيْرَة
التَّعْرِيفُ
1 -
الْغَيْرَةُ فِي اللُّغَةِ: مُشْتَقَّةٌ مِنْ تَغَيُّرِ الْقَلْبِ وَهَيَجَانِ الْغَضَبِ بِسَبَبِ الْمُشَارَكَةِ فِيمَا بِهِ الاِخْتِصَاصُ، يُقَال: غَارَ الرَّجُل عَلَى امْرَأَتِهِ مِنْ فُلَانٍ، وَهِيَ عَلَيْهِ مِنْ فُلَانَةَ يَغَارُ غَيْرَةً وَغِيَارًا: أَنِفَ مِنَ الْحَمِيَّةِ وَكَرِهَ شَرِكَةَ الْغَيْرِ فِي حَقِّهِ بِهَا، أَوْ فِي حَقِّهَا بِهِ. (1)
وَاصْطِلَاحًا: لَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
2 -
الْغَيْرَةُ مِنَ الْغَرَائِزِ الْبَشَرِيَّةِ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي الإِْنْسَانِ تَبْرُزُ كُلَّمَا أَحَسَّ شَرِكَةَ الْغَيْرِ فِي حَقِّهِ بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْهُ، أَوْ يَرَى الْمُؤْمِنُ تُنْتَهَكُ حُرُمَاتُ اللَّهِ. (2) وَتَخْتَلِفُ أَحْكَامُ الْغَيْرَةِ بِاخْتِلَافِ الْمُغَارِ عَلَيْهِ.
(1) لسان العرب وتاج العروس، وفتح الباري 9 / 320.
(2)
فتح الباري 9 / 320.
الْغَيْرَةُ عَلَى حُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى:
3 -
الْغَيْرَةُ وَالْحَمِيَّةُ مِنْ هَتْكِ حُرُمَاتِ اللَّهِ مَشْرُوعَةٌ، وَالْمُؤْمِنُونَ مَأْمُورُونَ بِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِكُل مَا يَمْلِكُونَهُ، (1) فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِْيمَانِ (2) وَعَابَ اللَّهُ جَل شَأْنُهُ بَنِي إِسْرَائِيل وَلَعَنَهُمْ لأَِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَقَال عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَانِ دَاوُد وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (3) وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَة رضي الله عنها قَالَتْ: مَا انْتَقَمَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ إِلَاّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا. (4)
وَأَشَدُّ الآْدَمِيِّينَ غَيْرَةً عَلَى حُرُمَاتِ اللَّهِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لأَِنَّهُ كَانَ
(1) إحياء علوم الدين 3 / 171 ط الاستقامة بالقاهرة، وفتح الباري 9 / 320 - 321.
(2)
حديث: " من رأى منكم منكرًا. . . ". أخرجه مسلم (1 / 79) من حديث أبي سعيد الخدري.
(3)
سورة المائدة / 78 - 79.
(4)
حديث عائشة: " ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 566) ومسلم (4 / 1814)
يَغَارُ لِلَّهِ وَلِدِينِهِ.
الْغَيْرَةُ عَلَى حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ:
4 -
الْغَيْرَةُ عَلَى حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ الَّتِي أَقَرَّهَا الشَّرْعُ مَشْرُوعَةٌ، وَمِنْهَا غَيْرَةُ الرَّجُل عَلَى زَوْجَتِهِ أَوْ مَحَارِمِهِ، وَتَرْكُهَا مَذْمُومٌ. قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ لأََنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي وَفِي رِوَايَةٍ. إِنَّهُ لَغَيُورٌ، وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ. وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي. (1)
وَإِنَّمَا شُرِعَتِ الْغَيْرَةُ - لِحِفْظِ الأَْنْسَابِ - وَهُوَ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وَلَوْ تَسَامَحَ النَّاسُ بِذَلِكَ لَاخْتَلَطَتِ الأَْنْسَابُ، لِذَا قِيل: كُل أُمَّةٍ وُضِعَتِ الْغَيْرَةُ فِي رِجَالِهَا وُضِعَتِ الصِّيَانَةُ فِي نِسَائِهَا. (2)
وَاعْتَبَرَ الشَّارِعُ مَنْ قُتِل فِي سَبِيل الدِّفَاعِ عَنْ عِرْضِهِ شَهِيدًا، فَفِي الْحَدِيثِ: مَنْ قُتِل دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ (3) . وَمَنْ لَا يَغَارُ عَلَى أَهْلِهِ وَمَحَارِمِهِ يُسَمَّى
(1) حديث: " أتعجبون من غيرة سعد. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 174) ، ومسلم (2 / 1136) من حديث المغيرة بن شعبة، والرواية الأخرى لمسلم.
(2)
إحياء علوم الدين 3 / 168.
(3)
حديث: " من قتل دون أهله فهو شهيد ". أخرجه الترمذي (4 / 30) من حديث سعيد بن زيد، وقال: حديث حسن صحيح.
دَيُّوثًا " (1) وَالدِّيَاثَةُ مِنَ الرَّذَائِل الَّتِي وَرَدَ فِيهَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ يُعَدُّ مِنَ الْكَبَائِرِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ الإِْسْلَامِ، جَاءَ فِي الأَْثَرِ: ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عز وجل إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ (2)
وَغَيْرَةُ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا مَشْرُوعَةٌ أَيْضًا، لأَِنَّ الْغَيْرَةَ مِنَ الْغَرَائِزِ الْبَشَرِيَّةِ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي الإِْنْسَانِ، رَجُلاً كَانَ أَوِ امْرَأَةً. وَهِيَ فِطْرِيَّةٌ تَبْرُزُ كُلَّمَا أَحَسَّ الإِْنْسَانُ شَرِكَةَ الْغَيْرِ فِي حَقِّهِ بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْهُ، وَلَا سَبِيل إِلَى اسْتِئْصَالِهَا مِنَ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ، وَلَا خِيَارَ لِلإِْنْسَانِ فِيهَا، فَهِيَ أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ، فَلَا إِثْمَ إِنْ غَارَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ مَا لَمْ تُفْحِشْ فِي الْقَوْل وَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ طَاعَةِ زَوْجِهَا. (3) لِمَا وَرَدَ أَنَّ عَائِشَة رضي الله عنها كَانَتْ تَغَارُ مِنْ خَدِيجَةَ رضي الله عنها لِكَثْرَةِ مَا يَذْكُرُهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. (4) وَكَانَتْ سَائِرُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ يَغَرْنَ مِنْ
(1) رد المحتار 3 / 185.
(2)
حديث: " ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة. . . ". أخرجه النسائي (5 / 80) والحاكم (4 / 147) من حديث ابن عمر، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(3)
إحياء علوم الدين 3 / 180.
(4)
حديث عائشة " أنها كانت تغار من خديجة رضي الله عنهما ". أخرجه مسلم (4 / 1888) .
عَائِشَة رضي الله عنهن جَمِيعًا. (1)
5 -
أَمَّا الْغَيْرَةُ عَصَبِيَّةً وَنُصْرَةً لِلْقَبِيلَةِ عَلَى ظُلْمٍ فَهِيَ حَرَامٌ وَمَنْهِيٌّ عَنْهَا، قَال تَعَالَى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (2) وَفِي الْحَدِيثِ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ أَوْ قَاتَل عَصَبِيَّةً (3) وَقَال عليه الصلاة والسلام فِي الْغَيْرَةِ لِلْقَبِيلَةِ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ. (4)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (عَصَبِيَّةٍ)
(1) حديث " غيرة أمهات المؤمنين من عائشة رضي الله عنها ". أخرجه مسلم (4 / 1891) .
(2)
سورة المائدة / 2.
(3)
حديث: " ليس منا من دعا إلى عصبية. . . ". أخرجه أبو داود (5 / 342) من حديث جبير بن مطعم، وفي إسناده انقطاع وجهالة، كذا في مختصر السنن للمنذري (8 / 19) .
(4)
حديث: " دعوها فإنها منتنة ". أخرجها البخاري (فتح الباري 8 / 652) ومسلم (4 / 1999) من حديث جابر بن عبد الله.
غِيلَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 -
مِنْ مَعَانِي الْغِيلَةِ فِي اللُّغَةِ: الْخَدِيعَةُ. يُقَال: قُتِل فُلَانٌ غِيلَةً، أَيْ: خُدْعَةً، وَهُوَ أَنْ يَخْدَعَهُ فَيَذْهَبَ بِهِ إِلَى مَوْضِعٍ، فَإِذَا صَارَ إِلَيْهِ قَتَلَهُ.
وَالْغِيلَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: إِيصَال الشَّرِّ وَالْقَتْل إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ وَلَا يَشْعُرُ.
وَمِنْ مَعَانِي الْغِيلَةِ فِي اللُّغَةِ كَذَلِكَ: وَطْءُ الرَّجُل زَوْجَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ، وَإِرْضَاعُ الْمَرْأَةِ وَلَدَهَا وَهِيَ حَامِلٌ. (1) وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. (2)
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْغِيلَةِ مِنْ أَحْكَامٍ:
الْقَتْل غِيلَةٌ:
2 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ عُقُوبَةَ الْقَتْل الْعَمْدِ عُدْوَانًا الْقِصَاصُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْقَتْل غِيلَةً أَمْ لَمْ يَكُنْ.
(1) لسان العرب.
(2)
نيل الأوطار 7 / 13، الشرح الكبير والدسوقي 4 / 238، والموطأ 2 / 45، وشرح الموطأ للزرقاني 4 / 182.
وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ الْمَسَائِل، فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْل غِيلَةً. وَمِنْ هَذِهِ الْمَسَائِل:
أ -
قَتْل الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ:
3 -
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى الْقَوْل بِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَل بِالذِّمِّيِّ مُطْلَقًا، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل الرَّسُول صلى الله عليه وسلم لَا يُقْتَل مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ (1)، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ، وَلَا يَبْلُغُ بِحَبْسِهِ سَنَةً، وَقَال الْحَنَابِلَةُ: عَلَيْهِ الدِّيَةُ فَقَطْ. (2)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يُقْتَل الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (3) ، وَلِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَادَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ، وَقَال: أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ (4) ؛ وَلاِسْتِوَائِهِمَا فِي الْعِصْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ؛ وَلأَِنَّ عَدَمَ الْقِصَاصِ فِيهِ تَنْفِيرٌ لَهُمْ عَنْ قَبُول عَقْدِ الذِّمَّةِ. (5) وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا قَتَلَهُ غِيلَةً بِأَنْ خَدَعَهُ
(1) حديث: " لا يقتل مسلم بكافر ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 204) من حديث علي بن أبي طالب.
(2)
الأم 6 / 33، والمغني 9 / 341.
(3)
سورة المائدة / 45.
(4)
حديث جابر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم " قاد مسلمًا بذمي. . . ". أخرجه الدارقطني (3 / 135) من حديث ابن البيلماني مرسلاً، وضعف الدارقطني ابن البيلماني.
(5)
بدائع الصنائع 7 / 237.
حَتَّى ذَهَبَ بِهِ إِلَى مَوْضِعٍ فَقَتَلَهُ، يُقْتَل بِهِ سِيَاسَةً لَا قِصَاصًا، أَمَّا إِذَا لَمْ يَقْتُلْهُ غِيلَةً، فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فَقَطْ. (1)
ب -
قَتْل الْحُرِّ بِالْعَبْدِ:
4 -
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى الْقَوْل بِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُقَادُ بِالْعَبْدِ مُطْلَقًا، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{الْحُرُّ بِالْحُرِّ} (2) - وَقَالُوا: إِنَّ قَوْله تَعَالَى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (3) مُطْلَقٌ، وَهَذِهِ الآْيَةُ مُقَيِّدَةٌ: " وَبِقَوْل الرَّسُول صلى الله عليه وسلم: لَا يُقْتَل حُرٌّ بِعَبْدٍ (4) وَبِمَا رُوِيَ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: لَا يُقْتَل حُرٌّ بِعَبْدٍ؛ وَلأَِنَّ الْعَبْدَ مَنْقُوصٌ بِالرِّقِّ فَلَا يُقْتَل بِهِ الْحُرُّ. (5) وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى الْقَوْل بِأَنَّ الْحُرَّ يُقْتَل بِالْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (6) وَقَوْل الرَّسُول صلى الله عليه وسلم: الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ (7) وَلأَِنَّهُ آدَمِيٌّ مَعْصُومٌ، فَأَشْبَهَ الْحُرَّ. (8)
(1) شرح الموطأ للرزقاني 5 / 159.
(2)
سورة البقرة / 178.
(3)
سورة المائدة / 45.
(4)
حديث: " لا يقتل حر بعبد ". أخرجه البيهقي (8 / 35) من حديث ابن عباس، وضعف إسناده.
(5)
الأم 6 / 21، والمغني 9 / 348 - 349.
(6)
سورة المائدة / 45.
(7)
حديث: " المؤمنون تتكافأ دماؤهم ". أخرجه أبو داود (4 / 667) من حديث علي بن أبي طالب.
(8)
بدائع الصنائع 7 / 237.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الْحُرَّ يُقْتَل بِهِ إِلَاّ إِذَا كَانَ سَيِّدَهُ، وَاسْتَدَل بِحَدِيثِ: لَا يُقَادُ مَمْلُوكٌ مِنْ مَالِكِهِ، وَلَا وَلَدٌ مِنْ وَالِدِهِ. (1)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَا يُقْتَل الْحُرُّ بِالْعَبْدِ إِلَاّ إِذَا كَانَ الْقَتْل غِيلَةً، فَيُقْتَل حِينَئِذٍ بِهِ، وَأَنَّ الْقَتْل لِلْفَسَادِ لَا لِلْقِصَاصِ. (2)
ح -
قَتْل الْوَالِدِ بِالْوَلَدِ:
5 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى الْقَوْل: بِأَنَّ الأَْبَ لَا يُقْتَل مُطْلَقًا إِذَا قَتَل ابْنَهُ، (3) وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل الرَّسُول صلى الله عليه وسلم: لَا يُقَادُ الأَْبُ مِنَ ابْنِهِ. (4)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَا يُقَادُ الأَْبُ بِالاِبْنِ إِلَاّ أَنْ يُضْجِعَهُ فَيَذْبَحَهُ، فَأَمَّا إِذَا حَذَفَهُ بِسَيْفٍ أَوْ عَصًا فَقَتَلَهُ لَمْ يُقْتَل. وَكَذَلِكَ الْجَدُّ مَعَ حَفِيدِهِ. (5)
(1) سبل السلام 3 / 233. وحديث: " لا يقاد مملوك من مالكه. . . ". أخرجه ابن عدي في الكامل (5 / 1713) من حديث عمر بن الخطاب، وأسند عن البخاري أنه قال في أحد رواته: منكر الحديث.
(2)
الخرشي على مختصر خليل 8 / 3.
(3)
بدائع الصنائع 7 / 235، والأم 6 / 29، والمغني 9 / 359.
(4)
حديث: " لا يقاد الأب من ابنه ". أخرجه البيهقي في المعرفة (12 / 40) من حديث عمر بن الخطاب، وصحح إسناده.
(5)
الدسوقي 4 / 238.
د -
الْعَفْوُ عَنِ الْقَاتِل غِيلَةً:
6 -
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ خِلَافًا لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَوْ عَفَا وَلِيُّ الْمَقْتُول غِيلَةً عَنِ الْقَاتِل، فَإِنَّ عَفْوَهُ لَا يُسْقِطُ عُقُوبَةَ الْقَتْل؛ لأَِنَّ الْحَقَّ لَيْسَ لَهُ، وَإِنَّمَا لِلَّهِ سبحانه وتعالى، وَيُعْتَبَرُ الْقَتْل غِيلَةً حِرَابَةً فِي حَالَةِ مَا إِذَا كَانَ الْقَاتِل ظَاهِرًا عَلَى وَجْهٍ يُتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ. (1)
حُكْمُ الْغِيلَةِ بِالإِْرْضَاعِ أَوِ الْوَطْءِ:
7 -
كَانَ الْعَرَبُ يَكْرَهُونَ وَطْءَ الْمَرْأَةِ الْمُرْضِعِ. وَإِرْضَاعَ الْمَرْأَةِ الْحَامِل وَلَدَهَا، وَيَتَّقُونَهُ لأَِنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى فَسَادِ اللَّبَنِ، فَيُصْبِحُ دَاءً، فَيَفْسُدُ بِهِ جِسْمُ الصَّبِيِّ وَيَضْعُفُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا حَقًّا لَنَهَى عَنْهُ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم. قَال صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ، فَنَظَرْت فِي الرُّومِ وَفَارِسَ، فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلَادَهُمْ. فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا (2) وَمَعْنَى هَذَا: لَوْ كَانَ الْجِمَاعُ حَال الرَّضَاعِ، أَوِ الإِْرْضَاعُ حَال الْحَمْل مُضِرًّا.
(1) الدسوقي 4 / 238.
(2)
حديث: " لقد هممت أن أنهي عن الغيلة. . . ". أخرجه مسلم (2 / 1067) من حديث جدامة بنت وهب الأسدية.
لَضَرَّ أَوْلَادَ الرُّومِ وَفَارِسٍ، لأَِنَّهُمْ كَانُوا يَصْنَعُونَ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الأَْطِبَّاءِ عِنْدَهُمْ، فَلَوْ كَانَ مُضِرًّا لَمَنَعُوهُمْ مِنْهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم.
وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: إِنِّي أَعْزِل عَنِ امْرَأَتِي، فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِمَ تَفْعَل ذَلِكَ؟ فَقَال: أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا، أَوْ عَلَى أَوْلَادِهَا. فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًّا ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ (1) وَقَال الْفُقَهَاءُ اسْتِنَادًا إِلَى حَدِيثِ: لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ. . .، وَحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ بِجَوَازِ وَطْءِ الْمَرْأَةِ الْمُرْضِعِ وَإِرْضَاعِ الْمَرْأَةِ الْحَامِل؛ لأَِنَّهُ لَا ضَرَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ لَنَهَى عَنْهُ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم إِرْشَادًا. لأَِنَّهُ رَءُوفٌ بِالْمُؤْمِنِينَ.
وَقَال الأَْبِيُّ: وَالْغِيلَةُ وَطْءُ الْمَرْأَةِ الْمُرْضِعِ. وَتَجُوزُ الْغِيلَةُ، وَهِيَ إِرْضَاعُ الْحَامِل، وَتَرْكُهَا أَوْلَى إِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَرَضُ الرَّضِيعِ، وَإِلَاّ مُنِعَتْ. (2)
(1) حديث سعد بن أبي وقاص: أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . ". أخرجه مسلم (2 / 1067) .
(2)
جواهر الإكليل 1 / 402.
أ
الآجري: هو محمد بن الحسين:
تقدمت ترجمته في ج 19 ص 305.
إبراهيم النخعي: هو إبراهيم بن يزيد:
تقدمت ترجمته في ج 1 ص 325.
ابن أبي زيد القيرواني: هو عبد الله بن عبد الرحمن:
تقدمت ترجمته في ج1 ص 325.
ابن أبي ليلى: هو محمد بن عبد الرحمن:
تقدمت ترجمته في ج1 ص 325.
ابن الأثير: هو المبارك بن محمد:
تقدمت ترجمته في ج 2 ص 398.
ابن بزيزة (606 - 663)
هو عبد العزيز إبراهيم بن أحمد،
أبو محمد، القرشي، التميمي، التونسي، المالكي، المعروف بابن بزيزة. فقيه، مفسر، صوفي. وهو من أئمة المذهب المعتمد عليهم، اعتمد عليه خليل في التشهير. تفقه بأبي عبد الله الدعيني السويسي وأبي محمد البرجيني وغيرهما. من تصانيفه:" الإسعاد في شرح الإرشاد "، و " شرح الأحكام الصغرى "، و " تفسير القرآن " جمع فيه بين تفسيري ابن عطية والزمخشري. [شجرة النور الزكية ص190، ونيل الابتهاج ص 178، ومعجم المؤلفين 5 / 239] .
ابن بشير: هو إبراهيم بن عبد الصمد:
تقدمت ترجمته في ج7 ص 329.
ابن بطال: هو علي بن خلف:
تقدمت ترجمته في ج1 ص326.
ابن تيمية (تقي الدين) : هو أحمد بن عبد الحليم:
تقدمت ترجمته في ج1 ص326.
ابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز:
تقدمت ترجمته في ج1 ص326.
ابن جرير الطبري: هو محمد بن جرير:
تقدمت ترجمته في ج2 ص421.
ابن جزي: هو محمد بن أحمد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص327.
ابن الجلاب (؟ - 387ه
ـ)
هو عبيد الله بن الحسن بن الجلاب، أبو القاسم، فقيه، أصولي حافظ، تفقه بأبي بكر الأبهري وغيره، وتفقه به القاضي عبد الوهاب وغيره من الأئمة، وكان أفقه المالكية في زمانه بعد الأبهري وما خلف ببغداد في المذهب مثله، وسماه بعض العلماء بالقاضي عياض. من تصانيفه:" كتاب مسائل الخلاف "، و " كتاب التفريع في المذهب "[شجرة النور الزكية ص92، وسير أعلام النبلاء 16 / 383، والعبر 3، وشذرات الذهب 3 / 93، نجوم الزاهرة 4 / 154] .
ابن الحاجب: هو عثمان بن عمر:
تقدمت ترجمته في ج1 ص327.
ابن حبيب: هو عبد الملك بن حبيب:
تقدمت ترجمته في ج1ص327.
ابن حجر العسقلاني: هو أحمد بن علي:
تقدمت ترجمته في ج2 ص399.
ابن حجر المكي: هو أحمد بن حجر الهيتمي:
تقدمت ترجمته في ج1 ص327.
ابن دقيق العيد: هو محمد بن علي:
تقدمت ترجمته في ج4 ص319.
ابن رجب: هو عبد الرحمن بن أحمد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص 328.
ابن رشد: هو محمد بن أحمد (الجد) :
تقدمت ترجمته في ج1 ص328.
ابن رشد: هو محمد بن أحمد (الحفيد) :
تقدمت ترجمته في ج1 ص 328.
ابن السبكي: هو عبد الوهاب بن علي:
تقدمت ترجمته في ج1 ص353.
ابن سريج: هو أحمد بن عمر:
تقدمت ترجمته في ج1 ص329.
ابن سماعة: هو محمد بن سماعة التميمي:
تقدمت ترجمته في ج3 ص341.
ابن سيرين: هو محمد في سيرين:
تقدمت ترجمته في ج1 ص329.
ابن شبرمة: هو عبد الله بن شبرمة:
تقدمت ترجمته في ج2 ص400.
ابن عابدين: هو محمد أمين بن عمر:
تقدمت ترجمته في ج1 ص330.
ابن عباس: هو عبد الله بن عباس:
تقدمت ترجمته في ج1 ص330.
ابن عبد البر: هو يوسف بن عبد الله:
تقدمت ترجمته في ج2 ص400.
ابن عبد الحكم: هو محمد بن عبد الله:
تقدمت ترجمته في ج 3 ص342.
ابن عبد السلام: هو محمد بن عبد السلام:
تقدمت ترجمته في ج1 ص331.
ابن العربي: هو محمد بن عبد الله:
تقدمت ترجمته في ج1 ص331.
ابن عرفة: هو محمد بن محمد بن عرفة:
تقدمت ترجمته في ج1 ص331.
ابن عقيل: هو علي بن عقيل:
تقدمت ترجمته في ج2 ص401.
ابن عمر: هو عبد الله بن عمر:
تقدمت ترجمته في ج1 ص331.
ابن عيينة: هو سفيان بن عيينة:
تقدمت ترجمته في ج7 ص330.
ابن فرحون: هو إبراهيم بن علي:
تقدمت ترجمته في ج1 ص332.
ابن قاسم العبادي: هو أحمد بن قاسم:
تقدمت ترجمته في ج1 ص332.
ابن القاسم: هو محمد بن قاسم:
تقدمت ترجمته في ج1 ص332.
ابن قدامة: هو عبد الله بن أحمد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص333 0
ابن القصار: هو علي بن أحمد:
تقدمت ترجمته في ج8 ص278 0
ابن قيم الجوزية: هو محمد بن أبي بكر:
تقدمت ترجمته في ج1 ص 333 0
ابن كثير: هو إسماعيل بن عمر:
تقدمت ترجمته في ج7 ص330 0
ابن كثير: هو محمد بن إسماعيل:
تقدمت ترجمته في ج4 ص320 0
ابن الماجشون: هو عبد الملك بن عبد العزيز:
تقدمت ترجمته في ج1 ص333 0
ابن ماجه: هو محمد بن يزيد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص334 0
ابن محرز (؟ - 450ه
ـ)
هو عبد الرحمن بن محرز، أبو القاسم،
القيرواني، فقيه مالكي، محدث، عالم، رحل للمشرق وسمع من مشائخ جلة وأخذ عنهم. تفقه بأبي بكر بن عبد الرحمن وأبي عمران وأبي حفص العطار، وبه تفقه أبو الحسن اللخمي وعبد الحميد الصايغ وغيرهما. من تصانيفه:" التبصرة " تعليق على المدونة، و " القصد والإيجاز "[شجرة النور الزكية 110، والشرح الصغير 4/ 848] 0
ابن مسعود: هو عبد الله بن مسعود:
تقدمت ترجمته في ج1 ص360 0
ابن مفلح: هو محمد بن مفلح:
تقدمت ترجمته في ج4 ص321 0
ابن المنذر: هو محمد بن إبراهيم:
تقدمت ترجمته في ج1 ص 334 0
ابن المنكدر: (54 - 130 ه
ـ)
هو محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير، أبو بكر، القرشي، التميمي. أحد الأئمة الأعلام، زاهد، من رجال الحديث، أدرك بعض الصحابة وروى عنه: له نحو مائتي حديث، قال ابن عيينة: ابن
المنكدر من معادن الصدق ويجتمع إليه الصالحون ولم يدرك أحد أجدر أن يقبل الناس منه. قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة. [تهذيب التهذيب 9 / 473 - 475، والأعلام 7/ 333] 0
ابن المواز: هو محمد بن إبراهيم:
تقدمت ترجمته في ج2 ص402 0
ابن ناجي: هو قاسم بن عيسى:
تقدمت ترجمته في ج6 ص341 0
ابن نافع: هو عبد الله بن نافع:
تقدمت ترجمته في ج3 ص345 0
ابن نجيم: هو عمر بن إبراهيم:
تقدمت ترجمته في ج1 ص334 0
ابن نجيم: هو زين الدين بن إبراهيم:
تقدمت ترجمته في ج1 ص334 0
ابن هبيرة: هو يحيى بن محمد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص335 0
ابن الهمام: هو محمد بن عبد الواحد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص335 0
ابن وهب: هو عبد الله بن وهب االمالكي:
تقدمت ترجمته في ج1 ص335 0
ابن يونس: هو أحمد بن يونس:
تقدمت ترجمته في ج10 ص315 0
أبو إسحاق المروزي: هو إبراهيم بن أحمد:
تقدمت ترجمته في ج2 ص421 0
أبو أيوب الأنصاري: هو خالد بن زيد:
تقدمت ترجمته في ج6 ص345 0
أبو بكر الجصاص: هو أحمد بن علي:
تقدمت ترجمته في ج1 ص345 0
أبو بكر الصديق:
تقدمت ترجمته في ج1 ص336 0
أبو بكر عبد العزيز بن جعفر:
تقدمت ترجمته في ج1 ص 336 0
أبو ثور هو إبراهيم بن خالد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص336 0
أبو جعفر بن رزق (390 - 477ه
ـ)
هو أحمد بن محمد بن رزق، أبو جعفر، الأموي، القرطبي، فقيه مالكي، حافظ، قال ابن فرحون: هو قرطبي جليل من أهل الفقه والمسائل، تفقه بابن القطان وانتفع به وبغيره من شيوخ قرطبة وولي الشورى بقرطبة، وكان حافظا ذاكرا تفقه عليه القرطبيون وخرج به جماعة جلة كأبي الوليد بن رشد وصاحبه أبي القاسم: أصبغ بن محمد وأبي الوليد هشام بن أحمد وغيرهم، وله تآليف حسنة. [شجرة النور الزكية 121، والديباج المذهب 40] 0
أبو حامد الإسفراييني: هو أحمد بن محمد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص340 0
أبو الحسن الكرخي (260 - 340ه
ـ)
هو عبيد الله بن الحسين بن دلال، أبو الحسن الكرخي، البغدادي، فقيه، انتهت إليه رياسة الحنفية بالعراق، وانتشرت تلامذته في البلاد ومن كبار تلامذته أبو بكر الرازي. من تصانيفه:" رسالة في الأصول "
وعليها مدار فروع الحنفية، و " شرح الجامع الصغير "، و " شرح الجامع الكبير "[الفوائد البهية 107، وسير أعلام النبلاء 15 / 426، والأعلام 4 / 40247، والجواهر المضية 1 / 40237، وشذرات الذهب 2/ 358] 0
أبو الحسن المنوفي (857 - 939 ه
ـ)
علي بن محمد بن محمد بن محمد بن خلف المنوفي المصري، نور الدين، أبو الحسن المعروف بالشاذلي، فقيه مالكي، إمام جليل عالم عامل صالح أخذ عن النور السنهوري وبه تفقه، وعمر التتائي والسيوطي وجماعة، وصنف التصانيف النافعة منها: عمدة السالك إلى مذهب مالك ومختصرها، وتحفة المصلي وشرحها، وستة شروح على الرسالة منها كفاية الطالب الرباني. [نيل الابتهاج 212، والأعلام 5 / 164، معجم المؤلفين 7، والشرح الصغير 4 / 876] 0
أبو حنيفة: هو النعمان بن ثابت:
تقدمت ترجمته في ج1 ص336 0
أبو الخطاب: هو محفوظ بن أحمد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص337 0
أبو الدرداء: هو عويمر بن مالك:
تقدمت ترجمته في ج3 ص346 0
أبو ذر: هو جندب بن جنادة:
تقدمت ترجمته في ج2 ص403 0
أبو سعيد الخدري: هو سعد بن مالك:
تقدمت ترجمته في ج1 ص337 0
أبو سعيد بن المعلى (؟ - 73 ه
ـ)
هو أبو سعيد بن المعلى، الأنصاري المدني، له صحبة، يقال: اسمه رافع بن أوس المعلى، وقيل: الحارث بن أوس بن المعلى، وقيل: غير ذلك. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه حفص بن عاصم وعبيد بن حنين، روى له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه. [تهذيب التهذيب 12 / 107 - 108، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال 33 / 40249] 0
أبو العالية: هو رفيع في مهران:
تقدمت ترجمته في ج6 ص343 0
أبو عبيد: هو القاسم بن سلام:
تقدمت ترجمته في ج1 ص337 0
أبو عمر المالكي (395 - 460 ه
ـ)
هو أحمد بن محمد بن عيسى بن هلال، أبو عمر، القطان، القرطبي، فقيه، حافظ، شيخ المالكية، دارت عليه الفتوى، والشورى مع ابن عتاب، تفقه بابن دحون وابن الشقاق وغيرهما، تفقه به القرطبيون منهم أبو مالك موسى بن الطلاع وابن حمديس وابن رزق وغيرهم. قال ابن حبان: كان أبو عمر القطان أحفظ الناس " للمدونة " و " المستخرجة " وأبصر أصحابه بطرق الفتيا والرأي. [شجرة النور الزكية 119، وسير أعلام النبلاء 18 / 40205 - 306، والنجوم الزاهرة 5/ 82، وشذرات الذهب 3/ 308] 0
أبو الفتح المطرزي (538 - 610 ه
ـ)
هو ناصر بن عبد السيد أبي المكارم بن علي، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المطرزي، أديب، عالم باللغة، من فقهاء الحنفية، قرأ ببلده على أبيه عبد السيد وعلى أبي المؤيد الموفق بن أحمد بن محمد المكي خطيب خوارزم وتفقه على
النعالي. من تصانيفه: " الإيضاح " في شرح مقامات الحريري، و " المغرب في ترتيب المعرب "، و " الإقناع بما حوى تحت القناع "[الفوائد البهية 218، والجواهر المضيئة 2 / 190، والأعلام 8 / 40211] 0
أبو قلابة: هو عبد الله بن زيد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص338 0
أبو موسى الأشعري: هو عبد الله بن قيس:
تقدمت ترجمته في ج1 ص338 0
أبو هريرة: هو عبد الرحمن بن صخر:
تقدمت ترجمته في ج1 ص339 0
أبو يعلى: هو محمد بن الحسين:
تقدمت ترجمته في ج1 ص 364 0
أبو يعلى القاضي:
تقدمت ترجمته في ج1 ص364 0
أبو يوسف: هو يعقوب بن إبراهيم:
تقدمت ترجمته في ج1 ص339 0
أبي بن كعب:
تقدمت ترجمته في ج3 ص339 0
الأبي المالكي: هو محمد بن خليفة:
تقدمت ترجمته في ج8 ص280 0
أحمد بن حنبل:
تقدمت ترجمته في ج1 ص339 0
الأذرعي: هو أحمد بن حمدان:
تقدمت ترجمته في ج1 ص340 0
الأزهري: هو محمد بن أحمد الأزهري:
تقدمت ترجمته في ج1 ص340 0
إسحاق بن راهويه:
تقدمت ترجمته في ج1 ص340 0
أشهب: هو أشهب بن عبد العزيز:
تقدمت ترجمته في ج1 ص341 0
أصبغ: هو أصبغ بن الفرج:
تقدمت ترجمته في ج1 ص 341 0
الأصبهاني: هو الحسين بن محمد:
تقدمت ترجمته في ج6 ص 347 0
إمام الحرمين: هو عبد الملك بن عبد الله:
تقدمت ترجمته في ج3 ص350 0
أم سلمة: هي هند بنت أبي أمية:
تقدمت ترجمتها في ج1 ص341 0
أم سليم
(؟ -؟)
هي أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب الأنصارية، واختلف في اسمها، فقيل: سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: رميثة، وهي أم أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشتهرت بكنيتها، تزوجت مالك بن النضر في الجاهلية فولدت أنسا في الجاهلية وأسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار، فغضب مالك وخرج إلى الشام فمات بها، فتزوجت بعده أبا طلحة. وعن أنس بن مالك قال: خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: إني قد آمنت بهذا الرجل، وشهدت بأنه رسول الله، فإن تابعتني تزوجتك، قال: فأنا على ما أنت عليه، فتزوجته أم سليم، وكان صداقها الإسلام. وروت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث، روى عنها ابنها أنس وابن عباس وزيد بن ثابت وغيرهم. [الإصابة 8/ 227، والاستيعاب 4 / 1940، وطبقات ابن سعد 8 / 40211، وتهذيب التهذيب 12 / 471] 0
أنس
ب
ن مالك:
تقدمت ترجمته في ج2 ص402 0
الأوزاعي: هو عبد الرحمن بن عمرو:
تقدمت ترجمته في ج1 ص341 0
ب
البابرتي: هو محمد بن محمد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص342 0
الباجي: هو سليمان بن خلف:
تقدمت ترجمته في ج1 ص342 0
البخاري: هو محمد بن إسماعيل:
تقدمت ترجمته في ج1 ص343 0
البراء بن عازب:
تقدمت ترجمته في ج6 ص345 0
البرزلي: هو أبو القاسم بن أحمد بن محمد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص343 0
البغوي: هو الحسين بن مسعود:
ت
قدمت ترجمته في ج1 ص343 0
البناني: هو محمد بن الحسن:
تقدمت ترجمته في ج3 ص352 0
بهز بن حكيم:
تقدمت ترجمته في ج3 ص352 0
البهوتي: هو منصور بن يونس:
تقدمت ترجمته في ج1 ص344 0
البيضاوي: هو عبد الله بن عمر:
تقدمت ترجمته في ج10 ص319 0
البيهقي: هو أحمد بن الحسين:
تقدمت ترجمته في ج2 ص 407 0
ت
الترمذي: هو محمد بن عيسى:
تقدمت ترجمته في ج1 ص344 0
تقي الدين: هو أحمد بن عبد الحليم بن تيمية:
تقدمت ترجمته في ج1 ص326 0
التمرتاشي: هو محمد بن صالح:
تقدمت تر
ج
مته في ج3 ص352 0
ث
الثوري: هو سفيان بن سعيد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص345 0
ج
جابر بن زيد:
تقدمت ترجمته في ج2 ص408 0
جابر بن سمرة:
تقدمت ترجمته في ج11 ص374 0
جابر بن عبد الله:
تقدمت ترجمته في ج1 ص345 0
جبير بن مطعم:
تقدمت ترجمته في ج3 ص353 0
الجرجاني: هو علي بن م
ح
مد:
تقدمت ترجمته في ج4 ص326 0
جرهد (؟ - 61 ه
ـ)
هو جرهد بن خويلد بن بجرة، أبو عبد الرحمن، الأسلمي، له صحبة، وهو من أهل المدينة، ورويت عنه أحاديث منها حديثه المشهور في أن الفخذ عورة، قال ابن أبي حاتم والطبراني في المعجم، وغيرهما: كان من أهل الصفة، وقال ابن يونس: غزا أفريقية وكان شهد الحديبية. [الإصابة 1 / 231، وأسد الغابة 1 / 40231، والاستيعاب 1 / 270، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال 4 / 253، وتهذيب التهذيب 2 / 69]
الجصاص: هو أحمد بن علي:
تقدمت ترجمته في ج1 ص345 0
الجويني: هو عبد الله بن يوسف:
تقدمت ترجمته في ج1 ص345 0
ح
الحسن البصري: هو الحسن بن يسار:
تقدمت ترجمته في ج1 ص346 0
الحسن بن زياد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص347 0
الحصكفي: هو محمد بن علي:
تقدمت ترجمته في ج1 ص347 0
الحطاب: هو محمد بن محمد بن عبد الرحمن:
تقدمت ترجمته في ج1 ص347 0
الحكم: هو الحكم بن عتيبة:
تقدمت ترجمته في ج2 ص410 0
حكيم بن حزام:
تقدمت ترجمته في ج3 ص354 0
الحلبي: هو إبراهيم بن محمد الحلبي:
تقدمت ترجمته في ج3 ص351 0
حوشب
(؟ -؟)
هو حوشب بن عقيل، أبو دحية، البصري، من طبقة كبار أتباع التابعين، روى عن أبيه وأبي عمران الجوفي وقتادة الحسن وبكر بن عبد الله وغيرهم، وعنه وكيع وابن مهدي وزيد بن الحباب وأبو داود الطيالسي وسليمان بن الحرب وغيرهم، قال ابن سعد: كان حوشب عندي
أثبت من جهير بن يزيد وقال عبد الله بن أحمد: كان ثقة من الثقات، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن معين وأبو داود والنسائي: ثقة. [تهذيب التهذيب 3، وتقريب التهذيب 1 / 207، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال 7 / 464، وطبقات ابن سعد 7 / 270، وميزان الاعتدال 1 / 622]
خ
الخرشي: هو محمد بن عبد الله:
تقدمت ترجمته في ج1 ص348 0
الخرقي: هو عمر بن الحسين:
تقدمت ترجمته في ج1 ص 348 0
الخصاف: هو أحمد بن عمرو:
تقدمت ترجمته في ج1 ص348 0
الخطابي: هو حمد بن محمد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص349 0
الخلال: هو أحمد بن محمد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص349 0
خليل: هو خليل بن إسحاق:
تق
د
مت ت
ر
جمته في ج1 ص349 0
د
الدردير: هو أحمد بن محمد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص350 0
الدسوقي: هو محمد بن أحمد الدسوقي:
تقدمت ترجمته في ج1 ص350 0
ذ
الذهبي: هو محمد بن أحمد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص351 0
ر
الراغب: هو الحسين بن محمد:
تقدمت ترجمته في ج6 ص347 0
الرافعي: هو عبد الكريم بن محمد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص351 0
ربيعة الرأي: هو ربيعة بن فروخ:
تقدمت ترجمته في ج1 ص351 0
ز
الزرقاني: هو عبد الباقي بن يوسف:
تقدمت ترجمته في ج1 ص352 0
الزركشي: هو محمد بن بهادر:
تقدمت ترجمته في ج2 ص412 0
زروق: هو أحمد بن أحمد:
تقدمت ترجمته في ج17 ص341 0
زفر: هو زفر بن الهذيل:
تقدمت ترجمته في ج1 ص353 0
زكريا الأنصاري: هو زكريا بن محمد الأنصاري:
تقدمت ترجمته في ج1 ص353 0
الزهري: هو محمد بن مسلم:
تقدمت ترجمته في ج1 / 40253 0
زيد بن ثابت:
تقدمت ترجمته في ج1 ص353 0
الزيلعي: هو عثمان بن علي:
تقدمت ترجمته في ج1 ص353 0
س
سالم بن عبد الله:
تقدمت ترجمته في ج1 ص353 0
السبكي: هو علي بن عبد الكافي:
تقدمت ترجمته في ج1 ص354 0
سحنون: هو عبد السلام بن سعيد:
تقدمت ترجمته في ج2 ص412 0
السرخسي: هو محمد بن محمد:
تقدمت ترجمته في ج2 ص413 0
سعد بن أبي وقاص:
تقدمت ترجمته في ج1 ص354 0
سعيد بن جبير:
تقدمت ترجمته في ج1 ص354 0
سعيد بن المسيب:
تقدمت ترجمته في ج1 ص354 0
سفيان بن عيينة:
تقدمت ترجمته في ج7 ص330 0
سفيان بن وهب (؟ - 91 هـ)
السمعاني (466 - 510 ه
ـ)
هو محمد بن منصور بن عبد الجبار بن أحمد، أبو بكر، التميمي، السمعاني، المروزي، فقيه، محدث، حافظ، مؤرخ من الوعاظ المبرزين، له علم بالتاريخ والأنساب، مشارك في أشتات من العلوم، سمع والده أبا المظفر وعبد الواحد بن أبي القاسم وأسعد بن مسعود العتبي وغيرهم، روى عنه أبو الفتوح الطائي وغيره. ذكره عبد الغافر في السياق وقال فيه: الإمام بن الإمام بن الإمام شاب نشأ في عبادة الله وفي التحصيل من صباه إلى أن أرضى أباه. من تصانيفه: " الأمالي " في الوعظ [طبقات السبكي 4 / 186، والأعلام 7/ 332، ومعجم المؤلفين 12/ 52] 0
السيوطي: هو عبد الرحمن بن أبي بكر:
تقدمت ترجمته في ج1 ص355 0
ش
الشاشي:
انظر: القفال 0 تقدمت ترجمة القفال (محمد بن أحمد) والقفال (محمد بن علي) في ج1 ص365 0
الشافعي: هو محمد بن إدريس:
تقدمت ترجمته في ج1 ص355 0
الشبراملسي: هو علي بن علي:
تقدمت ترجمته في ج1 ص355 0
الشربيني: هو محمد بن أحمد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص356 0
شريح: هو شريح بن الحارث:
تقدمت ترجمته في ج1 ص356 0
الشعبي: هو عامر بن شراحيل:
تقدمت ترجمته في ج1 ص356 0
الشوكاني: هو محمد بن علي:
تقدمت ترجمته في ج2
ص
414 0
الشيخان:
تقدم بيان المراد بهذا اللفظ في ج1 ص357 0
الشيرازي: هو إبراهيم بن علي:
تقدمت ترجمته في ج2 ص414 0
ص
صاحب الإنصاف: هو علي بن سليمان المرداوي:
تقدمت ترجمته في ج1 ص370 0
صاحب البدائع: هو أبو بكر بن مسعود:
تقدمت ترجمته في ج1 ص366 0
صاحب البحر الرائق: هو زين الدين بن إبراهيم:
تقدمت ترجمته في ج1 ص334 0
صاحب تنوير الأبصار: هو محمد أمين بن عمر:
تقدمت ترجمته في ج1 ص330 0
صاحب تهذيب الفروق: هو محمد علي بن حسين:
تقدمت ترجمته في ج10 ص332 0
صاحب الحاوي: هو علي بن محمد الماوردي:
تقدمت ترجمته في ج1 ص369 0
صاحب الدر المختار: هو محمد بن علي:
تقدمت ترجمته في ج1 ص347 0
صاحب القنية: هو مختار بن محمد الزاهدي:
تقدمت ترجمته في ج19 ص314 0
صاحب المغرب: هو ناصر بن عبد السيد:
ر: أبو الفتح المطرزي
صاحب المغني: هو عبد الله بن أحمد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص333 0
صاحب نهاية المحتاج: الرملي:
ر: هو محمد بن أحمد تقدمت ترجمته في ج1 ص352 0
الصاحبان:
تقدم بيان المراد بهذا اللفظ في ج1 ص357 0
صدر الإسلام:
تقدم بيان المراد بهذا اللفظ في ج3 ص360 0
ط
طاوس بن كيسان:
تقدمت ترجمته في ج1 ص358 0
الطحاوي: هو أحمد بن محمد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص358 0
الطحطاوي: هو أحمد بن محمد:
تقدمت ترجمته في ج1 ص358 0
ع
عائشة:
تقدمت ترجمتها في ج1 ص359 0
عبد الله بن أحمد بن حنبل:
تقدمت ترجمته في ج 3 / 40263 0
عبد الله بن عمرو:
تقدمت ترجمته في ج1 ص331 0
عبد الله في مغفل (؟ - 60 ه
ـ)
هو عبد الله بن مغفل بن عبد غنم بن عفيف، أبو سعيد، وقيل: أبو عبد الرحمن المزني، صاحب جليل من أهل بيعة الرضوان. قال الحسن البصري: كان عبد الله بن مغفل أحد العشرة الذين بعثهم إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يفقهون الناس. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعثمان بن عفان وعبد الله بن سالم رضي الله عنهم أحاديث، روى عنه الحسن البصري، وأبو العالية وغيرهما.