الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُفَاخِرًا مُرَائِيًا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ (1)
وَيَحْرُمُ طَلَبُ الْغِنَى إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ إِلَيْهِ حَرَامًا كَالرِّبَا وَالرِّشْوَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَال ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلَاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (2) الاِسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، كَأَنَّهُ يَقُول: لَا تَتَعَاطَوُا الأَْسْبَابَ الْمُحَرَّمَةَ فِي اكْتِسَابِ الأَْمْوَال (3) .
الْغِنَى الْمَحْمُودُ وَفَضْلُهُ:
يَكُونُ الْغِنَى مَحْمُودًا إِذَا تَحَقَّقَ فِيهِ مَا يَأْتِي:
7 -
أَوَّلاً: أَنْ تَكُونَ السُّبُل الْمُؤَدِّيَةُ إِلَى كَسْبِ الْمَال مَشْرُوعَةً وَجَائِزَةً، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى يَدْعُو إِلَى الْكَسْبِ الْحَلَال الطَّيِّبِ، يَقُول اللَّهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَْرْضِ حَلَالاً طَيِّبًا} (4)، يَقُول الْقُرْطُبِيُّ: وَذَلِكَ بِخُلُوِّهِ مِنَ الرِّبَا وَالْحَرَامِ وَالسُّحْتِ (5) . وَيَقُول النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
(1) حديث: " من طلب الدنيا حلالاً مكاثرًا. . . ". أخرجه أبو نعيم في الحلية (3 / 110) من حديث أبي هريرة، وضعف إسناده العراقي (3 / 217 - بهامش الإحياء) .
(2)
سورة النساء / 29.
(3)
مختصر تفسير ابن كثير 1 / 378.
(4)
سورة البقرة / 168.
(5)
القرطبي 2 / 8.
: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَل إِلَاّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَال:{يَا أَيُّهَا الرُّسُل كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (1)، وَقَال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (2)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُل يُطِيل السَّفَرَ أَشْعَث أَغْبَر يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ (3)
وَنَهَى اللَّهُ سبحانه وتعالى عَنْ أَكْل أَمْوَال النَّاسِ بِالْبَاطِل، فَقَال عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلَاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} . (4)
وَالْبَاطِل يَشْمَل مَا كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ، كَالْغِشِّ وَالرِّشْوَةِ وَالْغَصْبِ وَالْقِمَارِ وَالاِسْتِغْلَال وَالرِّبَا، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ. وَيَقُول الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى
(1) سورة المؤمنون / 51.
(2)
سورة البقرة / 172.
(3)
القرطبي 2 / 215، ومختصر تفسير ابن كثير 1 / 149، 150، وِأسهل المدارك 3 / 346. وحديث:" أيها الناس، إن الله طيب. . . ". أخرجه مسلم (2 / 703) من حديث أبي هريرة.
(4)
سورة النساء / 29.
الْحُكَّامِ} (1) : يَدْخُل فِي هَذَا الْقِمَارُ وَالْخِدَاعُ وَالْغُصُوبُ وَجَحْدُ الْحُقُوقِ وَمَا لَا تَطِيبُ بِهِ نَفْسُ مَالِكِهِ (2) .
8 -
ثَانِيًا: مِمَّا يَجْعَل الْغِنَى مَحْمُودًا أَنْ يُؤَدِّيَ شُكْرَ اللَّهِ فِي هَذِهِ النِّعْمَةِ، وَشُكْرُ اللَّهِ فِي النِّعْمَةِ كَمَا يَقُول الْفُقَهَاءُ هُوَ: صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِ إِلَى مَا خُلِقَ لأَِجْلِهِ (3) . وَقَال الْحَلِيمِيُّ: شُكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ وَاجِبٌ شَرْعًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ (4) . قَال تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} (5)، وَقَال تَعَالَى:{كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} (6)
وَفِي الآْدَابِ الشَّرْعِيَّةِ لاِبْنِ مُفْلِحٍ: الشُّكْرُ زِينَةُ الْغِنَى، وَالْعَفَافُ زِينَةُ الْفَقْرِ (7) ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِإِنْفَاقِ الْمَال فِي الأُْمُورِ الْمَشْرُوعَةِ، وَعَدَمِ إِنْفَاقِهِ فِيمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ، يَقُول ابْنُ جُزَيٍّ: الْحُقُوقُ فِي الْغِنَى هِيَ: أَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ، وَالتَّطَوُّعُ بِالْمَنْدُوبَاتِ، وَالشُّكْرُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَعَدَمُ الطُّغْيَانِ
(1) سورة البقرة / 188.
(2)
القرطبي 2 / 338.
(3)
مغني المحتاج 1 / 4، 5، والحطاب 1 / 5.
(4)
المنهاج في شعب الإيمان 2 / 545، 555.
(5)
سورة البقرة / 152.
(6)
سورة سبأ / 15.
(7)
الآداب الشرعية 3 / 325.
بِالْمَال (1) . وَيَقُول ابْنُ كَثِيرٍ: حُبُّ الْمَال تَارَةً يَكُونُ لِلْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ، وَالتَّكَبُّرِ عَلَى الضُّعَفَاءِ، وَالتَّجَبُّرِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَهَذَا مَذْمُومٌ، وَتَارَةً يَكُونُ لِلنَّفَقَةِ فِي الْقُرُبَاتِ وَصِلَةِ الأَْرْحَامِ وَالْقَرَابَاتِ، وَوُجُوهِ الْبِرِّ وَالطَّاعَاتِ، فَهَذَا مَمْدُوحٌ مَحْمُودٌ شَرْعًا (2) .
9 -
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْفَقْرِ وَالْغِنَى، فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْغِنَى أَفْضَل، قَالُوا: لأَِنَّ الْغَنِيَّ يَقْدِرُ عَلَى أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا الْفَقِيرُ، كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ (3) ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْغِنَى نِعْمَةٌ، وَالْفَقْرَ بُؤْسٌ وَنِقْمَةٌ وَمِحْنَةٌ، وَلَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ أَنَّ النِّعْمَةَ أَفْضَل مِنَ النِّقْمَةِ وَالْمِحْنَةِ، وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَال فَضْلاً، فَقَال عز وجل:{وَابْتَغُوا مِنْ فَضْل اللَّهِ} (4) وَقَال تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} (5) ، وَمَا هُوَ فَضْل اللَّهِ فَهُوَ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ، وَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْمَال خَيْرًا، فَقَال تَعَالَى:{إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ} (6) ، وَهَذَا
(1) القوانين الفقهية ص 427 - 428 ط دار الكتاب العربي.
(2)
مختصر ابن كثير 1 / 270.
(3)
القوانين الفقهية ص427 - 428.
(4)
سورة الجمعة / 10.
(5)
سورة البقرة / 198.
(6)
سورة البقرة / 180.