الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُسْتَرِدًّا لِلْمَغْصُوبِ بِإِثْبَاتِ يَدِهِ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ صَارَ الشَّيْءُ مَغْصُوبًا بِتَفْوِيتِ يَدِهِ عَنْهُ، فَإِذَا أَثْبَتَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَقَدْ أَعَادَهُ إِلَى يَدِهِ، وَزَالَتْ يَدُ الْغَاصِبِ عَنْهُ، إِلَاّ أَنْ يَغْصِبَهُ مَرَّةً أُخْرَى. (1)
وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ مِنَ الضَّمَانِ بِالرَّدِّ، سَوَاءٌ عَلِمَ الْمَالِكُ بِحُدُوثِ الرَّدِّ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لأَِنَّ إِثْبَاتَ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ أَمْرٌ حِسِّيٌّ، لَا يَخْتَلِفُ بِالْعِلْمِ أَوِ الْجَهْل بِحُدُوثِهِ.
فَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ قَدْ فَاتَ، كَأَنْ هَلَكَ أَوْ فُقِدَ أَوْ هَرَبَ، رَدَّ الْغَاصِبُ إِلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مِثْلَهُ إِنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ، بِأَنْ كَانَ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا مِنَ الطَّعَامِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ قِيمَتَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ. كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ.
ثَانِيًا - حُقُوقُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ:
17 -
لِلْمَالِكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ حُقُوقٌ تُقَابِل مَا يَلْزَمُ الْغَاصِبَ مِنَ الأَْحْكَامِ السَّابِقَةِ، وَهَذِهِ الْحُقُوقُ هِيَ: رَدُّ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْغَلَّةِ، وَالتَّضْمِينِ، وَحَقُّهُ فِي الْهَدْمِ وَالْقَلْعِ لِمَا أَحْدَثَهُ الْغَاصِبُ فِي مِلْكِهِ،
(1) بدائع الصنائع 7 / 150.
وَالْجَمْعُ بَيْنَ أَخْذِ الْقِيمَةِ وَالْغَلَّةِ.
أ -
رَدُّ أَوِ اسْتِرْدَادُ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ وَزَوَائِدِهِ وَغَلَّتِهِ وَمَنَافِعِهِ:
18 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مِنْ حَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِ الْغَاصِبُ عَيْنَ مَالِهِ الَّذِي غَصَبَهُ إِذَا كَانَ بَاقِيًا بِحَالِهِ، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ (1) وَقَوْلِهِ: لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا أَوْ جَادًّا، فَإِذَا أَخَذَ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا (2) ؛ وَلأَِنَّ رَدَّ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ هُوَ الْمُوجَبُ الأَْصْلِيُّ لِلْغَصْبِ؛ وَلأَِنَّ حَقَّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مُعَلَّقٌ بِعَيْنِ مَالِهِ وَمَالِيَّتِهِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلَاّ بِرَدِّهِ، وَالْوَاجِبُ الرَّدُّ فِي الْمَكَانِ الَّذِي غَصَبَهُ؛ لِتَفَاوُتِ الْقِيَمِ بِتَفَاوُتِ الأَْمَاكِنِ. (3)
وَأَمَّا
زَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ
فَفِيهِ التَّفْصِيل الآْتِي:
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمُحَمَّدٌ مِنْ
(1) حديث: " على اليد ما أخذت حتى تؤدي ". تقدم تخريجه ف / 16.
(2)
حديث: " لا يأخذن أحدكم متاع أخيه. . ". تقدم تخريجه ف / 16.
(3)
تكملة فتح القدير 7 / 367، والشرح الصغير 3 / 590، والقوانين الفقهية ص 329، والمهذب 1 / 367، والمغني والشرح الكبير 5 / 374، 423.
الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ تُضْمَنُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَنَحْوِهِ، أَمْ مُنْفَصِلَةً كَثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ وَوَلَدِ الْحَيَوَانِ، مَتَى تَلِفَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ؛ لِتَحَقُّقِ إِثْبَاتِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ (الضَّامِنَةِ) ؛ لأَِنَّهُ بِإِمْسَاكِ الأَْصْل تَسَبَّبَ فِي إِثْبَاتِ يَدِهِ عَلَى هَذِهِ الزَّوَائِدِ، وَإِثْبَاتُ يَدِهِ عَلَى الأَْصْل مَحْظُورٌ. (1)
وَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ لَا تُضْمَنُ إِذَا هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ، وَإِنَّمَا هِيَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَا تُضْمَنُ إِلَاّ بِالتَّعَدِّي أَوْ بِالتَّقْصِيرِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالثَّمَرَةِ، أَمْ مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَالْجَمَال؛ لأَِنَّ الْغَصْبَ فِي رَأْيِهِمَا هُوَ إِثْبَاتُ يَدِ الْغَاصِبِ عَلَى مَال الْغَيْرِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيل يَدَ الْمَالِكِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَيَدُ الْمَالِكِ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ حَتَّى يُزِيلَهَا الْغَاصِبُ، وَالْمُرَادُ أَنَّ عُنْصُرَ " إِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ " لَمْ يَتَحَقَّقْ هُنَا، كَمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ.
فَإِنْ تَعَدَّى الْغَاصِبُ عَلَى الزِّيَادَةِ، بِأَنْ
(1) المهذب 1 / 370، المغني والشرح الكبير 5 / 399 وما بعدها.
أَتْلَفَهَا أَوْ أَكَلَهَا أَوْ بَاعَهَا، أَوْ طَلَبَهَا مَالِكُهَا فَمَنَعَهَا عَنْهُ، ضَمِنَهَا؛ لأَِنَّهُ بِالتَّعَدِّي أَوِ الْمَنْعِ صَارَ غَاصِبًا. (1)
وَفَصَّل الْمَالِكِيَّةُ فِي الأَْرْجَحِ عِنْدَهُمْ فِي نَوْعِ الزِّيَادَةِ، فَقَالُوا: إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ الَّتِي بِفِعْل اللَّهِ مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَالْكِبَرِ، فَلَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى الْغَاصِبِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً، وَلَوْ نَشَأَتْ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَال الْغَاصِبِ كَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ وَثَمَرِ الشَّجَرِ. فَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ إِنْ تَلِفَتْ أَوِ اسْتُهْلِكَتْ، وَيَجِبُ رَدُّهَا مَعَ الْمَغْصُوبِ الأَْصْلِيِّ عَلَى صَاحِبِهَا. (2)
أَمَّا مَنَافِعُ الْمَغْصُوبِ فَفِيهِ التَّفْصِيل الآْتِي:
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ مَنْفَعَةَ الْمَغْصُوبِ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْل، سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ أَمْ تَرَكَهَا تَذْهَبُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَغْصُوبُ عَقَارًا كَالدَّارِ، أَمْ مَنْقُولاً كَالْكِتَابِ وَالْحُلِيِّ وَنَحْوِهِمَا؛ لأَِنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، فَوَجَبَ
(1) البدائع 7 / 143، 160، الدر المختار ورد المحتار 5 / 143، تكملة الفتح 7 / 388، اللباب شرح الكتاب 2 / 194.
(2)
بداية المجتهد 2 / 313، الشرح الصغير 3 / 596، الشرح الكبير للدردير 3 / 448، شرح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني 2 / 220.