الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرَدُّهُ وَأَجْرُ الْمُمَيَّزِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَمْيِيزُ جَمِيعِهِ وَجَبَ تَمْيِيزُهُ مَا أَمْكَنَ، وَإِنْ شَقَّ وَلَمْ يُمْكِنْ تَمْيِيزُهُ فَهُوَ كَالتَّالِفِ، وَلِلْمَالِكِ تَغْرِيمُ الْغَاصِبِ: الْمِثْل فِي الْمِثْلِيِّ، وَالْقِيمَةَ فِي الْقِيَمِيِّ. (1)
وَالْخُلَاصَةُ: أَنَّ الْفُقَهَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى ضَمَانِ النَّقْصِ، وَعَلَى حَقِّ الْغَاصِبِ فِي الزِّيَادَةِ.
وَقَدْ تَتَغَيَّرُ ذَاتُ الْمَغْصُوبِ وَاسْمُهُ بِفِعْل الْغَاصِبِ، بِحَيْثُ زَال أَكْثَرُ مَنَافِعِهِ الْمَقْصُودَةِ، كَمَا لَوْ غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا، أَوْ طَبَخَهَا، أَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا دَقِيقًا، أَوْ حَدِيدًا فَاتَّخَذَهُ سَيْفًا، أَوْ نُحَاسًا فَاتَّخَذَهُ آنِيَةً، فَإِنَّهُ يَزُول مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنِ الْمَغْصُوبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَيَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ وَيَضْمَنُ بَدَلَهُ: الْمِثْل فِي الْمِثْلِيِّ، وَالْقِيمَةُ فِي الْقِيَمِيِّ، وَلَكِنْ لَا يَحِل لَهُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهُ اسْتِحْسَانًا؛ لأَِنَّ فِي إِبَاحَةِ الاِنْتِفَاعِ بَعْدَ ارْتِضَاءِ الْمَالِكِ بِأَدَاءِ الْبَدَل أَوْ إِبْرَائِهِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ نُقْصَانًا تَنْقُصُ بِهِ الْقِيمَةُ، كَأَنْ كَانَ ثَوْبًا
(1) كشاف القناع 4 / 94 - 95 وما بعدها، المغني 5 / 266 وما بعدها، المغني والشرح الكبير 5 / 429 - 431.
فَتَمَزَّقَ، أَوْ إِنَاءً فَانْكَسَرَ، أَوْ شَاةً فَذُبِحَتْ، أَوْ طَعَامًا فَطُحِنَ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ، رَدَّهُ وَرَدَّ مَعَهُ أَرْشَ مَا نَقَصَ؛ لأَِنَّهُ نُقْصَانُ عَيْنٍ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، نَقَصَتْ بِهِ الْقِيمَةُ فَوَجَبَ ضَمَانُهُ.
فَإِنْ تَرَكَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْمَغْصُوبَ عَلَى الْغَاصِبِ وَطَالَبَهُ بِبَدَلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ - لَمْ يَزُل مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ، وَيَأْخُذُهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ إِنْ نَقَصَ، وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِي زِيَادَتِهِ. (1)
هـ -
نُقْصَانُ الْمَغْصُوبِ:
27 -
قَال الْجُمْهُورُ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ: لَا يَضْمَنُ نَقْصَ الْمَغْصُوبِ بِسَبَبِ هُبُوطِ الأَْسْعَارِ؛ لأَِنَّ النَّقْصَ كَانَ بِسَبَبِ فُتُورِ رَغَبَاتِ النَّاسِ، وَهِيَ لَا تُقَابَل بِشَيْءٍ، وَالْمَغْصُوبُ لَمْ تَنْقُصْ عَيْنُهُ وَلَا صِفَتُهُ.
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ فِي السُّوقِ فِي غَصْبِ الذَّوَاتِ، أَمَّا التَّعَدِّي فَيَتَأَثَّرُ بِذَلِكَ، فَلِلْمَالِكِ إِلْزَامُ الْغَاصِبِ قِيمَةَ الشَّيْءِ إِنْ تَغَيَّرَ سُوقُهَا عَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّعَدِّي، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَيْنَ شَيْئِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُتَعَدِّي.
(1) بدائع الصنائع 7 / 148، 149، الشرح الصغير 3 / 591 وما بعدها، المهذب 1 / 376، المغني 5 / 263.
وَأَمَّا النَّقْصُ الْحَاصِل فِي ذَاتِ الْمَغْصُوبِ أَوْ فِي صِفَتِهِ. فَيَكُونُ مَضْمُونًا سَوَاءٌ حَصَل النَّقْصُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْل الْغَاصِبِ.
إِلَاّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ قَالُوا: إِذَا كَانَ النَّقْصُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، فَلَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إِلَاّ أَنْ يَأْخُذَ الْمَغْصُوبَ نَاقِصًا كَمَا هُوَ، أَوْ يَضْمَنَ الْغَاصِبُ قِيمَةَ الْمَغْصُوبِ كُلِّهِ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَلَا يَأْخُذُ قِيمَةَ النَّقْصِ وَحْدَهَا. وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ بِجِنَايَةِ الْغَاصِبِ، فَالْمَالِكُ مُخَيَّرٌ فِي الْمَذْهَبِ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْغَصْبِ، أَوْ يَأْخُذَهُ مَعَ مَا نَقَصَتْهُ الْجِنَايَةُ، أَيْ يَأْخُذُ قِيمَةَ النَّقْصِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَيَوْمَ الْغَصْبِ عِنْدَ سَحْنُونٍ، وَلَمْ يُفَرِّقْ أَشْهَبُ بَيْنَ نَقْصٍ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَجِنَايَةِ الْغَاصِبِ. (1)
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ ذَكَرُوا أَحْوَالاً أَرْبَعَةً لِنَقْصِ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَجَعَلُوا لِكُل حَالَةٍ فِي الضَّمَانِ حُكْمًا، وَهِيَ مَا يَأْتِي:
(1) بداية المجتهد 2 / 312 وما بعدها، الشرح الكبير مع الدسوقي 3 / 452 وما بعدها، القوانين الفقهية ص 331، مغني المحتاج 2 / 286، 288، المهذب 1 / 369، كشاف القناع 4 / 99 وما بعدها، المغني 5 / 262 - 263، المغني والشرح الكبير 5 / 400.
الأُْولَى - أَنْ يَحْدُثَ النَّقْصُ بِسَبَبِ هُبُوطِ الأَْسْعَارِ فِي الأَْسْوَاقِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ مَضْمُونًا إِذَا رَدَّ الْعَيْنَ إِلَى مَكَانِ الْغَصْبِ؛ لأَِنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ لَيْسَ نَقْصًا مَادِّيًّا فِي الْمَغْصُوبِ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنَ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا يَحْدُثُ بِسَبَبِ فُتُورِ الرَّغَبَاتِ الَّتِي تَتَأَثَّرُ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا صُنْعَ لِلْعَبْدِ فِيهَا.
الثَّانِيَةُ - أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ بِسَبَبِ فَوَاتِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ، كَضَعْفِ الْحَيَوَانِ، وَزَوَال سَمْعِهِ أَوْ بَصَرِهِ، أَوْ طُرُوءِ الشَّلَل أَوِ الْعَرَجِ أَوِ الْعَوَرِ، أَوْ سُقُوطِ عُضْوٍ مِنَ الأَْعْضَاءِ، فَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ النَّقْصِ فِي غَيْرِ مَال الرِّبَا، وَيَأْخُذُ الْمَالِكُ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ؛ لِبَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى حَالِهَا.
فَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْ أَمْوَال الرِّبَا، كَتَعَفُّنِ الْحِنْطَةِ، وَكَسْرِ إِنَاءِ الْفِضَّةِ، فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ إِلَاّ أَخْذُ الْمَغْصُوبِ بِذَاتِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ بِسَبَبِ النُّقْصَانِ؛ لأَِنَّ الرِّبَوِيَّاتِ لَا يُجِيزُونَ فِيهَا ضَمَانَ النُّقْصَانِ، مَعَ اسْتِرْدَادِ الأَْصْل؛ لأَِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الرِّبَا.
الثَّالِثَةُ - أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ بِسَبَبِ فَوَاتِ مَعْنًى مَرْغُوبٍ فِيهِ فِي الْعَيْنِ، مِثْل الشَّيْخُوخَةِ بَعْدَ الشَّبَابِ، وَالْهَرَبِ، وَنِسْيَانِ الْحِرْفَةِ، فَيَجِبُ ضَمَانُ النَّقْصِ فِي كُل الأَْحْوَال.