الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطَّوِيلَةِ، وَعَلَى الْقَوْل الأَْوَّل لَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُول إِلَيْهِ لِفِتْنَةٍ أَوْ خَوْفٍ جَازَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُزَوِّجَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ لِغَيْبَةِ وَلِيِّهَا ثُمَّ قَدِمَ وَقَال: كُنْتُ زَوَّجْتُهَا فِي الْغَيْبَةِ، قُدِّمَ نِكَاحُ الْحَاكِمِ (1) .
التَّفْرِيقُ لِغَيْبَةِ الزَّوْجِ عَنْ زَوْجَتِهِ:
3 -
غَيْبَةُ الزَّوْجِ عَنْ زَوْجَتِهِ لَا تَخْلُو عَنْ حَالَيْنِ.
الأُْولَى: أَنْ تَكُونَ غَيْبَةً قَصِيرَةً غَيْرَ مُنْقَطِعَةٍ بِحَيْثُ يُعْرَفُ خَبَرُهُ وَيَأْتِي كِتَابُهُ. فَهَذَا لَيْسَ لاِمْرَأَتِهِ أَنْ تَطْلُبَ التَّفْرِيقَ إِذَا لَمْ يَتَعَذَّرِ الإِْنْفَاقُ عَلَيْهَا مِنْ مَال الزَّوْجِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
الثَّانِيَةُ: الْغَيْبَةُ الطَّوِيلَةُ الَّتِي يَنْقَطِعُ فِيهَا خَبَرُهُ، بِأَنْ لَمْ يُدْرَ مَوْضِعُهُ وَحَيَاتُهُ وَمَوْتُهُ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْغَيْبَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِجَوَازِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ عِنْدَهُمْ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ مَوْتُهُ أَوْ يَمْضِيَ مِنَ الزَّمَنِ مَا لَا يَعِيشُ إِلَى مِثْلِهِ
(1) المنهاج مع شرحه مغني المحتاج 3 / 157.
غَالِبًا (1) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَقَدْ قَسَّمُوا حَالَاتِ الْغَيْبَةِ إِلَى أَقْسَامٍ وَبَيَّنُوا لِكُل قِسْمٍ حُكْمَهُ.
وَالتَّفْصِيل فِي: (طَلَاقٍ ف 87 وَمَا بَعْدَهَا، وَمَفْقُودٍ)
أَثَرُ غَيْبَةِ الزَّوْجِ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ:
4 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي فَرْضِ الْقَاضِي لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ النَّفَقَةَ أَوْ عَدَمِ فَرْضِهَا، وَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيل الآْتِي:
فَفِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلَانِ لأَِبِي حَنِيفَةَ.
الأَْوَّل: لِلْقَاضِي فَرْضُ النَّفَقَةِ لَهَا عَلَيْهِ إِذَا طَلَبَتْهَا، وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، هَذَا إِذَا كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا بِالزَّوْجِيَّةِ، أَوْ كَانَ لِلْغَائِبِ مَالٌ عِنْدَ آخَرَ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ وَهُوَ مُقِرٌّ بِالْمَال وَالزَّوْجِيَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الأَْمْرُ كَذَلِكَ، فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِهَا؛ لأَِنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُقَامُ عَلَى غَائِبٍ. وَأَجَازَ زُفَرُ ذَلِكَ.
وَقَيَّدَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ الْغِيَابَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِفَرْضِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ بِمَا إِذَا كَانَ مُدَّةَ سَفَرٍ، أَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، قَال
(1) الهداية مع فتح القدير 5 / 373، ومغني المحتاج 3 / 27، 397.
ابْنُ عَابِدِينَ: وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ، فَإِنَّهُ فِيمَا دُونَهَا يَسْهُل إِحْضَارُهُ وَمُرَاجَعَتُهُ، وَنُقِل عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الْقَاضِيَ يَفْرِضُ نَفَقَةَ عُرْسِ الْغَائِبِ عَنِ الْبَلَدِ سَوَاءٌ أَكَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ أَمْ لَا، وَذَكَرَ مِثْلَهُ عَنْ الْحَمَوِيِّ عَلَى الأَْشْبَاهِ، حَتَّى لَوْ ذَهَبَ إِلَى الْقَرْيَةِ وَتَرَكَهَا فِي الْبَلَدِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهَا النَّفَقَةَ. (1)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لِلزَّوْجَةِ مُطَالَبَةُ زَوْجِهَا عِنْدَ إِرَادَةِ السَّفَرِ بِنَفَقَةِ الْمُسْتَقْبَل الَّذِي أَرَادَ الْغَيْبَةَ فِيهِ قَبْل سَفَرِهِ لِمُدَّةِ غِيَابِهِ عَنْهَا، أَوْ يُقِيمُ لَهَا كَفِيلاً يَدْفَعُهَا لَهَا، وَإِذَا سَافَرَ الزَّوْجُ وَلَمْ يَدْفَعْ نَفَقَةَ الْمُسْتَقْبَل وَلَمْ يُقِمْ لَهَا كَفِيلاً بِهَا، وَرَفَعَتْ أَمْرَهَا لِلْحَاكِمِ وَطَلَبَتْ نَفَقَتَهَا فَرَضَ الْحَاكِمُ لَهَا النَّفَقَةَ فِي مَال الزَّوْجِ الْغَائِبِ. وَلَوْ وَدِيعَةً عِنْدَ غَيْرِهِ، وَكَذَا فِي دَيْنِهِ الثَّابِتِ عَلَى مَدِينِهِ، وَبِيعَتْ دَارُهُ فِي نَفَقَتِهَا بَعْدَ حَلِفِهَا بِاسْتِحْقَاقِهَا لِلنَّفَقَةِ فِي مَال زَوْجِهَا الْغَائِبِ. (2)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ مُوجِبَ النَّفَقَةِ التَّمْكِينُ، وَيَحْصُل بِالْفِعْل أَوْ أَنْ تَبْعَثَ إِلَيْهِ تَعْرِضُ نَفْسَهَا، وَتُخْبِرَهُ: أَنِّي مُسَلِّمَةٌ
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 665، والبدائع 4 / 26، والزيلعي 3 / 59.
(2)
الشرح الصغير للدردير 2 / 747، وجواهر الإكليل 1 / 406.
نَفْسِي إِلَيْك، فَلَوْ غَابَ عَنْ بَلَدِهَا قَبْل عَرْضِهَا إِلَيْهِ وَرَفَعَتِ الأَْمْرَ إِلَى الْحَاكِمِ مُظْهِرَةً لَهُ التَّسْلِيمَ، كَتَبَ الْحَاكِمُ لِحَاكِمِ بَلَدِهِ لِيُعْلِمَهُ الْحَال فَيَجِيءُ الزَّوْجُ لَهَا يَتَسَلَّمُهَا أَوْ يُوَكِّل مَنْ يَجِيءُ يُسَلِّمُهَا لَهُ أَوْ يَحْمِلُهَا إِلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل شَيْئًا مِنَ الأَْمْرَيْنِ مَعَ إِمْكَانِ الْمَجِيءِ أَوِ التَّوْكِيل، وَمَضَى زَمَنُ إِمْكَانِ وُصُولِهِ لَهَا، فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ فِي مَالِهِ مِنْ حِينِ إِمْكَانِ وُصُولِهِ، وَجُعِل كَالْمُتَسَلِّمِ لَهَا؛ لأَِنَّ الْمَانِعَ مِنْهُ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ فَلَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ شَيْئًا لأَِنَّهُ غَيْرُ مُعْرِضٍ.
وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا عُلِمَ مَكَانُ الزَّوْجِ، فَإِنْ جُهِل ذَلِكَ كَتَبَ الْحَاكِمُ إِلَى الْحُكَّامِ الَّذِينَ تَرِدُ عَلَيْهِمُ الْقَوَافِل مِنْ بَلَدِهِ عَادَةً لِيُنَادِيَ بِاسْمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَعْطَاهَا الْقَاضِي نَفَقَتَهَا مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ، وَأَخَذَ مِنْهَا كَفِيلاً بِمَا يَصْرِفُ لَهَا؛ لاِحْتِمَال مَوْتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ، أَمَّا إِذَا غَابَ بَعْدَ عَرْضِهَا عَلَيْهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ تَسَلُّمِهَا فَإِنَّ النَّفَقَةَ تُقَرَّرُ عَلَيْهِ، وَلَا تَسْقُطُ بِغَيْبَتِهِ. (1)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ غَابَ الزَّوْجُ مُدَّةً وَلَمْ يُنْفِقْ فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ مَا مَضَى، سَوَاءٌ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَرَضَهَا حَاكِمٌ أَوْ لَمْ يَفْرِضْهَا حَاكِمٌ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
(1) مغني المحتاج 3 / 436.