الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَوْ كَانَ احْتَشَّ حَشِيشًا وَبَاعَهُ جَازَ ذَلِكَ. وَكَانَ الثَّمَنُ طَيِّبًا لَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ يَسْتَقِي الْمَاءَ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ دَابَّتِهِ فَيَبِيعُهُ؛ لأَِنَّ الْحَشِيشَ وَالْمَاءَ مُبَاحٌ لَيْسَ مِنَ الْغَنِيمَةِ فِي شَيْءٍ، فَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْغَنِيمَةِ بِأَخْذِهِ كَانَ هُوَ الْمُنْفَرِدَ بِإِحْرَازِهِ، فَيَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ خَشَبًا أَوْ حَطَبًا فَبَاعَهُ مِنْ تَاجِرٍ فِي الْعَسْكَرِ، فَإِنَّ الأَْمِيرَ يَأْخُذُ الثَّمَنَ مِنْهُ فَيَجْعَلُهُ فِي الْغَنِيمَةِ، لأَِنَّ الْحَطَبَ وَالْخَشَبَ مَالٌ مَمْلُوكٌ، فَيَكُونُ كَسَائِرِ الأَْمْوَال (1) .
اسْتِيلَاءُ الْكُفَّارِ عَلَى أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ:
39 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ، هَل يَمْلِكُونَهَا فِي ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ أَمْ لَا؟ عَلَى أَقْوَالٍ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِيلَاءٍ ف 15) .
غَوْثٌ
انْظُرْ: اسْتِغَاثَةٌ.
(1) شرح السير الكبير 4 / 1174.
غَيْبَة
التَّعْرِيفُ:
1 -
الْغَيْبَةُ - بِالْفَتْحِ - مَصْدَرُ غَابَ. وَمَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ: الْبُعْدُ، يُقَال: غَابَ الشَّيْءُ يَغِيبُ غَيْبًا وَغَيْبَةً وَغِيَابًا أَيْ بَعُدَ، وَتُسْتَعْمَل بِمَعْنَى التَّوَارِي. يُقَال: غَابَتِ الشَّمْسُ إِذَا تَوَارَتْ عَنِ الْعَيْنِ.
وَالْغِيبَةُ - بِالْكَسْرِ - ذِكْرُ شَخْصٍ بِمَا يَكْرَهُ مِنَ الْعُيُوبِ وَهُوَ حَقٌّ (1) .
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْغَيْبَةِ:
غَيْبَةُ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ:
2 -
لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَيَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ بِرِضَاهَا - وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا وَلِيٌّ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (2) .
(1) المصباح المنير، لسان العرب، والمفردات للراغب الأصفهاني.
(2)
ابن عابدين 2 / 296، 297، والشرح الصغير للدردير 2 / 253، ومغني المحتاج 3 / 147، وكشاف القناع 5 / 49، والمغني 6 / 448.
وَيُرَاعَى فِي النِّكَاحِ وِلَايَةُ الأَْقْرَبِ فَالأَْقْرَبِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا غَابَ الأَْقْرَبُ.
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ - عَدَا زُفَرَ - وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ إِذَا غَابَ الْوَلِيُّ الأَْقْرَبُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً جَازَ لِمَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ أَنْ يُزَوِّجَ دُونَ السُّلْطَانِ. لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ (1) ، وَهَذِهِ لَهَا وَلِيٌّ، كَمَا قَال الْبُهُوتِيُّ؛ وَلأَِنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ. وَلَيْسَ مِنَ النَّظَرِ التَّفْوِيضُ إِلَى مَنْ لَا يُنْتَفَعُ بِرَأْيِهِ؛ لأَِنَّ التَّفْوِيضَ إِلَى الأَْقْرَبِ لَيْسَ لِكَوْنِهِ أَقْرَب، بَل لأَِنَّ فِي الأَْقْرَبِيَّةِ زِيَادَةَ مَظِنَّةٍ لِلْحِكْمَةِ، وَهِيَ الشَّفَقَةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى زِيَادَةِ إِتْقَانِ الرَّأْيِ لِلْمُوَلِّيَةِ. فَحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِرَأْيِهِ أَصْلاً سُلِبَتْ إِلَى الأَْبْعَدِ كَمَا قَال الْحَنَفِيَّةُ، فَإِذَا غَابَ الأَْبُ مَثَلاً زَوَّجَهَا الْجَدُّ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّلْطَانِ، كَمَا إِذَا مَاتَ الأَْقْرَبُ (2) .
وَقَال زُفَرُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا الأَْبْعَدُ فِي غِيَابِ الأَْقْرَبِ؛ لأَِنَّ وِلَايَةَ الأَْقْرَبِ قَائِمَةٌ؛ لأَِنَّهَا ثَبَتَتْ حَقًّا لَهُ صِيَانَةً لِلْقَرَابَةِ، فَلَا تَبْطُل بِغَيْبَتِهِ.
(1) حديث: " السلطان ولي من لا ولي له ". أخرجه الترمذي (3 / 399) من حديث عائشة وقال: حديث حسن.
(2)
الهداية مع الفتح 2 / 415، كشاف القناع 5 / 55، ومغني المحتاج 3 / 157.
وَحَدُّ الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا تَصِل إِلَيْهَا الْقَوَافِل فِي السَّنَةِ إِلَاّ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ، وَقِيل: أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ؛ لأَِنَّهُ لَا نِهَايَةَ لأَِقْصَاهُ، وَقِيل: إِذَا كَانَ بِحَالٍ يَفُوتُ الْخَاطِبُ الْكُفْءُ بِاسْتِطْلَاعِ رَأْيِ الْوَلِيِّ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْغَيْبَةَ الْمُنْقَطِعَةَ هِيَ مَا لَا تُقْطَعُ إِلَاّ بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ، قَال الْبُهُوتِيُّ نَقْلاً عَنْ الْمُوَفَّقِ: وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ. فَإِنَّ التَّحْدِيدَ بَابُهُ التَّوْقِيفُ وَلَا تَوْقِيفَ، وَتَكُونُ الْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، لأَِنَّ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ (2) .
وَقَالُوا: إِنْ كَانَ الأَْقْرَبُ أَسِيرًا أَوْ مَحْبُوسًا فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ لَا يُمْكِنُ مُرَاجَعَتُهُ أَوْ تَتَعَذَّرُ فَزَوَّجَ الأَْبْعَدُ صَحَّ، لأَِنَّهُ صَارَ كَالْبَعِيدِ، كَمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ الأَْقْرَبُ غَائِبًا لَا يُعْلَمُ مَحَلُّهُ أَقَرِيبٌ هُوَ أَمْ بَعِيدٌ؟ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ قَرِيبُ الْمَسَافَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ (3) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ الْمُجْبِرَ الأَْقْرَبَ إِذَا كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً بَعِيدَةً زَوَّجَ الْحَاكِمُ ابْنَةَ الْغَائِبِ الْمُجْبَرَةِ، دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الأَْوْلِيَاءِ، وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا فِي
(1) فتح القدير مع الهداية 2 / 416.
(2)
كشاف القناع 5 / 55.
(3)
نفس المرجع.
غَيْبَةٍ قَرِيبَةٍ، لَا لِلْحَاكِمِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنَ الأَْوْلِيَاءِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ وَبِدُونِ تَفْوِيضِهِ، حَتَّى إِنَّهُمْ قَالُوا: يُفْسَخُ النِّكَاحُ أَبَدًا إِذَا زَوَّجَ الْحَاكِمُ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الأَْوْلِيَاءِ، وَلَوْ أَجَازَهُ الْمُجْبِرُ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَلَوْ وَلَدَتِ الأَْوْلَادَ (1) .
وَهَذَا - أَيْ تَحَتُّمُ الْفَسْخِ - إِذَا كَانَتِ النَّفَقَةُ جَارِيَةً عَلَيْهَا. وَلَمْ يَخْشَ عَلَيْهَا الْفَسَادَ، وَكَانَتِ الطَّرِيقُ مَأْمُونَةً، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ إِضْرَارُهُ بِهَا بِغَيْبَتِهِ بِأَنْ قَصَدَ تَرْكَهَا مِنْ غَيْرِ زَوَاجٍ، فَإِنْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ كَتَبَ لَهُ الْحَاكِمُ: إِمَّا أَنْ تَحْضُرَ تَزَوُّجَهَا أَوْ تُوَكِّل وَكِيلاً يُزَوِّجُهَا، وَإِلَاّ زَوَّجْنَاهَا عَلَيْك، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، وَلَا فَسْخَ، سَوَاءٌ كَانَتْ بَالِغَةً أَوْ لَا (2) .
وَحَدُّ الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَسَافَةُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ذَهَابًا، وَحَدُّ الْبَعِيدَةِ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ.
أَمَّا الْغَيْبَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدَّيْنِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمُهُ كَمَا قَال الدُّسُوقِيُّ، ثُمَّ قَال: وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِي النِّصْفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهِ، وَيُلْحَقُ بِالْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ
(1) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2 / 229.
(2)
الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2 / 229.
فَيُفْسَخُ (1) .
وَهَذَا كُلُّهُ فِي غِيَابِ الْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ. أَمَّا غَيْبَةُ الْوَلِيِّ غَيْرِ الْمُجْبِرِ الأَْقْرَبِ، فَحَدُّهَا الثَّلَاثُ فَمَا فَوْقَهَا، فَإِذَا غَابَ غَيْبَةً مَسَافَتُهَا مِنْ بَلَدِ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا، وَدَعَتْ لِكُفْءٍ. وَأَثْبَتَتْ مَا تَدَّعِيهِ مِنَ الْغَيْبَةِ وَالْمَسَافَةِ وَالْكَفَاءَةِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُهَا لَا الأَْبْعَدُ، فَلَوْ زَوَّجَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الأَْبْعَدُ صَحَّ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ غَابَ الْوَلِيُّ الأَْقْرَبُ نَسَبًا أَوْ وَلَاءً إِلَى مَرْحَلَتَيْنِ وَلَا وَكِيل لَهُ بِالْبَلَدِ، أَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، زَوَّجَ سُلْطَانُ بَلَدِ الزَّوْجَةِ أَوْ نَائِبُهُ، لَا سُلْطَانُ غَيْرِ بَلَدِهَا، وَلَا الأَْبْعَدُ عَلَى الأَْصَحِّ؛ لأَِنَّ الْغَائِبَ وَلِيٌّ، وَالتَّزْوِيجُ حَقٌّ لَهُ، فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ نَابَ عَنْهُ الْحَاكِمُ، وَقِيل: يُزَوِّجُ الأَْبْعَدُ كَالْجُنُونِ. قَال الشَّيْخَانِ: وَالأَْوْلَى لِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لِلأَْبْعَدِ أَنْ يُزَوِّجَ، أَوْ يَسْتَأْذِنَهُ فَيُزَوِّجَ الْقَاضِي لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ. أَمَّا فِيمَا دُونَ الْمَرْحَلَتَيْنِ فَلَا يُزَوِّجُ إِلَاّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ الأَْقْرَبِ فِي الأَْصَحِّ؛ لِقِصَرِ الْمَسَافَةِ، فَيُرَاجَعُ لِيَحْضُرَ أَوْ يُوَكِّل كَمَا لَوْ كَانَ مُقِيمًا، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ: يُزَوِّجُ؛ لِئَلَاّ تَتَضَرَّرَ بِفَوَاتِ الْكُفْءِ الرَّاغِبِ كَالْمَسَافَةِ
(1) نفس المرجع.
(2)
حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 2 / 230.