الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْغِشَّ حَرَامٌ سَوَاءٌ أَكَانَ بِالْقَوْل أَمْ بِالْفِعْل، وَسَوَاءٌ أَكَانَ بِكِتْمَانِ الْعَيْبِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوِ الثَّمَنِ أَمْ بِالْكَذِبِ وَالْخَدِيعَةِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْمُعَامَلَاتِ أَمْ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْمَشُورَةِ وَالنَّصِيحَةِ (1) .
وَقَدْ وَرَدَ فِي تَحْرِيمِ الْغِشِّ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَل يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً، فَقَال: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَال: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُول اللَّهِ، قَال: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنِّي. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا (2) .
وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَمْثَالَهُ غَيْرُ مَحْمُولٍ عَلَى الظَّاهِرِ، فَالْغِشُّ لَا يُخْرِجُ الْغَاشَّ عَنِ الإِْسْلَامِ، قَال الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَى سِيرَتِنَا وَمَذْهَبِنَا (3) .
(1) الزواجر عن اقتراف الكبائر 1 / 192.
(2)
حديث: " أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس مني ". أخرجه مسلم (1 / 99)، وكذا الحديث الآخر:" من غشنا فليس منا ".
(3)
تحفة الأحوذي 4 / 544.
وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ الْجَدُّ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ، حَدِيثٌ قَال: مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا أَيْ: لَيْسَ عَلَى مِثْل هُدَانَا وَطَرِيقَتِنَا، إِلَاّ أَنَّ الْغِشَّ لَا يُخْرِجُ الْغَاشَّ مِنَ الإِْيمَانِ، فَهُوَ مَعْدُودٌ فِي جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ، إِلَاّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى هُدَاهُمْ وَسَبِيلِهِمْ؛ لِمُخَالَفَتِهِ إِيَّاهُمْ فِي الْتِزَامِ مَا يَلْزَمُهُ فِي شَرِيعَةِ الإِْسْلَامِ لأَِخِيهِ الْمُسْلِمِ. . فَلَا يَحِل لاِمْرِئٍ مُسْلِمٍ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً مِنَ السِّلَعِ أَوْ دَارًا أَوْ عَقَارًا أَوْ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ شَيْئًا مِنَ الأَْشْيَاءِ - وَهُوَ يَعْلَمُ فِيهِ عَيْبًا قَل أَوْ كَثُرَ - حَتَّى يُبَيِّنَ ذَلِكَ لِمُبْتَاعِهِ، وَيَقِفَهُ عَلَيْهِ وَقْفًا يَكُونُ عِلْمُهُ بِهِ كَعِلْمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل ذَلِكَ وَكَتَمَهُ الْعَيْبَ وَغَشَّهُ بِذَلِكَ لَمْ يَزَل فِي مَقْتِ اللَّهِ وَلَعْنَةِ مَلَائِكَةِ اللَّهِ (1) . ثُمَّ قَال: وَقَدْ يُحْتَمَل أَنْ يُحْمَل قَوْلُهُ: مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا عَلَى ظَاهِرِهِ فِيمَنْ غَشَّ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَحِلًّا لِذَلِكَ؛ لأَِنَّ مَنِ اسْتَحَل التَّدْلِيسَ بِالْعُيُوبِ وَالْغِشَّ فِي الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا، فَهُوَ كَافِرٌ حَلَال الدَّمِ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَاّ قُتِل (2) .
وَلَا تَخْتَلِفُ كَلِمَةُ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ النُّصْحَ فِي الْمُعَامَلَةِ وَاجِبٌ (3) .
(1) المقدمات الممهدات 2 / 569.
(2)
المرجع السابق.
(3)
رد المحتار وبهامشه الدر المختار 4 / 98، والمقدمات الممهدات 2 / 569 والزواجر 1 / 193.