الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضَرَرَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَبْذُل شَيْئًا، بِخِلَافِ الْقِسْمِ الأَْوَّل إِذَا فَاتَ بِالْغَرَرِ وَالْجَهَالَاتِ ضَاعَ الْمَال الْمَبْذُول فِي مُقَابَلَتِهِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ مَنْعَ الْجَهَالَةِ فِيهِ، أَمَّا الإِْحْسَانُ الصِّرْفُ فَلَا ضَرَرَ فِيهِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ وَحَثُّهُ عَلَى الإِْحْسَانِ التَّوْسِعَةَ فِيهِ بِكُل طَرِيقٍ بِالْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُول، فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْسَرُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ قَطْعًا، وَفِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى تَقْلِيلِهِ، فَإِذَا وُهِبَ لَهُ عَبْدُهُ الآْبِقُ جَازَ أَنْ يَجِدَهُ فَيَحْصُل لَهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَجِدْهُ، لأَِنَّهُ لَمْ يَبْذُل شَيْئًا، ثُمَّ إِنَّ الأَْحَادِيثَ لَمْ يَرِدْ فِيهَا مَا يَعُمُّ هَذِهِ الأَْقْسَامَ حَتَّى نَقُول يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ نُصُوصِ صَاحِبِ الشَّرْعِ، بَل إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا الْوَاسِطَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ النِّكَاحُ. (1)
ب -
الْوَصِيَّةُ:
19 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْغَرَرِ عَلَى الْوَصِيَّةِ، لِذَا لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْمُوصَى بِهِ مَا اشْتَرَطُوهُ فِي الْمَبِيعِ، وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُول؛ لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ - كَمَا قَال ابْنُ عَابِدِينَ - لَا تَمْتَنِعُ بِالْجَهَالَةِ،
(1) الفروق للقرافي 1 / 151.
وَلأَِنَّهَا - كَمَا قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ - احْتَمَل فِيهَا وُجُوهٌ مِنَ الْغَرَرِ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَتَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ.
وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةَ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ (1) .
ثَالِثًا - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ:
20 -
مَنَعَ الشَّافِعِيَّةُ شَرِكَةَ الأَْبْدَانِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْغَرَرِ، إِذْ لَا يَدْرِي أَنَّ صَاحِبَهُ يَكْسِبُ أَمْ لَا. (2) وَمَنَعُوا أَيْضًا شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ. قَال الشَّافِعِيُّ: إِنْ لَمْ تَكُنْ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلَةً فَلَا بَاطِل أَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا. يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى كَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنَ الْغَرَرِ. (3)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ لِلْغَرَرِ؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ عَاوَضَ صَاحِبَهُ بِكَسْبٍ غَيْرِ مَحْدُودٍ بِصِنَاعَةٍ وَلَا عَمَلٍ مَخْصُوصٍ. (4)
كَمَا يَرَى كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَا تَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ.
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 416، 429، والدسوقي 4 / 435، والفروق للقرافي 1 / 151، ومغني المحتاج 3 / 45، والمهذب للشيرازي 1 / 459، والمغني لابن قدامة 6 / 31، 56، 58، 64.
(2)
مغني المحتاج 2 / 212.
(3)
المرجع السابق.
(4)
بداية المجتهد 2 / 226 ط المكتبة التجارية، مغني المحتاج 2 / 212.