الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَكِنْ إِنْ كَانَ النَّقْصُ يَسِيرًا، كَالْخَرْقِ الْيَسِيرِ فِي الثَّوْبِ، فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ سِوَى تَضْمِينِ الْغَاصِبِ مِقْدَارَ النُّقْصَانِ لِبَقَاءِ الْعَيْنِ بِذَاتِهَا.
وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ فَاحِشًا كَالْخَرْقِ الْكَبِيرِ فِي الثَّوْبِ بِحَيْثُ يُبْطِل عَامَّةَ مَنَافِعِهِ، فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِهِ وَتَضْمِينِهِ النُّقْصَانَ لِتَعَيُّبِهِ، وَبَيْنَ تَرْكِهِ لِلْغَاصِبِ وَأَخْذِ جَمِيعِ قِيمَتِهِ؛ لأَِنَّهُ أَصْبَحَ مُسْتَهْلِكًا لَهُ مِنْ وَجْهٍ. (1)
وَالصَّحِيحُ فِي ضَابِطِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْيَسِيرِ وَالْفَاحِشِ، هُوَ أَنَّ الْيَسِيرَ: مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُل فِيهِ نُقْصَانٌ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَالْفَاحِشُ: مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ، وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ. (2)
وَقَدَّرَتِ الْمَجَلَّةُ (م 900) الْيَسِيرَ: بِمَا لَمْ يَكُنْ بَالِغًا رُبُعَ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ، وَالْفَاحِشَ: بِمَا سَاوَى رُبُعَ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ أَوْ أَزْيَدَ.
وَإِذَا وَجَبَ ضَمَانُ النُّقْصَانِ، قُوِّمَتْ
(1) البدائع 7 / 155، تبيين الحقائق 5 / 228 وما بعدها، تكملة الفتح 7 / 382، رد المحتار لابن عابدين 5 / 132، اللباب شرح الكتاب 2 / 190.
(2)
تبيين الحقائق 5 / 229، تكملة فتح القدير 7 / 383، رد المحتار 5 / 136.
الْعَيْنُ صَحِيحَةً يَوْمَ غَصْبِهَا، ثُمَّ تُقَوَّمُ نَاقِصَةً، فَيَغْرَمُ الْغَاصِبُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا.
وَإِذَا كَانَ الْعَقَارُ مَغْصُوبًا، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ تُضْمَنْ عَيْنُهُ بِهَلَاكِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّ النَّقْصَ الطَّارِئَ بِفِعْل الْغَاصِبِ أَوْ بِسُكْنَاهُ أَوْ بِسَبَبِ زِرَاعَةِ الأَْرْضِ مَضْمُونٌ؛ لأَِنَّهُ إِتْلَافٌ وَتَعَدٍّ مِنْهُ عَلَيْهِ. (1)
اخْتِلَافُ الْغَاصِبِ وَالْمَالِكِ فِي الْغَصْبِ وَالْمَغْصُوبِ:
28 -
إِنِ اخْتَلَفَ الْغَاصِبُ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي أَصْل الْغَصْبِ وَأَحْوَال الْمَغْصُوبِ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: إِنِ اخْتَلَفَ الْغَاصِبُ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ، بِأَنْ قَال الْغَاصِبُ: قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ، وَقَال الْمَالِكُ: اثْنَا عَشَرَ، صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ؛ لأَِنَّ الأَْصْل بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ، وَعَلَى الْمَالِكِ الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ أَقَامَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْقِيمَةَ أَكْثَرُ مِمَّا قَالَهُ الْغَاصِبُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ سُمِعَتْ، وَكُلِّفَ الْغَاصِبُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا قَالَهُ إِلَى حَدٍّ لَا تَقْطَعُ الْبَيِّنَةُ بِالزِّيَادَةِ
(1) تبيين الحقائق 5 / 229، تكملة فتح القدير 7 / 369، المجلة (م 905) .
عَلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي تَلَفِ الْمَغْصُوبِ، فَقَال الْمَغْصُوبُ مِنْهُ: هُوَ بَاقٍ، وَقَال الْغَاصِبُ: تَلِفَ، فَالْقَوْل قَوْل الْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لأَِنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى التَّلَفِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَغْصُوبِ أَوْ فِي صِنَاعَةٍ فِيهِ، وَلَا بَيِّنَةَ لأَِحَدِهِمَا، فَالْقَوْل قَوْل الْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ، لأَِنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ عَلَيْهِ مِنَ الزِّيَادَةِ.
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّ الْمَغْصُوبِ، فَقَال الْغَاصِبُ: رَدَدْتُهُ، وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ، فَالْقَوْل قَوْل الْمَالِكِ لأَِنَّ الأَْصْل مَعَهُ، وَهُوَ عَدَمُ الرَّدِّ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ فِي الْمَغْصُوبِ بَعْدَ تَلَفِهِ، بِأَنْ قَال الْغَاصِبُ: كَانَ مَرِيضًا أَوْ أَعْمَى مَثَلاً، وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ، فَالْقَوْل قَوْل الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ، لأَِنَّ الأَْصْل السَّلَامَةُ مِنَ الْعُيُوبِ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَال الْغَاصِبُ: هَلَكَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدَيَّ، أَيْ قَضَاءً وَقَدَرًا وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ، وَلَا بَيِّنَةَ لِلْغَاصِبِ، فَالْقَاضِي يَحْبِسُ الْغَاصِبَ مُدَّةً يَظْهَرُ فِيهَا الْمَغْصُوبُ عَادَةً لَوْ كَانَ قَائِمًا، ثُمَّ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ؛
(1) مغني المحتاج 2 / 287، المهذب 1 / 376، المغني 5 / 295، كشاف القناع 4 / 114، والمغني مع الشرح الكبير 5 / 438.
لأَِنَّ الْحُكْمَ الأَْصْلِيَّ لِلْغَصْبِ هُوَ وُجُوبُ رَدِّ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ، وَأَمَّا الْقِيمَةُ فَهِيَ بَدَلٌ عَنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْعَجْزُ عَنِ الأَْصْل، لَا يَقْضِي بِالْقِيمَةِ الَّتِي هِيَ خَلَفٌ.
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْغَاصِبُ وَالْمَالِكُ فِي أَصْل الْغَصْبِ، أَوْ فِي جِنْسِ الْمَغْصُوبِ وَنَوْعِهِ، أَوْ قَدْرِهِ، أَوْ صِفَتِهِ، أَوْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْغَصْبِ، فَالْقَوْل قَوْل الْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لأَِنَّ الْمَالِكَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الضَّمَانَ، وَهُوَ يُنْكِرُ، فَكَانَ الْقَوْل قَوْلَهُ بِيَمِينِهِ؛ لأَِنَّ الْيَمِينَ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ.
وَلَوِ ادَّعَى الْغَاصِبُ رَدَّ الْمَغْصُوبِ إِلَى الْمَالِكِ، أَوِ ادَّعَى أَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الَّذِي أَحْدَثَ الْعَيْبَ فِي الْمَغْصُوبِ، فَلَا يُصَدَّقُ الْغَاصِبُ إِلَاّ بِالْبَيِّنَةِ؛ لأَِنَّ الْبَيِّنَةَ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْمُدَّعِي.
وَلَوْ تَعَارَضَتِ الْبَيِّنَتَانِ، فَأَقَامَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الدَّابَّةَ أَوِ السَّيَّارَةَ مَثَلاً تَلِفَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ مِنْ رُكُوبِهِ، وَأَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ رَدَّهَا إِلَى الْمَالِكِ فَتُقْبَل بَيِّنَةُ الْمَالِكِ، وَعَلَى الْغَاصِبِ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ؛ لأَِنَّ بَيِّنَةَ الْغَاصِبِ لَا تَدْفَعُ بَيِّنَةَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لأَِنَّهَا قَامَتْ عَلَى رَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَمِنَ الْجَائِزِ أَنَّهُ رَدَّهَا، ثُمَّ غَصَبَهَا ثَانِيًا وَرَكِبَهَا، فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ.