الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ، وَكَذَلِكَ يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لأَِنَّ يَدَهُ يَدُ ضَمَانٍ عِنْدَهُمْ، وَإِذَا رَدَّ الْمُتَصَرِّفُ لَهُ الشَّيْءَ إِلَى الْغَاصِبِ بَرِئَ مِنَ الضَّمَانِ.
وَأَمَّا غَاصِبُ الْغَاصِبِ فَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ كَالْغَاصِبِ الأَْوَّل، وَمَنْ غَصَبَ طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ غَيْرَهُ، فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ؛ لأَِنَّ الْغَاصِبَ حَال بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ، وَالآْكِل أَتْلَفَ مَال غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَقَبَضَهُ عَنْ يَدِ ضَامِنِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ، فَإِنْ كَانَ الآْكِل عَالِمًا بِالْغَصْبِ، اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، لِكَوْنِهِ أَتْلَفَ مَال غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ عَالِمًا مِنْ غَيْرِ تَغْرِيرٍ، وَإِذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الآْكِل لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الآْكِل بِالْغَصْبِ، اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَى الآْكِل فِي رِوَايَةٍ؛ لأَِنَّهُ ضَمِنَ مَا أَتْلَفَ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لأَِنَّهُ غَرَّ الآْكِل وَأَطْعَمَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ. (1)
تَمَلُّكُ الْغَاصِبِ الْمَغْصُوبَ بِالضَّمَانِ:
30 -
لِلْفُقَهَاءِ اتِّجَاهَانِ فِي تَمَلُّكِ الْغَاصِبِ
(1) المغني والشرح الكبير 5 / 413 - 419، كشاف القناع 4 / 120 وما بعدها، القواعد لابن رجب ص 217.
الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ بِالضَّمَانِ.
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ بَعْدَ ضَمَانِهِ مِنْ وَقْتِ حُدُوثِ الْغَصْبِ، حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَل وَالْمُبْدَل فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْمَالِكُ، وَيَنْتِجُ عَنِ التَّمَلُّكِ أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ قَبْل أَدَاءِ الضَّمَانِ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ، كَمَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُ الْمُشْتَرِي فِي الْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا، وَكَمَا لَوْ غَصَبَ شَخْصٌ عَيْنًا فَعَيَّبَهَا، فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهَا، مَلَكَهَا الْغَاصِبُ؛ لأَِنَّ الْمَالِكَ مَلَكَ الْبَدَل كُلَّهُ، وَالْمُبْدَل قَابِلٌ لِلنَّقْل، فَيَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ؛ لِئَلَاّ يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ، لَكِنْ لَا يَحِل فِي رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِلْغَاصِبِ الاِنْتِفَاعُ بِالْمَغْصُوبِ، بِأَنْ يَأْكُلَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يُطْعِمَهُ غَيْرَهُ قَبْل أَدَاءِ الضَّمَانِ، وَإِذَا حَصَل فِيهِ فَضْلٌ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْل اسْتِحْسَانًا، وَغَلَّةُ الْمَغْصُوبِ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ إِرْكَابِ سَيَّارَةٍ مَثَلاً لَا تَطِيبُ لَهُ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُبِحِ الاِنْتِفَاعَ بِالْمَغْصُوبِ قَبْل إِرْضَاءِ الْمَالِكِ، لِمَا فِي حَدِيثِ رَجُلٍ مِنَ الأَْنْصَارِ: أَنَّ امْرَأَةً دَعَتْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ، ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ فَأَكَلُوا، فَنَظَرَ آبَاؤُنَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَلُوكُ لُقْمَةً فِي فَمِهِ، ثُمَّ قَال: أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا فَأَرْسَلَتِ الْمَرْأَةُ قَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَى الْبَقِيعِ يَشْتَرِي لِي شَاةً، فَلَمْ أَجِدْ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى جَارٍ لِي قَدِ اشْتَرَى شَاةً أَنْ أَرْسِل إِلَيَّ بِهَا بِثَمَنِهَا فَلَمْ يُوجَدْ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَرْسَلَتْ إِلَيَّ بِهَا، فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَطْعِمِيهِ الأُْسَارَى. (1)
فَقَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الاِنْتِفَاعَ بِهَا، مَعَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا؛ وَلَوْ كَانَتْ حَلَالاً لأََطْلَقَ لَهُمْ إِبَاحَةَ الاِنْتِفَاعِ بِهَا.
وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ: يَحِل لِلْغَاصِبِ الاِنْتِفَاعُ بِالْمَغْصُوبِ بِالضَّمَانِ، وَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالْفَضْل إِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ؛ لأَِنَّ الْمَغْصُوبَ مَمْلُوكٌ لِلْغَاصِبِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ، عَمَلاً بِالْقَاعِدَةِ:" الْمَضْمُونَاتُ تُمْلَكُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إِلَى وَقْتِ الْغَصْبِ " فَتَطِيبُ بِنَاءً عَلَيْهِ غَلَّةُ الْمَغْصُوبِ لِلْغَاصِبِ. (2)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ إِنِ اشْتَرَاهُ مِنْ مَالِكِهِ أَوْ وَرِثَهُ عَنْهُ، أَوْ غَرِمَ
(1) حديث رجل من الأنصار أن امرأة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه أبو داود (3 / 627 - 628) وصحح إسناده ابن حجر في التلخيص الحبير (2 / 127) .
(2)
بدائع الصنائع 7 / 152 وما بعدها.
لَهُ قِيمَتَهُ بِسَبَبِ التَّلَفِ أَوِ الضَّيَاعِ أَوِ النَّقْصِ أَوْ نَقَصَ فِي ذَاتِهِ، لَكِنْ يُمْنَعُ الْغَاصِبُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَغْصُوبِ بِرَهْنٍ أَوْ كَفَالَةٍ خَشْيَةَ ضَيَاعِ حَقِّ الْمَالِكِ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ قَبُولُهُ وَلَا الأَْكْل مِنْهُ وَلَا السُّكْنَى فِيهِ، مِثْل أَيِّ شَيْءٍ حَرَامٍ. أَمَّا إِنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَوِ اسْتَهْلَكَهُ (فَاتَ عِنْدَهُ) فَالأَْرْجَحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْغَاصِبِ الاِنْتِفَاعُ بِهِ؛ لأَِنَّهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فِي ذِمَّتِهِ. فَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِجَوَازِ الشِّرَاءِ مِنْ لَحْمِ الأَْغْنَامِ الْمَغْصُوبَةِ إِذَا بَاعَهَا الْغَاصِبُ لِلْجَزَّارَيْنِ، فَذَبَحُوهَا؛ لأَِنَّهُ بِذَبْحِهَا تَرَتَّبَتِ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ، إِلَاّ أَنَّهُمْ قَالُوا: وَمَنِ اتَّقَاهُ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْغَاصِبَ يَتَمَلَّكُ بِالضَّمَانِ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ مِنْ يَوْمِ التَّلَفِ. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ ذَهَبَ الْمَغْصُوبُ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقِيمَةِ لأَِنَّهُ حِيل بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ، فَوَجَبَ لَهُ الْبَدَل كَمَا لَوْ تَلِفَ الْمَال، وَإِذَا قَبَضَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْبَدَل مَلَكَهُ لأَِنَّهُ بَدَل مَالِهِ فَمِلْكُهُ كَبَدَل التَّالِفِ، وَلَا يَمْلِكُ
(1) الشرح الكبير 3 / 445 وما بعدها، الشرح الصغير 3 / 601.