الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَكْرُوهِ، وَمَا يُخْدَعُ بِهِ الإِْنْسَانُ. (1)
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالْخُدْعَةُ أَعَمُّ مِنَ الْغَدْرِ، إِذِ الْغَدْرُ حَرَامٌ، أَمَّا الْخُدْعَةُ فَتُبَاحُ أَحْيَانًا كَمَا فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: الْحَرْبُ خُدْعَةٌ (2)
ج -
الْخِيَانَةُ:
4 -
مِنْ مَعَانِي الْخِيَانَةِ فِي اللُّغَةِ: نَقْصُ الْحَقِّ وَنَقْضُ الْعَهْدِ وَعَدَمُ أَدَاءِ الأَْمَانَةِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. (3)
وَالْخِيَانَةُ أَعَمُّ مِنَ الْغَدْرِ. (ر: الْخِيَانَة ف 1)
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى تَحْرِيمِ الْغَدْرِ لأَِنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ وَمِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْغَادِرُ مِنْ
(1) لسان العرب.
(2)
حديث: " الحرب خدعة ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 158) ومسلم (3 / 1361) من حديث جابر بن عبد الله.
(3)
المعجم الوسيط، وقواعد الفقه للبركتي.
أَصْحَابِ الْوِلَايَاتِ الْعَامَّةِ؛ لأَِنَّ ضَرَرَ غَدْرِهِ يَتَعَدَّى إِلَى خَلْقٍ كَثِيرٍ. وَقِيل: لأَِنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إِلَى الْغَدْرِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى تَحْرِيمِ الْغَدْرِ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا: قَوْله تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} (1)، وَقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ، إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ. وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ. (2)
وَالْغَدْرُ مُحَرَّمٌ بِشَتَّى صُوَرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَ فَرْدٍ أَمْ جَمَاعَةٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَعَ مُسْلِمٍ أَمْ ذِمِّيٍّ أَمْ مُعَاهِدٍ.
6 -
وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْوَفَاءُ بِشُرُوطِ الْعَهْدِ مَعَ أَهْل الذِّمَّةِ وَالْمُعَاهِدِينَ، مَا لَمْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمُونَ عَلَى
(1) سورة الإسراء / 34.
(2)
حديث: " أربع من كن فيه كان منافقًا. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 89) ومسلم (1 / 78) من حديث عبد الله بن عمرو. وانظر: حاشية ابن عابدين 3 / 224، وجواهر الإكليل 1 / 257، ودليل الفالحين 4 / 435، 438، 3 / 156، والمغني لابن قدامة 8 / 465.
شُرُوطِهِمْ (1) وَلأَِنَّ أَبَا بَصِيرٍ رضي الله عنه لَمَّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَجَاءَ الْكُفَّارُ فِي طَلَبِهِ - حَسَبَ الْعَهْدِ - قَال لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَا أَبَا بَصِيرٍ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ قَدْ صَالَحُونَا عَلَى مَا قَدْ عَلِمْتَ وَإِنَّا لَا نَغْدِرُ، فَالْحَقْ بِقَوْمِكَ. . . فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا (2) ، وَلِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه وَبَيْنَ الرُّومِ عَهْدٌ، وَكَانَ يَسِيرُ فِي بِلَادِهِمْ، حَتَّى إِذَا انْقَضَى الْعَهْدُ أَغَارَ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رَجُلٌ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ فَرَسٍ وَهُوَ يَقُول: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، فَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ رضي الله عنه. فَسَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ عَنْ ذَلِكَ فَقَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ، فَلَا يَحُلَّنَّ عَهْدًا وَلَا يَشُدَّنَّهُ حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ، أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى
(1) حديث: " المسلمون على شروطهم ". أخرجه الترمذي (3 / 626) من حديث عمرو بن عوف المزني، وقال:" حديث حسن صحيح ".
(2)
حديث أبي بصير: " لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم. . . ". أخرجه البيهقي (9 / 227) .
سَوَاءٍ قَال: فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ بِالنَّاسِ. (1) وَلأَِنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا غَدَرُوا وَعُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَنْبِذُوا بِالْعَهْدِ عَلَى سَوَاءٍ لَمْ يَأْمَنْهُمْ أَحَدٌ عَلَى عَهْدٍ وَلَا صُلْحٍ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مُنَفِّرًا عَنِ الدُّخُول فِي الدِّينِ، وَمُوجِبًا لِذَمِّ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. (2)
7 -
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا دَخَل كَافِرٌ حَرْبِيٌّ دَارَ الإِْسْلَامِ بِأَمَانٍ فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْوَفَاءُ لَهُ وَالْكَفُّ عَنْهُ، حَتَّى تَنْتَهِيَ مُدَّةُ الأَْمَانِ وَيَبْلُغَ مَأْمَنَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} ، (3) وَلِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَل مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ. (4)
8 -
كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى
(1) حديث: " من كان بينه وبين قوم عهد. . . ". أخرجه الترمذي (4 / 143) وقال: حديث حسن صحيح.
(2)
البدائع 7 / 107، تفسير القرطبي 8 / 32، وأحكام القرآن لابن العربي 2 / 860، ومغني المحتاج 4 / 238، 262، والمغني لابن قدامة 8 / 463 - 465.
(3)
سورة التوبة / 6.
(4)
حديث: " ذمة المسلمين واحدة. . . ". أخرجه البخاري (13 / 275) ومسلم (2 / 999) من حديث أبي هريرة، واللفظ لمسلم.
مَنْ دَخَل مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ مِنْهُمْ أَنْ لَا يَغْدِرَهُمْ وَلَا يَخُونَهُمْ، لأَِنَّهُمْ إِنَّمَا أَعْطَوْهُ الأَْمَانَ مَشْرُوطًا بِتَرْكِهِ خِيَانَتَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي اللَّفْظِ فَهُوَ مَعْلُومٌ فِي الْمَعْنَى، فَإِنْ خَانَهُمْ أَوْ سَرَقَ مِنْهُمْ أَوِ اقْتَرَضَ مِنْهُمْ شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَ إِلَى أَرْبَابِهِ؛ لأَِنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى وَجْهٍ حَرَامٍ، فَلَزِمَهُ رَدُّهُ كَمَا لَوْ أَخَذَ مَال مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ.
وَقَالُوا: لَوْ أَطْلَقَ الْكُفَّارُ الأَْسِيرَ الْمُسْلِمَ عَلَى أَنَّهُمْ فِي أَمَانِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ فِي أَمَانِهِمْ، حَرَامٌ عَلَيْهِ اغْتِيَالُهُمْ وَالتَّعَرُّضُ لأَِوْلَادِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَفَاءً بِمَا الْتَزَمَهُ، وَكَذَا لَوِ اشْتَرَى مِنْهُمْ شَيْئًا لِيَبْعَثَ إِلَيْهِمْ ثَمَنَهُ، أَوِ الْتَزَمَ لَهُمْ قَبْل خُرُوجِهِ مَالاً فِدَاءً - وَهُوَ مُخْتَارٌ - فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ لِلأَْدِلَّةِ السَّابِقَةِ، وَلِيَعْتَمِدُوا الشَّرْطَ فِي إِطْلَاقِ أَسْرَانَا بَعْدَ ذَلِكَ.
إِلَاّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ شَرَطُوا عَلَيْهِ: أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ دَارِهِمْ أَوْ لَا يَهْرُبَ إِلَى دَارِ الإِْسْلَامِ فَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ مُخْتَارًا، فَالْجُمْهُورُ يَرَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إِظْهَارُ دِينِهِ وَإِقَامَةُ شَعَائِرِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ، بَل يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ وَالْهَرَبُ إِلَى دَارِ الإِْسْلَامِ إِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسَهُمْ
قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَْرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} . (1) وَلأَِنَّ فِي ذَلِكَ تَرْكَ إِقَامَةِ الدِّينِ وَالْتِزَامَ مَا لَا يَجُوزُ.
أَمَّا إِنْ أَمْكَنَهُ إِقَامَةُ شَعَائِرِ دِينِهِ وَإِظْهَارُهُ فِي دِيَارِ الْكُفْرِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يُوَفِّيَهُ. لِئَلَاّ يُكْثِرَ سَوَادَ الْكُفَّارِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمِثْل هَذَا الشَّرْطِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْهَرَبُ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْغَدْرِ وَهُوَ حَرَامٌ. ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ: أَنَّ الأَْسِيرَ إِذَا أَطْلَقَهُ الْعَدُوُّ عَلَى أَنْ يَأْتِيَهُ بِفِدَائِهِ - مِنْ دَارِ الإِْسْلَامِ - فَلَهُ بَعْثُ الْمَال دُونَ رُجُوعِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِدَاءً فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ، أَمَّا لَوْ عُوهِدَ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ بِالْمَال فَعَجَزَ عَنْهُ فَلْيَجْتَهِدْ فِيهِ أَبَدًا وَلَا يَرْجِعْ.
وَأَمَّا إِذَا وَافَقَ عَلَى مِثْل هَذَا الشَّرْطِ مُكْرَهًا فَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ، سَوَاءٌ حَلَفَ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ، حَتَّى لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَحْنَثْ بِتَرْكِهِ لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ
(1) سورة النساء / 97.