الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضَمَانُهُ كَالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ ذَاتُهَا. (1)
وَذَهَبَ مُتَقَدِّمُو الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَضْمَنُ مَنَافِعَ مَا غَصَبَهُ مِنْ رُكُوبِ الدَّابَّةِ، وَسُكْنَى الدَّارِ، سَوَاءٌ اسْتَوْفَاهَا أَوْ عَطَّلَهَا؛ لأَِنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَهُمْ؛ وَلأَِنَّ الْمَنْفَعَةَ الْحَادِثَةَ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فِي يَدِ الْمَالِكِ، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهَا مَعْنَى الْغَصْبِ؛ لِعَدَمِ إِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ عَنْهَا.
وَأَوْجَبَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ ضَمَانَ أَجْرِ الْمِثْل فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ - وَالْفَتْوَى عَلَى رَأْيِهِمْ - وَهِيَ: أَنْ يَكُونَ الْمَغْصُوبُ وَقْفًا، أَوْ لِيَتِيمٍ، أَوْ مُعَدًّا لِلاِسْتِغْلَال، بِأَنْ بَنَاهُ صَاحِبُهُ أَوِ اشْتَرَاهُ لِذَلِكَ الْغَرَضِ. (2)
وَإِنْ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ - أَيْ ذَاتُهُ - بِاسْتِعْمَال الْغَاصِبِ غَرِمَ النُّقْصَانَ؛ لاِسْتِهْلَاكِهِ بَعْضَ أَجْزَاءِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ.
وَأَمَّا غَلَّةُ الْمَغْصُوبِ: فَلَا تَطِيبُ فِي رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِلْغَاصِبِ؛ لأَِنَّهُ لَا يَحِل لَهُ الاِنْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ، وَقَال
(1) مغني المحتاج 2 / 286، المهذب 1 / 367، فتح العزيز شرح الوجيز 11 / 263، المغني 5 / 270، القواعد لابن رجب ص 212.
(2)
البدائع 7 / 145، الدر المختار ورد المحتار 5 / 144 وما بعدها، تكملة الفتح 7 / 394، اللباب شرح الكتاب 2 / 195، ونقل المحاسني في شرح المجلة للمادتين 459، 471، فتوى المتأخرين بزيادة ضمان بيت المال على الثلاثة المذكورة.
أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ: تَطِيبُ لَهُ. (1)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ غَلَّةُ مَغْصُوبٍ مُسْتَعْمَلٍ إِذَا اسْتَعْمَلَهُ الْغَاصِبُ أَوْ أَكْرَاهُ، سَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً أَوْ أَرْضًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِذَا لَمْ يُسْتَعْمَل فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ فَوَّتَ عَلَى رَبِّهِ اسْتِعْمَالِهِ، إِلَاّ إِذَا نَشَأَ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ كَلَبَنٍ وَصُوفٍ وَثَمَرٍ. (2)
ب -
الضَّمَانُ:
19 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَلِفَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ نَقَصَ أَوْ أَتْلَفَهُ، أَوْ حَدَثَ عَيْبٌ مُفْسِدٌ فِيهِ، أَوْ صُنِعَ شَيْءٌ مِنْهُ حَتَّى سُمِّيَ بِاسْمٍ آخَرَ، كَخِيَاطَةِ الْقُمَاشِ، وَصِيَاغَةِ الْفِضَّةِ حُلِيًّا، وَصِنَاعَةِ النُّحَاسِ قَدْرًا، وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُهُ، وَحُقَّ لِلْمَالِكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ تَضْمِينُهُ، (3) بِأَنْ يَدْفَعَ لَهُ مِثْلَهُ إِنْ كَانَ مِنَ
(1) المراجع السابقة.
(2)
الشرح الصغير 3 / 595، 596.
(3)
تكملة الفتح 7 / 363، تبيين الحقائق 5 / 333، والدر المختار ورد المحتار 5 / 130 اللباب 2 / 188، وبداية المجتهد 2 / 312، وشرح الرسالة 2 / 217، والقوانين الفقهية ص 330، ومغني المحتاج 2 / 281، 284 وكشاف القناع 4 / 116 وما بعدها، والمغني والشرح الكبير 5 / 376 وما بعدها.
الْمِثْلِيَّاتِ (1) ، وَهِيَ الْمَكِيلَاتُ كَالْحُبُوبِ، وَالْمَوْزُونَاتُ كَالأَْقْطَانِ وَالْحَدِيدِ، وَالذَّرْعِيَّاتُ كَالأَْقْمِشَةِ، وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ؛ لأَِنَّ الْوَاجِبَ الأَْصْلِيَّ فِي الضَّمَانَاتِ هُوَ الْمِثْل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْل مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (2) وَلأَِنَّ الْمِثْل أَعْدَل، لِمَا فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ الْجِنْسِ وَالْمَالِيَّةِ، فَكَانَ أَدْفَعَ لِلضَّرَرِ وَأَقْرَبَ إِلَى الأَْصْل، فَالْمِثْل أَقْرَبُ إِلَى الشَّيْءِ مِنَ الْقِيمَةِ، وَهُوَ مُمَاثِلٌ لَهُ صُورَةً وَمَعْنًى، فَكَانَ الإِْلْزَامُ بِهِ أَعْدَل وَأَتَمَّ لِجُبْرَانِ الضَّرَرِ، وَالْوَاجِبُ فِي الضَّمَانِ الاِقْتِرَابُ مِنَ الأَْصْل بِقَدْرِ الإِْمْكَانِ تَعْوِيضًا لِلضَّرَرِ، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ صَانِعَةَ طَعَامٍ مِثْل صَفِيَّةَ: أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَاءً فِيهِ طَعَامٌ، فَمَا مَلَكْتُ نَفْسِي أَنْ كَسَرْتُهُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَفَّارَتِهِ؟ فَقَال: إِنَاءٌ كَإِنَاءٍ وَطَعَامٌ كَطَعَامٍ. (3)
(1) المال المثلى هو ما يوجد له مثل في الأسواق بلا تفاوت يعتد به، أو هو ما تماثلت آحاده أو أجزاؤه، بحيث يمكن أن يقوم بعضها مقام بعض دون فرق يعتد به كالحبوب والنقود والأدهان.
(2)
سورة البقرة / 194.
(3)
حديث عائشة: " ما رأيت صانعة طعام مثل صفية. . . ". أخرجه النسائي (7 / 71) وحسن إسناده ابن حجر في الفتح (5 / 25) .
20 -
فَإِنْ لَمْ يَقْدِرِ الْغَاصِبُ عَلَى الْمِثْل أَوْ كَانَ الْمَال قِيَمِيًّا (1) كَالأَْرْضِ وَالدَّارِ وَالثَّوْبِ وَالْحَيَوَانِ، وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ، وَذَلِكَ فِي ثَلَاثِ حَالَاتٍ:(2)
الأُْولَى: إِذَا كَانَ الشَّيْءُ غَيْرَ مِثْلِيٍّ، كَالْحَيَوَانَاتِ وَالدُّورِ وَالْمَصُوغَاتِ، فَلِكُل وَاحِدٍ مِنْهَا قِيمَةٌ تَخْتَلِفُ عَنِ الأُْخْرَى بِاخْتِلَافِ الصِّفَاتِ الْمُمَيِّزَةِ لِكُل وَاحِدٍ.
الثَّانِيَةُ: إِذَا كَانَ الشَّيْءُ خَلِيطًا مِمَّا هُوَ مِثْلِيٌّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَالْحِنْطَةِ مَعَ الشَّعِيرِ.
الثَّالِثَةُ: إِذَا كَانَ الشَّيْءُ مِثْلِيًّا تَعَذَّرَ وُجُودُ مِثْلِهِ، وَالتَّعَذُّرُ إِمَّا حَقِيقِيٌّ حِسِّيٌّ، كَانْقِطَاعِ وُجُودِ الْمِثْل فِي السُّوقِ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ وَإِنْ وُجِدَ فِي الْبُيُوتِ، أَوْ حُكْمِيٌّ، كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ إِلَاّ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْل. أَوْ شَرْعِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لِلضَّامِنِ، كَالْخَمْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ، يَجِبُ عَلَيْهِ لِلذِّمِّيِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَتِ الْخَمْرُ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ لأَِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ تَمَلُّكُهَا.
(1) المال القيمي: هو ما ليس له مثل في الأسواق، أو يوجد مع التفاوت المعتد به في القيمة، أو هو ما تفاوتت أفراده، فلا يقوم بعضها مقام بعض بلا فرق كالدور والأراضي والأشجار وأفراد الحيوان والمفروشات والمخطوطات والحلي ونحوها.
(2)
الدر المختار ورد المحتار لابن عابدين 5 / 129.