الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(50) بَابٌ: يُحَرِّكُ يَدَهُ في الإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا
105 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِىُّ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ،
===
(50)
(بَابٌ: يُحَرِّكُ يَدَهُ في الإنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَها)
هذه الترجمة (1) مذكورة في النسخة الدهلوية المجتبائية، ولم يذكر في غيرها من المكتوبة والمطبوعة، والظاهر أن ذكر هذه الترجمة ليس على ما ينبغي
105 -
(حدثنا أحمد بن عمرو بن السوح، ومحمد بن سلمة المرادي)
هو محمد بن سلمة بن عبد الله بن أبي فاطمة المرادي الجملي بفتح الجيم والميم، وهو بطن من مراد (2)، وهو جمل بن كنانة، مولاهم، أبو الحارث، المصري الفقيه، ثقة ثبت، توفي سنة 248 هـ.
(قالا: حدثنا ابن وهب) هو عبد الله بن وهب، (عن معاوية بن صالح) بن حدير بضم المهملة الأولى مصغرًا، الحضرمي، أبو عمرو أو أبو عبد الرحمن، الحمصي، قاضي الأندلس، كان يحيى بن سعيد لا يرضاه، وقال الدوري عن ابن معين: ليس بمرضي، قال يحيى بن معين: كان ابن مهدي إذا تحدث بحديث معاوية بن صالح زبره يحيى بن سعيد، وقال: أيش هذه الأحاديث؟ وقال أبو صالح الفراء عن أبي إسحاق الفزاري: ما كان بأهل أن يروى عنه، وقال يعقوب بن شيبة: قد حمل الناس عنه، ومنهم من يرى أنه وسط، ليس بالثبت ولا بالضعيف، ومنهم من يضعفه، قال أبو طالب عن أحمد: كان ثقة، وقال جعفر الطيالسي عن ابن معين: ثقة،
(1) قال ابن رسلان: ليست هذه في نسخة الخطابي، والظاهر أن المراد يحرك المتوضئ يده في الإناء قبل أن يغسلها أم لا؟ . (ش).
(2)
بالضم قبيلة في اليمن. (ش).
عَنْ أَبِى مَرْيَمَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِى الإِنَاءِ
===
وكان عبد الرحمن بن مهدي يوثقه، وقال العجلي والنسائي: ثقة، وقال أبو زرعة: ثقة محدث، مات سنة 198 هـ.
(عن أبي مريم) الأنصاري، ويقال: الحضرمي الشامي، صاحب القناديل، خادم مسجد دمشق أو حمص، وقيل: إنه مولى أبي هريرة رضي الله عنه، قال ابن أبي حاتم: اسمه عبد الرحمن بن ماعز، وذكره غير واحد فيمن لم يسم، قال الأثرم عن أحمد: قالوا بحمص: أبو مريم الذي روى عنه معاوية بن صالح معروف عندنا، وقال الميموني عن أحمد: رأيت أهل حمص يحسنون الثناء عليه، وقال العجلي: أبو مريم مولى أبي هريرة رضي الله عنه ثقة، وفرق البخاري - رحمه الله تعالى - بين خادم مسجد حمص وبين مولى أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -، وجمعهما أبو حاتم الشامي (1).
(قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا استيقظ (2) أحدكم من نومه) سواء كان بالليل أو بالنهار (فلا يدخل يده في الإناء)(3) أي لا يغمس يده في الماء الذي في الإناء، فالمراد بالإدخال
(1) كذا في الأصل و"تهذيب التهذيب"(12/ 232)، والظاهر بدله: الرازي، (انظر:"الجرح والتعديل" 9/ الترجمة 2186، 2187).
(2)
أشكل عليه بوجهين: الأول: الاستيقاظ لا يكون إلَّا من النوم، فما فائدة من نومه، قيل: لأنه يقال: استيقظ فلان من غشيته وغفلته، والثاني: كل أحد يستيقظ من نومه لا من نوم غيره، فما فائدة لفظ "أحدكم من نومه"؟ وأجيب: لإخراج نومه عليه الصلاة والسلام، فإن قيل: هو يخرج "من أحدكم"؟ قيل: نعم، ولكنه توكيد، كذا في "الأوجز"(1/ 361). (ش).
(3)
وخرج من لفظ الإناء الحياض ومثلها. (ش).
حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ، أَوْ أَيْنَ كَانَتْ تَطُوفُ يَدُهُ" [انظر تخريج الحديث السابق]
(51)
بَابُ صِفَةِ وُضُوءِ النَّبيَّ (1) صلى الله عليه وسلم
106 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَبَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
===
الغمس (حتى يغسلها ثلاث مرات، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده، أو أين كانث تطوف يده)، قال في "مرقاة الصعود": قال ولي الدين: يحتمل أنه شك من راويه أو ترديد منه صلى الله عليه وسلم، والأول أقرب، وقد مرَّ ما يتعلق به من البحث (2) في الحديث السابق.
(51)
(بَابُ صِفَةِ (3) وُضُوءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم)
106 -
(حدثنا الحسن بن علي) بن محمد (الحلواني)(4) الخلال (قال: حدثنا عبد الرزاق) بن همام (قال: أنا معمر) بن راشد، (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب، (عن عطاء بن يزيد الليثي، عن حمران (5) بن أبان مولى عثمان بن عفان) كان من النمر بن
(1) وفي نسخة: "رسول الله".
(2)
نقل صاحب "الغاية" عن الخطابي في الحديث عدة مسائل. (ش). (انظر: "معالم السنن" 1/ 71).
(3)
أورد المصنف فيه عن تسعة من الصحابة: عثمان، وعلي، وابن زيد، والمقدام، ومعاوية، والربيع، وجد طلحة، وابن عباس، وأبي أمامة، وأجاد في "حاشية شرح الإقناع"(1/ 128) في مصالح أعضاء الوضوء. (ش).
(4)
بالضم نسبة إلى حلوان بلدة بآخر العراق. كذا في "الغاية". (ش).
(5)
بضم الحاء المهملة، وفي السند ثلاثة أتباع يروي بعضهم عن بعض، "ابن رسلان". (ش).
قَالَ: "رأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ
===
قاسط، سبي بعين التمر فابتاعه (1) عثمان من المسيب بن نجبة في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فأعتقه، وكان حمران أحد العلماء الجِلَّة أهل الوجاهة والرأي والشرف، روي أن عثمان مرض فكتب العهد لعبد الرحمن بن عوف، ولم يطلع على ذلك إلَّا حمران، ثم أفاق عثمان، فأطلع حمرانُ عبدَ الرحمن على ذلك، فبلغ عثمان فغضب عليه فنفاه، قال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين: حمران من تابعي أهل المدينة، ومحدثيهم، وقال ابن سعد: نزل البصرة وادعى ولده أنهم من النمر بن قاسط، وكان كثير الحديث، ولم أرهم يحتجون بحديثه، وذكره ابن حبان في "الثقات".
قلت: وقال الذهبي في "الميزان"(2): وقد أورده البخاري في "الضعفاء"، لكن ما قال: ما بَلِيتُه قط.
(قال) أي حمران: (رأيت (3) عثمان بن عفان) بن أبي العاص ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، يجتمع هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف، يكنى أبا عبد الله، وقيل: أبا عمرو، ولد بعد الفيل بست سنين على الصحيح، أسلم في أول الإِسلام، دعاه أبو بكر إلى الإِسلام فأسلم، فلما أسلم عثمان زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنته رقية، وهاجرا كلاهما إلى أرض الحبشة، ثم عادا إلى مكة وهاجرا إلى المدينة، ولما قدم إليها نزل على أوس بن ثابت، أخي حسان بن ثابت، ولهذا كان
(1) وهو أول سبي دخل المدينة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه "ابن رسلان". (ش).
(2)
(1/ 604).
(3)
وبسط ابن دقيق العيد في "الإحكام"(1/ 32) في تشريح حديث عثمان رضي الله عنه هذا، فليراجع إلى "مشكل الآثار" للطحاوي (6/ 313). (ش).
تَوَضَّأَ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلَاثًا فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ
===
حسان يحب عثمان ويبكيه بعد قتله، وماتت عنده أيام بدر، فزوجه بعدها أختها أم كلثوم، فلذلك كان يلقب ذا النورين، فلما توفيت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو أن لنا ثالثة لزوَّجناك"، بشَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وعَدَّه من أهل الجنة، وشهد له بالشهادة.
قال الزبير بن بكار: بويع يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وقتل يوم الجمعة لثماني عشرة خلت من ذي الحجة بعد العصر سنة خمس وثلاثين، ودفن ليلة السبت بين المغرب والعشاء في حَسن كَوْكَب (1)، كان عثمان اشتراه فوسع به البقيع، وقتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، "الإصابة"(2) ملخصًا، وقال عبد الله بن سلام: لو فتح الناس على أنفسهم بقتل عثمان باب فتنة لا يغلق عنهم إلى قيام الساعة، وكان كما قال.
(توضأ فأفرغ على يديه (3) ثلاثًا) من أفرغت الإناء إفراغًا إذا قلبت ما فيه، والمعنى ها هنا صب على يديه، يعني أول ما فعل أنه أفرغ الماء على يديه (فغسلهما)(4) ثلاثًا، أي: فَدَلَكَهما (ثم تمضمض) المضمضة تحريك الماء (5) في الفم، وكمالها أن يجعل الماء في فمه ثم يديره فيه ثم يمجُّه، وقال الزندوستي من أصحابنا: أن يُدخل إصبعيه في
(1) حش كوكب: هو بستان بظاهر المدينة خارج البقيع، انظر:"أخبار المدينة"(1/ 75) و"النهاية"(1/ 390).
(2)
(4/ 224)، وانظر:"أسد الغابة"(3/ 215).
(3)
وظاهره الإفراغ عليهما معًا، وجاء في رواية: أفرغ بيده اليمنى على اليسرى "ابن رسلان"، قال ابن دقيق العيد نحو ذلك وزاد: غسلهما مجتمعة أو مفترقة، والفقهاء اختلفوا في الأفضل من ذلك. (ش).
(4)
وهل يحتاج في غسلهما إلى النية؟ قال الباجي: من جعلهما من سنن الوضوء، كابن القاسم اشترط، ومن رأى النظافة كأشهب لم يشترطها. "ابن رسلان". (ش).
(5)
وهل الإدارة شرط أم لا؟ مختلف عند العلماء. "نيل الأوطار"(1/ 172). (ش).
وَاسْتَنْثَرَ (1) ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ،
===
فمه وأنفه، والمبالغة فيهما سنة (2). (واستنثر) الاستنثار إخراج الماء من الأنف (3) بعد الاستنشاق، وفي نسخة: واستنشق (4)، أي جذب الماء بريح أنفه، حتى يبلغ الماء خياشيمه ثم يستنثره، والواو بمعنى "ثم" أي ثم استنثر بعد المضمضة.
(وغسل وجهه ثلاثًا)(5) والواو هنا أيضًا بمعنى "ثم" كما في رواية البخاري، والوجه ما يواجهه الإنسان، وهو من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن طولاً، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن (6) عرضًا، فإن قلت: ما الحكمة في تأخير غسل الوجه عن المضمضة والاستنشاق؟ قلت: ذكروا أن حكمة ذلك اعتبار أوصاف الماء، لأن اللون يدرك بالبصر، والطعم يدرك بالفم، والريح يدرك بالأنف، فقدم الأقوى منها، وهو الطعم ثم الريح ثم اللون.
(وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثًا، ثم اليسرى (7) مثل ذلك،
(1) وفي نسخة: "يده ثلاثًا، فغسلهما ثم مضمض واستنشق".
(2)
اختلف العلماء في المضمضة والاستنشاق، فعند الأئمة الثلاثة سنة، وعن أحمد ثلاث روايات. الأولى مثل الجمهور، والثانية وجوبهما وهو المشهور عندهم، والثالثة وجوب الاستنشاق وسنيَّة المضمضة. (ش).
(3)
وكره مالك بدون الاستعانة باليد، لأنه يشبه فعل الحمار. كذا في "الأوجز"(1/ 345). (ش).
(4)
وقيل: هما بمعنى "الغاية". (ش).
(5)
فإن شك أخذ بالأقل وقيل بالأكثر. (ش).
(6)
خلافًا لمالك إذ قال: ما بين اللحية والأذن ليس من الوجه، ولم يقل به أحد من الفقهاء غيره، انتهى. كذا في "الأوجز"(1/ 346). (ش).
(7)
السنَّة تقديم اليمنى، وقال الشافعي في القديم بوجوبه لما سيأتي من قوله عليه =
ثُمَّ مَسَحَ رَأسَهُ، ثُمَّ غَسَل قَدَمَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ:
===
ثم مسح رأسه) وليس فيه ذكر عدد للمسح، وبه قال أكثر العلماء، وقال الشافعي - رحمه الله تعالى -: يستحب التثليث في المسح (1) كما في الغسل، واستدل له بظاهر رواية لمسلم:"أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا"، وأجيب بأنه مجمل تبين في الروايات الصحيحة أن المسح لم يتكرر، فيحمل على الغالب أو يختص بالمغسول، قال ابن المنذر: إن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح مرة واحدة، وبأن المسح مبني على التخفيف، فلا يقاس على الغسل المراد منه المبالغة في الإسباغ، وبأن العدد لو اعتبر في المسح لصار في صورة الغسل، إذ حقيقة الغسل جريان الماء.
(ثم غسل قدمه اليمني (2) ثلاثًا، ثم اليسرى مثل ذلك)، فالحديث (3) يدل على أن فرض الوضوء غسل الرجلين لا المسح (ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا)، وفي رواية:"نحو وضوئي هذا"، والمراد التشبيه والمماثلة، والتشبيه لا عموم له.
(ثم قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يقال: إن الضمير يرجع إلى عثمان، ويقدر لفظ "قال" ثانيًا ويعود ضميره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: ثم قال
= الصلاة والسلام: "ابدأوا بميامنكم". "ابن رسلان"، وقال ابن العربي (1/ 71): سنَّة، ثم قال ابن رسلان: لا يجب الترتيب بين اليمنى واليسرى، لأن مخرجهما في الكتاب واحد. قال تعالى:{أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} ، والفقهاء يعدون اليدين والرجلين عضوًا واحدًا. (ش).
(1)
وأغرب ما يذكر أن التثليث أوجبه بعضهم. "ابن رسلان". (ش).
(2)
قال ابن دقيق العيد (1/ 37): بعض الفقهاء لا يرى العدد في غسل الرجلين لقربهما من القذر، ولرواية:"حتى أنقاهما"، ومثبت العدد أولى. (ش).
(3)
وسيأتي الكلام عليه مفصلًا في "باب غسل الرجلين". (ش).
"مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غَفَرَ اللهُ عز وجل لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". [خ 159، م 226، ن 84]
===
عثمان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ مثل وضوئي (1) هذا، ثم صلَّى ركعتين) فيه استحباب صلاة ركعتين عقيب (2) الوضوء (لا يحدِّث (3) فيهما نفسه) المراد به ما يمكن المرء قطعه، لأن قوله:"يحدث" يقتضي تكسبًا منه، فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه، فذلك معفو عنه (4)، نعم، من اتفق أن يحصل له عدم حديث النفس أصلًا أعلى درجة بلا ريب، ثم إن تلك الخواطر منها ما يتعلق بالدنيا، والمراد دفعه مطلقًا، ومنها ما يتعلق بالآخرة، فإن كان أجنبيًّا أشبه أحوال الدنيا، وإن كان فيما يتعلق بأمور الآخرة، كالفكر في معاني المتلو من القرآن، والمذكور من الدعوات والأذكار، أو في أمر محمود أو مندوب إليه، لا يضر ذلك، وقد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال:"إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة"(5).
(غفر الله عز وجل له ما تقدم من ذنبه) يعني من الصغائر دون الكبائر، لأنه قيد في بعض تلك الروايات بقوله:"ما لم يؤت كبيرة"، وأيضًا ورد في النص القرآني ارتفاع الكبيرة بالتوبة بطريق الحصر، وظاهر الحديث يعم
(1) وفي "الصحيحين": "نحو وضوئي"، وبسط ابن رسلان على المثل والنحو كلامًا طويلاً، وابن دقيق العيد مختصرًا، [انظر:"إحكام الإحكام"(1/ 37)]. (ش).
(2)
وهي من السنن المؤكدة عند الشافعية خلافًا للمالكية، صرَّح به ابن رسلان. (ش).
(3)
حاصل ما يظهر من ابن رسلان أن فيه ثلاثة أقوال، لا يحدث مكتسبًا من أمور الدنيا أو الآخرة المتعلقة بالصلاة، وقال عياض: لا يحدث مطلقًا ورأسًا، وردَّه النووي فقال: يحصل الفضل مع طريان الخواطر المعارضة غير المستقرة، وسيأتي بعض ما يتعلق به في "باب كراهية الوسوسة". (ش).
(4)
وبه جزم النووي كما بسطه صاحب "الغاية". (ش)
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2/ 314)، كتاب صلاة التطوع، باب في حديث النفس في الصلاة.
107 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَرْدَانَ قال: حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قال: حَدَّثَنِى حُمْرَانُ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ تَوَضَّأَ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ
===
الكبائر والصغائر، لكنه خص بالصغائر، والكبائر إنما تكفر بالتوبة، وكذلك مظالم (1) العباد.
وهذا الحديث أصل عظيم في صفة الوضوء، والأصل في الواجب غسل الأعضاء مرة مرة، والزيادة عليها سُنَّة، لأن الأحاديث الصحيحة وردت بالغسل ثلاثًا ثلاثًا، ومرة مرة، ومرتين مرتين، وبعض الأعضاء ثلاثًا ثلاثًا، وبعضها مرتين مرتين، وبعضها مرة مرة، فالاختلاف على هذه الصفة دليل الجواز في الكل، فإن الثلاث هي الكمال، والواحدة تجزئ.
107 -
(حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا الضحاك بن مخلد قال: ثنا عبد الرحمن بن وردان) بمفتوحة وسكون راء وبمهملة ونون بينهما ألف، الغفاري، أبو بكر، المكي المؤذن، قال ابن معين: صالح، وقال أبو حاتم: ما بحديثه بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، قلت: وقال الدارقطني: ليس بالقوي "تهذيب"، وفي "الميزان": حدث عن أبي سلمة، قال الدارقطني: ليس بالقوي.
(قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: حدثني حمران) بن أبان (قال: رأيت عثمان بن عفان توضأ. فذكر نحوه)، أي فذكر أبو سلمة بن عبد الرحمن عن حمران نحو رواية عطاء بن يزيد عن حمران.
(1) وللبخاري في الرقاق في آخر هذا الحديث: "فلا تغتروا". أي فيستكثروا من الأعمال السيئة، فإن الصلاة المكفرة هي التي يقبلها الله، وأنَّى للعبد بالاطلاع على ذلك، كذا في "ابن رسلان". (ش).
وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَضْمَضَةَ وَالاِسْتِنْشَارَ (1)، وَقَالَ فِيهِ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ هَكَذَا. وَقَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ دُونَ هَذَا كَفَاهُ» . وَلَمْ يَذْكُرْ أَمْرَ الصَّلَاةِ.
[انظر سابقه]
===
إلَّا أنه خالف عطاء في مواضع:
(و) أولها: أن أبا سلمة بن عبد الرحمن (لم يذكر المضمضة والاستنثار) وقد ذكرهما عطاء بن يزيد في روايته.
(و) ثانيها: (قال) أي أبو سلمة (فيه) أي في هذا الحديث: (ومسح رأسه ثلاثًا)(2) زاد أبو سلمة لفظ "ثلاثًا" ولم يذكره عطاء في حديثه.
وثالثها: قال أبو سلمة: (ثم غسل رجليه ثلاثًا) ذكر رجلين بصيغة التثنية ثم ذكر عدد الثلاث، وأما عطاء بن يزيد فذكر كلتا رجليه منفردة، وذكر "ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثًا" بلفظ القدم "ثم اليسرى مثل ذلك"، ولم يذكر العدد مع اليسرى صراحة.
ورابعها: قال أبو سلمة: (ثم قال) أي عثمان: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا، وقال: من توضأ دون هذا كفاه)، أي ما دون الثلاث، ولم يذكر ما ذكر عطاء بن يزيد "من توضأ مثل وضوئي هذا، ثم صلَّى ركعتين، لا يحدث فيهما نفسه، غفر الله عز وجل ما تقدم من ذنبه". فلم يذكر حكم الوضوء المماثل (ولم يذكر أمر الصلاة) بل ذكر حكم "من توضأ دون هذا"
(1) وفي نسخة: "والاستنشاق".
(2)
ومحمل روايات تثليث المسح عندي ما سيأتي في حديث الربيع من مسح كل ناحية لِمَنْصَبِّ الشعر. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أي دون الثلاث مرة واحدة أو مرتين كفاه ويجزئه، وحديث أبي سلمة بن عبد الرحمن هذا يدل على أن التثليث (1) في مسح الرأس سنَّة، وبه قال الشافعي - رحمه الله تعالى -، وأما عندنا فالسنة أن يمسح رأسه مرة واحدة مستوعبًا، والتثليث مكروه، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يمسح ثلاث مرات بماء واحد.
واحتج الشافعي بهذا وبما روي أن عليًّا رضي الله عنه حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسل ثلاثًا ومسح بالرأس ثلاثًا، ولأن هذا ركن أصلي في الوضوء، فيسن فيه التثليث قياسًا على الركن الآخر، وهو الغسل.
والجواب عنه أن المشهور عن عثمان وعلي رضي الله عنهما في الوضوء أنهما مسحا مرة واحدة، قال أبو داود في "سننه": إن أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على مسح الرأس أنه مرة، وكذا روى عبد خير عن علي رضي الله عنه أنه توضأ في رحبة الكوفة، ومسح رأسه مرة واحدة.
وأما رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن هذا مع كونه مخالفًا للثقات
شاذٌّ غير ثابت، لأن فيها عبد الرحمن بن وردان، وقال فيه الدارقطني: ليس بالقوي، كذلك جميع الروايات التي ذكر فيها تثليث المسح لا تخلو عن مقال، حتى قال الشوكاني في "النيل" (2): والإنصاف أن أحاديث الثلاث لم تبلغ إلى درجة الاعتبار حتى يلزم التمسك بها لما فيها
(1) قال ابن سيرين: يمسح مرتين، مرة للفرض ومرة للسنَّة، كذا في "العارضة"(1/ 52)، ورجح ابن رسلان توحيد المسح خلاف المشهور عندهم. (ش).
(2)
"نيل الأوطار"(1/ 198).
108 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ
===
من الزيادة، فالوقوف على ما صح من الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما من حديث عثمان وعبد الله بن زيد وغيرهما هو المتعين، لا سيما بعد تقييده في تلك الروايات السابقة بالمرة الواحدة، وحديث:"من زاد على هذا فقد أساء وظلم" الذي صحّحه ابن خزيمة (1) وغيره، قاضٍ بالمنع من الزيادة على الوضوء الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقالة، كيف! وقد ورد في رواية سعيد بن منصور في هذا الحديث التصريح بأنه مسح رأسه مرة واحدة، ثم قال:"من زاد"، الحديث.
قال الحافظ في "الفتح"(2): ويحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح إن صحت على إرادة الاستيعاب بالمسح، لا أنها مسحات مستقلة بجميع الرأس جمعًا بين الأدلة، انتهى.
ولو ثبت ما رواه الشافعي رحمه الله فهو محمول على أنه فعله بماء واحد، وذلك سنَّة عندنا في رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله لأن التثليث بالمياه الجديدة يقرب إلى الغسل، فكان مخلاًّ بالمسح، وأما الجواب عن القياس فنقول: قياسه على الغسل فاسد من وجهين: أحدهما: أن المسح بُني على التخفيف، والتكرار من باب التغليظ، فلا يليق بالصسح، والثاني: أن التكرار في الغسل مفيد لحصول زيادة نظافة لا تحصل بالمرة الواحدة، ولا يحصل ذلك بتكرار المسح فبطل القياس.
108 -
(حدثنا محمد بن داود الإسكندراني)، هو محمد بن داود بن
(1)"صحح ابن خزيمة"(ح 174).
(2)
"فتح الباري"(1/ 298).
قال: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ يُونُسَ قال: حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ زِيَادٍ الْمُؤَذِّنُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِىِّ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنِ الْوُضُوءِ فَقَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ
===
رزق بن داود بن ناجية بن عمر المهري، أبو عبد الله بن أبي ناجية الإسكندراني، بكسر الألف وسكون المهملة وفتح الكاف وسكون النون وفتح المهملة والراء، وفي آخرها نون، نسبة إلى الإسكندرية، وهي بلدة على طرف بحر المغرب من آخر حد ديار مصر، بناها ذو القرنين الإسكندر، وإليه تنسب البلدة، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: مستقيم الحديث، ذكره أحمد بن شعيب فقال: محمد بن داود بن أبي ناجية ثقة، مات سنة 251 هـ على الصحيح.
(قال: ثنا زياد بن يونس) بن سعيد بن سلامة الحضرمي، أبو سلامة الإسكندراني، قال ابن يونس: توفي بمصر سنة 211 هـ، وكان طَلَّابًا للعلم، وكان يسمى سوسة العلم، أحد الأثبات الثقات، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: مستقيم الحديث.
(قال: حدثني سعيد بن زياد المؤذن) المكتّب المدني، مولى جهينة، ذكره ابن حبان في "الثقات" هكذا في "التهذيب"، وقال في "التقريب": مقبول من السادسة.
(عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي)، هو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله التيمي، قال أبو حاتم: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، هكذا في "التهذيب"، وقال الذهبي في "الميزان": عثمان بن عبد الرحمن التيمي، قال الدارقطني: ليس بالقوي.
(قال: سئل ابن أبي مُليكة)، والسائل غير معلوم ولعله جماعة (عن الوضوء) أي عن صفته (فقال) أي ابن أبي مليكة: (رأيت عثمان بن عفان
سُئِلَ عَنِ الْوُضُوءِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأُتِىَ بِمِيضَأَةٍ فَأَصْغَاها (1) عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِى الْمَاءِ، فَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخَذَ مَاءً فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ: فَغَسَلَ بُطُونَهُمَا وَظُهُورَهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
===
سئل عن الوضوء، فدعا بماء) أي طلب الماء في الإناء (فأتي بميضأة)(2) أي إناء فيه ماء بقدر ما يتوضأ منه (فأصغاها)(3) أي أمالها (على يده اليمنى) فضم معها اليسرى فغسلهما.
(ثم أدخلها في الماء) الذي في الإناء (فتمضمض ثلاثًا، واستنثر ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يده اليمنى) أي إلى المرفق (ثلاثًا، و) كذلك (غسل يده اليسرى) إلى المرفق (ثلاثًا، ثم أدخل) أي عثمان (يده) في الميضأة (فأخذ ماءً)(4) جديدًا (فمسح برأسه وأذنيه (5) فغسل) أي مسح (بطونهما) أي الأذنين بما يلي الوجه (وظهورهما) مما يلي الرأس (مرة واحدة، ثم غسل رجليه، ثم قال) أي عثمان:
(1) وفي نسخة: "يسئل عن الوضوء فدعا بماء فأتي بالميضأة فأصغى".
(2)
مفعلة أو مفعالة، كذا في "المجمع" و"الغاية". (ش).
(3)
فيه إشارة إلى أن الإناء يكون على جانب اليسرى وإلَّا فكيف يصغي على اليمنى، وسيأتي عن ابن رسلان أن الإناء إذا يكون ضيق الفم فيكون على اليسرى وإلَّا فعلى اليمنى. (ش).
(4)
قال ابن رسلان: ثم أرسله، يدل عليه لفظ فمسح، لأن المسح لا يكون إلَّا بالبلل، فإن كان في يده ماء يصير غسلًا. (ش).
(5)
قال ابن رسلان: ظاهره مسحهما مع الرأس بماء واحد، وهو مذهب أحمد، وبسطه، وسيأتي المذاهب، ولا يصح النقل عن أحمد، فإن صاحب "المغني" وصاحب "نيل المآرب" صرَّحا باستحباب التجديد كما سيأتي. (ش).
أَيْنَ السَّائِلُونَ عن الْوُضُوءِ؟ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ". [انظر تخريج الحديث السابق]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَحَادِيثُ عُثْمَانَ الصِّحَاحُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى مَسْحِ الرَّأسِ أَنَّهُ مَرَّةً،
===
(أين السائلون عن) صفة (الوضوء؟ هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ).
(قال أبو داود) أي المؤلف: (أحاديث عثمان الصحاح كلها (1) تدل على مسح الرأس أنه مرة)، واعترض عليه بأن أبا داود نفسه أورد طريقين صحيحين (2)، صحح أحدهما ابن خزيمة وغيره، أحدهما: ما روى بسنده قال: ثنا عبد الرحمن بن وردان قال: ثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: ثني حمران قال: رأيت عثمان توضأ، وقال فيه:"ومسح رأسه ثلاثًا"، والثاني: ما رواه أبو داود بسنده عن عامر بن شقيق بن جمرة عن شقيق بن سلمة قال: رأيت عثمان غسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح رأسه ثلاثًا.
فأجاب بعضهم بأن المراد من قوله: "كلها" أكثرها، أو يقال: إن هذين الطريقين لا يعارضان الطرق الدالة على كون مسح الرأس مرة لا عددًا، ولا قوة وصحة، فإن الصحاح فيما بينهما بنون بعيد، وإن كان يشمل اسم الصحة كلها.
وأجاب عنه الحافظ في "الفتح"(3) بأنه يحمل قول أبي داود على إرادة استثناء الطريقين اللذين ذكرهما، فكأنه قال إلَّا هذين الطريقين.
(1) قال ابن رسلان: "أحاديث عثمان" التيمي "الصحاح كلها" ويحتمل أن يراد به عثمان ابن عفان، انتهى، وفيه ما فيه، فإن الظاهر هو الثاني. (ش).
(2)
تكلم عليهما ابن قدامة في "المغني"(1/ 178). (ش).
(3)
"فتح الباري"(1/ 298).
فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا الْوُضُوءَ ثَلَاثًا، وقَالُوا فِيهَا: وَ (1) مَسَحَ رَأْسَهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا عَدَدًا كَمَا ذَكَرُوا في غَيْرِهِ.
===
قلت: ومدار هذه الأجوبة على أن عبد الرحمن بن وردان الذي روى عن أبي سلمة، قال فيه أبو حاتم: ما به بأس، وقال ابن معين: صالح، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وأما على ما قال فيه الدارقطني كما نقله عنه الحافظ في "تهذيبه"، والذهبي في "الميزان"، فلا يكون هذا الحديث حسنًا فضلًا عن أن يكون صحيحًا، ويكون الاعتراض عن أصله ساقطًا، وأما الرواية الثانية التي رواها عامر بن شقيق، فأيضًا غير صحيحة، فإنه قال الشوكاني في "النيل" (2): وعامر بن شقيق مختلف فيه، فالأوجه أن يقال في الجواب: إن عبد الرحمن بن وردان، وكذلك عامر بن شقيق عند أبي داود ليسا بقويين، فعلى هذا قوله:"أحاديث عثمان الصحاح كلها" صحيح بلا تأويل.
ولما ادعى المؤلف على أن أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة واحدة دون الثلاث استدل فقال: (فإنهم) أي رواة حديث وضوء عثمان (ذكروا) صفة وضوء عثمان، وذكروا أن غسله أعضاء (الوضوء) كان (ثلاثًا) بكل عضو، (وقالوا) أي الرواة (فيها) أي في الروايات:(ومسح رأسه، ولم يذكروا عددًا) في مسح الرأس (كما ذكروا) عدد الغسل (في غيره) أي في غير مسح الرأس من غسل اليدين والوجه والرجلين، فإنهم قالوا فيها ثلاثًا.
فدل ذلك على أن المسح كان مرة واحدة، لأنه لو كان فيه التثليث
(1) وفي نسخة: "وقالوا فيها: ثم مسح برأسه".
(2)
"نيل الأوطار"(1/ 197).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
لفعله عثمان رضي الله عنه ولحكى عنه الرواة، بل في بعض روايات عثمان تصريح بأن عثمان رضي الله عنه مسح برأسه مرة واحدة، وكذلك في رواية علي رضي الله عنه ذكر المسح مرة، كما سيذكرها المصنف، وكما أخرج الترمذي (1) عن أبي حية عن علي رضي الله عنه وصححه.
قال الشوكاني في "النيل"(2): وروي عن سلمة بن الأكوع مثله، وعن ابن أبي أوفى مثله أيضًا، ورواه الطبراني في "الأوسط" من حديث أنس بلفظ:"ومسح برأسه مرة"، قال الحافظ: وإسناده صالح، ورواه أبو علي بن السكن من حديث رزيق بن حكيم عن رجل من الأنصار مثله، وأخرج الطبراني من حديث عثمان مطولًا، وفيه:"مسح برأسه مرة واحدة".
قال الحافظ: وفي روايته من حديث عبد الله بن زيد: "ومسح برأسه مرة واحدة"، وكذا حديث ابن عباس، فإنه قيد المسح فيه بمرة واحدة، وأخرج الترمذي من حديث الربيع بلفظ:"أنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، قالت: مسح رأسه ما أقبل منه وما أدبر وصدغيه وأذنيه مرة واحدة"، وقال: حسن صحيح، وروى النسائي من حديث حسين بن علي عن أبيه:"أنه مسح برأسه مرة واحدة"، وأخرج النسائي من حديث عائشة في تعليمها لوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"ومسحت رأسها مسحة واحدة"، انتهى ملخصًا.
فهذه الأحاديث كلها تدل على أن الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في
(1)"سنن الترمذي"(1/ 34).
(2)
"نيل الأوطار"(1/ 196).
109 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَنَا عِيسَى قَالَ: حَدَّثنَا (1) عُبَيْدُ اللهِ - يَعْنِي ابْنَ أَبِي زِيَادٍ - ،
===
المسح أنه مرة واحدة، قال الحافظ (2): ومن أقوى الأدلة على عدم العدد الحديث المشهور، الذي صححه ابن خزيمة وغيره من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص في صفة الوضوء، حيث قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغ: "من زاد على هذا فقد أساء وظلم". فإن في رواية سعيد بن منصور هذه التصريح بأنه مسح رأسه مرة واحدة، فدل على أن الزيادة في مسح الرأس على المرة غير مستحبة، ويحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح إن صحت على إرادة الاستيعاب بالمسح، لا أنها مسحات مستقلة لجميع الرأس جمعًا بين الأدلة.
109 -
(حدثنا إبراهيم بن موسى) الرازي (قال: أنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق (قال: حدثنا عبيد الله - يعني ابن أبي زياد -) القداح، بفتح القاف وتشديد المهملة في آخرها مهملة أيضًا، أبو الحصين المكي، قال علي بن المديني عن يحيى القطان: كان وسطًا لم يكن بذاك، وقال الدوري ومعاوية بن صالح عن ابن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، ولا المتين، صالح الحديث، يكتب حديثه، وقال الآجري عن أبي داود: أحاديثه مناكير، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في موضع آخر: ليس بالقوي، وقال في موضع آخر: ليس بثقة، وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم، قال أبو حاتم: لا يحتج به إذا انفرد، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: صالح، وقال أحمد مرة: ليس به بأس، وقال أحمد بن أبي يحيى عن ابن معين: ليس به بأس، وقال ابن عدي: قد حدث عنه
(1) وفي نسخة: "أنا".
(2)
"فتح الباري"(1/ 298).
عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عن أَبِي عَلْقَمَةَ:
===
الثقات، ولم أر في حديثه شيئًا منكرًا، وقال العجلي: ثقة، وقال الحاكم في "المستدرك": كان من الثقات، وقال الترمذي عقيب حديثه عن شهر عن أسماء: هذا حديث صحيح، هذا خلاصة ما في "تهذيب التهذيب"، و"الميزان".
وقال السمعاني في "الأنساب"(1): وأبو الحصين عبيد الله بن أبي زياد القداح من أهل مكة، يروي عن أبي الطفيل والقاسم بن محمد، روى عنه الثوري وهشيم، كان ممن ينفرد عن القاسم بما لا يتابع عليه، وكان رديء الحفظ، كثير الوهم، لم يكن في الإتقان بالحال التي تقبل ما انفرد به، فلا يجوز الاحتجاج بأخباره إلَّا ما يوافق فيه الثقات، مات سنة خمسين ومئة، وكان يحيى بن معين يقول: عبيد الله بن أبي زياد القداح ضعيف، انتهى.
(عن عبد الله بن عبيد بن عمير) هو عبد الله بن عبيد بالتصغير بغير إضافة، ابن عمير بالتصغير أيضًا، الليثي ثم الجُندعي بضم الجيم، أبو هاشم المكي، قال أبو زرعة: ثقة، وقال أبو حاتم: ثقة يُحتج بحديثه، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان مستجاب الدعوة، وقال محمد بن عمر: كان ثقة صالحًا له أحاديث، وقال العجلي: تابعي مكي ثقة، قال إسحاق القراب: قتل بالشام في الغزو سنة 113 هـ.
(عن أبي علقمة) الفارسي المصري، مولى بني هاشم، قال ابن يونس: مولى ابن عباس، ويقال: حليف الأنصار، كان على قضاء إفريقية، قال أبو حاتم: أحاديثه صحاح، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال العجلي: مصري تابعي ثقة.
(1)(4/ 458).
"أَنَّ عُثْمَانَ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، فَأَفْرَغَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، ثُمَّ غَسَلَهُمَا إِلَى الْكُوعَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَذَكَرَ الْوُضُوءَ ثَلَاثًا، قَالَ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مِثْلَ مَا رَأَيْتُمُونِى تَوَضَّأْتُ". ثُمَّ سَاقَ نَحْوَ حَدِيثِ الزُّهْرِىِّ وَأَتَمَّ. [انظر تخريج الحديث السابق]
===
(أن عثمان) بن عفان (دعا بماء فتوضأ) أي أراد الوضوء، أو يقال: أجمل أولاً ثم فصَّله، فقال:(فأفرغ) أي صَبَّ (بيده اليمنى على اليسرى) ثم ضمَّ معها اليمنى، (ثم غسلهما إلى الكوعين) أي الرسغين، (قال: ثم مضمض واستنشق ثلاثًا، وذكر الوضوء) أي غسل أعضاء الوضوء (ثلاثًا، قال: ومسح برأسه) ولم يذكر فيه عددًا، وهذا يدل على أن المسح كان مرة واحدة (ثم غسل رجليه) ولم يذكر فيه عددًا، ولكن المراد ثلاثًا، لأنه ذكر قبيل ذلك: وذكر الوضوء ثلاثًا، فهذا يدل على أن غسل الرجلين كان ثلاثًا.
(وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل ما رأيتموني توضأت، ثم ساق) أي عبيد الله، فالظاهر أن ضمير الفاعل في "ساق" يرجع إلى عبيد الله بن أبي زياد، لأن طبقة عبيد الله والزهري متقاربة، ولأن غرض المصنف بهذا الكلام الإشارة إلى أن رواية عبيد الله بن أبي زياد وإن كان فيه ضعف، لكنها لما وافقت رواية الزهري صار ضعفها مغتفرًا، وبلغت مرتبة الاحتجاج، فما قال صاحب "غاية المقصود" وتبعه صاحب "عون المعبود" بإرجاع الضمير إلى أبي علقمة، فعندي غير موجه لأن طبقتهما متفاوتة جدًا (نحو حديث الزهري وأتم)(1). وقد أخرج الدارقطني في "سننه" هذه الرواية مفصَّلة تصدق قول المصنف بأنها أتم من رواية الزهرى، من شاء فليرجع إليها.
(1) وفي "التقرير": فعل ماض، أي: أورده تمامًا، أو أفعل تفضيل. (ش).
110 -
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قال: حَدَّثَنَا (1) إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقِ بْنِ جَمْرَةَ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:
===
110 -
(حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، أبو موسى البزاز الحافظ المعروف بالحمّال بالمهملة، وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، يقال: إنما سمي بذلك، لأنه كان بزازًا فتزهد، فصار يحمل الشيء بالأجرة ويأكل منها، مات سنة 243 هـ.
(قال: حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي، مولى آل أبي معيط، أبو زكريا الكوفي، وثقه ابن معين والنسائي وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة والعجلي وغيرهم، وقال يحيى بن أبي شيبة: ثقة صدوق ثبت حجة ما لم يخالف من هو فوقه، مثل وكيع، مات سنة 203 هـ.
(قال: حدثنا إسرائيل) بن يونس السبيعي، (عن عامر بن شقيق ابن جمرة) بالجيم والراء، الأسدي الكوفي، قال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، قلت: صحح الترمذي حديثه في التخليل، وقال في "العلل الكبير": قال محمد: أصح شيء في التخليل حديث عثمان، قلت: إنهم يتكلمون في هذا، فقال: هو حسن، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم.
(عن شقيق بن سلمة) أبو وائل الأسدي (قال) أي شقيق بن سلمة: (رأيت عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح رأسه ثلاثًا، ثم قال)
(1) وفي نسخة: "أنا".
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فعَلَ هَذا. [انظر تخريج الحديث السابق]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائيلَ، قَالَ: تَوَضَّأ ثَلَاثًا فَقَطْ.
111 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عن خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ ،
===
أي عثمان: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا) أي التثليث في غسل الذراعين ومسح الرأس، وفي هذا الحديث ذكر تثليث المسح.
(قال أبو داود: رواه وكيع عن إسرائيل، قال) وكيع عن إسرائيل: (توضأ ثلاثًا فقط)، وفي نسخة: قط (1)، وغرض المصنف من هذا الكلام أن يحيى بن آدم روى عن إسرائيل هذا الحديث، وذكر فيه تثليث المسح، وخالف وكيعًا في هذا، فإن وكيعًا حدث عن إسرائيل بهذا، وقال في حديثه: توضأ أي عثمان ثلاثًا فقط، يعني ذكر وكيع في حديثه التثليث في الوضوء، أي في غسل أعضائها ، ولم يذكر التثليث في المسح تصريحًا، ويحيى بن آدم إذا خالف وكيعًا لا يحتج به كما ذكرناه قبل، فلا يقاوم الروايات الصحيحة التي رواها الحفاظ المتقنون.
قلت: وقد ذكرنا قبل عن الشوكاني أن عامر بن شقيق مختلف فيه، وقد ذكرنا فيما بينَّا من حاله.
111 -
(حدثنا مسدد قال: ثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري، (عن خالد بن علقمة) الهمداني الوادعي، قال في "الأنساب" (2): بفتح الواو وكسر الدال المهملة، هذه النسبة إلى وادعة، وهو بطن من همدان،
(1) قال ابن رسلان: بفتح القاف وسكون الطاء أي حسب، وأكثر ما يستعمل بالفاء أي فقط ، وهذه الرواية دليل على حذف الفاء ، انتهى. (ش)
(2)
(4/ 460).
عن عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ: "أَتَانَا عَلِيٌّ وَقَدْ صَلَّى فَدَعَا بِطَهُورٍ، فَقُلْنَا: مَا يَصْنَعُ بَالطَّهُورِ وَقَدْ صَلَّى؟ مَا يُرِيدُ إِلَّا لِيُعَلِّمَنَا
===
وهو وادعة بن عمرو بن عامر، انتهى. أبو حية الكوفي، قال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: شيخ، ووهم شعبة في تسميته وتسمية أبيه حيث قال: مالك بن عرفطة، وعاب بعضهم على أبي عوانة أنه كان يقول: خالد بن علقمة مثل الجماعة، ثم رجع عن ذلك حين قيل له: إن شعبة يقول: مالك بن عرفطة، واتبعه، وقال: شعبة أعلم مني، وحكاية أبي داود تدل على أنه رجع عن ذلك ثانيًا إلى ما كان يقول أولًا، وهو الصواب.
(عن عبد خير) بن يزيد الهمداني، أبو عمارة الكوفي، مخضرم أدرك الجاهلية، قال عثمان الدارمي عن يحيى بن معين: ثقة، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وقال أبو جعفر محمد بن الحسين البغدادي: سألت أحمد بن حنبل عن الثبت في علي -رضي الله تعالى عنه - فذكر عبد خير فيهم، وقال الخطيب: يقال: اسم عبد خير عبد الرحمن، عُمِّر طويلًا، قال عبد الملك بن سلعة: قلت لعبد خير: كم أتى عليك؟ قال: عشرون ومئة سنة.
(قال: أتانا)(1) أي جاء عندنا في مجالسنا في رحبة الكوفة (علي وقد صلَّى) الغداة، أي والحال أنه رضي الله عنه فرغ من صلاة الغداة قريبًا (فدعا) أي علي رضي الله عنه (بطهور) بفتح الطاء أي ماء للوضوء (فقلنا) أي في أنفسنا أو بعضنا لبعض:(ما يصنع بالطهور و) الحال أنه (قد صلى؟ ) فما استفهامية واستعمل في التعجب (ما يريد) أي علي بالوضوء بعد الفراغ من الصلاة، ولفظة ما نافية (إلَّا ليعلمنا) صفة الوضوء بأن يتوضأ بمرأى منا.
(1) وعند النسائي: "أتينا". (ش).
فَأُتِيَ بَإِنِاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَطَسْتٍ، فَأَفْرَغَ مِنَ الإِنَاءِ عَلَى يَمِينِهِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ (1) وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، فَمَضْمَضَ وَنَثَرَ مِنَ الْكَفِّ الَّذِي يَأخُذُ فِيهِ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَ (2) غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ الشِّمَالَ ثَلَاثًا، ثُمَّ جَعَلَ يَدَهُ في الإِنَاءِ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى (3) ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:
===
(فأتي) بصيغة المجهول (بإناء فيه ماء وطست)(4) بجره عطفًا على إناء كعبد وسدر، من آنية صفر، مؤنث، أصله طَسٌّ أبدلت إحدى سينيه تاء تخفيفًا (فأفرغ) أي صَبَّ (من الإناء على يمينه فغسل يده) إلى الرسغين (ثلاثًا، ثم تمضمض واستنثر ثلاثًا، فمضمض ونثر)(5) أي استنثر (من الكف الذي يأخذ فيه) الماء، والمراد به اليمنى، فالمَسْنون أن يمضمض ويستنشق باليمنى، وأما النثر أي إخراج الماء من الأنف فالمسنون فيه أن يكون باليسرى، كما ورد في حديث غير هذا.
(ثم غسل وجهه ثلاثًا، وغسل يده اليمنى ثلاثًا، وغسل (6) يده الشمال ثلاثًا، ثم جعل يده في الإناء) فأخذ منه ماء جديدًا للمسح (فمسح برأسه مرة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثًا، ورجله اليسرى ثلاثًا، ثم قال)
(1) وفي نسخة: "مضمض".
(2)
وفي نسخة: "ثم".
(3)
وفي نسخة: "الشمال".
(4)
تفسير الإناء، ويحتمل أن يكون المراد الماء في إناء وطست ليتساقط فيه المستعمل، ويرجح الأول رواية الطبراني:"فأتي بطست من ماء"، كذا في "الغاية". (ش).
(5)
ولم يذكر الاستنشاق، فإن ذكر الاستنثار دليل عليه، لأنه لا يكون إلَّا بعده. "ابن رسلان"، وفي "الغاية": المراد من الاستنثار ها هنا الاستنشاق. (ش).
(6)
ولفظ مسلم: "ثم"، واستدل به صاحب "الغاية" على انفراد كل منهما بالغسل. (ش).
مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ هَذَا". [ن 92، حم 1/ 141 - 154، ت 49]
112 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ قال: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ الْجُعْفِىُّ، عَنْ زَائِدَةَ قال: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْهَمْدَانِىُّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ: صَلَّى عَلِيٌّ رضى الله عنه الْغَدَاةَ، ثُمَّ دَخَلَ الرَّحْبَةَ فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأَتَاهُ الْغُلَامُ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، وَطَسْتٍ، قَالَ: فَأَخَذَ الإِنَاءَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى، وَغَسَلَ (1) كَفَّيْهِ
===
أي علي رضي الله عنه: (من سره) من السرور أي أعجبه وفرحه، وكل مسلم يعجبه أن يتعلم ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن يعلم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو هذا) أي وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكمال شبهه كأنه هو، والمراد به التثليث في غسل الأعضاء، والتوحيد في مسح الرأس.
112 -
(حدثنا الحسن بن علي الحلواني) الخلال (قال: حدثنا الحسين بن علي الجعفي) بضم الجيم وسكون العين المهملة، نسبة إلى جعفي بن سعد من مذحج، ينسب إليه البخاري ولاء، وثقه ابن معين والعجلي وعثمان بن أبي شيبة، مات سنة 203 هـ.
(عن زائدة) بن قدامة الثقفي (قال: حدثنا خالد بن علقمة الهمداني، عن عبد خير) بن يزيد (قال) أي عبد خير: (صلَّى علي) بن أبي طالب صلاة (الغداة) أي فرغ منها، (ثم دخل الرحبة) بفتح الراء وسكون المهملة بعدها موحدة، أي فضاء الكوفة وفسحتها، وقال في "القاموس": محلة بالكوفة (فدعا بماء، فأتاه الغلام بإناء فيه ماء، وطست، قال) أي عبد خير: (فأخذ الإناء بيده اليمنى) ووضعه عنده (فأفرغ) من الإناء على يده اليمنى ومنها (على يده اليسرى، وغسل كفيه) أي يديه إلى الرسغين
(1) وفي نسخة: "فغسل".
ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى فِى الإِنَاءِ فَتَمَضْمَضَ (1) ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، ثُمَّ سَاقَ قَرِيبًا مِنْ حَدِيثِ أَبِى عَوَانَةَ، قَالَ: ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ مُقَدَّمَهُ وَمُؤَخَّرَهُ مَرَّةً". ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ نَحْوَهُ.
113 -
حَدَّثَنَا (2) مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قال: حَدَّثَنِى (3) مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قال: حَدَّثَنِا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ عُرْفُطَةَ قال: سَمِعْتُ عَبْدَ خَيْرٍ قَالَ: "رَأَيْتُ عَلِيًّا - رضى الله عنه - أُتِىَ بِكُرْسِىٍّ
===
(ثلاثًا، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فتمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا) يعني تمضمض باليمنى بثلاث غرفات، وكذلك استنشق باليمنى بثلاث غرفات، كما قلنا في الحديث المتقدم في شرح قوله:"ونثر من الكف الذي يأخذ فيه".
(ثم ساق) أي زائدة هذا الحديث (قريبًا من حديث أبي عوانة) في الألفاظ، ثم بينه زائدة (قال) في حديثه:(ثم مسح) علي رضي الله عنه (رأسه مقدَّمه ومؤخَّره) بأنه بدأ بمقدم رأسه فذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه (مرة، ثم ساق) زائدة (الحديث) أي حديثه (نحوه) أي نحو حديث أبي عوانة.
113 -
(حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثني محمد بن جعفر) غندر (قال: نا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت مالك بن عرفطة)، قال في "التهذيب": مالك بن عرفطة عن عبد خير عن علي في الوضوء، وعنه شعبة، كذا سمَّاه، وخالفه الجماعة، فقالوا: خالد، وهو الصواب.
(قال: سمعت عبد خير قال: رأيت عليًا) أي في الكوفة (أتي بكرسي)، قال في "القاموس": الكرسي بالضم وبالكسر: السرير، وقال في "تفسير
(1) وفي نسخة: "فمضمض".
(2)
وفي نسخة: "حدثني".
(3)
وفي نسخة: "حدثنا".
فَقَعَدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُتِىَ بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ مَعَ الاِسْتِنْشَاقِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ"
===
البيضاوي": وهو في الأصل اسم لما يقعد عليه، ولا يفضل عن مقعد القاعد (فقعد عليه، ثم أتي بكوز) بالضم، وهو ما له عروة من أواني الشرب، وما لا فهوكوب، كذا في "المجمع" (من ماء فغسل يده) وفي نسخة: يديه، وهو الأوفق بالروايات (ثلاثًا، ثم تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد).
وهذا الحديث حجة للشافعي رحمه الله، فإنه قال بالجمع (1) بينهما بماء واحد، بأن ياخذ الماء بكفه، فيمضمض ببعضه، ويستنشق ببعضه، وقال الترمذي في "سننه": قال الشافعي: إن جمعهما في كف واحد فهو جائز، وإن فَرَّقهما فهو أحب (2) إلينا، وهذا قول ثان له (3)، وهذا عين مذهب أبي حنيفة رحمه الله.
والجواب عن هذا الحديث بأن هذا اللفظ تفرد به شعبة بل خالف رواة ذلك الحديث، فإن زائدة روى عن خالد بن علقمة، قال في حديثه:"فتمضمض ثلاثًا واستنشق ثلاثًا"، وكذلك روى أبو إسحاق عن أبي حية عن علي هذا الحديث، فقال في حديثه:"ثم مضمض ثلاثًا واستنشق ثلاثًا"، وقد وهم شعبة في هذا الحديث في ذكر اسم الراوي، فقال: مالك بن عرفطة، والصحيح خالد بن علقمة.
(1) ورجحه النووي منهم. (ش).
(2)
ورجحه الرافعي الكبير. "ابن رسلان". (ش).
(3)
قال النووي (2/ 108): بأي وجه أوصل الماء إليهما حصل المضمضة والاستنشاق، وفيه خمسة أوجه: الأول: بثلاث غرفات، يتمضمض من كل واحدة، ثم يستنشق منها ثلاثًا. والثاني: الكل بغرفة، يتمضمض منها ثلاثًا، ثم يستنشق منها ثلاثًا. الثالث: أيضًا بغرفة، لكن يتمضمض ثم يستنشق ثم يتمضمض ثم وثم. الرابع: بغرفتين، يتمضمض بغرفة ثلاثًا، ثم يستنشق بالثانية ثلاثًا. والخامس: بست غرفات. والأوجه الأول، انتهى. (ش).
وَذَكَرَ الْحَدِيث (1)(2). [حم 1/ 122 ، ن 93]
114 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ
===
وكذلك ما أخرجه الترمذي بسنده عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كف واحد، فعل ذلك ثلاثًا"، ثم قال الترمذي: وقد روى مالك وابن عيينة وغير واحد هذا الحديث، عن عمرو بن يحيى، ولم يذكروا هذا الحرف "أن النبي صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كف واحد"، وإنما ذكره خالد بن عبد الله، وخالد ثقة حافظ عند أهل الحديث، انتهى. فإما أن يقال: هذه الزيادة شاذَّة، ويمكن أن يحمل أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مرة لبيان الجواز.
(وذكر الحديث) أي ذكر شعبة هذا الحديث بتمامه، وقد أخرجه النسائي مطولاً في "المجتبى"(3).
114 -
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا أبو نعيم) مصغرًا،
(1) وفي نسخة: "ذكر هذا الحديث".
(2)
وفي "تحفة الأشراف"(7/ 88) رقم (10203): قال أبو داود: مالك بن عرفطة إنما هو "خالد بن علقمة" أخطأ فيه شعبة. قال أبو داود: قال أبو عوانة يومًا: حدثنا مالك ابن عرفطة، عن عبد خير، فقال له عمرو الأغضف: رحمك الله يا أبا عوانة، هذا "خالد بن علقمة" ولكن شعبة يخطئ فيه، فقال أبو عوانة: هو في كتابي "خالد بن علقمة" قال لي شعبة: هو مالك بن عرفطة. قال أبو داود: وسماعه قديم، قال أبو داود: حدثنا أبو كامل قال: حدثنا أبو عوانة، عن خالد بن علقمة، وسماعه متأخر، كان بعد ذلك رجع إلى الصواب.
ثم قال المزي: من قول أبي داود (مالك بن عرفطة) إلى قوله: "رجع إلى الصواب" في رواية أبي الحسن بن العبد ولم يذكره أبو القاسم.
(3)
"سنن النسائي"(ح 93).
قَالَ: حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ الْكِنَانِيُّ، عن الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو،
===
الفضل بن دكين، وهو لقب، واسمه عمرو بن حماد بن زيد بن درهم، مولى آل طلحة الملائي الكوفي الأحول، ذكره الحافظ في "تهذيب التهذيب" في ترجمة طويلة، خلاصتها أنه وثقه كثير من المحدثين، ومدحه كثير، فهو عندهم ثقة ثبت، إلَّا أنه قال: قال أحمد بن صالح: ما رأيت محدثًا أصدق من أبي نعيم، وكان يدلس أحاديث مناكير، وقال ابن معين: كان مزاحًا، ذكر له حديث عن زكريا بن عدي، فقال: ما له وللحديث، ذاك بالتوراة أعلم، يعني أن أباه كان يهوديًا فأسلم، مات سنة 218 هـ، وهو من كبار شيوخ البخاري.
(قال: حدثنا ربيعة الكناني)(1) هو ربيعة مكبرًا، ابن عتبة، بمضمومة وسكون فوقية وبموحدة، ويقال: ابن عبيد الكناني، بكسر الكاف ونونين بينهما ألف، قال أبو نعيم: ثقة، وقال أبو حاتم الهمداني: شيخ، وذكره ابن حبان في "الثقات"، روى له أبو داود حديثًا واحدًا في مسح الرأس في الوضوء. قلت: وقال العجلي: ثقة، ووهم أبو الحسن بن القطان، فزعم أن البخاري أخرج له، وليس كذلك.
(عن المنهال (2) بن عمرو) بكسر الميم وسكون النون، ابن عمرو الأسدي مولاهم، الكوفي، قال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال العجلي: كوفي ثقة، وتركه شعبة، لأنه سمع من منزله صوت الطنبور، ويقال: صوت قراءة بالتطريب، وقال الغلابي: كان ابن معين يضع من شأن المنهال، وقال الجوزجاني: سيِّئ المذهب.
(1) نسبة إلى كنانة بن خزيمة، ذكره صاحب "الغاية". (ش).
(2)
ذكر للحديث علة أنه عن المنهال عن أبي حية عن علي، وقيل: لا علة فيه "الغاية". (ش).
عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا رضى الله عنه، وَسُئِلَ عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ حَتَّى لَمَّا يَقْطُرْ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. [حم 1/ 110]
115 -
حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ
===
(عن زر بن حبيش) زر بكسر زاي وشدة راء، ابن حبيش بالتصغير، ابن حباشة بضم مهملة وخفة موحدة وستين معجمة، ابن أوس بن بلال، وقيل: هلال، الأسدي، أبو مريم، ويقال: أبو مطرف الكوفي، مخضرم أدرك الجاهلية، قال ابن معين: ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، مات سنة 83 هـ، وهو ابن 127 سنة.
(أنه) أي زر بن حبيش (سمع عليًا) رضي الله عنه يعني قوله بعد الفراغ من الوضوء (وَسُئل) الواو للحال، أي والحال أن عليًّا رضي الله عنه سئل (عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث) أي فذكر زر قصة الوضوء بتمامها (وقال) زر فيه: (ومسح) على (رأسه حتى لمَّا يقطر)(1) يعني زاد في المسح لفظ "حتى لما يقطر"، وهذه الزيادة تشير إلى أن المسح كان مرة واحدة (2) ، لأنه لو كان ثلاثًا لتقاطر الماء عن رأسه بعد المسح (وغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال) أي علي رضي الله عنه: (هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم).
115 -
(حدثنا زياد بن أيوب الطوسي) هو زياد بن أيوب بن زياد البغدادي، أبو هاشم، المعروف بدلُّويه، بفتح الدال المهملة وضم اللام
(1) أي لم يقطر، قال ابن رسلان: والفرق بين "لمَّا" و"لم" بثلاثة وجوه: النفي بلم لا يجب اتصاله بالحال، بخلاف "لما"، والفعل بعد "لما" يجوز حذفه اختيارًا، بخلاف "لم" فلا يجوز بعده إلَّا للضرورة، و"لم" تصاحب أدوات الشرط كإن لم، بخلاف "لمَّا"، انتهى. (ش).
(2)
وقيل عكسه "الغاية". (ش).
قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى
===
المشددة، وكان يغضب منه، طوسي الأصل، وطوس بلدة بخراسان (1)، قال المروزي عن أحمد: اكتبوا عنه، فإنه شعبة الصغير ، وقال أبو إسحاق الأصبهاني: ليس على بسيط الأرض أحد أوثق من زياد بن أيوب، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في موضع آخر: ثقة، وقال الدارقطني: دلُّويه ثقة مأمون، مات سنة 152 هـ.
(قال: ثنا عبيد الله بن موسى) بن أبي المختار، واسمه باذام العبسي بموحدة، مولاهم، الكوفي، أبو محمد الحافظ، اختلف فيه، قال الميموني: ذكر عند أحمد عبيد الله بن موسى فرأيته كالمنكر له، وقال: كان صاحب تخليط، وحدَّث بأحاديث سوء، قيل له: فابن فضيل؟ قال: كان أستر منه، وقال يعقوب بن سفيان: شيعي، وإن قال قائل: رافضي لم أنكر عليه، وهو منكر الحديث، وقال الجوزجاني: وعبيد الله بن موسى أغلى وأسوأ مذهبًا، وأروى للعجائب، وقال الحاكم: سمعت قاسم بن قاسم السياري، سمعت أبا مسلم البغدادي الحافظ يقول: عبيد الله بن موسى من المتروكين، تركه أحمد لتشيعه، قال الساجي: صدوق، كان يفرط بالتشيع، قال أحمد: روى مناكير، وقد رأيته بمكة فأعرضت عنه، وبعد ذلك عتبوا عليه، ترك الجمعة مع إدمانه على الحج، وأما الموثقون له، فقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة حسن الحديث، وقال العجلي: ثقة، وقال ابن عدي: ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة صدوقًا إن شاء الله تعالى، كثير الحديث حسن الهيئة، وكان يتشيع، ويروي أحاديث في التشيع منكرة، وضعف بذلك عند كثير من الناس،
(1) قرية ببخارى "الغاية"، وفي بعض النسخ:"القرشي" وهو غلط، كذا في "التقرير". (ش). [قلت: في "معجم البلدان"(4/ 50): طوس من قرى بخارى].
قَالَ: حَدَّثَنَا فِطْرٌ، عن أَبِي فَرْوَةَ، عن عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى،
===
وقال عثمان بن أبي شيبة: صدوق ثقة، وكان يضطرب في حديث سفيان اضطرابًا قبيحًا، مات سنة 213 هـ.
(قال: حدثنا فطر) بكسر الفاء وسكون الطاء في آخره راء، ابن خليفة القرشي المخزومي مولاهم، أبو بكر الحفاظ الكوفي، مختلف فيه، وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد القطان وابن معين والنسائي في موضع، وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله تعالى، وقال الساجي: صدوق ثقة ليس بمتقن، كان أحمد بن حنبل يقول: هو خشبي أي من الخشبية - فرقة من الجهمية - مفرط، وقال السعدي: زائغ غير ثقة، وقال الدارقطني: فطر زائغ ولم يحتج به البخاري، وقال أبو بكر بن عياش: ما تركت الرواية عنه إلَّا لسوء مذهبه، وقال ابن سعد: ومن الناس من يستضعفه، وكان لا يدع أحدًا يكتب عنه، وقال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أبا نعيم يرفع من فطر ويوثقه، ويذكر أنه كان ثبتًا في الحديث، وقال النسائي: حدثنا يعقوب بن سفيان عن ابن نمير قال: فطر حافظ كيِّس، مات سنة 153 هـ.
(عن أبي فروة) مسلم بن سالم النهدي، أبو فروة الأصغر الكوفي، ويعرف بالجهني لنزوله فيهم، قال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال يعقوب بن سفيان: لا بأس به.
(عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري (1) المدني ثم الكوفي،
(1) وذكر القاري: صحابي شهد أحدًا وما بعدها، كذا في "التهذيب"، انتهى، فتأمل فإنه مشكل. (ش). [قلت: وقال القاري بعد ذلك: وفي "التقريب" أنصاري، مدني، كوفي، ثقة، من الثانية، اختلف في سماعه عن عمر، وهذا هو الصحيح، وأما ما نسب إلى "التهذيب" فهو وهم منه. انظر:"مرقاة المفاتيح"(2/ 37)، و"التهذيب"(6/ 260)، و"التقريب"(3993)].
قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا - رضى الله عنه - تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَاحِدَةً، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
116 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَبُو تَوْبَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ. (ح): وَأخبرَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ،
===
أبو عيسى، ثقة، اختلف في سماعه من عمر، ولد لست بقين من خلافة عمر، ومات بوقعة الجماجم سنة 38 هـ، وقيل: إنه غرق.
(قال) عبد الرحمن بن أبي ليلى: (رأيت عليًا) بن أبي طالب (توضأ) ثم فسره بقوله: (فغسل وجهه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا، ومسح برأسه) مرة (واحدة، ثم قال: هكذا توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني أن غسل الأعضاء كان ثلاثًا، والمسح مرة واحدة، ولم يذكر فيه غسل الرجلين، فلعله اختصار من بعض الرواة.
116 -
(حدثنا مسدد) بن مسرهد (وأبو توبة) ربيع بن نافع (قالا: ثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم (ح)(1): هذا تحويل من سند إلى سند آخر.
(وأخبرنا عمرو بن عون) بن أوس بن الجعد، أبو عثمان الواسطي البزار، مولى أبي العجفاء السلمي، سكن البصرة، أطنب في الثناء عليه يحيى بن معين، وقال العجلي: ثقة، وقال أبو زرعة: قَلَّ من رأيت أثبت منه، وقال أبو حاتم: حجة ثقة، مات سنة 225 هـ.
(قال: أنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله الهمداني، أبو إسحاق السبيعي مكبرًا، والسبيع من همدان، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وثَّقه ابن معين والنسائي والعجلي وأبو حاتم
(1) ذكر التحويل، لأن الأولين ذكرا أبا الأحوص بالتحديث والثالث بالإخبار، "تقرير". (ش).
عن أَبِي حَيَّةَ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا تَوَضَّأَ، فَذَكَرَ وُضُوءَهُ كُلَّهُ
===
وأحمد بن حنبل، وقال ابن حبان في "كتاب الثقات": كان مدلسًا، وكذا ذكره في المدلسين حسين الكرابيسي وأبو جعفر الطبري.
وقال أبو إسحاق الجوزجاني: كان قوم من أهل الكوفة لا تحمد مذاهبهم يعني التشيع، هم رؤوس محدثي الكوفة، مثل أبي إسحاق والأعمش ومنصور والزبيد وغيرهم من أقرانه، احتملهم الناس على صدق ألسنتهم في الحديث، ووقفوا عندما أرسلوا لما خافوا أن لا تكون مخارجها صحيحة، فأما أبو إسحاق فروى عن قوم لا يعرفون، ولم ينتشر عنهم عند أهل العلم إلَّا ما حكى أبو إسحاق عنهم، فإذا روى تلك الأشياء عنهم (1) كان التوقف في ذلك عندي الصواب، وحدثنا إسحاق ثنا جرير عن معن قال: أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش وأبو إسحاق يعني بالتدليس، واختلط بأخرة، قال يحيى بن معين: سمع منه ابن عيينة بعد ما تغير، مات ما بين سنة 126 هـ إلى سنة 129 هـ.
(عن أبي حية) بن قيس الوادعي الخارفي، نسبة إلى خارف، وهي بطن من همدان، نزل الكوفة، اختلف في اسمه، وقال أبو أحمد الحاكم (2) وغيره: لا يعرف اسمه، وقال أبو زرعة: لا يسمى، قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: شيخ، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو الوليد بن الفرضي: مجهول، قال ابن المديني: وقال ابن القطان: وثَّقه بعضهم، وصحح حديثه ابن السكن وغيره، وقال ابن الجارود في "الكنى": وثَّقه ابن نمير.
(قال) أي أبو حية: (رأيت عليًّا توضأ، فذكر) أبو حية (وضوءه كله)
(1) في الأصل "منهم" وهو تحريف، والصواب "عنهم"، كما في "التهذيب"(8/ 67).
(2)
وكذا قال ابن العربي في "العارضة"(1/ 59). (ش).
ثَلَاثًا ثَلَاثًا، قَالَ: ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَكُمْ طُهُورَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. [ت 44 - 49، ن 96، حم 1/ 70]
117 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِىُّ قال: حَدَّثَنَا (1) مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ سَلَمَةَ -، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ،
===
أي أكثره إلى غسل الذراعين (ثلاثًا ثلاثًا، قال) أبو حية: (ثم مسح رأسه، ثم غسل رجليه إلى الكعبين) ولم يذكر في مسح الرأس وغسل الرجلين (2) عددًا (ثم قال) أي علي رضي الله عنه: (إنما أحببت أن أريكم طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني ما كان بي للوضوء من حاجة، وما كنت أريد الصلاة فأتوضأ لها ، ولكني أحببت أن أعلِّمكم صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
117 -
(حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني (3) قال: حدثنا محمد - يعني ابن سلمة -) بن عبد الله الباهلي مولاهم، أبو عبد الله الحراني، قال النسائي: ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة فاضلاً عالمًا، له فضل ورواية وفتوى، وقال أبو عروبة: أدركنا الناس لا يختلفون في فضله وحفظه، وقال العجلي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات" مات سنة 191 هـ.
(عن محمد بن إسحاق) بن يسار، (عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة) بضم الراء (4) بعد الألف نون، ابن عبد يزيد بن المطلب بن
(1) وفي نسخة: "حدثني".
(2)
لكن ذكره في رواية "النسائي"(ح 96). (ش).
(3)
نسبة إلى حران، جزيرة."الغاية". (ش).
(4)
وتخفيف الكاف. "ابن رسلان". (ش).
عن عُبَيْدِ اللَّهِ الْخَوْلَانِيِّ، عن ابْنِ عَبَّاسِ قَالَ: "دَخلَ عَلَيَّ عَلِيٌّ - يَعْنِي ابْنَ أَبِي طَالِبٍ -
===
عبد مناف المطلبي المكي، وثَّقه ابن معين وأَبو داود، وذكره ابن حبان في "الثقات"، مات بالمدينة في أول خلافة هشام سنة 111 هـ، وكان قليل الحديث.
(عن عبيد الله الخولاني) هو عبيد الله بن الأسود، ويقال: ابن الأسد الخولاني، بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو، هذه النسبة إلى خولان، وعبس وخولان قبيلتان نزلتا بالشام، هكذا في "الأنساب"(1)، ربيب ميمونة رضي الله عنها يعني: أنها رَبَّتْه، فقيل: كان مولاها لا أنه ابن زوجها، ذكره ابن حبان في "الثقات".
(عن ابن عباس) رضي الله عنه (قال) ابن عباس: (دخل عَليَّ عليٌّ)، وفي "مسند أحمد":"دخل عليَّ علي بيتي"(يعني ابن أبي طالب) هكذا في النسخة المجتبائية الدهلوية بإدخال لفظة "يعني" بين لفظة "علي" ولفظة "ابن أبي طالب"، وفي النسخة المكتوبة: دخل عليَّ علىُّ بن أبي طالب، فلم يزد لفظة "يعني"، فإن كانت لفظة "يعني" موجودة، فكأنها إشارة إلى أن لفظة "ابن أبي طالب" لم تكن في كلام ابن عباس رضي الله عنهما، ولكن بَيَّنَ الراوي مراده بأن مراده من علي هو ابن أبي طالب، فحينئذ يكون هذا اللفظ لبعض الرواة، وأما إذا لم تكن لفظة يعني موجودة، كما في النسخة المكتوبة، فحينئذ تكون لفظة "ابن أبي طالب" من كلام ابن عباس.
وأما في النسخة المصرية فهكذا: دخل عليَّ يعني علي بن أبي طالب،
(1)(2/ 193).
وَقَدْ أَهْرَاقَ الْمَاءَ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَتَيْنَاهُ بِتَوْرٍ فِيهِ مَاءٌ حَتَّى وَضَعْنَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَلَا أُرِيكَ كَيْفَ كَانَ يَتَوَضَّأُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟
===
فعلى هذا تكون لفظة علي بن أبي طالب من بعض الرواة لا من كلام ابن عباس.
(وقد أهراق (1) الماء) قال في "القاموس": هَراقَ الماءَ يُهَرِيقُه بفتح الهاء هِراقة بالكسر، وأَهْرَقَه يُهْرِيقَهُ إهراقًا، وَأَهْرَاقَه يُهْرِيقُه إِهْرياقًا فهو مُهَرِيقٌ، وذاك مُهَرَاقٌ وَمُهْراقٌ: صَبَّه، وأصله أراقَه يُرِيْقُه إراقَة، وأصل أراقَ أَرْيَقَ، وأصل يُرِيْقُ يُرْيِقُ، وأصل يُرْيِقُ: يُؤَرْيِقُ، انتهى.
وقال في "المجمع": وهو كناية عن البول، فيؤخذ منه استحباب الكناية فيه، ولا يمكن أن يكون المراد به الاستنجاء بعد البول، لأنه أخرج هذه الرواية الإِمام أحمد في "مسنده"، فقال فيه:"وقد بال"، فهذا يدل على أن المراد بإهراق الماء البول لا غير.
(فدعا) أي علي (بوضوء) أي ماء للوضوء (فأتيناه بتور فيه ماء حتى وضعناه بين يديه، فقال) أي علي بن أبي طالب: (يا ابن عباس، ألا أريك كيف كان يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ) أي في بعض الأحيان، وما كان يفعله في بعض الأحيان، يمكن أن يخفى على بعض الصحابة الذين لم يكونوا موجودين في ذلك الوقت، فعلى هذا لو حمل إراءة الوضوء لابن عباس لأجل التعليم لم يبعد.
(1) فيه جواز القول به ، فما ورد في الرواية من منعه حديث ضعيف ، بسطه صاحب "الغاية"، وقال ابن رسلان: فيه دليل على جوازه، لكنه مكروه، لرواية الطبراني ولفظه:"لا يقولن أحدكم: أهرقت الماء ولكن يقول: أبول". (ش).
[انظر: "المعجم الكبير" للطبراني (22/ 150)].
قُلْتُ: بَلَى، فَأَصْغَى الإِنَاءَ عَلَى يَدِهِ (1) فَغَسَلَهَا (2) ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى، فَأَفْرَغَ بِهَا عَلَى الأُخْرَى، ثُمَّ غَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِى الإِنَاءِ جَمِيعًا، فَأَخَذَ بِهِمَا حُفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أَلْقَمَ إِبْهَامَيْهِ مَا أَقْبَلَ مِنْ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفِّهِ الْيُمْنَى قَبْضَةً مِنْ مَاءٍ، فَصَبَّهَا عَلَى نَاصِيَتِهِ فَتَرَكَهَا تَسْتَنُّ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَظُهُورَ
===
(قلت: بلى، فأصغى الإناء على يده) أي اليمنى (فغسلها، ثم أدخل يده اليمنى) بعد ما غسلها، (فأفرغ بها على الأخرى) أي اليسرى، (ثم غسل كفيه) أي كلتا يديه إلى الرسغين، (ثم تمضمض واستنثر، ثم أدخل يديه في الإناء جميعًا، فأخذ بهما (3) حفنة) (4) بالضم، في "القاموس": الحفنة ملء الكف (من ماء، فضرب بها على وجهه) أي أفاض ذلك الماء على وجهه، وليس المراد بالضرب اللطم، (ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه) أي أدخل إبهاميه، وجعلهما كاللقمة في باطن أذنيه وصماخهما، (ثم الثانية) أي ثم فعل المرة الثانية كذلك، (ثم) فعل المرة (الثالثة مثل ذلك، ثم أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء، فصبَّها على ناصيته فتركها تستن) أي تسيل (على وجهه، ثم كسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثًا ثلاثًا، ثم مسح رأسه وظهور (5)
(1) وفي نسخة: "يديه".
(2)
وفي نسخة: "فغسلهما".
(3)
قال ابن رسلان: فيه دليل لما قاله صاحب "الحاوي": إن المستحب في غسل الوجه أخذ الماء بيديه جميعًا، لأنه أمكن وأسبغ. (ش).
(4)
قوله: حفنة بالفتح أيضًا. (ش).
(5)
قال ابن رسلان: أجاب عنه أصحابنا بأنه محمول على أنه استوعب الرأس، فَمَسَحَ مؤخر الأذن معه ضمنًا لا مقصودًا، ولا يتأتى الاستيعاب غالبًا إلَّا بذلك، انتهى. (ش).
أُذُنَيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ جَمِيعًا، فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ، فَضَرَبَ بِهَا عَلَى رِجْلِهِ وَفِيهَا النَّعْلُ، فَفَتَلَهَا (1) بِهَا، ثُمَّ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ: قُلْتُ: وَفِى النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ وَفِى النَّعْلَيْنِ، قَالَ: قُلْتُ: وَفِى النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: وَفِى النَّعْلَيْنِ، قَالَ: قُلْتُ: وَفِى النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: وَفِى النَّعْلَيْنِ. [حم 1/ 82، خزيمة 153، ق 1/ 74، حب 1080]
===
أذنيه، ثم أدخل يديه جميعًا، فأخذ حفنة من ماء، فضرب بها) أي أفاض وصبَّ بها (على رجله، وفيها النعل)(2) الواو للحال أي والحال أن في رجله النعل، (ففتلها بها) أي فدلك الرجل بتلك الحفنة، وفي نسخة:"فغسلها" وهو ظاهر (ثم الأخرى مثل ذلك) أي أخذ حفنة أخرى من ماء، فغسل بها رجله اليسرى.
(قال) أي ابن عباس: (قلت) لعلي بن أبي طالب راوي الحديث: (وفي النعلين؟ ) أي أو غسل الرجلين في النعلين؟ فالاستفهام للتعجب (قال) أي علي: (وفي النعلين، قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين، قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين).
وفي هذا الحديث (3) عدة أبحاث:
أولها: أن ظاهر هذا الحديث يقتضي لطم الوجه بالماء، وقد ورد
(1) وفي نسخة: "فغسلها".
(2)
قال الخطابي: لعله وصل الماء إلى تمام الرجل، كما يدل عليه قوله:"فغسلها"، أو يقال: إنه ورد عن علي في بعض الطرق: "هذا وضوء من لم يحدث"، فيكون هذا منه، "ابن رسلان" مختصرًا. (ش).
(3)
ولما كان ظاهر الحديث مسح الرجلين، قال الشيخ ابن القيم في "تلخيص السنن" (1/ 95): للعلماء فيه سبعة مسالك فأرجع إليه: (1) ضعفه، (2) نسخه، (3) اختلاف الروايات عن علي في ذلك، (4) وضوء على الوضوء، (5) الجوربين، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
في "مسند أحمد"(1) بهذا اللفظ، فقال:"ثم أخذ بيديه فصَكَّ بهما وجهه"، وكذلك أخرج ابن حبان في "صحيحه"(2)، فقال فيه:"فصَكَّ به وجهه"، وبوَّب عليه استحباب صَكِّ الوجه بالماء للمتوضئ عند غسل الوجه، وأما العلماء الحنفية والشافعية، فقالوا بكراهة لَطْمِ الوجه بالماء، وصرَّحوا بأنه يندب للمتوضئ أن لا يلطم وجهه بالماء.
قلت: قال الشوكاني في "النيل"(3): قال المنذري: في هذا الحديث مقال، وقال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل عنه فضعفه، وقال: ما أدري ما هذا، انتهى.
قلت: ولم أدر ما أراد المنذري في هذا الحديث من المقال، وكذلك وجه تضعيف البخاري وعلته، فإن رواته كلهم ثقات، وأما مظنة تدليس ابن إسحاق، فارتفعت برواية الإِمام أحمد في "مسنده"، فإنه صرح بالتحديث فيه، وأما ما قال البزار: لا نعلم أحدًا روى هذا هكذا إلَّا من حديث عبيد الله الخولاني، ولا نعلم أن أحدًا رواه عنه إلَّا محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، فهذا كلام البزار لا يقتضي ضعفه، فإنه لا يدل إلَّا على انفراد الخولاني، وانفراد محمد بن طلحة عنه، والانفراد لا يقتضي إلَّا غرابة الحديث، وغرابة الحديث غير مستلزم لضعفه، كما هو ظاهر، ولكن لما حكم عليه البخاري بالضعف، وإن كان غير موجه، لا ينبغي لمقلديه أن
= (6) مذهب خاص، (7) الثابت هكذا، لكنه مخالف للصحاح.
قلت: لا حاجة إلى الجواب؛ لأن غسل الرجل في النعل العربي لا يعسر، يشكل على الجواب الرابع قوله: وقد أهراق الماء. (ش).
(1)
(1/ 82).
(2)
(3/ 362) رقم الحديث (1080).
(3)
"نيل الأوطار"(1/ 188).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
يستدلوا به، والجواب الثاني عنه ما أجاب به الشيخ ولي الدين: ويمكن تأويل الحديث بأن معناه صب الماء على وجهه لا لطمه به، انتهى.
قلت: والقرينة على ذلك أن جميع من حكوا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يذكرون فيه اللطم، فيكون اللطم محمولاً على الصبِّ والإفاضة أو يكون شاذًّا، وأيضًا يطلق الضرب ويراد به الإلصاق، كما في قوله في هذا الحديث:"فضرب به على رجله اليمنى"، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم:"يضرب الملائكة بأجنحتها".
وثانيها: أن في هذا الحديث مسح باطن الأذنين مع الوجه وظاهرهما مع الرأس، وهو قول إسحاق، قال الترمذي: قال إسحاق: واختار أن يمسح مقدمهما مع وجهه ومؤخرهما مع رأسه، فهذا الحديث حجة له، قال الترمذي: وقال بعض أهل العلم: ما أقبل من الأذنين فمن الوجه، وما أدبر فمن الرأس.
قال الشوكاني في "النيل": والحديث يدل على أنه يغسل ما أقبل من الأذنين مع الوجه، ويمسح ما أدبر منهما مع الرأس، وإليه ذهب حسن بن صالح والشعبي.
قلت: لا دلالة في هذا الحديث على ما قال الشوكاني من أنه يغسل ما أقبل من الأذنين مع الوجه، لأن إلقام الإبهامين المبتلين في صماخ الأذنين لا يقتضي الغسل، بل يدل على المسح فقط.
وأغرب (1) من ذلك ما قال الشوكاني في شرح هذا اللفظ: "وألقم
(1) قال ابن رسلان: أي جعل إبهاميه للبياض الذي بين الأذن والعذار كاللقمة للفم، وقد استدل به الماوردي على أن البياض من الوجه، وقال مالك: ليس من الوجه، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
إبهاميه"، جعل إبهاميه للبياض الذي بين الأذن والعذار كاللقمة للفم توضع فيه، وهذا تفسير لا يساعده لفظ الحديث، ويخالف هذا التفسير ما قال أولاً: والحديث يدل على أنه يغسل ما أقبل
…
إلخ، ثم قال الشوكاني: وذهب الزهري وداود إلى أنهما من الوجه فيغسلان معه.
قلت: ولم أظفر على دليل من الكتاب والسنَّة يثبت به هذا المذهب، وأما جمهور أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، قالوا: إن الأذنين من الرأس فيمسح ظاهرهما وباطنهما معه.
وثالثها (1): إرسال غَرفة من الماء على الناصية بعد غسل الوجه، قال في "مرقاة الصعود": قال النووي في "شرحه": هذه اللفظة مشكلة إذ ظاهره أنها مرة رابعة بغسل وجهه، وهذا خلاف إجماع المسلمين، فيتأول على أنه بقي من أعلى وجهه شيء لم يكمل بالثلاث، فأكمله بهذه القبضة، وقال ولي الدين: الظاهر أنه إنما صبه على جزء من رأسه، وقصد به تحقق استيعاب وجهه، كما قال الفقهاء، ويجب غسل جزء من رأسه لتحقق غسل وجهه.
ونقل مولانا محمد يحيى رحمه الله عن شيخه - رحمه الله تعالى - في توجيه هذا الفعل: أن إلقاء الحفنة من الماء على ناصيته كان دفعًا للحر
= قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا من فقهاء الأمصار، قال بقول مالك. وقال أبو يوسف: يغسل الأمرد دون الملتحي، انتهى، وكذا قال الشعراني في "الميزان"، قلت: فلعل الشوكاني أخذ هذا الشرح من ابن رسلان. (ش).
(1)
قال ابن رسلان: استدل به على أنه يستحب أن يزيد في ماء الوجه، لأن فيه شعوبًا وغصونًا كثيرة، قال الإِمام أحمد: ويؤخذ له ماء أكثر بما يؤخذ لعضو من الأعضاء، انتهى. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
لا لإدخاله في الوضوء، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك لمثل ذلك، ولذلك تركها يستن على ناصيته، ولم يمسح بها رأسه، ومسح الناصية على حدة من تلك الحفنة، والقصد بذلك إلى إظهار أن مثل هذه الزيادة جائزة ما لم يعدها من آداب الوضوء وسننه، فإن ذلك بدعة، أو لعل عليًّا فعل ذلك من دون أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعله لما قلنا، انتهى.
ورابعها: أن الضمير في "قال: قلت: " هل يعود إلى ابن عباس رضي الله عنهما أو إلى عبيد الله الخولاني، فقال الإِمام الشعراني "في كشف الغمة عن جميع الأمة" (1): إن ضمير "قال" يعود إلى ابن عباس، وهو الذي سأل عليًّا رضي الله عنه على سبيل التعجب أنه صلى الله عليه وسلم غسل رجليه حال كونهما في النعلين، وهذا لفظه: قال ابن عباس فسألت عليًّا رضي الله عنه فقلت: في النعلين؟ قال: وفي النعلين، قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين، قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين.
ويشكل على هذا أن ابن عباس رضي الله عنهما يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم غسل رجليه، وفيها النعل، كما يأتي بعد ورقتين من السنن في "باب الوضوء مرتين"، فكيف يتعجب مما يحدث هو بنفسه.
ويمكن الجواب عنه أنه رضي الله عنه غفل في ذلك الوقت عما روى هو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما إذا كان مرجع الضمير عبيد الله فلا يرد عليه هذا الإشكال، ولكنه خلاف ظاهر (2) سياق الحديث، والله تعالى أعلم.
(1)(1/ 55).
(2)
وفي "التقرير": هو الظاهر، وكونه مقولة ابن عباس خلاف السياق. (ش).
ِقَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ عن شَيْبَةَ يُشْبِهُ حَدِيثَ عَلِيٍّ، لأنَّهُ قَالَ فِيهِ حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عن ابْنِ جُرَيْجٍ: وَمَسَحَ بِرَأسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِيهِ عن ابْنِ جُرَيْجٍ: وَمَسَحَ بِرَأسهِ ثَلَاثًا.
===
(قال أبو داود: وحديث ابن جريج عن شيبة)(1) هو ابن نِصاح، بكسر النون بعدها مهملة وآخرها مهملة، ابن سرجس بن يعقوب المخزومي المدني القارئ، مولى أم سلمة رضي الله عنها، أتي به إليها وهو صغير، فمسحت رأسه، كان قاضياً بالمدينة، قال النسائي: ثقة، روى النسائي حديث حجاج عن ابن جريج عن شيبة عن أبي جعفر عن أبيه عن جده عن علي في "باب صفة الوضوء" ولم ينسب شيبة النسائي أيضًا في روايته كما لم ينسبه أبو داود، وقد قال الحافظ في "التقريب": شيبة غير منسوب عن أبي جعفر، هو ابن نصاح، مات سنة 130 هـ.
(يشبه حديث علي) المذكور فيما تقدم في هذا الباب بروايات مختلفة. (لأنه) الضمير للشأن، أو لحديث علي، وهذا اللفظ موجود في النسخة المجتبائية الدهلوية، وكذا في المصرية، وأما في النسخة الدهلوية المطبوعة القديمة والمكتوبة فلا يوجد فيهما هذا اللفظ (قال فيه حجاج بن محمد عن ابن جريج: ومسح برأسه مرة واحدة، وقال ابن وهب فيه) أي في حديث علي رضي الله عنه، ويحتمل أن يرجع الضمير إلى مسح الرأس، فأما إرجاع الضمير إلى حديث شيبة كما فعله صاحب "غاية المقصود" فبعيد، لأن حديث وهب عن ابن جريج ليس فيه شيبة بن نصاح، لأن ابن جريج يروي عن محمد بن علي بلا واسطة شيبة بن نصاح كما في "السنن الكبير" للبيهقي، ولم أجد حديث ابن وهب في غير هذا الكتاب وسيجيء مفصلًا (عن ابن جريج: ومسح برأسه ثلاثًا).
(1) قال ابن رسلان: له هذا الحديث الواحد. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أما حديث حجاج بن محمد عن ابن جريج، فقد ذكرنا تخريجه عند النسائي في "باب صفة الوضوء" من "المجتبى".
وأما حديث ابن وهب عن ابن جريج، فقد أخرجه البيهقي في "السنن الكبير" (1) فقال: وأحسن ما روي عن علي فيه ما أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا عباس بن الفضل، ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا ابن وهب، عن ابن جريج، عن محمد بن علي بن حسين، عن أبيه، عن جده، عن علي أنه توضأ فغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يديه ثلاثًا، ومسح برأسه ثلاثًا، وغسل رجليه ثلاثًا، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، هكذا قال ابن وهب: ومسح برأسه ثلاثًا، وقال فيه حجاج عن ابن جريج: ومسح برأسه مرة، انتهى بلفظه.
وغرض المصنف بإيراد هذا الكلام بيان أن ابن جريج اختلف الرواة عنه، فروى حجاج بن محمد عنه مسح الرأس مرة واحدة، وروى ابن وهب عنه مسح الرأس ثلاثًا، ولكن حديث حجاج أقوى، لأنه يشبه حديث علي المذكور فيما قبل، فإن فيه بعض الرواة قالوا بمسح الرأس مرة، وبعضهم لم يذكروا العدد، وأما ابن وهب فخالف تلك الروايات، وقال: ومسح برأسه ثلاثًا، فيسقط هذا بمقابلة الصحيح من الروايات.
قلت: وقد صرح أهل الحديث بأن ابن وهب مدلس، ويروي عن محمد بن علي معنعنة، ولا يذكر شيبة، فلهذا أيضًا لا يقاوم حديث حجاج بن محمد.
(1)(1/ 63).
118 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عن مَالِكٍ، عن عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنيِّ، عن أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ الله بْنِ زيدٍ
===
118 -
(حدثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب، (عن مالك) بن أنس الإِمام، (عن عمرو بن يحيى المازني) مازن الأنصار، (عن أبيه) وهو يحيى بن عمارة بن أبي حسن الأنصاري. (أنه) أي يحيى بن عمارة (1)(قال لعبد الله بن زيد) فعلى هذا سائل عبد الله بن زيد عن صفة الوضوء هو يحيى بن عمارة، وهكذا قال الشافعي في "الأم": عن مالك عن عمرو عن أبيه أنه قال لعبد الله بن زيد، ومثله رواية الإسماعيلي عن أبي خليفة عن القعنبي عن مالك عن عمرو عن أبيه قال.
وأما الإِمام محمد بن الحسن الشيباني فروى عن مالك، حدثنا عمرو عن أبيه يحيى أنه سمع جده أبا حسن يسأل عبد الله بن زيد، وكذا ساقه سحنون في "المدونة"، وقال معن بن عيسى في روايته عن عمرو عن أبيه يحيى أنه سمع أبا حسن - وهو جد عمرو بن يحيى - قال لعبد الله بن زيد وكان من الصحابة، فذكر الحديث.
وأما البخاري فأخرج رواية سليمان بن بلال في "باب الوضوء من التور"، قال: ثني عمرو بن يحيى عن أبيه قال: كان عمي يعني عمرو بن أبي حسن يكثر الوضوء، فقال لعبد الله بن زيد: أخبرني، وأما أكثر الرواة فأبهموا سائل عبد الله بن زيد، ولم يعيِّنوه، كما وقع في رواية مسلم عن محمد بن الصباح عن خالد الواسطي عن عمرو بن يحيى عن أبيه
(1) لو صح فيحمل على المجاز، وإلَّا فالصواب ما في رواية البخاري:"أن رجلًا قال لعبد الله بن زيد"، وضمير "وهو جد عمرو" يرجع إلى هذا الرجل المبهم، والمراد به عمرو بن أبي الحسن، فهو السائل كما سيأتي في "البذل"، ثم ههنا خمسة مباحث ذكرت في "الأوجز" فأرجع إليه (1/ 342). (ش).
- وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنيِّ-:
===
عن عبد الله بن زيد قال: قيل له: توضأ لنا، فذكره مبهمًا، وفي رواية للبخاري بسنده عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رجلًا قال لعبد الله بن زيد وهو جد عمرو بن يحيى، الحديث، ولكن مع كون السائل في هذه الروايات مبهمًا تدل على أن السائل غير يحيى بن عمارة المازني.
قال الحافظ في "فتح الباري"(1): والذي يجمع هذا الاختلاف أن يقال: اجتمع عند عبد الله بن زيد أبو الحسن الأنصاري وابنه عمرو وابن ابنه يحيى بن عمارة بن أبي حسن، فسألوه عن صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وتولى السؤال منهم له عمرو بن أبي حسن، فحيث نسب إليه السؤال كان على الحقيقة، وحيث نسب السؤال إلى أبي حسن فعلى المجاز لكونه كان الأكبر، وكان حاضرًا، وحيث نسب السؤال ليحيى بن عمارة فعلى المجاز أيضًا، لكونه ناقل الحديث وقد حضر السؤال، انتهى، وهذا جمع حسن يدفع به الاختلاف ويحصل الاتفاق، ولله الحمد.
(وهو جد عمرو بن يحيى المازني)، الظاهر أن الضمير يرجع إلى عبد الله بن زيد، أي عبد الله بن زيد هو جد عمرو بن يحيى، لكنه غلط ووهم نشأ من هذه الرواية ، والصواب ما في البخاري هكذا: عن أبيه أن رجلًا قال لعبد الله بن زيد وهو جد عمرو بن يحيى، فعلى هذا مرجع الضمير هو الرجل السائل، وهو عمرو بن أبي حسن عم يحيى بن عمارة بن أبي حسن، فما قال صاحب "الكمال" ومن تبعه في ترجمة عمرو بن يحيى: أنه ابن بنت عبد الله بن زيد فغلط (2)، كذا قال الحافظ في "الفتح".
(1)(1/ 290).
(2)
توهَّم من هذه الرواية (ش).
هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِى كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: نَعَمْ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ،
===
فإن قلت: قد علم من التحقيق المار أن السائل حقيقة هو عمرو بن أبي حسن، وليس هو جدّاً لعمرو بن يحيى، بل اسم جد عمرو بن يحيى عمارة بن أبي حسن، فكما لا يصح كون عبد الله بن زيد جد عمرو بن يحيى، كذلك لا يصح كون عمرو بن أبي حسن جدّاً لعمرو بن يحيى، قلت: نعم، ليس عمرو بن أبي حسن جدّاً لعمرو بن يحيى على الحقيقة بل على المجاز، لأنه أخو جده عم أبيه، فإن عمارة جده الحقيقي وعمرو بن أبي حسن كلاهما شقيقان، فإطلاق الجد على عمرو بن أبي الحسن على المجاز (1).
(هل تستطيع أن تريني) قال الحافظ (2): فيه ملاطفة الطالب للشيخ، وكأنه أراد أن يريه بالفعل ليكون أبلغ في التعليم، وسبب الاستفهام ما قام عنده من احتمال أن يكون الشيخ نسي ذلك لبعد العهد (كيف كان رسول الله يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم، فدعا بوضوء) (3) أي بماء يتوضأ به في
(1) وصورته هكذا:
............................... أبو الحسن ........................
..... عمرو ............................................ عمارة ....
....................................................... يحيي ......
...................................................... عمرو .....
(2)
"فتح الباري"(1/ 364).
(3)
وفي رواية للبخاري: "فدعا بتور". (ش).
فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ (1) ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ،
===
إناء (فأفرغ) الماء (على يديه فغسل يديه). لم يذكر في هذه الرواية عدد الغسل، وأما في البخاري "فغسل مرتين"(2)، وفي بعض الروايات للحفاظ ثلاثًا، قال الحافظ (3): وهؤلاء حفاظ وقد اجتمعوا، فزيادتهم مقدمة على الحافظ الواحد، فإن قلت: لم لا يحمل هذا على واقعتين؟ قلت: المخرج واحد والأصل عدم التعدد.
(ثم تمضمض واستنثر ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين)، ولم تختلف الروايات عن عمرو بن يحيى في غسل اليدين مرتين، لكن في رواية مسلم من طريق حبان بن واسع عن عبد الله بن زيد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وفيه: ويده اليمنى ثلاثًا، ثم الأخرى ثلاثًا، والمرفق بكسر الميم وفتح الفاء هو العظم الناتي في آخر الذراع، سمي بذلك لأنه يرتفق به في الاتكاء ونحوه.
وقد اختلف العلماء: هل يدخل المرفقان في غسل اليدين أم لا؟ فقال المُعْظَمُ: نعم، وخالف زفر، وحكاه بعضهم عن (4) مالك، واستدل بعضهم بأن "إلى" في الآية بمعنى "مع"، وقال ابن القصار: اليد يتناوله الاسم إلى الإبط لحديث عمار أنه تيمم إلى الإبط، وهو من أهل اللغة، فلما جاء قوله تعالى {إِلَى الْمَرَافِقِ} بقي المرفق مغسولاً مع الذراعين بحق الاسم، انتهى،
(1) وفي نسخة: "يده".
(2)
هكذا في "موطأ محمد" أيضًا، وأما في "موطأ مالك"، فبتكرار مرتين مرتين. (ش).
(3)
"فتح الباري"(1/ 291).
(4)
وحكى ابن رشد مذهب مالك مثل الجمهور، وحكى هذا القول عن بعض متأخري أصحاب مالك والطبري. (ش).
[انظر: "بداية المجتهد" (1/ 11)].
ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ: بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ
===
فعلى هذا "فإلى" ها هنا حد للمتروك من غسل اليدين لا للمغسول، قال الزمخشري: لفظ "إلى" يفيد معنى الغاية مطلقًا، فأما دخولها في الحكم وخروجها فأمر يدور مع الدليل، وقوله تعالى:{إِلَى الْمَرَافِقِ} لا دليل فيه على أحد من الأمرين، فأخذ العلماء بالاحتياط ووقف زفر مع المتيقن.
ويمكن أن يستدل لدخولهما بفعله صلى الله عليه وسلم، ففي الدارقطني (1) بإسناد حسن من حديث عثمان: فغسل يديه مع المرفقين حتى مسَّ أطراف العضدين، وفيه عن جابر: كان إذا توضأ أدار الماء على المرفقين، لكن إسناده ضعيف، وفي البزار والطبراني (2) من حديث وائل بن حجر: وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفق، وفي "الطحاوي" و"الطبراني" من حديث ثعلبة بن عباد عن أبيه مرفوعًا: ثم غسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرفقيه، فكان فعله بياناً لمجمل الكتاب، والمجمل إذا التحق به البيان يصير مفسرًا من الأصل.
وقال الشافعي في "الأم": لا أعلم مخالفًا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء، فعلى هذا فزفر محجوج بالإجماع قبله. وكذا من قال بذلك من أهل الظاهر بعده، كذا قال الحافظ (3).
(ثم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما (4) وأدبر)، وهذا تفسير لمسح الرأس باليدين، أي فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم باليدين وأدبر بهما، ثم فسَّر الإقبال والإدبار بقوله:(بدأ بمقدم رأسه) يعني بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسح
(1)"سنن الدارقطني"(ح 274 - 272).
(2)
"المعجم الكبير"(22/ 49 - 51)، وانظر:"مجمع الزوائد"(1178).
(3)
"فتح الباري"(1/ 292).
(4)
قال صاحب "الغاية": له ثلاثة معان ثم بسطها، قلت: بوَّب الترمذي البداية بمؤخر =
ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِى بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. [خ 185، م 235، ت 28، ن 97، جه 434]
===
مقدم رأسه الشريف، (ثم ذهب) صلى الله عليه وسلم (بهما) أي بيديه (إلي قفاه، ثم ردهما) أي اليدين (حتى رجع) أي كل واحد من اليدين، أو الضمير للمسح (إلى المكان الذي بدأ) المسح (منه) فالظاهر أن قوله:"بدأ بمقدم رأسه" من الحديث وليس مدرجًا من كلام مالك، والحكمة في هذا الإقبال والإدبار استيعاب جهتي الرأس بالمسح.
(ثم غسل رجليه) وفي رواية وهب: إلى الكعبين، والبحث فيه كالبحث في قوله إلى المرفقين، والمشهور أن الكعب هو العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم، وحكى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة: أنه العظم الذي في ظهر القدم عند معقد الشراك، وروي عن ابن القاسم عن مالك مثله، والأول هو الصحيح الذي يعرفه أهل اللغة، وقد أكثر المتقدمون من الرد على من زعم ذلك، كذا قاله الحافظ (1).
قلت: لم يقل محمد في الطهارة: إن الكتب هو العظم الناتي في ظهر القدم عند معقد الشراك، بل إنما قال محمد في مسألة المحرم إذا لم يجد نعلين أنه يقطع الخف أسفل الكعب فقال: إن الكتب ها هنا الذي في مفصل القدم، فنقل هشام ذلك إلى الطهارة.
= الرأس، وذكر فيه حديث الربيع الآتي قريبًا، ثم قال: وحديث عبد الله بن زيد أصح، وقال ابن العربي: لا أعلم أحدًا قال: يبدأ بمؤخر الرأس إلَّا وكيع بن الجراح
…
إلخ، كذا في "العارضة"(1/ 51)، وبسط معنى أقبل وأدبر، وكذا بسط الكلام على هذين اللفظين ابن دقيق العيد في "الإحكام"(1/ 42 - 43)، وقال ابن رسلان: الإقبال والإدبار يحسب مرة واحدة بخلاف السعي في الحج. (ش).
(1)
"فتح الباري"(1/ 367).
119 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قال: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ (1) مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ.
===
قال العيني (2): قال بعضهم: وحكي عن أبي حنيفة أنه العظم الذي في ظهر القدم عند معقد الشراك، قلت: هذا مختلق على أبي حنيفة رحمه الله ولم يقل أصلاً، بل نقل ذلك عن محمد بن الحسن، وهو أيضًا غلط، لأن هذا التفسير فسَّره محمد في حق المحرم، إذا لم يجد نعلين يلبس خفين يقطعهما أسفل من الكعبين بالتفسير الذي ذكره.
119 -
(حدثنا مسدد) بن مسرهد (قال: نا خالد) بن عبد الله الواسطي، (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة (المازني، عن أبيه) يحيى بن عمارة، (عن عبد الله بن زيد بن عاصم بهذا الحديث) أي حدثنا مسدد بواسطة خالد، عن عمرو بن يحيى بهذا الحديث، أي بالحديث الذي رواه مالك عن عمرو بن يحيى، ولكن في رواية خالد زيادة ليست في رواية مالك، فإن خالدًا (قال: فمضمض واستنشق من كف واحدة) (3) فزاد لفظ: "من كف واحدة"(يفعل ذلك) أي المضمضة والاستنشاق (ثلاثًا، ثم ذكر) خالد (نحوه) أي نحو حديث مالك.
وقوله في الحديث: (فمضمض واستنشق من كف واحدة) يحتمل معنيين؛ أحدهما: معناه أنه جمع المضمضة والاستنشاق في كف واحدة من الماء، وثانيهما: معناه أنه مضمض من كف واحدة واستنشق من كف
(1) وفي نسخة: "واستنثر".
(2)
"عمدة القاري"(2/ 534).
(3)
لم يذكر هذا اللفظ غير خالد بن عبد الله "الغاية". (ش).
120 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ قال: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ حَبَّانَ بْنَ وَاسِعٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِىَّ يَذْكُرُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ وُضُوءَهُ
===
واحدة، أي لا من كفين، فعلى الأول يحمل على بيان الجواز، وقد سبق بحثه فيما تقدم قريبًا.
120 -
(حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: ثنا ابن وهب) عبد الله بن وهب، (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب بن عبد الله الأنصاري مولى قيس، أبو أمية المصري، أصله مدني، كان ابن معين يوثقه جدًّا، وقال أبو زرعة والنسائي والعجلي وغير واحد: ثقة، وقال أبو داود عن أحمد: ليس فيهم مثل الليث لا عمرو ولا غيره، وقد كان عمرو عندي ثقة، ثم رأيت له مناكير، وقال في موضع آخر: يروي عن قتادة أشياء يضطرب فيها ويخطئ، مات قبل سنة 150 هـ.
(أن حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة (ابن واسع) بن حبان بن منقذ، بمضمومة وسكون نون وكسر قاف وبذال معجمة، ابن عمرو الأنصاري المازني المدني، ابن عم محمد بن يحيى، أخرجوا له حديثًا واحدًا في الوضوء. قلت: وذكره ابن حبان في "الثقات"، "تهذيب التهذيب". (حدثه) أي حدث حبان عمرًا (أن أباه) أي أبا حبان وهو واسع (1)(حدثه) أي حبان (أنه) واسع (سمع عبد الله بن زيد بن عاصم المازني يذكر أنه) أي عبد الله (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر) أي عبد الله بن زيد (وضوءه)
(1) وسقط من بعض الرواة لفظ عبد الله بن زيد من سنده، فزعموا أنه صحابي. ولا يصح، كما في "الإصابة"(6/ 311)، و"أسد الغابة"(4/ 302) رقم (5436). (ش).
وَقَالَ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ (1) ،
===
أي وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. (وقال: ومسح رأسه بماء غير فضل (2) يديه) قال النووي (3): معناه أنه مسح الرأس بماء جديد لا ببقية من ماء يديه، ولا يستدل بهذا على أن الماء المستعمل لا تصح الطهارة به، لأن هذا إخبار عن الإتيان بماء جديد للرأس، ولا يلزم من ذلك اشتراطه، انتهى.
قلت: قال الحلبي في "شرح المنية"(4): ولو توضأ ومسح ببلة بقيت على كفيه بعد الغسل يجوز مسحه، لأن البلة الباقية بعد الغسل غير مستعملة، إذ المستعملة فيه ما سال على العضو، وانفصل عنه، ولو مسح رأسه ثم مسح خفيه ببلة بقيت بعد المسح لا يجوز مسحه على الخف، لأن البلة الباقية بعد المسح مستعملة، لأن المستعمل فيه ما أصاب الممسوح وقد أصابه، انتهى.
قال الترمذي في "سننه"(5): وروى ابن لهيعة هذا الحديث عن حبان بن واسع عن أبيه عن عبد الله زيد: "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وأنه مسح رأسه بما غَبَرَ فضلُ يديه"، ورواية عمرو بن الحارث عن حبان أصح، لأنه قد روي من غير وجه هذا الحديث عن عبد الله بن زيد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ لرأسه ماءً جديدًا، انتهى.
(1) وفي نسخة: "عن ماء غير فضل يده".
(2)
تفرد به أهل مصر كما في "نيل الأماني". (ش).
(3)
قال ابن قدامة (1/ 181): ويمسح بغير فضل يديه، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وجوز الحسن وغيره المسح بالبقية، وكذا قال ابن رسلان، وذكر مع الحسن عروة والأوزاعي. (ش).
(4)
(ص 110).
(5)
(1/ 51).
وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا. [م 236، حم 4/ 39، ت 35]
121 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ
===
قلت: ويؤيد رواية عبد الله بن لهيعة ما أخرجه الدارقطني في "سننه"(1): ثنا الحسين بن إسماعيل، نا زيد بن أخزم، نا عبد الله بن داود، نا سفيان، عن ابن عقيل، عن الربيع بنت معوذ:"أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح رأسه ببلل يديه"، وأخرج أيضًا، قال: ثنا محمد بن هارون أبو حامد، نا محمد بن يحيى الأزدي بهذا الإسناد، قالت:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا، فيتوضأ فمسح رأسه بما فضل في يديه من الماء" الحديث، وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل، قال الترمذي: صدوق، تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، ونقل الترمذي عن البخاري قال: كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديثه.
(وغسل رجليه حتى أنقاهما)(2) أي أزال الوسخ عنهما، أورد المصنف هذا الحديث لأجل زيادة وقعت فيه في مسح الرأس، وهو قوله:"بماء غير فضل يديه"، وفي غسل الرجلين وهو قوله:"حتى أنقاهما"، فهذه الزيادة لا توجد إلَّا في هذه الرواية.
121 -
(حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: ثنا أبو المغيرة) هو عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي، قال أبو حاتم: كان
(1)(1/ 87).
(2)
ويحتاجان إليه؛ لأنهما أكثر ملاقاة بالأقذار والأوساخ "ابن رسلان"، وبهذه الرواية حكى ابن دقيق العيد عن بعضهم ليس في غسلهما عدد بل الإنقاء، قلت: وذكر الدسوقي المالكي في غسل القدمين قولين عندهم، أحدهما مثل الجمهور وهو المعتمد، والثاني أن المطلوب فيهما الإنقاء ولو زاد على الثلاثة. (ش).
قال: حَدَّثَنَا حَرِيزٌ قال: حَدَّثَنِى (1) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَيْسَرَةَ الْحَضْرَمِىُّ قال: سَمِعْتُ الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِىَّ
===
صدوقًا، وقال العجلي والدارقطني: ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، مات سنة 212 هـ.
(قال: ثنا حريز) بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وآخره زاي، ابن عثمان الرحبي بفتح الراء والحاء المهملة بعدها موحدة، الحمصي، قدم بغداد زمن المهدي، وثقه أحمد وابن معين، وقال ابن المديني: لم يزل من أدركناه من أصحابنا يوثقونه، وقال العجلي: شامي ثقة، وكان يحمل على علي، وقال عمرو بن علي: كان ينتقص علياً وينال منه. وقال في موضع آخر: ثبت شديد التحامل على علي، وقال ابن عدي: وحريز من الأثبات في الشاميين يحدث عن الثقات منهم، وقد وثقه القطان وغيره، وإنما وضع منه ببغضه لعلي، وحكى الأزدي في "الضعفاء": أن حريز بن عثمان روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يركب بغلته جاء علي بن أبي طالب، فحل حزام البغلة ليقع النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى ملخصًا. وبالجملة ذكر الحافظ توثيقه عن كثير من المحدثين، وأثبت نصبه كثير منهم، مات سنة 163 هـ.
(قال: حدثني عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي)(2) أبو سلمة الحمصي، قال ابن المديني: مجهول لم يرو عنه غير حريز، وقال أبو داود: شيوخ حريز كلهم ثقات، وقال العجلي: شامي تابعي ثقة. (قال: سمعت المقدام بن معدي كرب)(3) بن عمرو (الكندي) نزل حمص، صحابي
(1) وفي نسخة: "ثنا".
(2)
قال صاحب "الغاية": حضرموت بلدة بأقصى اليمن وقبيلة، ولا أقف إلى أيهما نسب عبد الرحمن. (ش).
(3)
قال ابن رسلان: فيه ثلاثة أوجه أفصحها أن يسكن آخر الجزء الأول وهو الياء المثناة. (ش).
قَالَ: أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ: فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا،
===
مشهور، وهو أحد الوفد الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من كندة، مات بالشام (1) سنة 87 هـ، وله إحدى وتسعون سنة (2).
(قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء) أي بماء يتوضأ به (فتوضأ: فغسل كفيه ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ثم تمضمض واستنشق ثلاثًا)، هذا على ما في كثير من النسخ، وفيها المضمضة والاستنشاق بعد غسل الذراعين، وفي نسخة على الحاشية:"ثم تمضمض واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا"، فعلى النسخة الأولى احتج بها من قال: الترتيب في الوضوء غير واجب (3) لأنه أخَّر المضمضة والاستنشاق من غسل الذراعين، وعطف عليه بـ "ثم"، وأجاب عنها صاحب "غاية المقصود" فقال: قلت: هذه رواية شاذة لا تعارض الرواية المحفوظة التي فيها تقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه.
قلت: قال الشوكاني في "النيل"(4): الحديث إسناده صالح، وأما الروايات المحفوظة التي فيها تقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه، فإنها لا تدل على الترتيب، ولا ينتهض الترتيب بثُم في حديث
(1) له أربعون حديثًا. "الغاية". (ش).
(2)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(4/ 186) رقم (5078).
(3)
قال ابن رسلان: وهل يجب الترتيب والولاء؟ روايتان، وأخرج عن الدارقطني برواية الربيع أيضًا خلاف الترتيب، ونقل عن العباس بن يزيد الراوي الإنكار عليهما باسطاً. (ش).
(4)
(1/ 190).
ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ: ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا. [جه 442، حم 4/ 132، ق 1/ 76، ك 1/ 148]
===
الباب على الوجوب، لأنه من لفظ الراوي، وغايته أنه وقع من النبي صلى الله عليه وسلم على تلك الصفة، والفعل بمجرده لا يدل على الوجوب، فدعوى وجوب الترتيب لا تتم إلَّا بإبراز دليل عليها يتعين المصير إليه.
(ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما) ظاهر الأذنين ما يلي
الرأس وباطنهما ما يلي الوجه، وأما كيفية المسح فما أخرجها ابن ماجه (1)"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح أذنيه وأدخلهما السبابتين، وخالف إبهاميه إلى ظاهر أذنيه، فمسح ظاهرهما وباطنهما"، وفي رواية النسائي (2):"ثم مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسباحتين، وظاهرهما بإبهاميه"، وظاهر حديث الباب يدل على أن الأذنين يمسحان ظاهرهما وباطنهما مع الرأس، وأيضًا يدل على أنه لم يأخذ للأذنين ماء جديداً (3)، بل مسح الرأس والأذنين بماء واحد.
واختلف العلماء في أن الأذنين هل يمسحان ببقية ماء الرأس أو بماء جديد؟ فذهب (4) مالك والشافعي وأحمد (5) وأبو ثور إلى أنه يوخذ لهما ماء جديد، وذهب الثوري وأبو حنيفة إلى أنهما يمسحان مع الرأس بماء واحد،
(1)"سنن ابن ماجه"(439).
(2)
"سنن النسائي"(102).
(3)
وذكر صاحب "نيل المآرب" وصاحب "المغني"(1/ 181) أخذ الماء الجديد سنَّة ، ولم يذكره صاحب "الروض"(1/ 47). (ش).
(4)
وعد في الحاشية مالكًا مع الإِمام، فتأمل، ولا يصح كما في "الشرح الكبير"(1/ 98) إذ جعل تجديد الماء سنة مستقلة. (ش).
(5)
ذكر ابن رسلان مذهب أحمد مسحهما مع الرأس مثل قول أبي حنيفة وبسطه، فتأمل. وتقدم قول إسحاق وغيره: إن ما أقبل منهما يغسل وما أدبر يمسح، وفي "العارضة" (1/ 54): للعلماء أربعة أقوال: منها قول الزهري يغسلان مع الوجه. (ش).
122 -
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الأَنْطَاكِىُّ، لَفْظُهُ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ،
===
ثم قال الشوكاني بعد بيان الاختلاف وتخريج الروايات على المذهب الأول: قال ابن القيم في "الهدي"(1): لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخذ لهما ماءً جديدًا، وإنما صح ذلك عن ابن عمر (2).
122 -
(حدثنا محمود بن خالد) السلمي (ويعقوب بن كعب الأنطاكي) هو يعقوب بن كعب بن حامد الحلبي أبو يوسف، نزيل أنطاكية بلدة بالشام، وثقه العجلي وأبو حاتم، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(لفظه)(3) أي هذا لفظ يعني الحديث المذكور في الكتاب هو لفظ يعقوب بن كعب، وأما حديث محمود فهو في معناه نحو حديث يعقوب، وليس لفظه، وهو خبر حذف مبتدأه.
(قالا: ثنا الوليد بن مسلم) القرشي مولى بني أمية، ثقة، وثقه كثير، لكنه كثير التدليس والتسوية، قال الدارقطني: كان الوليد يرسل، يروي عن الأوزاعي أحاديث عند الأوزاعي (4) عن شيوخ ضعفاء قد أدركهم الأوزاعي، فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عن نافع، وقال مُهَنّا: سألت أحمد عن الوليد، فقال: اختلطت عليه أحاديث، ما سمع وما لم يسمع، وكانت له منكرات، مات سنة 195 هـ.
(1)(1/ 187).
(2)
ولا حجة في الآثار؛ لأن آثار الصحابة مختلفة، والروايات المرفوعة تؤيد الحنفية من روايات التكفير، وقوله عليه الصلاة والسلام:"الأذنان من الرأس"، ورواية الباب. (ش).
(3)
قال العراقي: ضبطناه بالنصب أي حدثنا لفظه. "الغاية". (ش).
(4)
أي: وقد كانت عند الأوزاعي
…
إلخ. (ش).
عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، فَلَمَّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، فَأَمَرَّهُمَا حَتَّى بَلَغَ الْقَفَا، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِى مِنْهُ بَدَأَ (1). قَالَ مَحْمُودٌ: قَالَ: أَخْبَرَنِى حَرِيزٌ. [ق 1/ 76]
123 -
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ وَهِشَامُ بْنُ خَالِدٍ،
===
(عن حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن ميسرة، عن المقدام بن
معدي كرب قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فلما بلغ مَسْحَ رأسِه) لفظ المسح ها هنا بسكون السين المهملة مضاف إلى الرأس ومفعول لقوله: بلغ.
(وضع كفيه على مقدم رأسه، فأمَرَّهما) من الإمرار أي أجراهما وأمضاهما (حتى بلغ القفا)(2)، قال في "القاموس": القفا وراء العنق، وقد يمد، وفي رواية:"حتى بلغ القذال"، بفتح قاف فمعجمة فألف فلام، أول القفا (ثم ردهما إلى المكان الذي منه بدأ، قال محمود) أي محمود بن خالد أستاذ أبي داود: (قال) الوليد بن مسلم: (أخبرني حريز).
غرض أبي داود بهذا الكلام بيان أن كلا شيخيه اختلفا في السند، فأما يعقوب بن كعب فروى عن شيخه وليد بن مسلم بأنه يروي عن شيخه حريز بن عثمان معنعنة، وأما محمود فروى عنه بالتحديث (3)، ويمكن أن يستدل به على استحباب مسح الرقبة، وسيجيء بحثه قريبًا.
123 -
(حدثنا محمود بن خالد وهشام بن خالد) بن يزيد بن مروان
(1) وفي نسخة: "بدأ منه".
(2)
قال ابن رسلان: مقصورة، مؤخر العنق. (ش).
(3)
كذا في الأصل، والصواب بالإخبار، فارتفعت مظنة التدليس عن الوليد. (ش).
الْمَعْنَى، قَالَا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بِهَذَا الإِسْنَادِ قَالَ: وَمَسَحَ بِأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا. زَادَ هِشَامٌ: وَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِى صِمَاخِ أُذُنَيْهِ. [جه 442]
124 -
حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِىُّ
===
الأزرق، أبو مروان الدمشقي، ويقال: مولى بني أمية، قال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال مسلمة في "الصلة": ثقة. مات سنة 249 هـ، هكذا في "تهذيب التهذيب" - (المعنى) مبتدأ وخبره واحد، أو يقال: ذكرا المعنى فيكون مفعولًا، يقول: الحديثان وإن اختلفا في اللفظ لكنهما متحدان في المعنى.
(قالا: ثنا الوليد) بن مسلم (بهذا الإسناد) المذكور سابقًا، (قال) أي الوليد في هذه الرواية:(ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما) يعني هذه الزيادة مختصة برواية محمود وهشام ابني خالد، وليست في رواية يعقوب بن كعب، (زاد هشام: وأدخل أصابعه (1) في صماخ (2) أذنيه) أي في جحري أذنيه، وهذه الزيادة مختصة برواية هشام بن خالد عن الوليد، وليست في رواية محمود بن خالد، ولا في رواية يعقوب بن كعب (3).
124 -
(حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني)(4)، هو مؤمل بن فضل بن مجاهد، ويقال: ابن عمير الحراني، أبو سعيد الجزري، قال أبو حاتم: ثقة رضىً، وذكره ابن حبان في "الثقات"، مات سنة 231 هـ.
(1) بلفظ الجمع على إرادة الجنس، وفي نسخة:"أصبعيه" بالتثنية. "الغاية". (ش).
(2)
على الجنس، وفي نسخة:"صماخي". "ابن رسلان". (ش).
(3)
الحديث عزاه النووي تبعًا لابن الصلاح إلى النسائي وهو وهم، قال المنذري: أخرجه ابن ماجه. "الغاية". (ش)[انظر: "مختصر سنن أبي داود" للمنذري (1/ 79)، و"سنن ابن ماجه" 442].
(4)
حران مدينة بالجزيرة. "الغاية". (ش).
قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ قال: حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ الْمُغِيرَةُ بْنُ فَرْوَةَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِى مَالِكٍ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ
===
(قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا عبد الله بن العلاء) بن زبر بفتح الزاي وسكون الموحدة، ابن عطارد بن عمرو بن حجر الربعي، أبو زبر، ويقال: أبو عبد الرحمن الدمشقي، قال الدوري وابن أبي خيثمة وغير واحد عن ابن معين: ثقة، وكذا قال دحيم وأبو داود ومعاوية بن صالح وهشام بن عمار، وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، وقال الدارقطني: ثقة يجمع حديثه، وذكره ابن حبان في "الثقات"، ونقل الذهبي في "الميزان": أن ابن حزم نقل عن ابن معين أنه ضعفه، قال شيخنا في "شرح الترمذي": لم أجد ذلك عن ابن معين بعد البحث، قال إبراهيم بن عبد الله: توفي أبي سنة 164 هـ، وهو ابن تسع وثمانين.
(قال: ثنا أبو الأزهر المغيرة بن فروة) الدمشقي، ويقال: فروة بن المغيرة، مشهور بكنيته، ذكره ابن حبان في "الثقات"(ويزيد بن أبي مالك) هو يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك، واسمه هانئ الهمداني الدمشقي القاضي ولاه هشيم القضاء، قال ابن أبي حازم (1): سئل أبي عنه، فقال: من فقهاء أهل الشام، وهو ثقة، وقال الدارقطني والبرقاني: من الثقات، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال يعقوب بن سفيان: كان قاضيًا، وابنه خالد، في حديثهما لين، مات سنة 130 هـ.
(أن معاوية) بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس، أسلم يوم الفتح، وقيل: قبل ذلك، وكتب الوحي، ولاه عمر بن الخطاب الشام بعد أخيه يزيد، فأقَرَّه عثمان مدة ولايته، ثم ولي الخلافة فكان أميرًا
(1) كذا في الأصل و"تهذيب التهذيب"(11/ 346)، والصواب: ابن أبي حاتم، راجع:"تهذيب الكمال" رقم (7022) و"الجرح والتعديل"(9/ الترجمة 1165).
تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ، فَلَمَّا بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ (1) غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ، حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ أَوْ كَادَ يَقْطُرُ، ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ، وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إِلَى مُقَدَّمِهِ. [حم 4/ 94، ق 1/ 59]
===
عشرين سنة، وخليفة عشرين سنة، كان عمر إذا نظر إلى معاوية قال: هذا كسرى العرب، مات في رجب سنة ستين (2).
(توضأ للناس) أي ليرى وضوءه الناس (كما رأى)(3) أي معاوية (رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فلما بلغ) معا وية (رأسه) أي مسح رأسه (غرف) معاوية (غرفة من ماء) بيمينه، (فتلقاها)(4) أي الغرفة (بشماله حتى وضعها على وسط رأسه، حتى قطر الماء أو كاد) أي قرب أن (يقطر، ثم مسح) أي بدأ المسح (من مقدمه) أي مقدم رأسه (إلى مؤخره)، والمراد أنه بدأ بالمسح من الناصية إلى القفا (ومن موخره إلى مقدمه) أي من القذال إلى الناصية.
وفي هذا الحديث تلقي الغَرفة باليسرى ووضعها بها على الرأس، وليست هذه في ما رواه علي بن بحر عن الوليد بن مسلم بهذا الإسناد إلى معاوية، كما أخرجه الإِمام أحمد في "مسنده"، وهذا لفظه: ثنا عبد الله، ثني أبي، ثنا علي بن بحر قال: ثنا الوليد يعني ابن مسلم، قال: ثنا عبد الله بن العلاء، أنه سمع يزيد يعني ابن أبي مالك وأبا الأزهر يحدثان عن وضوء معاوية، قال: يريهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، وغسل رجليه بغير عدد، وهكذا أخرجه أبو داود عن محمود بن خالد عن الوليد.
(1) وفي نسخة: "اغترف".
(2)
له مائة وثلاثون حديثًا. "الغاية"، [انظر ترجمته في:"أسد الغابة"(4/ 154) رقم (4985)]. (ش).
(3)
وهذا اللفظ في حكم المرفوع. "الغاية"(ش).
(4)
لئلا يذهب الماء. "تقرير". (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وأما الطحاوي فأخرج بسنده عن علي بن بحر عن الوليد إلى معاوية ولفظه: "أنه أراهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه، ثم مر بهما حتى بلغ القفا، ثم ردهما حتى بلغ المكان الذي منه بدأ".
وأما وضع الغرفة على وسط الرأس ثم المسح بعد ذلك، فلم يتعرص (1) له أحد من الشراح فيما تتبعت، ولكن كتب مولانا محمد يحيى المرحوم في تقرير شيخه رحمه الله: أفاد بذلك (2) إجزاء الغسل عن المسح فإن الغسل يتضمنه، وإنما كان يتوهم أن لا ينوب أحدهما عن الآخر لكونهما نوعين مختلفين من الأحكام، انتهى.
وهذا مبني على قوله: حتى قطر، وهو الظاهر لأنه إذا وضع الغرفة
على وسط الرأس يقطر الماء لا محالة، خصوصًا إذا كان الشعر فى دُهْنِيًّا، وعلى هذا قالت الحنفية: ولو أصاب رأسه المطر مقدار المفروض أجزأه، مسحه بيده أو لم يمسحه؛ لأن الفعل ليس بمقصود في المسح، وإنما المقصود هو وصول الماء إلى ظاهر الشعر "بدائع"(3)، وهكذا في "مراقي
(1) قال ابن قدامة: فيه روايتان عندنا؛ إحداهما: لا يكفي لأنه تعالى أمر بالمسح، والثاني: يكفي لأن المُحْدث إذا اغتسل يكفي، وهذا إذا لم يمر اليد، وأما إذا أمَرَّ اليد، كما في رواية معاوية فحصل المسح، انتهى [انظر:"المغني مع الشرح الكبير"(1/ 138)]، وقال ابن رسلان: حكى إمام الحرمين إجزاء الغسل بالاتفاق، لأنه فوق المسح، لكن قال الأكثرون: إنه مكروه، وصحح الغزالي والرافعي عدم الكراهة، وفي "شرح المنهاج": الأصح جواز غسله بلا كراهة. (ش).
(2)
يشكل عليه أنه أمر اليد بعد وضع الغرفة من مقدمه إلى مؤخره، وهو المسح فلا حجة فيه، إلَّا أن يقال: إن هذا الإمرار هو إيصال الماء الذي كان على الرأس لا المسح العرفي، كما يقال في غسل الوجه وغيره بإمرار اليد أنه مسح وجهه. (ش).
(3)
"بدائع الصنائع"(1/ 71).
125 -
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بِهَذَا الإِسْنَادِ (1) قَالَ: فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ بِغَيْرِ عَدَدٍ. [انظر تخريج الحديث السابق]
126 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قال: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ،
===
الفلاح" وحاشيته للطحطاوي (2).
125 -
(حدثنا محمود بن خالد قال: ثنا الوليد) بن مسلم القرشي (بهذا الإسناد) المذكور (قال) الوليد في حديثه: (فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا وغسل رجليه بغير عدد) الجار يتعلق بلفظ قال، أي قال بغير ذكر عدد (3)، وهكذا أخرجه الإِمام أحمد في "مسنده"، كما ذكرناه عن قريب.
126 -
(حدثنا مسدد) بن مسرهد (قال: حدثنا بشر (4) بن المفضل) بن لاحق الرقاشي بقاف ومعجمة، مولاهم، أبو إسماعيل البصري، قال أحمد بن حنبل: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة، وعَدَّه ابن معين في أثبات شيوخ البصريين، وثَّقه أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والعجلي والبزار وابن سعد، مات سنة 186 هـ أو 187 هـ.
(قال: ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل) مكبرًا ابن أبي طالب الهاشمي، أبو محمد المدني، وأمه زينب الصغرى بنت علي، وقد اختلف الناس فيه، قال ابن سعد: كان منكر الحديث، لا يحتجون بحديثه،
(1) وفي نسخة: "في هذا الإسناد".
(2)
(ص 47 - 48).
(3)
فلا حجة فيه على أنه لا عدد فيه. "الغاية". (ش).
(4)
بكسر الباء الموحدة وسكون المعجمة، كان يصلي كل يوم خمس مائة ركعة. "ابن رسلان". (ش).
عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ
===
وكان كثير العلم، والإمام مالك لا يروي عنه، ولم يدخله في كتبه، ولا يروي عنه يحيى بن سعيد، وكان ابن عيينة لا يحمد حفظه، وقال معاوية بن صالح عن ابن معين: ضعيف الحديث، وقال محمد بن عثمان عن ابن المديني: كان ضعيفًا، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه، وقال أبو حاتم: لين الحديث، ليس بالقوي، ولا ممن يحتج بحديثه، وهو أحبُّ إلى من تمام بن نجيح، يكتب حديثه، وقال عمرو بن علي: سمعت يحيى وعبد الرحمن يحدثان عنه، والناس يختلفون عليه، وقال العجلي: مدني تابعي جائز الحديث.
وقال أبو أحمد الحاكم: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه يحتجان بحديثه، وليس بذاك المتين المعتمد، وقال الترمذي: صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديث ابن عقيل، قال محمد بن إسماعيل: وهو مقارب الحديث، وقال ابن عدي: روى عنه جماعة من المعروفين الثقات، وهو خير من ابن سمعان، ويكتب حديثه، وقال مسعود السجزي عن الحاكم: عُمِّر فساء حفظه، فحدث على التخمين، وقال في موضع آخر: مستقيم الحديث، وقال ابن عبد البر: هو أوثق من كل من تكلم فيه، انتهى. وهذا إفراط، "تهذيب التهذيب"(1) ملخصًا.
(عن الرُّبَيّع) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد التحتية المكسورة (بنت معوذ بن عفراء) الأنصارية النجارية، صحابية، قال ابن أبي خيثمة عن أبيه: إنها كانت من المبايعات تحت الشجرة، وعفراء بفتح العين المهملة وسكون الفاء، بنت عبيد بن ثعلبة بن مالك بن النجار، ذكرها
(1)(6/ 13).
قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِينَا، فَحَدَّثَتْنَا أَنَّهُ قَالَ: «اسْكُبِى لِى وَضُوءًا،
فَذَكَرَتْ (1) وُضُوءَ النَّبِيِّ (2) صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ فِيهِ: فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَوَضَّأَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مَرَّةً،
===
ابن حبيب في المبايعات، تزوجها الحارث بن رفاعة بن الحارث بن سواد، فولدت له مُعاذًا ومعوذًا وعوفًا بني الحارث، ثم تزوجت بعد الحارث بكير بن ياليل الليثي، فولدت له أربعة: إياسًا وعاقلًا وخالدًا وعامرًا، وكلهم شهدوا بدرًا، وكذلك إخوتهم لأمهم بنو الحارث، فانتظم من هذا أنها امرأة صحابية لها سبعة أولاد شهدوا كلهم بدرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه خصيصة لا توجد لغيرها (3).
(قالت)(4) أي الربيع: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا) قال عبد الله بن محمد: (فحدثتنا) الربيع (أنه) صلى الله عليه وسلم يومًا و (قال) لي: (اسكبي) أي صُبِّي (لي وضوءًا) أي ماء الوضوء في الإناء، قال عبد الله:(فذكرت)(5) الربيع (وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، قالت فيه) أي في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: (فغسل كفيه ثلاثًا، ووَضّأ) من التفعيل أي غسل (وجهه ثلاثًا، ومضمض واستنشق مرة) اكتفى على المرة الواحدة لعله لبيان الجواز، وأيضًا فيه تأخير المضمضة والاستنشاق عن غسل الوجه، فيقال: إن التأخير في الذكر لا يستلزم التأخير في أداء الفعل، ولو سلم فيحمل على بيان الجواز.
(1) وفي نسخة: "فتحدثنا".
(2)
وفي نسخة: "رسول الله".
(3)
انظر ترجمتها في: "أسد الغابة"(5/ 280) رقم (6919).
(4)
قال ابن رسلان: في أحاديث الربيع جواز غسل بعض الأعضاء مرة ومرتين وثلاثًا، وأيضًا جواز بداية المسح بالمؤخر. (ش).
(5)
وفي نسخة ابن رسلان (1/ 193): "فذكر"، قال: أي عبد الله بن محمد عنها. (ش).
وَوَضَّأَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ: يَبْدَأُ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ، وَبِأُذُنَيْهِ كِلْتَيْهِمَا: ظُهُورِهِمَا وَبُطُونِهِمَا، وَوَضَّأَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا. [ت 33، جه 440، دي 690، حم 6/ 358، ق 1/ 64]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا مَعْنَى حَدِيثِ مُسَدَّدٍ.
===
(ووضأ يديه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه مرتين: يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدَّمه)، وهذا بيان لقوله: مرتين، فلا يدل على أن المسح كان مرتين، بل يدل على أن استيعاب الرأس بالمسح كان مرة واحدة، ولكن حصل ذلك الاستيعاب بالمسح مرتين بالابتداء بمؤخر الرأس ثم بمقدمه، وقد ورد عن الربيع في المسح أنه فعل مرة واحدة، كما يأتي عن قريب.
وأما قوله: "يبدء بمؤخر رأسه ثم بمقدمه"، بظاهره يخالف ما رواه كثير من كبار (1) الصحابة بأنه بدأ بمقدمه ثم بمؤخره، فيمكن أن هذا الذي فعله صلى الله عليه وسلم فعله لبيان الجواز، ويمكن أن يوجه هذا السياق بأن يقال: معنى قوله: "يبدأ بمؤخر رأسه" أي يبدء بإمرار اليدين إلى مؤخر رأسه، ثم بهما إلى مقدمه، وهذا أولى من أن ينسب التحريف إلى الراوي.
(وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما، ووضأ رجليه (2) ثلاثًا ثلاثًا، قال أبو داود: وهذا معنى حديث مسدد)، يعني لم أحفظ ألفاظ حديث مسدد فأوردته بالمعنى، وأخرج البيهقي هذا الحديث حديث ابن المفضل، ولكن فيه زيادات كثيرة على ما في حديث أبي داود من السياق.
(1) فقيل: شاذ للمخالفة، كذا في حاشية أبي داود، وإليه أشار الترمذي إذ قال: حديث عبد الله أصح من هذا. "ابن رسلان". (ش).
(2)
وليس ذكر الرجلين في رواية الترمذي. "ابن رسلان". (ش).
127 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ
===
127 -
(حدثنا إسحاق بن إسماعيل) الطالقاني بفتح الطاء المهملة وسكون اللام (1) بعدها القاف المفتوحة وفي آخرها النون، بلدة بين مرو الرُّوذ (2) وبلخ، بما يلي الجبال، قال يعقوب بن شيبة: ثقة، وكان ابن معين يوثقه، وقال أبو داود والدارقطني: ثقة، وقال عثمان بن خرزاذ: ثقة ثقة، وقال ابن حبان في "الثقات": كان من ثقات أهل العراق ومتقنيهم، حسده بعض الناس فحلف أن لا يحدث حتى يموت، قال ابن المديني: كان إسحاق بن إسماعيل معنا عند جرير، وكانوا ربما قالوا له: جئنا بتراب - وجرير يقرأ - فيقوم، وضعفه، مات سنة 230 هـ.
(قال: حدثنا سفيان) بن عيينة، هذا ما قاله بعض الشراح، ولم يثبت عندي أنه ابن عيينة أو الثوري، وسيأتي في أبي داود من حديث مسدد، عن عبد الله بن داود، عن سفيان بن سعيد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد أخرج أحمد في "مسنده": حدثنا عبد الله، نا أبي، ثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل، فثبت بهذا أنهما يرويان عن عبد الله بن محمد بن عقيل، فتعيين أحدهما من غير قرينة مشكل (3).
(عن ابن عقيل) هو عبد الله بن محمد بن عقيل (بهذا الحديث) المذكور عن بشر بن المفضل عن عبد الله بن محمد بن عقيل، لكن سفيان
(1) كذا في "الأنساب" للسمعاني (3/ 243)، و"لب اللباب" للسيوطي (ص 262)، والصواب بفتح اللام، كما في "معجم البلدان"(4/ 6)، و"المغني"(ص 159) وغيرهما. (ش).
(2)
وفي الأصل: "مروروز" وهو تحريف، والصواب "مرو الرُّوذ" كما في "الأنساب"(3/ 243)، و"معجم البلدان"(5/ 112).
(3)
قلت: إن المزي صرح في "تحفة الأشراف"(11/ 80) بأنه سفيان بن عيينة.
يُغَيِّرُ بَعْضَ مَعَانِى بِشْرٍ، قَالَ فِيهِ: وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا. [انظر الحديث السابق]
128 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الْهَمْدَانِىُّ قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ
===
(يغير بعض معاني بشر) يعني حديثي بشر وسفيان، وإن كانا متَّحدين في المعنى في الجملة، لكنهما متغايران في بعض المعاني، فإن سفيان يغير بعض معاني بشر (قال) سفيان (فيه) أي في هذا الحديث:(وتمضمض واستنثر ثلاثًا) وقد كان [بشر بن] المفضل قال فيه: مضمض واستنشق مرة، فهذا هو التغيير.
128 -
(حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد الهمداني قالا: حدثنا الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي بفتح الفاء وسكون الهاء وفي آخرها الميم، وهم بطن من قيس عيلان، أبو الحارث، الإِمام المصري، فاق أهل زمانه بالسخاء والبذل، وكان لا يحدث أحدًا حتى يدخل في جملة من يجري عليهم ما يحتاجون إليه في وقت مقامهم عليه، فإذا خرجوا من عنده زوَّدهم ما فيه البُلْغة إلى أوطانهم، قال الأثرم عن أحمد: ما في هؤلاء المصريين أثبت من الليث، وثَّقه ابن المديني والعجلي والنسائي ويعقوب بن شيبة، وفي حديثه عن الزهري بعض الاضطراب، وقال يحيى بن معين: كان يساهل في السماع والشيوخ، وقال الأزدي: صدوق إلَّا أنه كان يساهل، مات سنة 175 هـ.
(عن ابن عجلان) هو محمد بن عجلان القرشي، (عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ بن عفراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ
عِنْدَهَا فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ مِنْ قَرْنِ (1) الشَّعْرِ، كُلَّ نَاحِيَةٍ لِمُنْصَبِّ الشَّعْرِ لَا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ.
[حم 6/ 359 ، ق 1/ 60]
===
عندها فمسح الرأس كله من قرن الشعر)، وأثبت الشوكاني (2) في نقل هذا الحديث في متن "منتقى الأخبار":"فمسح الرأس كله من فوق الشعر"، ثم قال في "شرحه": ووقع في نسخة من الكتاب مكان "فوق""فرق"، وفي "سنن أبي داود" ثلاث نسخ (3)؛ هاتان، والثالثة: قرن، أي يبدأ من أعلى الرأس إلى (كل ناحية) كائنة (لمنصبِّ الشعر)(4) بضم الميم وسكون النون وفتح الصاد المهملة وتشديد الباء الموحدة، أي لمحل انصبابه وانحداره وهو أسفل رأسه، فحاصله أنه صلى الله عليه وسلم مسح من الناصية إلى القذال.
(لا يحرك الشعر عن هيئته) معناه أنه صلى الله عليه وسلم مسح الرأس كله بيديه الشريفتين من الأعلى إلى الأسفل مرة واحدة بإمرار اليدين على الرأس باللين والسهولة لا بالعنف والشدة، حتى لا يحرك الشعر عن هيئته، أو لم يمسح من الأسفل إلى الأعلى، فلو مسح من الأسفل إلى الأعلى لاختلَّ نظام الشعر، ولكن هذا التأويل الثاني يعارض ما سبق من حديث الربيع بنت معوذ برواية بشر بن المفضل وسفيان، فإن فيها:"يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه"، فالأقرب هو التأويل الأول.
(1) وفي نسخة: "قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ عندها فمسح الرأس كله من فرق الشعر".
(2)
انظر: "نيل الأوطار"(1/ 205).
(3)
وضبطه ابن رسلان بفوق وقرن، وقال: فيه روايتان، ثم قال: وفي بعض النسخ فرق. (ش).
(4)
قال ابن رسلان: أي للناحية التي ينصب الشعر إليه ويسترسل، وهذا مخصوص لمن له شعر طويل. (ش).
129 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قال: حَدَّثَنَا بَكْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُضَرَ -، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، أَنَّ رُبَيِّعَ (1) بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ. - قَالَتْ: فَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَمَسَحَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ، وَصُدْغَيْهِ، وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً. [ت 34، حم 6/ 359، ق 1/ 59]
===
129 -
(حدثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا بكر - يعني ابن مضر -)، زاد لفظ "يعني" ليدل على أن قوله:"ابن مضر" ليس من لفظ الشيخ، وهو بكر بن مضر بن محمد بن حكيم، أبو محمد أو أبو عبد الملك المصري، مولى ربيعة بن شرحبيل، وثقه أحمد وابن معين والنسائي وأبو حاتم والعجلي، مات سنة 173 هـ، (عن ابن عجلان) هو محمد بن عجلان، (عن عبد الله بن محمد بن عقيل، أن ربيع بنت معوِّذ بن عفراء أخبرته) أي عبد الله.
(قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، قالت: فمسح رأسه ومسح ما أقبل منه) أي من الرأس (وما أدبر) أي منه (وصدغيه) الصدغ (2) بالضم ما بين العين والأذن، والشعر المتدلّي على هذا الموضع، قال القاري (3): قال ابن الملك: هو الشعر الذي بين الأذن وبين الناصية من كل جانب من جانبي الرأس، وهو الإنسب بالمذهب، وفي "شرح الأبهري": قال صاحب "البحر": الصدغ: الشعر المحاذي لرأس الأذن وما نزل إلى العذار، وفي "العزيز": ومما يخرج من حد الوجه الصدغان، وهما جانبا الأذن يتصلان بالعذارين، انتهى، (وأذنيه مرة واحدة).
(1) هكذا بالتنكير في القديمة والمجتبائية. (ش).
(2)
وهل هو من الرأس أو من الوجه؟ ذكر ابن رسلان فيه قولين. (ش).
(3)
"مرقاة المفاتيح"(2/ 22).
130 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ: أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ مَاءٍ كَانَ فِى يَدِهِ. [حم 6/ 130، قط 1/ 87]
131 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ
===
130 -
(حدثنا مسدد قال: حدثنا عبد الله بن داود) بن عامر بن الربيع الهمداني، ثم الشعبي، أبو عبد الرحمن المعروف بالخريبي بضم الخاء وفتح الراء وفي آخرها الباء المنقوطة بواحدة، كوفي الأصل، سكن الخريبة، وهي محلة بالبصرة، وثَّقه ابن سعد وابن معين وأبو زرعة والنسائي والدارقطني، وقال أبو حاتم: كان يميل إلى الرأي، وكان صدوقًا، مات سنة 213 هـ.
(عن سفيان بن سعيد) الثوري، (عن ابن عقيل) هو عبد الله بن محمد بن عقيل، (عن الربيع: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماء) (1) أي بقية ماء (كان في يده) صلى الله عليه وسلم من غسل اليدين، وهذا الحديث يدل على أن مسح الرأس ببقية ماء اليدين جائز، وقد تقدم بحثه في "باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم".
131 -
(حدثنا إبراهيم بن سعيد) الجوهري (2) أبو إسحاق، الطبري
(1) وفي رواية ابن ماجه: "أخذ له ماءً جديدًا"، فاضطربت الرواية ، وأوّله البيهقي بأن المراد فضل ماء جديد، يعني أخذ الماء ورمى نصفه "الغاية"، قال ابن رسلان: قال المنذري: وابن عقيل اختلف الحفاظ في الاحتجاج بحديثه، وحديث ابن زيد ليس الخلاف فيه، انتهى. (ش).
(2)
فيه قصة طلبه الجزء الثالث والعشرين من مسند الصديق، كذا في "شذرات الرجال" للعبد الضعيف. (ش). [قلت: وهي ما أخرجه الخطيب في "تاريخه"(6/ 94) عن عبد الله بن جعفر بن خاقان المروزي السلمي قال: سألت إبراهيم بن سعيد الجوهري عن حديث =
قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ،
===
الأصل، البغدادي، الحافظ، روى عنه الجماعة سوى البخاري، قال النسائي: ثقة، وقال الخطيب: كان ثقة مكثرًا ثبتًا صنف المسند، وقد وثَّقه الدارقطني والخليلي وابن حبان وغيرهم، تُكُلِّمَ فيه بلا حجة، مات في حدود سنة 250 هـ.
(قال: حدثنا وكيع) بن الجراح (قال: حدثنا الحسن بن صالح) بن صالح بن حي، وهو حيان بن شُفَي بضم المعجمة وفتح الفاء وشدة الياء، ابن هني بن رافع الهمداني الثوري، أبو عبد الله الكوفي، قال يحيى القطان: كان الثوري سيئ الرأي فيه، وقال أبو نعيم: دخل الثوري يوم الجمعة فإذا الحسن بن صالح يصلي، فقال: نعوذ بالله من خشوع النفاق وأخذ نعليه وتحوَّل، وقال أيضًا عن الثوري: ذاك رجل يرى السيف على الأئمة، وقال خلاد بن زيد: جاءني الثوري إلى ها هنا فقال: الحسن بن صالح مع ما سمع من العلم والفقه يترك الجمعة، وقال ابن إدريس: ما أنا وابن حي لا يرى جمعة ولا جهادًا.
وقال بشر بن الحارث: كان زائدة يحذر الناس من ابن حي وأصحابه. وقال أبو أسامة عن زائدة: أن ابن حي استصلب منذ زمان، وما نجد أحدًا يصلبه، وقال خلف بن تميم: كان زائدة يستعتب من يأتي الحسن بن حي، وقال علي بن الجعد: حدثت زائدة بحديث عن الحسن، فغضب، وقال: لا أحدثك أبدًا، وقال أبو موسى: ما رأيت يحيى ولا عبد الرحمن حدث عن الحسن بن صالح بشيء، وقال عمرو بن علي:
= لأبي بكر الصديق، فقال لجاريته: أخرجي إلى الثالث والعشرين من مسند أبي بكر، فقلت له: لا يصح لأبي بكر خمسون حديثًا من أين ثلاثة وعشرون جزءًا؟ فقال: كل حديث لم يكن عندي من مائة وجه فأنا فيه يتيم، انتهى].
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ (1):
===
كان عبد الرحمن يحدث عنه ثلاثة أحاديث ثم تركه، هذا ما نقل من جرحه.
وأما التوثيق: فقال أحمد: حسن ثقة، وأخوه ثقة، وقال إبراهيم بن الجنيد وابن أبي خيثمة وابن أبي مريم عن يحيى بن معين: ثقة مأمون مستقيم الحديث، وقال أبو زرعة: اجتمع فيه إتقان وفقه وعبادة وزهد، وقال أبو حاتم: ثقة حافظ متقن، وقال النسائي: ثقة، وقال الدارقطني: ثقة عابد، وقال الساجي: الحسن بن صالح صدوق، وقال أبو زرعة الدمشقي: رأيت أبا نعيم لا يعجبه ما قال ابن المبارك في ابن حي، قال: وتكلم في حسن، قال الساجي: وكان عبد الله بن داود الخريبي يحدث عنه ويطريه، ثم كان يتكلم فيه ويدعو عليه، ويقول: كنت أؤم في مسجد بالكوفة فأطريت أبا حنيفة فأخذ الحسن بيدي نحَّاني عن الإمامة، قال الساجي: فكان ذلك سبب غضب الخريبي عليه، مات سنة 169 هـ، ذكره البخاري في كتاب الشهادات من "الجامع".
وأجاب الحافظ عما نقموا عليه أن قولهم: "كان يرى السيف"، يعني كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجَور، وهذا مذهب للسلف قديم، وبمثل هذا الرأي لا يقدح في رجل قد ثبتت عدالته؛ واشتهر بالحفظ والإتقان والورع التام، وأما ترك الجمعة ففي جملة رأيه ذلك أن لا يصلي خلف فاسق، ولا يصحح إمامة الفاسق، فهذا ما يعتذر به عن الحسن، وإن كان الصواب خلافه فهو إمام مجتهد (2).
(عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ) بن عفراء
(1) زاد في نسخة: "بن عفراء".
(2)
انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب"(2/ 285)، و"تهذيب الكمال"(2/ 133) رقم (1222).
أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ فِى جُحْرَىْ أُذُنَيْهِ. [جه 441، حم 6/ 359، ق 1/ 65]
132 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَمُسَدَّدٌ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ لَيْثٍ،
===
(أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأدخل إصبعيه) أي السبَّابتين (في جُحري أذنيه) أي في صماخهما (1).
132 -
(حدثنا محمد بن عيسى) أبو جعفر (ومسدد) بن مسرهد (قالا: حدثنا عبد الوارث، عن ليث) بن أبي سليم بن زنيم القرشي مولاهم، أبو بكر الكوفي، وقال يحيى والنسائي: ضعيف، وقال ابن معين أيضًا: لا بأس به، قال ابن حبان: اختلط في آخر عمره، وقال الدارقطني: إنما كان صاحب سنَّة، إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب، وقال الترمذي في "العلل الكبير": قال محمد: كان أحمد يقول: ليث لا يفرح بحديثه، قال محمد: وليث صدوق يهم.
وقال النووي في "شرح مسلم": أما ليث بن أبي سليم فضعفه الجماهير، قالوا: اختلط واضطربت أحاديثه، قالوا: وهو ممن يكتب حديثه، قال أحمد بن حنبل: هو مضطرب الحديث، ولكن حدث الناس عنه، وقال الدارقطني وابن عدي: يكتب حديثه، وقال كثيرون: لا يكتب حديثه، وامتنع كثيرون من السلف من كتابة حديثه، واسم أبي سليم: أيمن، وقيل: أنس، انتهى، مات بعد سنة 140 هـ.
(1) قال ابن رسلان: قال الشافعي رحمه الله والأصحاب: يأخذ لهما ماءً جديدًا غير ماء ظاهر الأذنين وباطنهما، وحكى الماوردي وجهًا أنه يكفي البقية، انتهى. (ش).
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ
===
(عن طلحة بن مصرِّف)(1) بن عمرو بن كعب الهمداني اليامي بالتحتانية، أبو محمد، ويقال أبو عبد الله الكوفي، وثقه ابن معين، وأبو حاتم والعجلي وابن سعد، وقال أبو معشر: ما ترك بعده مثله، وأثنى عليه، وقال عبد الله بن إدريس: ما رأيت الأعمش أثنى على أحد يدركه إلَّا على طلحة بن مصرف، أدرك أنسًا، وما ثبت له سماع منه، مات سنة 112 هـ (2).
(عن أبيه)، هو مصرف (3) كمحدث، وحكي كمعظم، وهو ضعيف (4) أو غلط، ابن عمرو بن كعب، ويقال: مصرف بن كعب بن عمرو اليامي الكوفي، وروى عنه طلحة بن مصرف، مجهول.
(عن جده)، هو كعب بن عمرو، وقيل: عمرو بن كعب، وهو جد
(1) ما أفاده الشيخ - قدس سره - مبني على رواية أبي داود، فإن فيها تصريحاً بكونه ابن مصرف، وقال الحافظ في "التقريب": طلحة عن أبيه عن جده في مسح الرأس قيل: هو ابن مصرف وإلّا فهو مجهول، انتهى. وقال في "تهذيبه": قيل: إنه ابن مصرف، وقيل غيره، وهو الأشبه بالصواب، ثم ذكر رواية أبي داود هذه، وذكر عدة روايات مصرحة بكونه ابن مصرف، ولم يذكر في خلافه إلَّا قول الإِمام أحمد الذي ذكره أبو داود، وقول أبي زرعة: لا أعرف أحدًا سمى والد طلحة إلَّا أن بعضهم يقول: ابن مصرف، انتهى.
والأوجه عندي كونه ابن مصرف لتصريح اسم أبيه في روايات عديدة، وبه جزم صاحب "الخلاصة" إذ قال: هو طلحة بن مصرف. انتهى. وقال الحافظ في "التلخيص"(1/ 287): وصرح بأنه ابن مصرف، ابن السكن، وابن مردويه، ويعقوب ابن سفيان، وابن أبي خيثمة وخلق، انتهى مختصرًا. (ش).
(2)
انظر ترجمته في: "تهذيب الكمال"(3/ 2969)، و"تقريب التهذيب"(3034).
(3)
انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب"(10/ 158).
(4)
كذا في "الدرجات"(ص 24). (ش).
قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ رَأْسَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى بَلَغَ الْقَذَالَ - وَهُوَ أَوَّلُ الْقَفَا -
===
طلحة بن مصرف، سكن الكوفة، وله صحبة (1)، ومن حديثه ما روى طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فأمَرّ يده على سالفته (2)، أخرجه الثلاثة، قال أبو عمرو: وقد اختلف فيه، وهذا أصح ما قيل فيه، هكذا في "أسد الغابة"(3).
(قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه مرة واحدة حتى بلغ القذال (4)، وهو أول القفا) (5)، أي مسح رأسه من قرن الرأس إلى منتهى الرأس، وهذا لفظ محمد بن عيسى.
(1) قال المنذري: له صحبة، ومنهم من ينكرها، انتهى، "ابن رسلان". (ش).
(2)
السالفة: صفحة العنق.
(3)
وبسط صاحب "الغاية" الكلام على ترجمته من البيهقي وغيره. (ش). [انظر: "أسد الغابة" (5/ 535)].
(4)
بفتح القاف. (ش).
(5)
وفي رواية أحمد: "وما يليه من مقدم العنق"، بسطه صاحب "الغاية". استدل به صاحب "المغني"(1/ 151) على مسح الرقبة، واستدل أيضًا برواية ابن عباس:"امسحوا أعناقكم مخافةَ الغُلِّ"، واستحبابه رواية لأحمد، والقديم للشافعي، وفي رواية الدارقطني:"حتى بلغ بهما إلى أسفل عنقه". كذا في "غاية المقصود".
قال ابن رسلان: استدل به على ما قال البغوي والغزالي: إنه يستحب مسح الرقبة، وصحح الرافعي أنه سنة، ومقتضى كلام الحموي أن فيه قولين، وليس بسنة في الجديد، ثم ذكر عدة الروايات في إثباته، فارجع إليه. وقال الشعراني: قول مالك والشافعي: إنه ليس بسنة، وقول أبى حنيفة وأحمد وبعض الشافعية: مستحب، وبسطه في "تحفة الطلبة" لمولانا عبد الحي (ص 17). (ش).
وَقَالَ مُسَدَّدٌ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ حَتَّى أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ أُذُنَيْهِ.
قَالَ مُسَدَّدٌ: فَحَدَّثْتُ بِهِ يَحْيَى فَأَنْكَرَهُ. [حم 3/ 481 ، ق 1/ 60، طح 1/ 17]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ: إنّ ابْنُ عُيَيْنَةَ زَعَمُوا (1) أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُهُ،
===
(وقال مسدد: ومسح رأسه من مقدَّمه إلى مؤخَّره حتى أخرج (2) يديه من تحت أذنيه، قال مسدد: فحدثت به) أي بهذا الحديث (يحيى) أي القطان (فأنكره) يعني أنكر هذا الحديث لجهالة مصرف لا لمقال في صحبة جد طلحة، فإنه ليس بشيء، فإنه يصرح في هذا الحديث:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وأيضًا يأتي قريبًا بعد عدة أبواب، "قال: دخلت، يعني على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ"، ويمكن أن يكون يحيى أنكر أن يكون لجد طلحة صحبة لضعف في سند الحديث، فإن ليث بن أبي سليم ضعيف، ومصرفًا مجهول.
(قال أبو داود: وسمعت أحمد) بن حنبل (يقول: إن ابن عيينة زعموا أنه كان ينكره) فضمير "يقول" يرجع إلى أحمد، ولفظ "ابن عيينة" اسم "إنّ"، و"أنه كان ينكره" خبره، ولفظ "زعموا" معترضة بين الاسم والخبر، وضمير "زعموا" يرجع إلى الناس وعلماء زمانه، فحاصل تقدير العبارة هكذا: سمعت أحمد بن حنبل يقول: قال العلماء: إن ابن عيينة كان ينكر هذا الحديث، فالإمام أحمد لم يسمع هذا القول من ابن عيينة، بل بلغه بواسطة الرجال.
(1) وفي نسخة "زعموا كان".
(2)
قلت: هذا لازم لمسح الرقبة. (ش).
وَيَقُولُ: أَيْشٍ هَذَا: طَلْحَةُ (1) ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؟ .
133 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ
===
(ويقول) أي ابن عيينة: (أيش) مخفف أي شيء، قال في "مرقاة الصعود" (2): حكى أبو علي الفارسي في "تذكرته": حكى أبو الحسن والفراء أنهم يقولون: أيش لك، والقول فيه عندنا أنه أي شيء لك؟ حذف همزه فألقي حركته على الياء فتحرك بالكسر فكسره به فسكن، فلحقه تنوين فحذف لالتقاء الساكنين، قال: فإن قلت: بقي الاسم على حرف واحد، قيل: حسنه الإضافة اللازمة، فصار لزوم الإضافة مشبهًا له بما في نفس الكلمة، حتى حذف منهاكما قيل: فِيْمَ وبِمَ ولمَ، كذلك أيش (هذا: طلحة عن أبيه عن جده؟ ) لفظ هذا اسم إشارة، والمشار إليه طلحة عن أبيه عن جده، معناه: أي شيء هذا السند؟ أي: لا يعتد به، فاستفهام للإنكار.
وظاهر هذه العبارة يدل على إنكار هذا السند، لأجل ضعف في هذا السند، وهو جهالة والد طلحة، ولو كان الإنكار (3) لعدم ثبوت الصحبة لقال: أيش هذا: عن جده رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ويحتمل أن يكون الإنكار لأجل الأمرين، أي جهالة مصرف، وعدم ثبوت صحبة جد طلحة.
133 -
(حدثنا الحسن بن علي) الخلال، (حدثنا يزيد بن هارون) بن وادي، ويقال: زاذان بن ثابت السلمي مولاهم، أبو خالد الواسطي، أحد الأعلام الحفاظ المشاهير، قال ابن المديني: هو من الثقات، وقال ابن معين: ثقة، وقال العجلي: ثقة، ثبت في الحديث، وقال أبو حاتم: ثقة، إمام صدوق لا يُسأل عن مثله، وكذلك وثَّقه يعقوب بن شيبة،
(1) وفي نسخة: "طلحة بن مصرف".
(2)
انظر: "درجات مرقاة الصعود"(ص 25).
(3)
لكن ابن رسلان قال: الإنكار لعله كان لأجل أنه يرى أنه ليس بصحابي. (ش).
قَالَ: أنا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ،
===
وابن قانع، وقال يحيى بن أبي طالب: كان يقال: إنَّ في مجلسه سبعين ألف رجل، فكان قد كُفّ في آخر عمره، وذكر ابن أبي خيثمة في "تاريخه" أنه كاتب أبي شيبة القاضي جد أبي بكر بن أبي شيبة، قال: وسمعت أبي يعني أبا خيثمة زهير بن حرب، يقول: كان يعاب على يزيد حين ذهب بصره، ربما إذا سئل عن حديث لا يعرفه، فيأمر جاريته، فتحفظه من كتابه، قال: وسمعت يحيى بن معين يقول: يزيد ليس من أصحاب الحديث، لأنه لا يميز ولا يبالي عمن روى، مات سنة 206 هـ.
(قال: أنا عباد (1) بن منصور) الناجي بالنون والجيم، نسبة إلى بني ناجية، أبو سلمة الشامي القاضي بالبصرة، قال في "الأنساب" (2): حديثه مخرج في "صحيح البخاري" استشهادًا.
قال علي بن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: عباد بن منصور كان قد تغير إلَّا أن حين (3) رأيناه نحن كان لا يحفظ، ولم أر يحيى يرضاه، وحكى عنه حفيده أحمد بن محمد، قال: جدي عباد ثقة، لا ينبغي أن يترك حديثه لرأي أخطأ فيه يعني القدر، وقال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: لين، وقال أبو حاتم: كان ضعيف الحديث، يكتب حديثه، وقال أبو داود: وليس بذاك، وعنده أحاديث فيها نكارة، وقالوا: تغير، وقال النسائي: ليس بحجة، وقال في موضع آخر: ليس بقوي، وقال ابن حبان: كان قدريًّا داعية إلى القدر، وقال الدوري عن يحيى بن معين: حديثه ليس بالقوي، وقال مُهَنَّا عن أحمد: كانت أحاديثه منكرة، وكان
(1) ولي القضاء خمس مرات. "ابن رسلان". (ش).
(2)
(4/ 393).
(3)
كذا في الأصل. والصواب: "أنَا حين"، انظر ترجمة عباد في:"التهذيب"(5/ 103).
عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كُلَّهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا. قَالَ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً.
===
قدريًا، وقال ابن سعد: هو ضعيف عندهم، وله أحاديث منكرة، وقال الجوزجاني: كان سيِّئ الحفظ، وتغير أخيرًا، مات سنة 152 هـ.
(عن عكرمة بن خالد) بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي المكي، وثَّقه ابن معين، وأبو زرعة، والنسائي والبخاري، وابن سعد، (عن سعيد بن جبير)(1) مصغرًا، ابن هشام الأسدي الوالبي بكسر اللام والباء الموحدة، نسبة إلى والبة، وهي حي من بني أسد، مولاهم، أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله الكوفي، ثقة، فقيه، إمام، حجة، من أئمة التابعين، روايته عن عائشة، وأبي موسى، وعدي بن حاتم، وعبد الله بن معقل، وعلي ونحوهم مرسلة. خرج مع ابن الأشعث في جملة القراء، فلما هزم ابن الأشعث: هرب سعيد بن جبير إلى مكة، فأخذه خالد القسري بعد مدة، وبعث به إلى الحجاج، فقتله الحجاج صبرًا سنة 95 هـ، فلما بان رأسه، قال: لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، ثم قالها الثالثة، فلم يتمها، كان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه يقول: أليس فيكم ابن أم الدهماء، يعني سعيد بن جبير.
(عن ابن عباس رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ) ثم يقول أبو داود: (فذكر) أي الحسن بن علي (الحديث) وذكر فيه (كله) أي غسل كل واحد من الأعضاء المغسولة (ثلاثًا ثلاثًا، قال) أي الحسن بن علي: (ومسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة) ويمكن أن يكون قوله: فذكر الحديث مقولة
(1) انظر: "تهذيب الكمال"(3/ 2229).
134 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قال: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. (ح): وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَقُتَيْبَةُ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ،
===
لحسن بن علي أو غيره من الرواة، فيكون ضمير "ذكر" و"قال" راجعًا إلى أستاذه، ويمكن أن يكون مرجع ضمير "قال" ابن عباس، فيكون تقدير العبارة، هكذا: قال أبو داود: وقال ابن عباس: ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بر أسه، الحديث.
134 -
(حدثنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي بمعجمة مكسورة ثم مهملة، نسبة إلى بني واشح، وهم بطن من الأزد، أبو أيوب البصري القاضي بمكة، ثقة، إمام حافظ، قال أبو حاتم: ولقد حضرت مجلس سليمان بن حرب ببغداد فحرزوا من حضر مجلسه أربعين ألف رجل، ولي قضاء مكة، ثم عزل، فرجع إلى البصرة، فلم يزل بها حتى توفي بها سنة 224 هـ.
(قال: ثنا حماد) بن زيد بن درهم، (ح: وحدثنا مسدد) بن مسرهد (وقتيبة) بن سعيد، (عن حماد بن زيد، عن سنان بن ربيعة) أبو ربيعة الباهلي البصري، قال الدوري عن ابن معين: ليس بالقوي، وقال أبو حاتم: شيخ مضطرب الحديث، قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات"، روى له البخاري (1) مقرونًا بغيره في "الصحيح"، وروى له في "الأدب المفرد" أيضًا.
(عن شهر بن حوشب)(2) الأشعري، أبو سعيد أو أبو عبد الله أو أبو عبد الرحمن أو أبو الجعد الشامي، تركه شعبة، وقال ابن عون:
(1) حديثًا واحدًا "ابن رسلان". (ش).
(2)
انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب"(4/ 369)، و"تهذيب الكمال"(3/ 2767).
عَنْ أَبِى أُمَامَةَ،
===
إن شهراً نزكوه، أي طعنوا فيه، وقال عمرو بن علي: ما كان يحيى يحدث عنه، وكان عبد الرحمن يحدث عنه، وقال يحيى بن بكير عن أبيه: كان شهر على بيت المال فأخذ منه دراهم، فقال قائل:
لَقَدْ بَاعَ شَهْرٌ دِيْنَه بِخَرِيْطَةٍ
…
فَمَنْ يَأْمَنُ القُرَّاء بَعْدَكَ يَا شَهْرُ
وقال موسى بن هارون: ضعيف، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أحمد: ما أحسن حديثه، ووثَّقه، وقال الترمذي عن البخاري: شهر حسن الحديث وقَوَّى أمره، وقال ابن أبي خيثمة ومعاوية بن صالح عن ابن معين: ثقة، وقال عباس الدوري عن ابن معين: ثبت، وقال العجلي: شامي تابعي ثقة، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة على أن بعضهم قد طعن فيه، وقال الساجي: فيه ضعف، وليس بالحافظ، وكان شعبة يشهد عليه أنه رافق رجلًا من أهل الشام فخانه.
قال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم، وقال ابن عدي: وعامة ما يرويه شهر وغيره من الحديث فيه من الإنكار ما فيه، وشهر ليس بالقوي في الحديث، وهو ممن لا يحتج بحديثه ولا يتدين به، وقال البيهقي: ضعيف، وقال ابن حزم: ساقط، وقال يحيى القطان عن عباد بن منصور: حججنا مع شهر فسرق عيبتي، وقال ابن عدي: ضعيف جدًّا، وقال أبو الحسن [بن] القطان الفاسي: لم أسمع لمضعفه حجة، وما ذكروا من تزيُّئِه بزي الجند وسماعه الغناء بالآلات وقذفه بأخذ الخريطة، فإما لا يصح، أو هو خارج على مخرج لا يضره، وشر ما قيل فيه: إنه يروي منكرات عن ثقات، وهذا إذا كثر منه سقطت الثقة به، مات سنة 111 هـ.
(عن أبي أمامة)(1) هو صدي مصغرًا ابن عجلان، ويقال: ابن عمرو
(1) انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(4/ 375) رقم (5696).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الباهلي الصحابي، وقيل: آخر من مات (1) من الصحابة بالشام، وكان مع علي بصفين، مات بالشام سنة 86 هـ.
قال علي القاري في "شرحه" على "المشكاة"(2): أنصاري خزرجي كذا ذكره الطيبي، وقال المصنف: هو سعد بن حنيف الأنصاري الأوسي، مشهور بكنيته، وُلد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بعامين، ويقال: إنه سمَّاه باسم جده لأمه أسعد بن زرارة وكناه بكنيته، ولم يسمع منه شيئًا لصغره، ولذلك ذكره بعضهم في الذين بعد الصحابة، وأثبته ابن عبد البر في جملة الصحابة، ثم قال: وهو أحد الجلة من العلماء من كبار التابعين بالمدينة، سمع أباه وأبا سعيد وغيرهما، روى نفر عنه، مات سنة مائة، وله اثنتان وسبعون سنة، انتهى. فحديثه من مراسيل الصحابة، وهو مقبول اتفاقًا، ويحتمل أن يكون المراد بأبي أمامة ها ههنا أبا أمامة الباهلي، وهو من المكثرين في الرواية (3) من الصحابة، والله أعلم، انتهى كلام القاري.
قلت: وقد أخرج الإِمام أحمد في "مسنده"(4) تحت حديث أبي أمامة
الباهلي صدي بن عجلان بن عمرو بن وهب الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث كثيرة، ومنها: ثنا عفان، ثنا حماد بن زيد، ثنا سنان أبو ربيعة صاحب السابري عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة، وقال: وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ثلاثًا ثلاثًا، ولا أدري كيف ذكر المضمضة والاستنشاق، وقال: والأذنان من الرأس، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح
(1) وبه جزم ابن رسلان. (ش).
(2)
"مرقاة المصابيح"(2/ 23) طـ باكستان.
(3)
في الأصل: "الروية"، وهو تحريف.
(4)
(5/ 258).
وَذَكَرَ وُضُوءَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ الْمَأْقَيْنِ.
===
المأقين، وقال: بأصبعيه، وأرانا حماد ومسح مأقيه، وهذا يدل على أن أبا أمامة هذا راوي حديث الوضوء عند الإِمام أحمد هو صدي بن عجلان لا غير، وكذلك صنيع الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" و"الإصابة" يقوي أن أبا أمامة هذا هو صدي بن عجلان، فإنه ذكر في كتابيه في ذيل من روى عنه شهر بن حوشب، ولم يذكر شهر بن حوشب فيمن روى عن غيره من اسمه أبو أمامة.
(وذكر) أي أبو أمامة (وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، قال) في ذكر وضوئه صلى الله عليه وسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح المأقين) قال في "المجمع"(1): المأق بفتح ميم وسكون همزة: طرف عين يلي الأنف، وقيل: يلي الأنف والأذن، وقال في "النهاية" (2): مُؤق العين (3): مُؤخّرُها، ومَأقُها: مُقدّمُها. قال الخطابي: من العرب من يقول: مَأقٌ ومُؤقٌ بضمهما، وبعضهم يقول: مَأقٍ ومُؤقٍ بكسرهما، وبعضهم [يقول: ] ماقٍ، بغير همز، كقاض، والأفصح الأكثر: المأقِي بالهمز والياء، وجمع المؤق: آماق وأمآق، وجمع المأقي: مآقي، انتهى.
وأخرج الشوكاني في "النيل" عن أبي أمامة وهذا لفظه: أنه وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ثلاثًا ثلاثًا، قال: وكان يتعاهد المأقين، رواه أحمد، ولعل وجه (4) مسح المأقين وتعاهدهما تكميل استيعاب غسل
(1)"مجمع بحار الأنوار"(4/ 530).
(2)
(ص 853).
(3)
أجمع عليه أهل اللغة "ابن رسلان". (ش).
(4)
وفي "التقرير": يحتمل المبالغة في الغسل، أو هو مسح للماء عنهما بعد غسل الوجه لئلا تتأذى العينان بالماء، قلت: فعلى هذا يكون الحديث من باب المنديل بعد الوضوء، بسطه في "العارضة"(1/ 55). (ش).
قَالَ: وَقَالَ: «الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» (1). [ت 37، جه 444، حم 5/ 264]
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: يَقُولُهَا أَبُو أُمَامَةَ، قَالَ قُتَيْبَةُ: قَالَ حَمَّادٌ: لَا أَدْرِى هُوَ مِنْ قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ مِنْ أَبِى أُمَامَةَ - يَعْنِى قِصَّةَ الأُذُنَيْنِ-
===
الوجه، فيمكن أن يجتمع فيهما وسخ لم يصب تحتها الماء، فيتعاهد ويدلك بهما حتى يزيل ذلك الوسخ اليابس.
(قال: وقال: الأذنان (2) من الرأس)، قال في "المجمع":"وقال: الأذنان" عطف على "قال" الأول، فيكون من قول الراوي أو عطف على "كان"، فيكون من قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا تردد حماد.
(قال سليمان بن حرب) أحد شيوخ أبي داود في السند: (يقولها) أي يقول هذه الجملة (أبو أمامه) يعني يحكم سليمان بن حرب على هذه الجملة أنها قول أبي أمامة قطعًا، وليس بقول النبي صلى الله عليه وسلم (قال قتيبة: قال حماد: لا أدري (3) هو) أي القول المذكور، وهو الأذنان من الرأس (من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من أبي أمامة) ثم فسر المصنف، فقال:(يعني قصة الأذنين).
قلت: وأخرج ابن ماجه (4) في "سننه": حدثنا محمد بن زياد
(1) قال المزي في "تحفة الأشراف"(4/ 22) رقم (4887): حديث مسدد في رواية أبي الحسن بن العبد وغيره، ولم يذكره أبو القاسم، وتعقبه الحافظ ابن حجر في "النكت الظراف". فقال:"هو ثابت في رواية أبي عمرو اللؤلؤي"، قلت: قوله: "أبي عمرو اللؤلؤي" سبق قلم، والصواب:"أبو علي".
(2)
تقدمت المذاهب في ذلك، واستدل بذلك في "المغني"(5/ 153) بأنهما في حكمه في باب الإحرام ويكشف الرأس دون الوجه عند الشافعي ومرجح أحمد، ويكشف الوجه أيضًا عندنا ومالك، كذا في "الأوجز"(6/ 392). (ش).
(3)
وجزم ابن العربي (1/ 50) أنه موقوف، وكذا قال الدارقطني: رفعه وهم، والصواب أنه موقوف "ابن رسلان". (ش).
(4)
وبسط صاحب "الغاية" الكلام على طرقه، ورواه عن ثمانية من الصحابة. (ش).