الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(37) بَابُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْكَلْبِ
71 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قال: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ فِى حَدِيثِ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ
===
(37)
(بَابُ الوُضُوءِ بِسُؤرِ الْكَلْبِ)(1)
يعني هل يجوز به الوضوء أم لا؟ وهل هو طاهر أم نجس؟
ولعل غرض المصنف بعقد هذا الباب الإشارة إلى رد قول الزهري الذي حكاه البخاري في "صحيحه"(2) من جواز التوضؤ بالماء الذي ولغ فيه الكلب، وتبعه في ذلك الثوري.
71 -
(حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس قال: حدثنا زائدة في حديث هشام، عن محمد) بن سيرين، (عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طهور)(3) بضم الطاء وتفتح، قال النووي: الأشهر فيه ضم الطاء، ويقال بفتحها ، لغتان، نقله السيد، وقال ابن الملك: بضم الطاء بمعنى التطهر أو الطهارة (إناء أحدكم إذا ولغ (4) فيه الكلب) (5) ولغ الكلب في الإناء وفي الشراب يلغ، كَيَهَبُ، ولْغًا، ويضم، ووُلُوغًا ووَلَغَانًا محرَّكة: شرب ما فيه بأطراف لسانه، أو أدخل لسانه فيه فحركه، خاص بالسباع، ومن الطير بالذباب، "قاموس"، وأكثر ما يكون الولوغ في السباع، ويقال: ليس شيء من الطيور يلغ غير الذباب، "لسان العرب".
(1) قال ابن العربي (1/ 134): أمهات مسائل الباب في عشرة أحكام. (ش).
(2)
انظر: "فتح الباري"(1/ 272).
(3)
وبلفظ الطهور استدل على نجاسة سؤره "ابن رسلان" فهو حجة على المالكية. (ش).
(4)
بسط ابن رسلان في الضابطة الصرفية في كون الفعل من باب فتح. (ش).
(5)
وكذا الكلاب، وقيل: لكل كلب سبع، بسطه ابن رسلان. (ش).
أَنْ يُغْسَلَ سبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بالتُّرَابِ". [م 279، ت 91، ن 63، حم 2/ 265]
===
قال الطيبي: هو مبتدأ والظرف معمول له، والخبر (أن يغسل سبع مرات أولاهن بالتراب)(1)، وفي رواية أخرى:"إحداهن بالتراب"، قال ابن حجر: وهي صحيحة أيضًا على ما ذكره النووي في بعض كتبه، لكن بَيَّن في محل آخر أن في سندها ضعيفًا ومجهولاً، وفي رواية صحيحة:"أولاهن أو أخراهن بالتراب"، و"أو" فيها للشك كما بينه البيهقي وغيره، وفي أخرى صحيحة أيضًا:"وعفروه الثامنة بالتراب"، أخذ بظاهرها أحمد وغيره، وقيل: لا تعارض لإمكان الجمع يحمل رواية "أولاهن" على الأكمل، وحمل رواية السابعة على الجواز، ورواية "إحداهن" على الإجزاء، قال ابن الملك: فيجب استعمال الطهورين في ولوغ الكلب لكون (2) نجاسته أغلظ النجاسات، ولو ولغ كلبان أو كلب واحد سبع مرات، فالصحيح أنه يكفي للجميع سبع، وهذا مذهب الشافعي، وعند أبي حنيفة: يغسل من ولوغه ثلاثًا بلا تعفيركسائر النجاسات.
وفي "الشرح الكبير"(3) عن مالك: لا يغسل من غير الولوغ (4) ، لأن الكلب طاهر عنده، والغسل من الولوغ تَعَبُّدٌ، وقال النووي: في مذهب
(1) يتعين ذلك عند الشافعي ولا يقوم شيء مقامه، وقال أحمد: يجوز مقامه الصابون والأشنان ونحوهما، كذا في "المنهل"(1/ 253). (ش).
(2)
في الأصل "لكونه" وهو تحريف.
(3)
والظاهر أن المالكية اضطروا إلى ذلك، لأن الماء لا ينجس عندهم بدون التغير، وتمام ما في "الشرح الكبير" (1/ 74): اليسير الذي ولغ فيه الكلب يكره استعماله في الحدث والخبث، ولا يكره استعماله في العادات. (ش).
(4)
مثلًا وصل إليه اللعاب "ابن رسلان"، بل ولو أدخل الفم ولم يحرك اللسان كما صرح به في "الشرح الكبير"(1/ 140). (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
مالك أربعة أقوال: طهارته، ونجاسته، وطهارة سؤر المأذون في اتخاذه دون غيره، وهذه الثلاثة عن مالك، والرابع عن عبد الملك بن الماجشون المالكي أنه يفرق بين البدوي والحضري، انتهى.
وفي "صحيح البخاري"(1): وقال الزهري: إذا ولغ في الإناء وليس له وضوء غيره يتوضأ به، وقال سفيان: هذا الفقه بعينه، يقول الله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (2) وهذا ماء، وفي النفس منه شيء يتوضأ ويتيمم.
وقال ابن الهمام (3): روى الدارقطني عن الأعرج عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم، في الكلب يلغ في الإناء يغسل ثلاثًا أو خمساً أو سبعاً، ورواه ابن عدي (4) مرفوعًا:"إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه وليغسله ثلاث (5) مرات". ورواه الدارقطني بسند صحيح عن عطاء موقوفًا على أبي هريرة أنه كان إذا ولغ في الإناء أهراقه، ثم غسله ثلاث مرات، وحينئذ فيعارض حديث السبع، وُيقَدَّمُ عليه؛ لأن مع حديث السبع دلالة المتقدم للعلم بما كان من التشديد في أمر الكلاب أول الأمر، حتى أمر بقتلها، والتشديد في سؤرها يناسب كونه إذ ذاك، وقد ثبت نسخ ذلك، فإذا عارض قرينته معارض كان المتقدم له، فالأمر الوارد بالسبع محمول على الابتداء مع أن في عمل أبي هريرة رضي الله عنه على خلاف حديث السبع - وهو راويه - كفاية؛ لاستحالة أن يترك القطعي للرأي منه، وهذا لأن ظنية خبر الواحد إنما
(1) كتاب الوضوء (33) باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان.
(2)
سورة المائدة: الآية 6.
(3)
"فتح القدير"(1/ 95).
(4)
في الأصل و"مرقاة المفاتيح"(2/ 193): "ابن عربي" وهو تحريف، والصواب:"ابن عدي"، انظر:"فتح القدير"(1/ 95)، و"الكامل في ضعفاء الرجال"(2/ 776).
(5)
في الأصل: "سبع مرات"، وهو تحريف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
هو بالنسبة إلى غير راويه، فأما بالنسبة إلى راويه الذي سمعه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعي حتى ينسخ به الكتاب إذا كان قطعي الدلالة في معناه، فلزم أنه لا يتركه إلَّا لعلمه بالناسخ إذ القطعي لا يترك إلَّا بالقطعي فبطل تجويزهم تركه بناءً على ثبوت ناسخ في اجتهاده المحتمل للخطإ، وإذا علمت ذلك كان تركه بمنزلة روايته للناسخ بلا شبهة فيكون الآخر منسوخًا بالضرورة "علي القاري"(1).
ثم اعلم أن الحافظ ابن حجر قال في "الفتح"(2): واعتذر الطحاوي
وغيره بأمور؛ منها كون أبي هريرة راويه أفتى بثلاث غسلات، فثبت بذلك نسخ السبع، وتعقب بأنه يحتمل أن يكون أفتى بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها، أو كان نسي ما رواه، ومع الاحتمال لا يثبت النسخ، وأيضًا فقد ثبت أنه أفتى بالغسل سبعًا، ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر.
وأجاب عنه العيني في "شرح البخاري"(3) بقوله: "ورد بأن هذا إساءة الظن بأبي هريرة، والاحتمال الناشئ من غير دليل لا يعتد به".
وأما ما قال: "بأنه ثبت أن أبا هريرة أفتى بالغسل سبعًا، ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح"، فأجيب عنه: بأن قوله: "ثبت أن أبا هريرة أفتى بالغسل سبعًا" يحتاج إلى البيان، ومجرد الدعوى لا يسمع، ولئن سلمنا ذلك فقد يحتمل أن يكون فتواه بالسبع قبل ظهور النسخ عنده، فلما ظهر أفتى بالثلاث، وأما دعوى الرجحان فغير صحيح، لا من حيث
(1)"مرفاة المفاتيح"(2/ 193).
(2)
"فتح الباري"(1/ 277).
(3)
"عمدة القاري"(2/ 489 - 490).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
النظر، ولا من حيث قوة الإسناد، لأن رجال كل منهما رجال الصحيح كما بينا، وأما من حيث النظر فإن العذرة أشد في النجاسة من سؤر الكلب ولم يقيد بالسبع، فيكون الولوغ من باب الأولى.
ثم قال الحافظ: ومنها دعوى أن العذرة أشد في النجاسة من سؤر الكلب، ولم يقيد بالسبع، فيكون الولوغ كذلك من باب الأولى، وأجيب بأنه لا يلزم من كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون أشد منه في تغليظ الحكم، وبأنه قياس في مقابلة النص، وهو فاسد الاعتبار.
فأجاب عنه العيني بمنع عدم الملازمة، فإن تغليظ الحكم في ولوغ الكلب إما تعدي، وإما محمول على من غلب على ظنه أن نجاسة الولوغ لا تزول بأقل منها، وإما أنهم نهوا عن اتخاذه فلم ينتهوا فغلط بذلك عليهم. قلت: ليس هو قياس في مقابلة النص الذي هو فاسد الاعتبار، بل هو من باب ثبوت الحكم بدلالة النص، كما هو ظاهر عند من له أدنى حظ من العلم.
ثم قال الحافظ: ومنها دعوى أن الأمر بذلك كان عند الأمر بقتل الكلاب، فلما نهى عن قتلها نسخ الأمر بالغسل، وتعقب بأن الأمر بقتلها كان في أوائل الهجرة، والأمر بالغسل متأخر جدًا؛ لأنه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفل، وكان إسلامه سنة سبع كأبي هريرة، بل سياق مسلم ظاهر في أن الأمر بالغسل كان بعد الأمر بقتل الكلاب.
وأجاب عنه العيني بأن كون الأمر بقتل الكلاب في أوائل الهجرة يحتاج إلى دليل قطعي، ولئن سلمنا ذلك يمكن أن يكون أبو هريرة قد سمع ذلك من صحابي أنه أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن قتل الكلاب نسخ الأمر بالغسل، فرواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لاعتماده على صدق المروي عنه؛ لأن الصحابة كلهم عدول، وكذلك عبد الله بن مغفل.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ قَالَ أَيُّوبُ وَحَبِيبُ بْنُ الشَهِيدِ: عن مُحَمَّدٍ.
===
قلت: قوله: "وسياق مسلم ظاهر
…
إلخ"، ليس فيه لهم دليل، بل هو حجة لنا، كما هو ظاهر.
ثم قال الحافظ: ومنها إلزام الشافعية بإيجاب ثمان غسلات [عملًا] بظاهر حديث عبد الله بن مغفل، وأجيب بأنه لا يلزم من كون الشافعية لا يقولون بظاهر حديث عبد الله بن مغفل أن يتركوا العمل بالحديث أصلاً ورأسًا، لأن اعتذار الشافعية عن ذلك إن كان متجهًا فذاك، وإلَّا فكل من الفريقين ملوم في ترك العمل به.
وأجاب عنه العيني بأن زيادة الثقة مقبولة، ولا سيما من صحابي فقيه، وتركها لا وجه له، فالحديثان في نفس الأمر كالواحد، والعمل ببعض وترك بعضه لا يجوز، واعتذارهم غير متجه لذلك المعنى، ولا يلام الحنفية في ذلك؛ لأنهم عملوا بالحديث الناسخ وتركوا العمل بالمنسوخ.
ثم قال الحافظ: وقد اعتذر بعضهم عن العمل به بإجماع على خلافه، وفيه نظر؛ لأنه ثبت القول بذلك عن الحسن البصري.
(قال أبو داود (1): وكذلك) أي مثل رواية هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا (قال أيوب) كما يجيء في الرواية الآتية (وحبيب بن الشهيد) هو حبيب بن الشهيد الأزدي، أبو محمد، ويقال: أبو شهيد البصري مولى قريبة، ثقة ثبت، أدرك أبا الطفيل، وأرسل عن الزبير بن العوام وأنس وغيرهما، مات سنة 145 هـ (عن محمد) فرواية أيوب أخرجها المصنف بعد هذه موقوفة مع زيادة قوله: "وإذا ولغ الهر
(1) والظاهر أن مقصوده تقوية التتريب في رواية ابن سيرين كما يظهر من كلام الزرقاني وسيجيء بعضه. (ش).
72 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قال: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ يَعْنِى ابْنَ سُلَيْمَانَ. (ح): وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ جَمِيعًا، عَنْ أَيُّوبَ،
===
غسل مرة"، ولكن أخرج رواية أيوب الطحاوي وهي مرفوعة وليس فيها زيادة قوله: "وإذا ولغ الهر
…
إلخ"، وكذلك أخرج رواية أيوب موقوفة من غير زيادة قوله: "إذا ولغ"، الحديث، وأخرج الدارقطني برواية حماد بن زيد عن أيوب موقوفًا، وليس فيها "أولاهن بالتراب"، وأما رواية حبيب بن الشهيد عن محمد، فلم أجدها في كتب تتبعتها.
72 -
(حدثنا مسدد قال: حدثنا المعتمر بن سليمان) بن طرخان بفتح طاء مهملة، وقيل: بكسرها، وبخاء معجمة وبراء وبنون، التيمي (1)، أبو محمد البصري، قيل: إنه كان يلقب بالطفيل، ثقة، وقال ابن خراش: صدوق يخطئ من حفظه، وإذا حدث من كتابه فهو ثقة، وعن يحيى بن سعيد القطان قال: إذا حدثكم المعتمر بشيء فأعرضوه، فإنه سيِّئ الحفظ، مات سنة 187 هـ.
(ح: وحدثنا محمد بن عبيد) بن الحساب بكسر الحاء وتخفيف السين المهملتين، الغبري بضم المعجمة وتخفيف الموحدة المفتوحة، البصري، ثقة، مات سنة 238 هـ (قال: حدثنا حماد بن زيد) بن درهم (جميعًا)، أي: المعتمر بن سليمان وحماد بن زيد كلاهما اجتمعا في الرواية عن أيوب.
(عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني، بفتح المهملة بعدها معجمة، ثم مثناة، ثم تحتانية، وبعد الألف نون، أبو بكر البصري،
(1) ولم يكن تيميًا، بل نزل فيهم فنسب إليهم. "ابن رسلان". (ش). انظر:"تهذيب الكمال"(7/ 169) أيضًا.
عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ بِمَعْنَاهُ، وَلَمْ يَرْفَعَاهُ، زَادَ:«وَإِذَا وَلَغَ الْهِرُّ غُسِلَ مَرَّةً» . [ت 91، حم 2/ 265، 427، خزيمة 95 - 96، قط 1/ 64، ك 1/ 161، ق 1/ 240]
73 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قال: حَدَّثَنَا أَبَانُ العطار قال: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِى الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ
===
مولى عنزة، ويقال: مولى جهينة، ثقة ثبت حجة، من كبار الفقهاء العباد، رأى أنس بن مالك، مات سنة 131 هـ.
(عن محمد) بن سيرين، (عن أبي هريرة بمعناه) أي بمعنى حديث هشام (ولم يرفعاه) أي لم يرفع المعتمر بن سليمان وحماد بن زيد (وزاد) (1) أي أيوب:(وإذا ولغ الهر غُسل) الإناء الذي ولغ فيه (مرة).
قلت: وقد ذكرنا قبل أن الطحاوي أخرج رواية أيوب برواية المعتمر بن سليمان مرفوعة، وليس فيها زيادة قوله:"وإذا ولغ الهر غسل مرة"، وكذلك أخرج الدارقطني (2) رواية أيوب برواية حماد بن زيد موقوفة على أبي هريرة في الكلب يلغ في الإناء قال:"يهراق ويغسل سبع مرات". ولم يذكر فيها "أولاهن بالتراب"، وكذلك ليس فيها زيادة قوله:"وإذا ولغ الهر غسل مرة"، سيجيء تحقيق حكم ما ولغ فيه الهر في بابه.
73 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبان) بن يزيد (العطار قال: حدثنا قتادة، أن محمد بن سيرين حدَّثه، عن أبي هريرة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات،
(1) قال المنذري (1/ 62) عن البيهقي: هذا مدرج، كذا في "الغاية". (ش).
(2)
"سنن الدارقطني" رقم (183).
السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ» (1). [ق 1/ 241، قط 1/ 64]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَأمَّا أَبُو صَالِحٍ، وَأَبُو رَزِينٍ،
===
السابعة بالتراب)، فروى هشام بن حسان وأيوب السختياني وقتادة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة حديث ولوغ الكلب، واتفقوا على الغسل سبع مرات، ولكن اختلفوا في التراب (2)، فقال هشام بن حسان:"أولاهن بالتراب"، واختلف على أيوب فيما رووا عنه.
روى الدارقطني من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة في الكلب يلغ في الإناء قال: "يهراق ويغسل سبع مرات"، ولم يذكر "أولاهن بالتراب"، وأخرج الطحاوي من طريق معتمر بن سليمان عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث أبي صالح، وزاد:"أولاهن بالتراب".
وكذلك أخرج المصنف أبو داود هذا الحديث من طريق معتمر بن سليمان وحماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة بمعنى حديث هشام، وكان في حديث هشام "أولاهن بالتراب"، فيفهم منه أن في حديث أيوب هذه الجملة موجودة من طريق معتمر، وكذلك من طريق حماد بن زيد، وقال قتادة:"السابعة بالتراب".
(قال أبو داود: وأما أبو صالح وأبو رزين)، هو مسعود بن مالك
(1) وقع في "تحفة الأشراف"(9/ 581) رقم (13799): روى أبو داود عن الحارث بن مسكين عن عبد الرحمن بن القاسم عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات" قال المزي: هذا في رواية أبي الحسن بن العبد ولم يذكره أبو القاسم.
(2)
قال ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام"(1/ 29): لكن المقصود عند الشافعية التتريب في مرة من المرات. (ش).
وَالأَعْرَجُ، وَثَابِتٌ الأَحْنَفُ، وَهَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وَأَبُو السُّدِّىِّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: رَوَوْهُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا التُّرَابَ.
===
الأسدي الكوفي، أسد خزيمة، مولى أبي وائل الأسدي، ثقة فاضل، مات سنة 85 هـ، وهو غير أبي رزين عبيد الذي قتله عبيد الله بن زياد بالبصرة، ووهم من خلطهما (1)(والأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (وثابت) بن عياض، بكسر مهملة وخفة تحتية وضاد معجمة، (الأحنف) بمهملة ونون، الأعرج، العدوي مولاهم، وهو مولى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وقال ابن سعد: ثابت بن الأحنف بن عياض، ثقة (وهمام بن منبه، وأبو السدي)(2) أي والد السدي وهو إسماعيل بن (عبد الرحمن) بن أبي كريمة، مولى قيس بن مخرمة، روى عن أبي هريرة، وعنه ابنه إسماعيل السدي، قال: الحافظ في "التقريب": مجهول الحال، من الثالثة، وقال في "تهذيب التهذيب": قلت: وذكره ابن حبان في "الثقات"(رووه) أي رووا هذا الحديث (عن أبي هريرة، ولم يذكروا التراب).
فأما رواية أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة ففيها: "فليرقه (3) وليغسله سبع مرار"، أخرجها مسلم والنسائي وابن ماجه، وأما رواية الأعرج عن أبي هريرة فأخرجها البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه، وأما رواية ثابت الأحنف فأخرجها النسائي مثل رواية الأعرج، وأما رواية همام بن منبه فأخرجها مسلم ولفظها:"طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرات"، وأما رواية أبي السدي عن أبي هريرة فلم أجدها في كتب تتبعتها، ولعلهم لم يخرِّجوا روايته لجهالته إلَّا ما ذكره الحافظ في "فتح الباري" ولفظه: وفي رواية السدي عند البزار "إحداهن"،
(1) انظر: "التقريب"(رقم الترجمة 6612).
(2)
وكان يقعد بسدة باب الجامع بالكوفة "ابن رسلان". (ش).
(3)
تكلموا على زيادة "فليرقه"، وصححه ابن دقيق العيد. (ش).
74 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ قال: حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ ابْنِ مُغَفَّلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ثُمَّ قَالَ:«مَا لَهُمْ وَلَهَا؟ » ،
===
وهذا مخالف لقول أبي داود: ولم يذكروا التراب، فإن فيها ذكر التراب، نعم أخرج الإِمام أحمد في "مسنده"(1) حديث عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة، وليس فيه ذكر التراب (2).
74 -
(حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: ثنا يحيى بن سعيد) القطان، (عن شعبة قال: حدثنا أبو التيَّاح، عن مطرف) بن عبد الله بن الشخير، بكسر الشين المعجمة وتشديد الخاء المعجمة المكسورة بعدها تحتانية ثم راء، الحرشي، بمهملتين مفتوحتين ثم معجمة، العامري، أبو عبد الله البصري، ثقة عابد فاضل، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من عباد أهل البصرة وزهادهم، مات سنة 95 هـ.
(عن) عبد الله (3)(بن مغفل) يقول: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب)(4)، ولعل الأمر بالقتل لنجاستها ولمنعها من دخول الملائكة في البيت (ثم قال: ما لهم) أي للناس (ولها؟ ) أي للكلاب، لمَ يتعرضون لقتلها؟ فأفاد النهي عن القتل، وأما الإذن في الاقتناء فلا، فلذلك قال:
(1)(2/ 482).
(2)
قال الحافظ (1/ 275): ما ثبت التتريب في شيء من الروايات عن أبي هريرة رضي الله عنه إلَّا عن ابن سيرين على أن بعض الرواة لم يذكره عنه، إلى آخر ما قاله الزرقاني (1/ 83). (ش).
(3)
قال ابن العربي (1/ 134): إسناده صحيح لا غبار عليه. (ش).
(4)
أخذ بظاهره المالكية، وقال الجمهور: الأمر بالقتل منسوخ، بسطه صاحب "الغاية"، وسيأتي شيء من ذلك، وراجع:"تأويل مختلف الحديث"(ص 156). (ش).
فَرَخَّصَ في كَلْب الصَّيْدِ وفِي كَلْبِ الْغَنَمِ، وَقَالَ:"إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في الإِنَاءِ فَاغْسَلُوهُ سَبْعَ مِرَارٍ وَالثامِنَةَ عَفِّرُوهُ بِالتُرابِ". [م 28، ن 67، جه 365، حم 4/ 86، دي 737]
===
(فرخَّص) لهم، يعني بعد النهي عن القتل (في كلب الصيد، وفي كلب الغنم، وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ (1) الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرار، والثامنة عفِّروه بالتراب).
وهذا الحديث بظاهره يدل على أن الإناء يغسل من ولوغ الكلب ثمان مرار، ويخالف مذهب الشافعية وغيرهم الذين أوجبوا الغسل من ولوغ الكلب سبع مرات، فأجابوا عنه كما قال النووي: أما رواية "وعفروه الثامنة بالتراب"، فمذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه سبعًا، واحدة منهن بالتراب مع الماء، فكان التراب قائمًا مقام غسلة، فسمِّيت ثامنة.
ولهذا قال الحافظ (2): وتعقبه ابن دقيق العيد (3)، بأن قوله:"وعفِّروه الثامنة بالتراب"، ظاهر في كونها غسلة مستقلة.
قلت: وأنت ترى أن هذا التأويل ضعيف غير مرضي، ويرده ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:"والثامنة"، أي وفي الغسلة الثامنة عفروه بالتراب، والغسلة لا تكون إلَّا بالماء، فيجب أن تكون غسلة ثامنة بالماء، ويكون معه التعفير بالتراب.
(1) قال ابن العربي (1/ 136): يحتمل أن يرجع الأمر بالغسل عند الولوغ إلى المنهي عنه، أو إلى المأذون باتخاذه، ثم برهن على أنه لا يمكن الثاني فيتعين الأول. (ش).
(2)
"فتح الباري"(1/ 277).
(3)
في "الإحكام"(1/ 29)، قال: الحديث قوي، ومن لم يقل به احتاج إلى تأويل. (ش).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ مُغَفَّلٍ.
===
وكذلك يرد ما قاله ابن دقيق العيد: لكن لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع، كانت الغسلات ثمانية، ويكون إطلاق الغسلة على التتريب مجازًا، انتهى، فإن لفظ الحديث يوجب أن يكون التتريب مع الغسلة الثامنة، فهذه التأويلات تخالفه صريحًا.
واعلم أن حديث ابن مغفل هذا يومئ إلى أن ما أمر صلى الله عليه وسلم من غسل ما ولغ فيه الكلب ثمانيًا كان حين شدد في أمر الكلاب، حتى أمر بقتلها؛ لأنه جمع بينهما، وقد مرَّ أنه لو سُلِّمَ أن الأمر بقتل الكلاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في ابتداء الإِسلام، وابن مغفَّل أسلم سنة سبع، فالظاهر أن يكون كما لم يسمع الأمر بقتل الكلاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنها واقعة ابتداء الإِسلام، بل رواه من بعض الصحابة مرسلًا، كذلك حكم ولوغ الكلب لم يسمعه منه صلى الله عليه وسلم، بل سمعه من بعض الصحابة، ورواه مرسلًا، وكيفما روى الصحابي يحتج به ويقبل، لأنهم كلهم عدول.
(قال أبو داود: وهكذا قال ابن مغفَّل)(1)، هذه العبارة لا توجد في النسخة المكتوبة الأحمدية ولا المطبوعة المصرية، وتوجد في النسخ المطبوعة الهندية، والظاهر أن هذه العبارة ليس لها فائدة يعتَدُّ بها، ويمكن أن يكون مراده بأن قول ابن مغفل في هذه المسألة موافق لما رواه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يدل وجوب ثماني غسلات من ولوغ الكلب (2).
(1) وذكر مولانا أسعد الله عميد جامعة مظاهر العلوم في توجيهه: أن الرواة اختلفوا في ذكر ابن مغفل، فذكره بعضهم هكذا، وبعضهم بلفظ ابن المغفل بالتعريف، فأشار المصنف إلى أن شيخه هكذا قال بالتنكير، فتأمل. (ش).
[قلت: وفي أكثر مصادر الصحابة "ابن مغفل" بالتنكير، انظر: "أسد الغابة" (3/ 83) رقم (3202)، و"تهذيب الكمال" (4/ 295) رقم (3578)، و"المغنى" (ص 238)].
(2)
بخلاف أبي هريرة، فإنه روي عنه الإفتاء بالثلاث مع روايته بالغسل سبعًا.