المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(42) باب الوضوء بالنبيذ - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ١

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌عملي في هذا الكتاب

- ‌تقديم

- ‌تَقْدِيمُ الْكِتَابِ

- ‌خصائص هذا الشرح

- ‌كلمة عن "سنن أبي داود" وشرحه "بذل المجهود" في غاية الوجازة

- ‌كلمة عن الإِمام أبي داود

- ‌التعريف بكتاب "السنن" له

- ‌ فقد تلخّص من كلمات الإِمام أبي داود وغيره أمور:

- ‌كلمة في المولِّف الإِمام وخصائص شرحه

- ‌كلمة في شرح سنن أبي داود

- ‌وبالجملة نلخِّص القول في شيء من خصائصه:

- ‌ترجمة مؤلِّف بذل المجهود من "نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر

- ‌ترجمة المؤلف الشيخ السهارنفوري بقلم أحد كبار العلماء

- ‌عصر أبي داود

- ‌الإِمَام أبو دَاوُدقبسات من سيرته، ولمحات من فضله

- ‌اسمه ونسبه ونسبته:

- ‌ولادته:

- ‌ارتحاله إلى الآفاق:

- ‌شيوخه:

- ‌ومن أعيانهم:

- ‌تلاميذه:

- ‌زهده وورعه:

- ‌اعتزازه بكرامة العلم والعلماء:

- ‌اعتراف الأئمة بفضله وكماله:

- ‌تحرِّيه في الإِسناد:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌وفاته:

- ‌ابنه أبو بكر:

- ‌مؤلَّفاته:

- ‌ سُنَن أبي دَاوُد" تأليفه - مكانته - خصائصه

- ‌موضوع الكتاب ومعظم مقصود الإِمام في تأليفه:

- ‌كتاب "سنن أبي داود" جامع للأحاديث التي استدلّ بها فقهاء الأمصار وبنوا عليها الأحكام:

- ‌ثناء الأئمة على "السنن

- ‌مكانة "سنن أبي داود" بين الكتب الستّة تدريسًا:

- ‌شروط الإِمام أبي داود في "السنن

- ‌مكانة "سنن أبي داود" بين الكتب الستّة صحّة:

- ‌الكلام على ما سكت عليه أبو داود:

- ‌مدة تأليف "السنن

- ‌عدد روايات "السنن

- ‌يكفي الإِنسان لدينه أربعة أحاديث:

- ‌خصائص الكتاب:

- ‌تجزئة الكتاب:

- ‌الأحاديث المنتقدة في "سنن أبي داود

- ‌درجات أحاديث "السنن

- ‌نسخ الكتاب:

- ‌ سنن أبي داود" ورواته:

- ‌شروح الكتاب والكتب المؤلفة حوله

- ‌رسالةُ الإِمامِ أَبي داودَ إِلى أَهلِ مكَّةَ في وصْفِ الكِتابِ وبَيان خصائِصِهِ والتِزاماتِهِ

- ‌مُقَدِّمَةُ "بَذْلِ الْمَجْهُودِ

- ‌(1) كِتابُ الطَّهَارَةِ

- ‌(1) بَابُ التَّخَلّي عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ

- ‌(2) بَابُ الرَّجُلِ يَتبوَّأُ لِبَوْلِهِ

- ‌(3) بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ

- ‌(4) بَابُ كَرَاهِيَّةِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلةِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ

- ‌(5) بَابُ الرُّخْصَة في ذَلِك

- ‌(6) بَابٌ: كيْفَ التَكَشُّفُ عِنْدَ الْحَاجَةِ

- ‌(7) بَابُ كَرَاهِيَةِ الْكَلَامِ عِنْدَ الْخَلَاء

- ‌(8) بَاب: في الرَّجُلِ يَرُدُّ السَّلَامَ وَهُوَ يَبُولُ

- ‌(9) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَذْكُرُ الله تَعَالَى عَلَى غيرِ طُهْرٍ

- ‌(10) بَابُ الْخَاتَمِ يَكُونُ فِيهِ ذِكرُ الله تَعَالَى يُدْخَلُ بِهِ الْخَلَاءُ

- ‌(11) بَابُ الاسْتِبْرَاءِ مِنَ الْبَوْلِ

- ‌(12) بَابُ الْبَوْلِ قَائِمًا

- ‌(13) بَاب: في الرَّجُلِ يَبُولُ بِاللَّيْلِ في الإِنَاءِ ثُمَّ يَضَعُهُ عِنْدَهُ

- ‌(14) بَابُ الْمَواضِعِ الَّتِي نُهِي عَنِ الْبَوْلِ فِيهَا

- ‌(15) بَابٌ: في الْبَوْلِ في الْمُسْتَحَمّ

- ‌(16) بَابُ النَّهْيِ عنِ الْبَوْلِ في الْجُحْرِ

- ‌(17) بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ

- ‌(18) بَابُ كَرَاهِيَّةِ مَسِّ الذَّكَر بِاليَمِينِ في الاستِبْرَاءِ

- ‌(19) بَابٌ: في الاِسْتِتَارِ في الْخَلاءِ

- ‌(20) بَابُ مَا يُنْهَى عَنْهُ أَنْ يُستَنْجَى بِهِ

- ‌(21) بَابُ الاسْتِنْجَاءِ بِالأَحْجَارِ

- ‌(22) بَابٌ: في الاسْتِبْرَاءِ

- ‌(23) بَابٌ: في الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ

- ‌(24) بَابُ الرَّجُلِ يَدْلُكُ يدَهَ بِالأَرْضِ إِذَا اسْتَنْجَى

- ‌(25) بَابُ السِّواكِ

- ‌(26) بَابٌ: كَيْفَ يَسْتَاكُ

- ‌(27) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَسْتَاكُ بِسِوَاكِ غَيْرِهِ

- ‌(28) بَابُ غَسْلِ السِّواكِ

- ‌(29) بَابٌ: السّوَاكُ مِنَ الْفِطْرَة

- ‌(30) بَابُ السِّوَاكِ لِمَنْ قَامَ بِاللَّيْلِ

- ‌(31) بَابُ فَرْضِ الْوُضُوءِ

- ‌(32) بَابُ الرَّجُلِ يُجَدّدُ الْوُضُوءَ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ

- ‌(33) بَابُ مَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ

- ‌(34) بَابُ مَا جَاءَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ

- ‌(35) بَابُ الْمَاءِ لَا يُجْنِبُ

- ‌(36) باب الْبَوْلِ فِى الْمَاءِ الرَّاكِدِ

- ‌(37) بَابُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْكَلْبِ

- ‌(38) بَابُ سُؤْرِ الْهِرَّةِ

- ‌(39) بَابُ الْوُضُوءِ بفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ

- ‌(40) بَابُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ

- ‌(41) بَابُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ

- ‌(42) بَابُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ

- ‌(43) بَابٌ: أَيُصَلِّي الرَّجُلُ وهُوَ حَاقِنٌ

- ‌(44) بَابُ مَا يُجْزِئُ مِنَ الْمَاءِ في الْوُضُوءِ

- ‌(45) بَابٌ: في الإِسْرَافِ في الْوُضُوءِ

- ‌(46) بابٌ فِى إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ

- ‌(47) بَابُ الْوُضُوءِ في آنِيَةِ الصُّفْرِ

- ‌(48) بَابٌ: في التَّسْمِيَةِ عَلَى الْوُضُوءِ

- ‌(49) بابٌ فِى الرَّجُلِ يُدْخِلُ يَدَهُ فِى الإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا

- ‌(50) بَابٌ: يُحَرِّكُ يَدَهُ في الإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا

- ‌(52) بَابُ الْوُضُوءِ ثَلاثًا ثَلاثًا

- ‌(53) بَابٌ: في الْوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ

- ‌(54) بابُ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً

- ‌(55) بَابٌ فِى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ

- ‌(56) بابٌ: فِى الاِسْتِنْثَارِ

- ‌(57) بَابُ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ

- ‌(58) بَابُ الْمَسْحِ عَلَى العِمَامَةِ

- ‌(59) بَابُ غَسْلِ الرِّجْلِ

- ‌(60) بابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌(61) بَابُ التَّوْقِيتِ في الْمَسْحِ

- ‌(62) بابُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ

- ‌(63) بَابٌ

- ‌(64) بابٌ: كَيْفَ الْمَسْحُ

الفصل: ‌(42) باب الوضوء بالنبيذ

(42) بَابُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ

84 -

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِىُّ قَالَا: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِى فَزَارَةَ،

===

قوله صلى الله عليه وسلم: "أُحِلَّت لنا ميتتان ودمان، الميتتان: السمك والجراد، والدَّمان: الكبد والطحال"(1)، فسر النبي صلى الله عليه وسلم بالسمك والجراد، فدلَّ على أن المراد منها السمك، ويحمل الحديث على السمك وتخصيصه بما تلونا من الآية وروينا من الخبر، انتهى.

(42)

(بَابُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ)

النبيذ: ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير

وغير ذلك، يقال: نبذت التمر والعنب إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذًا ، فصرف من مفعول إلى فعيل، وسواء كان مسكرًا أو غير مسكر، فإنه يقال له: نبيذ، ويقال للخمر المعتَصَر من العنب نبيذ، "نهاية"(2) و"لسان العرب".

84 -

(حدثنا هناد)(3) بن السري (وسليمان بن داود العتكي قالا: ثنا شريك) بن عبد الله، (عن أبي فزارة)(4) بفتح فاء وزاي خفيفة فألف فراء، راشد بن كيسان بفتح كاف، العبسي، بموحدة، الكوفي، قال إسحاق بن منصور عن ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح، وقال الدارقطني: ثقة كيس، ولم أر له في كتب أهل النقل ذكرًا بسوء.

(1) أخرجه الدارقطني (4/ 271).

(2)

(5/ 7).

(3)

قال ابن العربي (1/ 128): الحديث بعضهم رده وبعضهم رواه، ثم بسط الكلام عليه وعلى المسألة وأطال الرد عليها، انتهى، ودلائلنا في الماء المقيد في هامش "باب في الجنب يغسل رأسه بالخطمي". (ش).

(4)

قال ابن رسلان: أخرج له مسلم في النكاح. (ش).

ص: 449

عن أَبِي زَيْدٍ،

===

قلت: وقال ابن حبان: مستقيم الحديث إذا كان فوقه ودونه ثقة، فأما مثل أبي زيد مولى عمرو بن حريث الذي لا يعرفه أهل العلم فلا، وفي "علل الخلال": قال أحمد: أبو فزارة في حديث عبد الله مجهول، وتعقبه ابن عبد الهادي فقال: هذا النقل عن أحمد غلط من بعض الرواة عنه، وكأنه اشتبه عليه أبو زيد بأبي فزارة (1)، انتهى "تهذيب التهذيب".

(عن أبي زيد) مولى عمرو بن حريث لا يعرف، عن ابن مسعود، وعنه أبو فزارة لا يصح حديثه، ذكره البخاري في "الضعفاء"، وقال أبو أحمد الحاكم: رجل مجهول، انتهى "ميزان"(2)، وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب" (3): أبوزيد المخزومي مولى عمرو بن حريث، وقيل: أبو زايد أو أبو زيد بالشك، روى عن ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ ليلة الجن، وعنه أبو فزارة راشد بن كيسان، قال البخاري: لا يصح حديثه، وقال الحاكم أبو أحمد: لا يوقف على صحة كنيته ولا اسمه ولا له راو غير أبي فزارة، ولم يرو هذا الحديث من وجه ثابت، وأبو زيد مجهول، قال أبو داود: كان أبو زيد نبَّاذًا بالكوفة، وقال الترمذي: مجهول عند أهل الحديث، لا يعرف له رواية غير هذا الحديث.

قلت: قال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة: أبو زيد مجهول لا يعرف، لا أعرف كنيته ولا أعرف اسمه، وقال أبو حاتم: لم يلق أبو زيد عبد الله، وقال ابن المديني: أخاف أن لا يكون أبو زيد سمعه من عبد الله، وقال

(1) يعني أنهما اثنان وهذا مجهول، كذا في "الغاية". (ش).

(2)

(4/ 526).

(3)

(12/ 102).

ص: 450

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

البخاري: أبو زيد مجهول، لا يعرف بصحبة عبد الله، وقال ابن حبان: لا يدرى من هو؟ وقال أبو إسحاق الحربي: مجهول، وقال ابن المنذر: هذا الحديث ليس بثابت، وقال الكرابيسي: لا يثبت في هذا الباب شيء، وقال ابن عدي: لا يصح، وقال ابن عبد البر: اتفقوا على أن أبا زيد مجهول، وحديثه منكر.

قال العلامة العيني (1): وقال بعضهم - أي الحافظ ابن حجر -: وهذا الحديث أطبق علماء السلف على تضعيفه.

قلت: إنَّما ضعَفوه لأن في رواته أبا زيد، وهو رجل مجهول، لا يعرف له رواية غير هذا الحديث، قاله الترمذي، وقال ابن العربي في "شرح الترمذي" (2): أبو زيد مولى عمرو بن حريث روى عنه راشد بن كيسان، وأبو روق، وهذا يخرجه عن حد الجهالة.

على أنه روى هذا الحديث أربعة عشر رجلًا عن ابن مسعود كما رواه أبو زيد، الأول: أبو رافع عند الطحاوي والحاكم، الثاني: رباح أبو علي عند الطبراني في "الأوسط"، الثالث: عبد الله بن عمر، 4 - عمرو البِكالي، 5 - أبو عبيدة بن عبد الله، 6 - أبو الأحوص، 7 - عبد الله بن مسلمة، 8 - قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه، 9 - عبد الله بن عمرو بن غيلان الثقفي، 10 - عبد الله بن عباس، 11 - أبو وائل شقيق بن سلمة، 12 - ابن عبد الله، 13 - أبو عثمان بن سنه، 14 - أبو عثمان النهدي هذا ملتقط، والتفصيل في شرحه على البخاري، فمن شاء فليرجع إليه.

(1)"عمدة القاري"(2/ 684).

(2)

"عارضة الأحوذي"(1/ 128).

ص: 451

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

والحاصل أن الطعن في هذا الحديث بوجوه: الأول: جهالة أبي زيد، الثاني: التردد في أبي فزارة، هل هو راشد بن كيسان أو غيره؟ الثالث: أن أبا فزارة هذا كان نبَّاذًا بالكوفة، الرابع: أن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - لما سئل هل كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ليتني كنت، وكذلك سئل تلميذه علقمة هل كان صاحبكم مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال: وددنا أنه كان، الخامس: أنه من أخبار الآحاد ورد على مخالفة الكتاب، ومن شرط ثبوت خبر الواحد أن لا يخالف الكتاب، فإذا خالف لم يثبت، أو ثبت لكنه نسخ به، لأن ليلة الجن كانت بمكة.

أما الجواب عن جهالة أبي زيد، فمرَّ الجواب عنه بأنه روى عنه أبو فزارة وأبو روق فارتفعت الجهالة، وقال في "البدائع" (1): فقد قال صاعد - وهو من زهاد التابعين -: وأما أبو زيد فهو مولى عمرو بن حريث، فكان معروفًا في نفسه وبمولاه، فالجهل بعدالته لا يقدح في روايته على أنه قد روي هذا الحديث من طرق أُخر غير هذا الطريق لا يتطرق إليها طعن.

وعن الثاني بأن الحافظ وغيره من المحققين صرحوا بأن أبا فزارة هذا الذي يروي عن أبي زيد عن ابن مسعود هو راشد بن كيسان؛ فارتفع التردد منه.

وعن الثالث بأن أبا فزارة كونه نبَّاذاً بالكوفة لم يثبت، بل الذي كان نباذًا بالكوفة هو شيخه أبو زيد كما نقل الحافظ عن أبي داود، ولو سلم فلا يقدح فيه، لأنه يمكن أن يصنع النبيذ ما لم يبلغ حد الإسكار، ولا مطعن فيه.

وعن الرابع بما سيأتي في شرح الحديث الآتي.

(1)"بدائع الصنائع"(1/ 97).

ص: 452

عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ لَيْلَةَ الجِنِّ: "مَا في إِداوَتك؟ "

===

وعن الخامس بأنه لما قال به جماعة من كبراء الصحابة، منهم علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، فتبين أن الحديث ورد مورد الشهرة والاستفاضة حيث عمل به الصحابة، وتلقوه بالقبول، ومثله بما ينسخ به الكتاب، ثم إنه لما ثبت من فتاوى نجباء الصحابة رضي الله عنهم جواز التوضؤ بنبيذ التمر في زمان انسَدَّ فيه باب الوحي، مع أنهم كانوا أعرف الناس بالناسخ والمنسوخ بطلت دعوى النسخ، وما ذكروا من الطعن في الراوي في سند حديث واحد.

قلت: عمل بعض الصحابة بذلك لا يدل على عدم النسخ، بل محمول على أنه لم يبلغهم النسخ.

(عن عبد الله بن مسعود)(1) بن غافل، بمعجمة ثم فاء مكسورة بعد الألف، ابن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن، وأمه أم عبد، من السابقين الأولين، من كبار العلماء من الصحابة، أسلم بمكة قديمًا، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا والمشاهد كلها، وكان صاحب نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، آخى النبي عليه الصلاة والسلام بينه وبين سعد بن معاذ، وأمّره عمر على الكوفة، قال البخاري: مات بالمدينة قبل عثمان، وقيل: مات بالكوفة، والأول أثبت، مات سنة 32 هـ أو سنة 33 هـ.

(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له) أي لعبد الله بن مسعود (ليلة الجن) أي ليلة ذهب الجن بالنبي (2) صلى الله عليه وسلم إلى قومهم ليتعلموا منه الدين، وكان معه عبد الله بن مسعود، وفي رواية:"زيد بن ثابت"(ما في إداوتك؟ )(3)، أي: أيُّ شيء

(1) انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(3/ 74) رقم (3182).

(2)

وذكر في "الخميس"(1/ 303) تفصيل وفود الجن. (ش).

(3)

جمعها: أداوَى "ابن رسلان". (ش).

ص: 453

قَالَ: نَبِيذٌ. قَالَ: "تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ". [ت 88، جه 384، حم 1/ 402]

===

في مِطهرتك؟ في"النهاية": الإداوة بالكسر إناء صغير من جلد (قال) أي ابن مسعود: (نبيذ) أي في إداوتي نبيذ (قال: تمرة طيبة وماء طهور)(1) زاد في "المصابيح": وتوضأ منه، وزاد أحمد والترمذي: فتوضأ منه، قال ابن الهمام: ورواه ابن أبي شيبة مطولا، وفيه:"هل معك من وَضوء؟ "، قلت: لا، قال:"فما في إداوتك؟ "، قلت: نبيذ (2) تمر، قال:"تمرة حلوة وماء طيب"، ثم توضأ وأقام الصلاة. "علي القاري"(3).

قلت: اختلف العلماء في جواز التوضؤ بالنبيذ وعدم جوازه، فعند أبي حنيفة يتوضأ به (4)، ولا يتيمم بشرط أن يكون حلوًا رقيقًا يسيل على الأعضاء كالماء، وما اشتد منها صار حرامًا لا يجوز التوضؤ به لحديث عبد الله بن مسعود، فترك القياس بالنص، وعند أبي يوسف يتيمم ولا يتوضأ به، وبه قالت الأئمة الثلاثة، وهي الرواية المرجوع إليها عن أبي حنيفة وقوله الأخير، وعليه الفتوى واختاره الطحاوي، وهو المذهب المصحح المختار عندنا، لأن الحديث وإن صح لكن آية التيمم ناسخة له إذ هي مدنية، وعند محمد يجمع بينهما، لما ذكرنا أن ليلة الجن كانت بالمدينة أيضًا؛ لأن صاحب"آكام المرجان" ذكر أن ظاهر الأحاديث الواردة في وفادة الجن كانت ست مرات، وذكر منها مرة في بقيع الغرقد قد حضرها ابن مسعود فلا يقطع بالنسخ.

(1) يعني أصله هذان. (ض).

(2)

وهي أربعة أنواع كما بسط في هامش "الكوكب"(1/ 119). (ش).

(3)

"مرقاة المفاتيح"(2/ 181).

(4)

وبه قال الحسن والأوزاعي، وقال عكرمة: هو وضوء من لم يجد الماء كما في "المغني"(1/ 18). (ش).

ص: 454

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ: عن أَبِي زيدٍ أَوْ زيدٍ، كَذَا قَالَ شَرِيكٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَنَّادٌ لَيْلَةَ الْجِنِّ.

85 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عن دَاوُد ،

===

(قال أبو داود: قال سليمان بن داود: عن أبي زيد أو زيد، كذا قال شريك) غرض أبي داود بهذا الكلام أن أبا داود روى هذا الحديث عن شيخيه هناد وسليمان بن داود عن شريك، فأما هناد فلم يشك فيه عن شريك، فقال: عن أبي زيد، وأما سليمان فقال: عن أبي زيد أو زيد، روى عن شريك على الشك، وهكذا عن أبي زيد أو زيد في جميع نسخ أبي داود الموجودة عندنا من المكتوبة والمطبوعة المصرية والهندية بالتكني في الأولى والعَلَمية في الثانية، ولكن قال الحافظ في"تهذيب التهذيب" كما قدمنا: وقيل: أبو زايد أو أبو زيد بالشك، وبالكنية في الموضعين، ولكن بزيادة الألف بعد الزاي وكذا في "التقريب"، ولم أر أحدًا تعرض لهذا الاختلاف، ولفظ "التقريب": أبو زيد المخزومي مولى عمرو بن حريث، وقيل: أبو زايد.

(ولم يذكر هناد ليلة الجن)، أي لم يذكر هناد لفظ "ليلة الجن"، وذكره سليمان بن داود.

85 -

(حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا وهيب) بن خالد، (عن داود) بن أبي هند، واسمه دينار بن عُذافِر، بضم مهملة وخفة ذال معجمة وكسر فاء، ويقال: طهمان، القشيري مولاهم، أبو بكر، ويقال: أبو محمد، البصري، قال ابن المبارك عن الثوري: هو من حفاظ البصريين، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: ثقة ثقة، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم والنسائي: ثقة، وقال يعقوب بن شيبة:

ص: 455

عن عَامِرٍ، عن عَلْقَمَةَ قَالَ:"قُلْتُ لِعَبْدِ الله بْنِ مَسعودٍ: مَنْ كَانَ مِنْكُم مَعَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ فَقَالَ: مَا كَانَ مَعَهُ مِنَّا أَحَدٌ". [م 450، ت 3258]

===

ثقة ثبت، وقال ابن حبان: كان من خيار أهل البصرة، من المتقنين في الروايات، إلَّا أنه كان يهم إذا حدث من حفظه، وقال الأثرم عن أحمد: كان كثير الاضطراب والخلاف، مات سنة 140 هـ، وقيل قبلها.

(عن عامر) بن شراحيل بن عبد، وقيل: عامر بن عبد الله بن شراحيل الشعبي، بفتح المعجمة، الحميري، أبو عمرو الكوفي، من شعب همدان، ثقة مشهور فقيه فاضل، يقول: أدركت خمسمائة من الصحابة، وقال ابن معين وأبو زرعة وغير واحد: الشعبي ثقة، قال البخاري: مات سنة 104 هـ.

(عن علقمة) بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي، ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عن عمر وعثمان وعلي وسعد وغيرهم - رضي الله تعالى عنهم -، وقال أبو المثنى رياح: إذا رأيت علقمة فلا يضرك أن لا ترى عبد الله أشبه الناس به سمتًا وهديًا، وإذا رأيت إبراهيم فلا يضرك أن لا ترى علقمة، وهو ثقة ثبت فقيه عابد، قلت: وكان الأسود وعبد الرحمن ابنا يزيد بن قيس ولدا أخي علقمة أسن منه، مات بالكوفة سنة 62 هـ.

(قال: قلت لعبد الله بن مسعود: من كان منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال: ما كان معه منا أحد)(1)، أورد المصنف ذلك الحديث ههنا ليشير إلى أن هذا الحديث المقدم الذي يدل على أن ابن مسعود كان مع

(1) وقال ابن قتيبة في "مختلف الحديث"(ص 32): معناه لم يكن معه غيري، ونقل ابن السمعاني أن ابن المديني نقل باثني عشر طريقًا أن ابن مسعود رضي الله عنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن "ابن رسلان"، ثم ذكر بعض طرق الحديث الذي جاء فيه ذكر ليلة الجن في غير هذه القصة. وبسط في "السعاية"(1/ 474). (ش).

ص: 456

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن معارَض بهذا الحديث الصحيح مع كونه ضعيفًا باعتبار السند، فلا يحتج به.

قال النووي (1): هذا صريح في إبطال الحديث المروي في "سنن أبي داود" وغيره، المذكور فيه الوضوء بالنبيذ وحضور ابن مسعود معه صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، فإن هذا الحديث صحيح، وحديث النبيذ ضعيف، قلت: قد مرَّ الجواب عن ضعف الحديث.

وأما الجواب عن معارضة هذا الحديث بذاك أن ذهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجن وقع ست مرات، فيمكن أن يكون ابن مسعود معه في بعضها، ولم يكن معه في بعضها، كيف وقد ذكر الترمذي كونه معه وصححه، فقد أخرج الترمذي (2) بسنده عن ابن مسعود قال: صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم انصرف، فأخذ بيد ابن مسعود، حتى خرج به إلى بطحاء مكة فأجلسه، الحديث، وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه.

وأيضًا يمكن (3) أن يجاب عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك ابن مسعود، وذهب بنفسه الشريفة في محل آخر، فلم يكن ابن مسعود معه صلى الله عليه وسلم في ذاك المحل، أي موضع تعليمه للجن، فلا معارضة في الحديثين، ألا ترى إلى ما أخرج الترمذي بسنده عن ابن عباس، قال: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ عليهم وبلَّغهم وعلَّمهم، فكما هذه المعارضة مدفوعة بالتأويل، فكذلك هذا باختلاف الزمان والمكان، وأوَّلَ

(1)"شرح صحيح مسلم"(4/ 169).

(2)

"سنن الترمذي"(ح 2861).

(3)

وذكره ابن رسلان أيضًا عن بعض الحنفية، والحافظ في "الفتح"(7/ 172) عن "البيهقي". (ش).

ص: 457

86 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ، عن ابْنِ جُرَيْجٍ، عن عَطَاءٍ،

===

بعضهم أن المراد بقوله: "ما كان معه منَّا أحد"، أي ما شهدها منَّا أحد غيري، نفيًا لمشاركته وإبانةً لاختصاصه بذلك، ذكره ابن الهمام (1) عن الإِمام أبي محمد البطليوسي، فعلى هذا لا معارضة فيهما ، ولو سُلِّمَ فالمثبت يقدم على النافي.

86 -

(حدثنا محمد بن بشار) بندار (قال: ثنا عبد الرحمن) بن مهدي (قال: ثنا بشر بن منصور) السَّليمي، بفتح المهملة وبعد اللام تحتانية، أبو محمد البصري الأزدي، صدوق عابد زاهد، قال أبو زرعة: ثقة مأمون، وقال نصر بن علي الجهضمي: ثبت في الحديث، مات سنة 180 هـ.

(عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز، (عن عطاء) بن أبي رباح، سيد التابعين علمًا وعملًا وإتقانًا في زمانه بمكة، وكان حجة إمامًا كبير الشأن، أخذ عنه أبو حنيفة، وقال: ما رأيت مثله، قال يحيى القطان: مرسلات مجاهد أحب إلينا من مرسلات عطاء بكثير، كان عطاء يأخذ من كل ضرب، وقال أحمد: ليس في المرسل أضعف من مرسل الحسن وعطاء، كانا يأخذان عن كل أحد، وروى محمد بن عبد الرحيم عن علي بن المديني قال: كان عطاء بأخَرَة قد تركه ابن جريج وقيس بن سعد.

قلت: لم يعن الترك الاصطلاحي بل عني أنهما أبطلا الكتابة، وإلَّا فعطاء ثبت، قال خالد بن أبي نوف عن عطاء: أدركت مائتين من الصحابة، وقال يعقوب بن سفيان: سمعت سليمان بن حرب يذكر عن بعض مشيخته،

(1) انظر: "فتح القدير"(1/ 104).

ص: 458

أَنَّهُ كَرِهَ الْوضُوءَ بِاللَّبَنِ وَالنَّبِيذِ وَقَالَ: "إِنَّ التَيّمُّمَ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْهُ". [ق 1/ 9]

87 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ قَالَ: حَدَّثنَا أَبُو خَلْدَةَ قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ

===

قال: رأيت قيس بن سعد قد ترك مجالسة عطاء، قال: فسألته عن ذلك فقال: إنه نسي أو تغير، فكدت أن أفسد سماعي منه، مات سنة 115 هـ أو 114 هـ.

قال: (أنه كره الوضوء باللبن والنبيذ، وقال: إن التيمم أعجب (1) إلى منه)، غرض المصنف بإيراد هذا الأثر تقوية عدم جواز (2) الوضوء بالنبيذ.

87 -

(حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي (قال: حدثنا أبو خلدة) بفتح المعجمة وسكون اللام، المشهور بكنيته، هو خالد بن دينار التميمي السعدي البصري الخياط، قال عثمان بن سعيد عن يحيى: ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة، وقال النسائي: ثقة، وقال العجلي والدارقطني: ثقة، وقال الترمذي: ثقة عند أهل الحديث، وفي "تاريخ البخاري" (3): قال ابن مهدي: كان خيارًا مسلمًا صدوقًا، مات سنة 152 هـ.

(قال: سألت أبا العالية) رفيع، براء وفاء وعين مهملة مصغرًا،

(1) قال ابن رسلان: ليس من أفعل التفضيل، فإن الوضوء لا يجوز عنده أصلاً، كما في "المحلى". (ش).

(2)

ولمخالفه أن يقول: أخرج ابن أبي شيبة (1/ 26) عن علي رضي الله عنه أنه لم ير به بأسًا، وتقدم قريبًا أنه قال بالجواز علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم. (ش).

(3)

(2/ 147).

ص: 459

عن رَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ وَعِنْدَهُ نَبِيذٌ أَيَغتَسِلُ بِهِ؟ قَالَ: لَا". [ق 1/ 9]

===

ابن مهران الرياحي، بكسر الراء والتحتانية، مولاهم، البصري، أدرك الجاهلية، وأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، ودخل على أبي بكر، وصلى خلف عمر، وروى عن علي وابن مسعود وأبي موسى وأبي أيوب وغيرهم من الصحابة، وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم، وقال اللالكائي: مجمع على ثقته، وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وأكثر ما نقم عليه حديث الضحك في الصلاة، وكل من رواه غيره فإنما مدارهم ورجوعهم إلى أبي العالية، والحديث له، وبه يعرف، ومن أجله تكلموا فيه، وسائر أحاديثه مستقيمة صالحة. وقال الشافعي: حديث الرياحي رياح، يعني في القهقهة، مات سنة 90 هـ، وقيل بعدها.

(عن رجل أصابته جنابة، وليس عنده ماء، وعنده نبيذ أيغتسل به؟ قال: لا)، أورد المصنف هذا الأثر أيضًا ليقوي ما ثبت عنده من عدم جواز الوضوء بالنبيذ، لأن حكم الغسل والوضوء واحد، فلما لم يجوّز أبو العالية الاغتسال ثبت أنه لا يجوز عنده الوضوء (1) بالنبيذ.

قلت: مسألة الاغتسال اختلف المشايخ فيها، قال في "البدائع" (2): واختلف المشايخ في جواز الاغتسال بنبيذ التمر على أصل أبي حنيفة، فقال بعضهم: لا يجوز، لأن الجواز عُرِف بالنص، وأنه ورد في الوضوء

(1) لكن ظاهر سياق البخاري أنه كره التوضؤ منه. (ش). [انظر: "فتح الباري" (1/ 353)].

(2)

(1/ 98).

ص: 460

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

دون الاغتسال، فيقتصر على مورد النص، وقال بعضهم: يجوز لاستوائهم في المعنى، انتهى، وهذا على القول المرجوع عنه، وأما على القول المرجوع إليه، فكما لا يجوز التوضؤ بالنبيذ، كذلك لا يجوز الاغتسال بالأَولى.

واعلم أنه أخرج صاحب "البدائع"(1) رواية أبي العالية فقال: وروي عن أبي العالية الرياحي أنه قال: كنت في جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفينة في البحر، فحضرت الصلاة، ففني ماؤهم، ومعهم نبيذ التمر، فتوضأ بعضهم بنبيذ التمر، وكره التوضؤ بماء البحر، وتوضأ بعضهم بماء البحر وكره التوضؤ بنبيذ التمر.

وقد أخرج الدارقطني (2) بسنده إلى أبي خلدة، قال: قلت لأبي العالية: رجل ليس عنده ماء، وعنده نبيذ، أيغتسل به في جنابة؟ قال: لا، فذكرت له ليلة الجن؟ فقال: أَنْبِذَتكُم هذه الخبيثة، إنما كان ذلك زبيبًا وماءً، ففي هذا زيادة تركها أبو داود تدل على خلاف ما استدل عليه أبو داود.

وكذلك البيهقي (3) أخرج مثله بسنده إلى أبي خلدة عن أبي العالية قال: يرى نبيذكم هذا الخبيث، إنما كان ماء يلقى فيه تمرات فيصير حلوًا، وهذا الأثر يدل على أن أبا العالية يجوز التوضؤ والاغتسال عنده بالنبيذ ما دام حلوًا رقيقًا، فإذا اشتد وخبث يحكم عليه بعدم الجواز.

(1)(1/ 96).

(2)

"سنن الدارقطني"(ح 253).

(3)

"السنن الكبرى"(1/ 9 - 13)، وفيه:"نرى" بدل "يرى".

ص: 461