الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
مُقَدِّمَةُ "بَذْلِ الْمَجْهُودِ
"
الحمد لله المتأزر بإزار العظمة والعلاء، المرتدي برداء المجد والعزة والكبرياء، اللهم لا نحصي عليك الثناء، أنت كما أثنيت على نفسك بلا امتراء، فأنت اللهم من درَك العقول والظنون والأوهام وراء الوراء، ثم وراء الوراء، ثم وراء الوراء.
سبحانك ما أعظم شأنك وأحكم برهانك، مننت علينا بإرسال الرسل، وكرَّمتنا بإنزال الكتب من السماء، وهديتنا الملة الحنيفية السمحة السهلة البيضاء، التي ليلها ونهارها سواء، وعلَّمتنا من العلوم النبوية والحِكَم المصطفوية ما لم نعلم، فَعَلَوْنا به مدارج السماء.
اللهم فصَلِّ وسَلِّم وزِدْ ودُمْ، وتفضل وبارك وأنعم، على سيدنا سيد الرسل، وخير خلقك عبدك محمد داعي الخلق، والهادي إلى الحق، الماحي سبل الضلال والفسق، تنوَّر العالم بنور هدايته وضيائه، وتزيَّنت السماوات والأرض بزينته وبهائه، وعلى آله وأصحابه نصحائه وأُمنائه.
أما بعد! فيقول العبد الفقير الحقير الجامع لجميع السيئات والتقاصير، المدعو بخليل أحمد بن الشاه مجيد علي بن شاه أحمد علي بن شاه قطب علي - تجاوز الله عن سيئاته ومشايخه وآبائه أجمعين -:
قد قرأت "سنن أبي داود" برواية اللؤلؤي على شيخي وسيدي مولانا محمد مظهر النانوتوي - رحمه الله تعالى، - بعضها قراءة عليه وبعضها سماعًا منه حين كان نازلًا في اللكهنوتي، ثم أجازني به بجميع مروياته شيخي مولانا عبد القيوم بن مولانا عبد الحي البدهانوي ثم البوفالي، ختن مولانا الشاه محمد إسحاق الدهلوي، ثم المهاجر المكي.
ثم حصل لي الإجازة مكاتبة من شيخ العلماء بمكة المحمية السيد أحمد دحلان، ثم قرأت أوائل الصحاح الستة على مولانا وشيخ مشايخنا الشيخ عبد الغني المجددي الدهلوي المهاجر المدني - رحمة الله عليه -، وكتب لي الإجازة العامة سنة أربع وتسعين بعد ألف ومائتين، ثم أجازني مكاتبة ومشافهة حضرة مولانا السيد أحمد البرزنجي المدني حين حضرت المدينة المنورة مرة أخرى سنة أربع وعشرين بعد ألف وثلاث مائة (1).
وكثيرًا ما كان يختلج في صدري أن يكون على "سنن أبي داود" شرح يحل مغلقاته، ويكشف معضلاته، ويذلل صعابه، ويسهل مشكلاته، ولكني كنت أحقر نفسي أن أتحمل هذا الحمل الثقيل، وأكون في هذا المضيق دخيلًا، حتى رأيت جزءًا واحدًا من الشرح الذي ألفه الشيخ أبو الطيب شمس الحق المسمَّى بـ "غاية المقصود"، فوجدته لكشف مكنوزاته كافلًا، وبجميع مخزوناته حافلًا - فللَّه دره -، قد بذل فيه وسعه وسعى سعيه، إلَّا أنه في بعض المواضع منه أخذته الحدَّة، فاستطال على مكانة إمام الأئمة أبي حنيفة النعمان - عليه سجال الرحمة والغفران -، ومع هذا فلم يشع منه إلَّا هذا الجزء الأول، والأجزاء الباقية كأنها سالت بها البطاح، أو طارت بها أدراج الرياح.
ثم رأيت "عون المعبود" للشيخ محمد أشرف كان مختصر "غاية
(1) وقد حصلت له أيضًا إجازة عامة من المحدث الكبير الشيخ بدر الدين الشامي مراسلة في سنة 1329 هـ. انظر: "العناقيد الغالية"(ص 126).
المقصود"، فلم يقع في القلب موقعه، ولم يبلغ مبلغه، وهذا الشرح قاصر عن أن يسمى شرحًا مع أن مؤلفه تقلد صاحب "غاية المقصود" في الحدة، واختصر شرحه، فوقع فيه ما وقع من الخلل والخطل- والله يتجاوز عنا وعنه -، فلما ذهب عني الشباب وأخذني الشيب كما قيل:
فلما رأيت النسر عز ابن داية
…
وعشش في وكريه جاش له صدري
ووُليت درس الحديث بمدرسة مظاهر العلوم الواقعة في "سهارنفور"، ونظرت في أمري، فلم أجد في أعمالي ما يكون لي وسيلة إلى النجاة أو ذريعة إلى حط الخطيئات والسيئات، فألقيَ في رُوْعي أن اكتب على أبي داود تعليقًا مختصرًا جامعًا يفتح أقفال كنوزه، ويسهل صعاب رموزه، مع أني لم أكن أهلاً لذلك، ولكن اعتمدت في ذلك على إعانة الله تعالى سبحانه وعنايته ولطفه، رجاء أن يحشرني الله تعالى في زمرة خدم الحديث وأهله.
فشرعت فيه في ساعات فارغة من الدرس، وأعانني عليه بعض أحبابي خصوصًا منهم عزيزي وقرة عيني وقلبي الحاج الحافظ المولوي محمد زكريا بن مولانا الحافظ المولوي محمد يحيى الكاندهلوي - رحمه الله تعالى -، فإني كنت لا أقدر على الكتابة، ولا على التتبع لرعشةٍ حدثت في يدي وضعف في دماغي وبصري، فكنت أملي عليه، وهو يكتب ويتتبع المباحث المشكلة من مظانها فيسهل عليَّ إملاؤها، فشكر الله تعالى سعيه وأحسن جزاءه، وما بذل فيه جهده، وأكرمه الله تعالى بعلومه الباطنة والظاهرة النافعة في الدنيا والآخرة، وبالأعمال المبرورة المتقبلة الزاهرة.
وكان عندي حين إملاء هذا التعليق كتب من العلوم المختلفة.
فمن علم الحديث وشروحه: الصحاح الستة، والموطآن لمالك بن أنس ولمحمد بن الحسن الشيباني، و"سنن الدارمي"، و"الدارقطني"،
و"مصنف ابن أبي شيبة"، و"السنن الكبرى" للبيهقي، و"المسند" للإمام أحمد، و"شرح معاني الآثار" للطحاوي، و"مشكاة المصابيح" مع شرحه لعلي القاري، و"مسند أبي داود الطيالسي"، و"منتقى الأخبار" مع شرحه "نيل الأوطار" للشوكاني، و"زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم، و"فتح الباري"، و"القسطلاني"، و"شرح مسلم" للنووي، و"حاشية السندي على سنن النسائي"، و"سنن ابن ماجه"، وشرح "الموطأ" المسمى بـ "المصفَّى"، و"المراسيل" لأبي داود السجستاني، و"عمل اليوم والليلة" لابن السني، و"المسند" للإمام أبي حنيفة، و"المسند" للشافعي، و"مجمع الزوائد" للهيثمي، و"كتاب الآثار" للإمام محمد بن الحسن الشيباني، و"جزء القراءة" للبخاري والبيهقي، و"الأدب المفرد" للبخاري، و"جزء رفع اليدين" له، وكتاب "المستدرك" للحا كم، و"تلخيصه" للذهبي، وقد وصلا إلينا عند تمام الجزء الأول من هذا الشرح.
و"سبل السلام على بلوغ المرام" للأمير اليماني، و"شرح العلامة العيني على البخاري"، و"درجات مرقاة الصعود" للدمنتي، وهو المراد بمطلق الشرح في هذا التعليق، و"إنجاح الحاجة على ابن ماجه" لحضرة الأستاذ الشيخ عبد الغني، و"آثار السنن" وتعليقه كلاهما لمولانا الشوق النيموي، و"تنسيق النظام على مسند الإِمام" للشيخ محمد حسن السنبهلي، و"الجوهر النقي" لابن التركماني، و"الزرقاني على الموطأ"، و"التعليق الممجد" لمولانا عبد الحي، و"التلخيص الحبير على الرافعي الكبير"، و"الدراية" كلاهما للحافظ ابن حجر، و"شرح مشكلات الآثار" للطحاوي، و"الشروح الأربعة للترمذي"(1)، وتقرير حضرة الشيخ
(1) هي مجموعة الشروح الأربعة من "عارضة الأحوذي" لابن العربي، و"قوت المغتذي" للسيوطي، و"شرح الشيخ أبي الطيب المدني" بالفارسية، و"شرح الشيخ سراج أحمد السرهندي" بالفارسية أيضًا.
الكَنكَوهي- نوَّر الله مرقده - الذي كتبه مولانا محمد يحيى- المرحوم - عند قراءته "السنن" على حضرة الشيخ، و"شرح الخطابي على أبي داود"، و"تخريج الزيلعي"، و"حاشية الحصين" لمولانا عبد الحي، و"الإكمال والمكمل على المسلم"، وكتب الموضوعات من "اللآلي المصنوعة" وذيله و"التعقبات" وغيره.
ومن التفاسير: "التفسير" لابن جرير، و"الدر المنثور" للسيوطي، و"التفسير" للقاضي البيضاوي مع بعض حواشيه كالخفاجي وشيخزاده والقنوي وعبد الحكيم، و"تفسير الجلالين" مع بعض شروحه، و"التفسير الكبير" للإمام الرازي.
ومن أسماء الرجال: مصنفات إمام الفن، الحافظ ابن حجر - نوَّر الله مرقده - من "التقريب"، و"تهذيب التهذيب"، و"تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأربعة"، و"كتاب الإصابة في تمييز الصحابة"، و"لسان الميزان"، و"طبقات المدلسين"، وأيضًا "خلاصة تهذيب الكمال" للخزرجي، و"ميزان الاعتدال" و"تذكرة الحفاظ" و"التجريد" كلها للذهبي، و"أُسْد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير، و"الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن عبد البر، و"كتاب المؤتلف والمختلف" للأزدي، و"الطبقات الكبير" لابن سعد، و"الجمع بين رجال الصحيحين" للمقدسي، و"التاريخ الصغير" و"الضعفاء الصغير" كلاهما للبخاري، و"الإكمال" لصاحب "المشكاة"، و"الإنساب" للسمعاني، و"رجال جامع الأصول" لابن الأثير، و"كتاب الكنى" للدولابي، و"المغني" لصاحب "المجمع"، و"الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية"، و"طبقات الشافعية الكبرى" لأبي نصر عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي، وقطعة من "لباب الإنساب"، و"إسعاف المبطأ برجال الموطأ" للسيوطي، و"الفوائد البهية في طبقات الحنفية" لمولانا عبد الحي، و"كتاب المنفردات والوحدان" لمسلم، و"كتاب الضعفاء والمتروكين" للنسائي.
ومن كتب أصول الحديث: "شرح النخبة" للحافظ، و"شرح الشرح" للشيخ وجيه الدين، و"تدريب الراوي" للسيوطي على "تقريب النواوي"، و"ألفية الحديث" للعراقي، وشرحه "فتح المغيث" و"بستان المحدثين".
ومن كتب الفقه للأحناف: "بدائع الصنائع"، و"المبسوط" للسرخسي، و"الهداية مع حواشيه" من "الكفاية"، و"البناية"، و"فتح القدير"، و"الكبيري"، و"البحر الرائق"، و"الدر المختار" بحاشيتيه الطحطاوي، والشامي، و"مراقي الفلاح" مع حاشيته للطحطاوي، و"الزيلعي على الكنز"، و"السعاية" لمولانا الشيخ عبد الحي.
ومن كتب الفقه لغيرهم: "كتاب الأم" للشافعي، و"حاشية الإقناع" على شرح الخطيب لمتن أبي الشجاع، و"تحفة المحتاج في شرح المنهاج" لابن حجر المكي، و"روضة المحتاجين" للشيخ رضوان العدل، و"كتاب الأنوار" للشيخ يوسف الأردبيلي، و"كتاب التوشيح" للشيخ محمد نووي (1)، كلها في فقه الشافعية، و"كتاب المدونة" للإمام مالك، وما على ذيله من "كتاب المقدمات" لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد، و"مختصر الشيخ خليل" الثلاثة في مذهب المالكية، و"إعلام الموقعين" في فقه الحنابلة، و"كشف الغمة عن جميع الأمة"، و"الميزان الكبرى" للشعراني.
ومن كتب أصول الفقه: "نور الأنوار"، و"التوضيح والتلويح"، و "الحسامي" ببعض حواشيه، و"التحرير" لابن الهمام، و"المستصفى" للغزالي.
ومن غريب الحديث واللغة: "مجمع البحار" للشيخ محمد طاهر، و"لسان العرب" لأبي الفضل جمال الدين الإفريقي، و"القاموس المحيط" للشيخ مجد الدين محمد الفيروزآبادي، و"النهاية" لابن الأثير، و"مصباح المنير" لأحمد بن محمد المقرئ، و"المخصص" لابن سيده.
(1) هو الشيخ محمد نووي بن عمر بن عربي بن علي الجاوي البنتني التناري أبو عبد الله المعطي (ت 1316 هـ)، انظر:"شذرات الذهب"(8/ 384) و"معجم المؤلفين"(8/ 268).
ومن كتب السير والتواريخ: "سيرة ابن هشام"، و"تاريخ الطبري" لابن جرير، و" تاريخ الخلفاء" للسيوطي، و"معجم البلدان" لياقوت بن عبد الله الحموي، و"تاريخ الخميس" للشيخ حسين بن محمد بن الحسن الدياربكري، و"وفيات الأعيان" لابن خلكان.
ومن علوم شتى: شرح مولانا عبد الرحمن الجامي على "الكافية"، و"شافية" ابن الحاجب، وشرحه للرضي، وشرح ابن القاصح في التجويد.
وكان بيدي من نسخ أبي داود نسخ متعددة.
أولاها: نسخة مكتوبة عتيقة مصححة، قوبلت ببعض النسخ، وقرئت على بعض المشايخ، وقُرِئَت على مولانا الشيخ محمد إسحاق الدهلوي ثم المهاجر المكي، وهي مملوكة لمولانا خليل الرحمن ابن مولانا الشيخ الحاج الحافظ أحمد علي المحدث السهارنفوري - رحمه الله تعالى-.
وثانيتها: نسخة صاحب "عون المعبود" المنقولة على نواصي صفحاتها.
وثالثتها: النسخة التي صححها مولانا الشيخ الحاج محمود حسن الديوبندي صدر المدرسين في المدرسة العالية الديوبندية، وقابلها بالنسخ المختلفة، وكان الاعتماد عليها (1) عند اختلاف النسخ غالبًا، وهي التي طبعت في المطبعة المجتبائية في دهلي سنة 1318 هـ.
ورابعتها: النسخة المطبوعة بمصر، في المطبعة الخيرية في أوائل ذي الحجة سنة 1310 هـ، التي وضعت على هوامش الزرقاني شرح "الموطأ" للإمام مالك - رحمه الله تعالى -.
(1) في الأصل: "عليه"، وهو تحريف.
وخامستها: التي حُلّيت بتحشية مولانا الشيخ فخر الحسن الكَنكَوهي التي طبع بعضها بأصح المطابع، وبعضها في المطبع النامي، وهي المراد بالكانفورية في هذا التعليق.
وسادستها: النسخة المطبوعة بأصح المطابع سنة 1318 هـ، لكنه قد وصلت إلينا في آخر الجزء الثاني، وهي المراد باللكهنوية.
وسابعتها: النسخة المطبوعة بالمطبعة القادرية في دهلي، قد تم طبعها في شهر شعبان 1272 هـ، وهي المراد بـ "القادرية والقديمة"(1).
وكان الاعتماد غالبًا في شرح الحديث على كلام علي القاري في "المرقاة"، والحافظ ابن حجر في "فتح الباري"، والعلامة بدر الدين العيني في "شرح البخاري"، وفي المسائل الفقهية على "بدائع الصنائع"، وفي أحوال الرجال على "التقريب" و"التهذيب" و"الإصابة" و"الأنساب" للسمعاني، وفي حل اللغات على "المجمع" و"القاموس" و"لسان العرب".
ولم آخذ من كلام الشارحين المذكورين صاحب "غاية المقصود" و"عون المعبود" ولا ما نقلاه عن أحد من المتقدمين مقلدًا لمجرد قولهما بدون أن أجده في كلام المتقدمين.
وأهتم في هذا الشرح بأمور قلَّما يوجد في غيرها:
منها: أن جُل مباحثها منقول من كلام أكابر القدماء بما يتعلق بتوضيح الحديث وغيره، ولهذا في أكثر مواضعها عزوته إلى قائله، وفي بعضها ما نسبته إليه، وأما ما يتعلق بحل أقوال أبي داود فخاطري مقتضبه غالبًا، لأنه لا يوجد من كتب المتقدمين ما يحل صعب أقواله.
(1) وقد حصل الشيخ خلال تأليف الكتاب في المدينة المنورة على نسختين قلميَّتين أيضًا، وكان على إحديهما "مختصر المنذري"، انظر (10/ 614 - 622، 13/ 549).
ومنها: أني ذكرت ترجمة كل راوٍ من السند في أول موضع ذكره في السند، ثم إذا وقع ذكره في محل بعده لم أذكره.
ومنها: أني كثيرًا ما أذكر مذهب السادة الحنفية تحت حديث يتعلق بمسألة فقهية، فإن كان الحديث موافقًا لهم فبها، وإلا فذكرت مستدلّهم والجواب عن الحديث وتوجيهه.
ومنها: أني أذكر مناسبة الحديث بترجمة الباب في موضع خفي ذلك.
ومنها: أني في بعض المواضع أنبه على ما وقع فيه التسامح من شارحي أبي داود لئلا يقع الطالب في الغلط اعتمادًا عليه، مع أني ما أبرئ نفسي عن الخطأ والسهو، ولا أقول هذا إعجابًا وفخرًا، بل الغرض منه إظهار الحق والصواب، والله ولي التوفيق وبيده أزمة التحقيق.
ومنها: إعادة بعض المطالب المهمة لمصلحة اقتضت ذلك.
ومنها: ما أورده المصنف من الروايات مختصرًا، وأخرجها غيره مطولًا، فذكرتها مطولة من مظانها.
ومنها: تفصيل مذاهب المجتهدين سيما الأربعة - شكر الله سعيهم -، وأكثرها نقلتها عما ذكره العلامة الشوكاني.
ومنها: ما ذكره المصنف مرسلًا أو معلقًا ذكرته موصولًا، وهو حسبى ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله العلي العظيم.
ثم اعلم أن لـ "سنن أبي داود" روايات عديدة، والمشهور منها ثلاث روايات؛ رواية ابن داسة أبي بكر محمد بن عبد الرزاق، وروايته مشهورة في المغرب، ورواية ابن الأعرابي أبي سعيد أحمد بن محمد بن زياد، وهي أنقص الثلاثة حتى قيل: ليس فيه كتاب الفتن والملاحم والحروف وغيرها، ورواية اللؤلؤي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي، هو آخر من حدث عنه، ولذا يقال لها: أصح الروايات، وهي المتداولة في بلاد المشرق وبلاد الهند.
ومما ينبغي أن يعلم أن المصنف هو أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شدّاد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني، كما في "الخلاصة"(1) و"وفيات الأعيان"(2)، الإِمام الثبت، سيد الحفاظ، كان في أعلى درجة من الورع والعلم والنسك، ولد سنة اثنتين ومائتين، وتوفي في سادس عشر شوال سنة خمس وسبعين ومائتين يوم الجمعة - رضي الله تعالى عنه وأرضاه -.
قال إبراهيم: أُلين لأبي داود الحديث، كما أُلين لداود عليه السلام الحديد، قيل: لما صنف "السنن" وقرأه على الناس صار كتابه كالمصحف يتبعونه، وأقرّ له أهل زمانه، وقال ابن منده: الذين أخرجوا الثابت من المعلول والخطأ من الصواب أربعة: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وقال الحاكم: إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة.
قال الذهبي في "التذكرة"(3): بلغنا عن بعض الأئمة أن أبا داود يشبه بأحمد بن حنبل في هديه وسمته ودلِّه، وكان أحمد يشبه في ذلك بوكيع، ووكيع بسفيان، وسفيان بمنصور، ومنصور بإبراهيم، وإبراهيم بعلقمة، وهو بابن مسعود، قال عقلمة: وكان ابن مسعود يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودلّه، انتهى.
اختلف في مذهبه فقيل: حنبلي، وقيل: شافعي.
واختلف العلماء في "سجستان" التي نسب إليها، فقيل: هو الإقليم المشهور، وقيل: قرية من قرى البصرة، وقال مولانا الشاه عبد العزيز (4) - نوَّر الله مرقده -: "ابن خلكان را باو جود كمال تاريخ داني درين نسب غلط
(1)(ص 150).
(2)
(2/ 404).
(3)
(1/ 592). انظر: "تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 224).
(4)
"بستان المحدثين"(ص 107).
أفتاده كَفته است، كه نسبت إلى "سجستان"، أو "سجستانه": قرية من قرى البصرة، والشيخ تاج الدين سبكي بعد از نقل اين عبارت كَفته است كه: هذا وهم (1)، والصواب أنه نسبة إلى الإقليم المعروف المتاخم لبلاد الهند، يعني اين نسبت بسيستان است كه ملك است، مشهور فيما بين "سندهـ" و"الهرا ة" متصل "قندهار" و"جشت".
ومذهبه في كتابه مذكور في "رسالته" إلى أهل مكة، نقله الدمنتي في "الدرجات" تركناه اختصارًا، من شاء فليرجع إليه.
نعم لا بد أن أذكر لك نوعية (2) الكتاب وهي كونه سننًا، فإن كتب الحديث متنوعة على أقسام:
منها: الجوامع، وهو ما يوجد فيه جميع أقسام الحديث من العقائد والأحكام والرقاق والآداب والتفسير والتاريخ والمناقب والفتن، وقد صنف العلماء في كل فن من هذه الفنون تصانيف مفردة، وأحاديث الأحكام من كتاب الطهارة إلى كتاب الوصايا تسمى بـ "السنن""سنن أبي داود" وغيره، والكتب المصنفة فيها غير محصور.
ومنها: المسانيد، وهو ما ذكر فيه الأحاديث على ترتيب الصحابة.
ومنها: المعاجم، وهو ما يذكر فيه الأحاديث على ترتيب المشايخ.
ومنها: الأجزاء، وهو ما يجمع فيه مرويات الرجل الواحد، سواء كان من الصحابة أو من المشايخ كـ "جزء حديث أبي بكر"، وكذا ما يجمع فيه روايات المسألة الجزئية كـ "جزء رفع اليدين".
(1) بل وهم السبكي وتبعه المؤلف، فإنما قال ابن خلكان: هذه النسبة إلى سجستان، الإقليم المشهور، وقيل: بل نسبته إلى سجستان أو سجستانة، قرية من قرى البصرة، والله أعلم بذلك، انظر:"وفيات الأعيان"(2/ 405).
(2)
انظر: "لامع الدراري"(1/ 142 وبعدها).
ومنها: الأربعينات، وهو ما يجمع فيه أربعون حديثًا.
ومنها: العلل، وهو أن يجمع في كل حديث أو باب طرقه واختلاف رواته، فإن معرفة العلل أجلّ أنواع الحديث.
ومنها: الأطراف، وهو أن يذكر طرف الحديث الدال على بقيته ويجمع أسانيده مستوعبًا أو مقيدًا بكتب مخصوصة.
* * *