المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تقديم بقلم: سماحة الشيخ العالم الجليل محمد الرابع الحسني الندوي رئيس ندوة العلماء - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ١

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌عملي في هذا الكتاب

- ‌تقديم

- ‌تَقْدِيمُ الْكِتَابِ

- ‌خصائص هذا الشرح

- ‌كلمة عن "سنن أبي داود" وشرحه "بذل المجهود" في غاية الوجازة

- ‌كلمة عن الإِمام أبي داود

- ‌التعريف بكتاب "السنن" له

- ‌ فقد تلخّص من كلمات الإِمام أبي داود وغيره أمور:

- ‌كلمة في المولِّف الإِمام وخصائص شرحه

- ‌كلمة في شرح سنن أبي داود

- ‌وبالجملة نلخِّص القول في شيء من خصائصه:

- ‌ترجمة مؤلِّف بذل المجهود من "نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر

- ‌ترجمة المؤلف الشيخ السهارنفوري بقلم أحد كبار العلماء

- ‌عصر أبي داود

- ‌الإِمَام أبو دَاوُدقبسات من سيرته، ولمحات من فضله

- ‌اسمه ونسبه ونسبته:

- ‌ولادته:

- ‌ارتحاله إلى الآفاق:

- ‌شيوخه:

- ‌ومن أعيانهم:

- ‌تلاميذه:

- ‌زهده وورعه:

- ‌اعتزازه بكرامة العلم والعلماء:

- ‌اعتراف الأئمة بفضله وكماله:

- ‌تحرِّيه في الإِسناد:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌وفاته:

- ‌ابنه أبو بكر:

- ‌مؤلَّفاته:

- ‌ سُنَن أبي دَاوُد" تأليفه - مكانته - خصائصه

- ‌موضوع الكتاب ومعظم مقصود الإِمام في تأليفه:

- ‌كتاب "سنن أبي داود" جامع للأحاديث التي استدلّ بها فقهاء الأمصار وبنوا عليها الأحكام:

- ‌ثناء الأئمة على "السنن

- ‌مكانة "سنن أبي داود" بين الكتب الستّة تدريسًا:

- ‌شروط الإِمام أبي داود في "السنن

- ‌مكانة "سنن أبي داود" بين الكتب الستّة صحّة:

- ‌الكلام على ما سكت عليه أبو داود:

- ‌مدة تأليف "السنن

- ‌عدد روايات "السنن

- ‌يكفي الإِنسان لدينه أربعة أحاديث:

- ‌خصائص الكتاب:

- ‌تجزئة الكتاب:

- ‌الأحاديث المنتقدة في "سنن أبي داود

- ‌درجات أحاديث "السنن

- ‌نسخ الكتاب:

- ‌ سنن أبي داود" ورواته:

- ‌شروح الكتاب والكتب المؤلفة حوله

- ‌رسالةُ الإِمامِ أَبي داودَ إِلى أَهلِ مكَّةَ في وصْفِ الكِتابِ وبَيان خصائِصِهِ والتِزاماتِهِ

- ‌مُقَدِّمَةُ "بَذْلِ الْمَجْهُودِ

- ‌(1) كِتابُ الطَّهَارَةِ

- ‌(1) بَابُ التَّخَلّي عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ

- ‌(2) بَابُ الرَّجُلِ يَتبوَّأُ لِبَوْلِهِ

- ‌(3) بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ

- ‌(4) بَابُ كَرَاهِيَّةِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلةِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ

- ‌(5) بَابُ الرُّخْصَة في ذَلِك

- ‌(6) بَابٌ: كيْفَ التَكَشُّفُ عِنْدَ الْحَاجَةِ

- ‌(7) بَابُ كَرَاهِيَةِ الْكَلَامِ عِنْدَ الْخَلَاء

- ‌(8) بَاب: في الرَّجُلِ يَرُدُّ السَّلَامَ وَهُوَ يَبُولُ

- ‌(9) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَذْكُرُ الله تَعَالَى عَلَى غيرِ طُهْرٍ

- ‌(10) بَابُ الْخَاتَمِ يَكُونُ فِيهِ ذِكرُ الله تَعَالَى يُدْخَلُ بِهِ الْخَلَاءُ

- ‌(11) بَابُ الاسْتِبْرَاءِ مِنَ الْبَوْلِ

- ‌(12) بَابُ الْبَوْلِ قَائِمًا

- ‌(13) بَاب: في الرَّجُلِ يَبُولُ بِاللَّيْلِ في الإِنَاءِ ثُمَّ يَضَعُهُ عِنْدَهُ

- ‌(14) بَابُ الْمَواضِعِ الَّتِي نُهِي عَنِ الْبَوْلِ فِيهَا

- ‌(15) بَابٌ: في الْبَوْلِ في الْمُسْتَحَمّ

- ‌(16) بَابُ النَّهْيِ عنِ الْبَوْلِ في الْجُحْرِ

- ‌(17) بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ

- ‌(18) بَابُ كَرَاهِيَّةِ مَسِّ الذَّكَر بِاليَمِينِ في الاستِبْرَاءِ

- ‌(19) بَابٌ: في الاِسْتِتَارِ في الْخَلاءِ

- ‌(20) بَابُ مَا يُنْهَى عَنْهُ أَنْ يُستَنْجَى بِهِ

- ‌(21) بَابُ الاسْتِنْجَاءِ بِالأَحْجَارِ

- ‌(22) بَابٌ: في الاسْتِبْرَاءِ

- ‌(23) بَابٌ: في الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ

- ‌(24) بَابُ الرَّجُلِ يَدْلُكُ يدَهَ بِالأَرْضِ إِذَا اسْتَنْجَى

- ‌(25) بَابُ السِّواكِ

- ‌(26) بَابٌ: كَيْفَ يَسْتَاكُ

- ‌(27) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَسْتَاكُ بِسِوَاكِ غَيْرِهِ

- ‌(28) بَابُ غَسْلِ السِّواكِ

- ‌(29) بَابٌ: السّوَاكُ مِنَ الْفِطْرَة

- ‌(30) بَابُ السِّوَاكِ لِمَنْ قَامَ بِاللَّيْلِ

- ‌(31) بَابُ فَرْضِ الْوُضُوءِ

- ‌(32) بَابُ الرَّجُلِ يُجَدّدُ الْوُضُوءَ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ

- ‌(33) بَابُ مَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ

- ‌(34) بَابُ مَا جَاءَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ

- ‌(35) بَابُ الْمَاءِ لَا يُجْنِبُ

- ‌(36) باب الْبَوْلِ فِى الْمَاءِ الرَّاكِدِ

- ‌(37) بَابُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْكَلْبِ

- ‌(38) بَابُ سُؤْرِ الْهِرَّةِ

- ‌(39) بَابُ الْوُضُوءِ بفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ

- ‌(40) بَابُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ

- ‌(41) بَابُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ

- ‌(42) بَابُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ

- ‌(43) بَابٌ: أَيُصَلِّي الرَّجُلُ وهُوَ حَاقِنٌ

- ‌(44) بَابُ مَا يُجْزِئُ مِنَ الْمَاءِ في الْوُضُوءِ

- ‌(45) بَابٌ: في الإِسْرَافِ في الْوُضُوءِ

- ‌(46) بابٌ فِى إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ

- ‌(47) بَابُ الْوُضُوءِ في آنِيَةِ الصُّفْرِ

- ‌(48) بَابٌ: في التَّسْمِيَةِ عَلَى الْوُضُوءِ

- ‌(49) بابٌ فِى الرَّجُلِ يُدْخِلُ يَدَهُ فِى الإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا

- ‌(50) بَابٌ: يُحَرِّكُ يَدَهُ في الإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا

- ‌(52) بَابُ الْوُضُوءِ ثَلاثًا ثَلاثًا

- ‌(53) بَابٌ: في الْوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ

- ‌(54) بابُ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً

- ‌(55) بَابٌ فِى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ

- ‌(56) بابٌ: فِى الاِسْتِنْثَارِ

- ‌(57) بَابُ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ

- ‌(58) بَابُ الْمَسْحِ عَلَى العِمَامَةِ

- ‌(59) بَابُ غَسْلِ الرِّجْلِ

- ‌(60) بابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌(61) بَابُ التَّوْقِيتِ في الْمَسْحِ

- ‌(62) بابُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ

- ‌(63) بَابٌ

- ‌(64) بابٌ: كَيْفَ الْمَسْحُ

الفصل: ‌ ‌تقديم بقلم: سماحة الشيخ العالم الجليل محمد الرابع الحسني الندوي رئيس ندوة العلماء

‌تقديم

بقلم:

سماحة الشيخ العالم الجليل محمد الرابع الحسني الندوي

رئيس ندوة العلماء بالهند

على الطبعة الجديدة

لكتاب "بذل المجهود في حل سنن أبي داود"

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان ودعا بدعوتهم إلى يوم الدين، أما بعد!

فإني أرى نفسي أصغر وأحقر من أن أقوم بكتابة تقديم على الطبعة الجديدة هذه لكتاب شرح سنن أبي داود العظيم "بذل المجهود في حل سنن أبي داود"، الذي قام بتأليفه العالم الجليل كبير المحدثين في عهده العلامة الشيخ خليل أحمد الأنصاري السهارنفوري، وكان في مساعدتِه تلميذُه العلامة الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي - رحمهما الله-.

فإن جلالة موضوع هذا الكتاب وشرحه وعظم المسؤولية في أداء الواجب من التعريف بهما يجعلان الأمر صعبًا ومسؤولية ضخمة.

ولكن أخي في الله الدكتور الشيخ تقي الدين الندوي المظاهري الذي بذل جهده الكبير في خدمة هذا الكتاب بإخراجه أحسن إخراج قد أصرّ عليّ

ص: 15

بأن أكتب لطبعته الجديدة تقديمًا يحصل لي به شرف وبركة بمشاركتي بكلماتٍ أقدّم بها للطبعة الجديدة لهذا الكتاب الجليل، فقبلت إصراره رجاء حصول بركة وخير لهذا الفقير إلى رحمة الله، وقد قال قائل:

أُحِبُّ الصَّالِحِين وَلَسْتُ منهم

لَعَلَّ الله يرزقُني صَلاحا

وبعد:

فإنه لا يخفى على كل مطَّلعٍ على أهميَّة كتب الصحاح في الحديث الشريف أن كتاب "سنن أبي داود" الذي نحن أمام شرحه هذا إنما له قيمة كبيرة بين كتب الحديث لخصائصَ وميزاتٍ تخصه، وللاهتمام الذي قام به مؤلِّفه الإِمام أبو داود في اختيار أحاديث الأحكام، ولالتزامه بخصائص وميزات أصبح به هذا الكتاب يسدّ مكانًا يجعله منفردًا في جوانب مهمة عديدة في علم الحديث الشريف؛ أما في أهمية مكانته من بين كتب الصحاح الستة والاهتمام بما يتعلق به من مهمات في الإسناد وما يتعلق بالمتن، وبذلك نال تقديرًا كبيرًا من المهتمين بعلم الحديث، وأصبح مما لا يستغني عنه مشتغل بهذا العلم.

وقد كتب مؤلفه بنفسه عن أهمية هذا الكتاب في رسالة أرسلها إلى أهل مكة، يقول فيها:

"وهو كتاب لا يرد عليك سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صالح إلَّا وهو فيه، إلَّا أن يكون كلام استخرج من الحديث، ولا يكاد يكون هذا، ولا أعلم شيئًا بعد القرآن ألزم للناس أن يتعلموه من هذا الكتاب، ولا يضر رجلًا أن لا يكتب من بعد ما يكتب هذا الكتاب شيئًا، وإذا نظر فيه وتدبره وتفهمه علم إذًا مقداره".

وقال أبو سليمان الخطابي صاحب "معالم السنن":

ص: 16

"واعلموا- رحمكم الله- أن كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنّف في علم الدين كتاب مثله، فقد رزق القبول من الناس كافة، وصار حَكَمًا بين فرق العلماء وطبقات القرّاء على اختلاف مذاهبهم، فلكل فيه وِرد، ومنه شرْب، وعليه معول أهل العراق وأهل مصر وبلاد المغرب وكثير من المدن في أقطار الأرض".

ولقد شرح هذا الكتاب كثير من العلماء السلف والخلف.

وكان نصيب علماء الهند من خدمة هذا الكتاب وشرحه نصيبًا غير منقوص، كشأنهم في خدمة علم الحديث عامة، وخدمة الصحاح الستة بصفة خاصة.

وقد قام بشرحه أخيرًا المحدث الكبير العالم الرباني الجليل الشيخ خليل أحمد السهارنفوري، وكان كبير أساتذة الحديث الشريف في جامعة مظاهر العلوم، ورئيسًا للقسم، وكان من أعظم علماء عصره، والربانيين الكبار في عهده، وكان اعتناؤه بـ "سنن أبي داود"- تدريسًا وتحقيقًا- كبيرًا وطويلًا.

وكانت فكرته لشرح هذا الكتاب تراوده منذ أيام الطلب وعنفوان الشباب، وكان يتمنّى على الله أن يُوَفَّقَ لهذا العمل الجليل.

ولما بلغ الشيخ أربعًا وستين سنة من عمره، وذلك في سنة 1335 هـ، جاء الوقت المقدّر له من الله لتحقيق أمنيته القديمة التي لم تفارقه طيلة مدة اشتغاله بتدريس الحديث الشريف السابقة.

ونظرًا إلى ضعف صحته وشيخوخته أراد أن يكون في التعاون معه في هذا العمل الجليل بعض خيرة تلاميذه ممن كانوا يشتغلون في المدرسة معه بتدريس الحديث الشريف ومتعلقاته، ووقع اختياره لذلك على تلميذه النابغ سماحة الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي ابن صديقه الشيخ محمد يحيى الكاندهلوي رحمهم الله، وكان من أقرب المتصلين به، فلم يستجب

ص: 17

فضيلة الشيخ محمد زكريا لطلبه استجابة فحسب، بل وجد في ذلك مطلوبه، الذي كان في أمنيته وهو تلميذه النجيب، وكان يشتغل بتدريس الحديث الشريف ويهتم به تحت إشراف أستاذه أيضًا، في الجامعة نفسها، فأراد منه أستاذه الشيخ خليل أحمد المساعدة في هذا العمل الجليل، بالمراجعة والتحقيق فيما يلزم في شرح هذا الكتاب، ليتمكن بمساعدته أستاذُهُ الشيخ الجليل من إنجاز هذا العمل المهم الضخم بإتقان وكمال لائقين رغم ضعف صحته وشيخوخته العائقة من جهد شاق وعمل كثير جاد.

على كل، فقد اشتغل الأستاذ بشرح السنن وعكف تلميذه الشيخ محمد زكريا على التعاون معه بجهد مخلص وعمل دؤوب واهتمام متواصل بمراجعة وتحقيق وتعليق مهم حتى بلغ العمل إلى نهايته.

وكان إكماله في مهبط الوحي في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجاء الكتاب في خمس مجلدات كبار في ألفين من الصفحات بالقطع الكبير باسم "بذل المجهود في حل سنن أبي داود".

وامتاز الكتاب باشتماله على فوائد كثيرة معتمدًا على شروح مختلفة ومراجع شتى، وبالتزام ما يلزم من البحث والتحقيق في هذا العلم المهم الشريف على نهج كبار الشراح الذين تلقت الأمة شروحهم بقبول عام. وبلغت مساعدة الشيخ محمد زكريا لأستاذه الشيخ في جهده ذلك إلى أبعد حد، فجاء هذا الشرح القيم الجديد مشتملًا على تعليقات قيمة في أسماء الرجال وأصول الحديث، وقد عارض مؤلفه الحجة بالحجة، وكان عكوفه في أكثر الأحيان مختصًا بصناعة الحديث وحده وبمتعلقاته من الفنون، ونال الشيخ تقديرًا عظيمًا وقبولًا حسنًا جدًّا من المتخصصين في فن الحديث، وكان مشتملًا على مقدمات في أول الكتاب لعدد من كبار العلماء النابغين في الحديث الشريف.

ص: 18

وطبع الكتاب مرات عديدة، وكان طبعه على الحجر حسب ما كانت عليه الطباعة آنذاك في الهند، ونال قبولًا عظيمًا بين المشتغلين بعلم الحديث الشريف تدريسًا ودراسة.

ولما تَيَسَّر استخدامُ الحروف الحديدية بطباعة الكتب العربية في البلدان العربية وبخاصة في مصر والشام أراد فضيلة الشيخ مولانا محمد زكريا الكاندهلوي - رحمه الله تعالى (1) - أن يخرج كتاب أستاذه ذلك إخراجًا أحسن من السابق على الحروف الحديدية، وبمراجعة أوسع، وأراد أن يتولّى تصحيح الطبعة الماضية وإعدادها للطبعة الجديدة تلاميذه، وفي مقدمتهم فضيلة الشيخ الدكتور تقي الدين الندوي المظاهري أستاذ الحديث في دار العلوم لندوة العلماء لكهنؤ، (الهند)(2).

فنشط الدكتور الشيخ تقي الدين لهذا العمل مع بعض تلاميذ الشيخ محمد زكريا الأجلاء، وقام بخدمة هذا الكتاب: بإعداده للطبع على الحروف الحديدية بمراجعة وتحقيق أكثر، وتصحيح الأخطاء المطبعية التي ظهرت عند التحقيق والمراجعة، وبإيضاح ما غمض من الكلمات في الطبعة السابقة، حتى جاء الكتاب في مظهر جميل، ونالت طباعته تقدير أهل العلم جميعًا، وامتازت الطبعة الجديدة بمزيد من الفوائد.

(1) وذلك بعد وفاة شيخه مؤلف هذا الكتاب، وقد حلَّ محل شيخه في رئاسة قسم الحديث الشريف في جامعة مظاهر العلوم، وأحرز مكانة مرموقة في خدمة الحديث الشريف، وصدرت له كتب عديدة في شرح الحديث الشريف مثل شرح "أوجز المسالك إلى موطأ مالك" في مجلدات كبار، وكتاب "لامع الدراري على جامع البخاري" و"جزء حجة الوداع وعمرات النبي صلى الله عليه وسلم" وغيرها من كتب أخرى، واستمر سماحته تعلو مكانته في الحديث الشريف بين رجال العلم والدين، ولقب بلقب "شيخ الحديث"، ونظرًا إلى ما كان بذله من مساعدة في إخراج كتاب أستاذه-

(2)

ثم صار أستاذ الحديث الشريف وعلومه بجامعة الإمارات العربية المتحدة مدة لا بأس بها.

ص: 19

وبعد مدة من الزمن خطر ببال الدكتور الشيخ تقي الدين الندوي المظاهري الذي كان سهمه كبيرًا في الاهتمام بطبع الكتاب بالحروف الحديدية أن ينظر في هذه الطبعة كذلك نظرة فحص واستعراض ومراجعة، وقد مضى وقت على تداول الكتاب، فوجد أن الكتاب بحاجة إلى طبعة جديدة وبمراجعة أوسع وأحسن للمصادر التي ظهرت حديثًا، فأراد الشيخ تقي الدين الندوي أن يقوم بخدمة هذا الكتاب من جديد، وتشجع لهذا العمل الجليل، واشتغل به عدة سنوات بالتصحيح والتحقيق، وخدم هذا الكتاب بعدة نواح.

وذكر فضيلة الشيخ تقي الدين نفسه نقاطًا منها في مقدمته لطبعة الكتاب، منها:

1 -

مقارنته بين الطباعة الهندية والطباعة المصرية ليعرف مدى صحة الطباعة المصرية.

2 -

تصحيح الأخطاء التي وجدها في هذه الطبعة كذلك، فقد رأى عند المقارنة بعد قيامه بفحص الطبعة الجديدة أن هذه الطبعة من الكتاب تفتقر أيضًا لتصحيحها إلى أن يراجع الأصول والمصادر التي أخذ منها الشارح، ووجد أن عديدًا من المصادر التي كانت قد طبعت في الماضي جاءت طبعاتها الجديدة في صورة أحسن وأكمل.

3 -

رأى أن الشارح رحمه الله كان قد استفاد من النسخ المخطوطة أيضًا، وكانت منها نسخة "عون المعبود"، وقد ذكرها الشارح في مقدمته، فكان من الضروري النظر إلى النسخ الجديدة منها.

4 -

رأى أن الشارح حاول تخريج الروايات التي أشار إليها الإمام أبو داود، فإذا لم يجد صرّح بقوله: إني تتبعت كتب السنة فلم أجد، وكان من جملة أسباب عدم وجدانه لها أن بعض مصادر السنة لم تظهر في عصره، منها:"المعجم الكبير" للإمام أبي القاسم الطبراني، و"مسند

ص: 20

الإِمام الحميدي"، و"مصنف الإِمام عبد الرزاق"، وغيرها من الكتب، فحاول الشيخ تقي الدين بقدر الإمكان تخريج هذه الروايات.

5 -

كان سماحة الشيخ المحدث محمد زكريا الكاندهلوي قد علق على هذا الكتاب، وتعليقاته نشرت على هوامشه، ومنها ما هي مأخوذة من "شرح ابن رسلان" وهو مخطوط، فحاول الشيخ تقي الدين المقارنة بينها وبين ما جاء في الشرح لتصحيح الأخطاء التي حصلت من انتساخ الكتاب.

6 -

اعتنى الشيخ تقي الدين بترقيم وتشكيل الأحاديث والأبواب والكتب، وفي ترقيم الأحاديث أضاف في الترقيم المسلسل الأحاديث الزائدة من "بذل المجهود".

7 -

قام الشيخ أيضًا بتخريج روايات "سنن أبي داود" من الكتب الستة وغيرها من كتب السنن.

8 -

حاول بيان المواضع وأرقام الصفحات مما جاءت في الشرح أو الهامش من المصادر والمراجع، وحاول ذكر إحالاته إلى المراجع والمصادر، وقام بعمل الفهارس الفنية، وهذه أمور ذكرها الشيخ تقي الدين في مقدمته.

* على كل، فقد بذل الشيخ تقي الدين منتهى جهده في خدمة هذا الشرح الجليل لكتاب السنن المهم العظيم، وبذلك أدّى حق شيخه سماحة الشيخ العلامة محمد زكريا رحمه الله تعالى خير الأداء، وزاد في صحة الطبع والتحقيق لما غمض أر خفي مما ورد في الطبعات السابقة من الكتاب، وذلك بمراجعته لما صدر حديثًا من كتب المراجع في هذا الفن، والاقتباس من فوائد متعلقة من مضامين الكتب من المراجع المطبوعة الجديدة.

هذا، وقد أدّى بذلك الشيخ تقي الدين الندوي بالإضافة إلى خدمته لكتاب "بذل المجهود" خدمة كبيرة أخرى في التحقيق والمراجعة لطباعة

ص: 21

كتب الحديث المختلفة، وكان عدد من هذه الكتب من تأليف سماحة الشيخ محمد زكريا رحمه الله، وعدد لبعضها كان لغيره، جزاه الله تعالى أعظم الجزاء على خدمته لعلم الحديث الشريف.

وكان مما حفز همة الشيخ تقي الدين لإخراج هذا الشرح الجليل إخراجًا أجمل وأحسن: أن صاحب السمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان -حفظه الله تعالى ورعاه- نائب رئيس مجلس الوزراء لدولة الإمارات العربية المتحدة قد تولّى بذل ما يتأتى من نفقات لطبع هذا الكتاب طبعة جديدة، فهو يستحق التقدير على هذه المبرّة، وسينال جزاءًا خيرًا عليها من الله تعالى، فلو لم يكن تولَّى نفقات الطبع لم يكن سهلًا ظهور هذه الطبعة رغم كل الجهود التي بذلت في التصحيح والمراجعة لهذا الشرح الضخم ذي المجلدات الكبيرة العديدة في مظهرٍ من الطباعة الجميلة، فهو يستحق من كل معتنٍ بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم التقدير الكبير والشكر.

وإن الجهد العظيم الذي قام ببذله فضيلة الشيخ تقي الدين لأداء حق شيخه سماحة العلامة الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي وشيخه المؤلف لهذا الشرح، وواصل ليله بنهاره فيه إنما هو جهد يستحق عليه التقدير من جميع المشتغلين بالحديث تدريسًا ودراسة وتأليفًا، وخاصة لأن سعة الموضوع وكثرة التأليف فيه ووفرة المعلومات في المراجع والمصادر لهذا الفن تجعل العكوف على المراجعة والتحقيق أمرًا صعبًا ومستنفدًا للجهد.

وقد نجح الشيخ الدكتور تقي الدين الندوي في هذا المجال، وأخرج الكتاب بقدر ما يمكن من الجودة والكمال، تقبل الله منه سعيه وجزاه أعظم الجزاء، ولله المنة والفضل.

14/ رجب 1426 هـ

20/ 8/ 2005 م

وكتبه

محمد الرابع الحسني الندوي

الرئيس العام لجامعة ندوة العلماء لكهنؤ (الهند)

ص: 22