المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(18) باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ١

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌عملي في هذا الكتاب

- ‌تقديم

- ‌تَقْدِيمُ الْكِتَابِ

- ‌خصائص هذا الشرح

- ‌كلمة عن "سنن أبي داود" وشرحه "بذل المجهود" في غاية الوجازة

- ‌كلمة عن الإِمام أبي داود

- ‌التعريف بكتاب "السنن" له

- ‌ فقد تلخّص من كلمات الإِمام أبي داود وغيره أمور:

- ‌كلمة في المولِّف الإِمام وخصائص شرحه

- ‌كلمة في شرح سنن أبي داود

- ‌وبالجملة نلخِّص القول في شيء من خصائصه:

- ‌ترجمة مؤلِّف بذل المجهود من "نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر

- ‌ترجمة المؤلف الشيخ السهارنفوري بقلم أحد كبار العلماء

- ‌عصر أبي داود

- ‌الإِمَام أبو دَاوُدقبسات من سيرته، ولمحات من فضله

- ‌اسمه ونسبه ونسبته:

- ‌ولادته:

- ‌ارتحاله إلى الآفاق:

- ‌شيوخه:

- ‌ومن أعيانهم:

- ‌تلاميذه:

- ‌زهده وورعه:

- ‌اعتزازه بكرامة العلم والعلماء:

- ‌اعتراف الأئمة بفضله وكماله:

- ‌تحرِّيه في الإِسناد:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌وفاته:

- ‌ابنه أبو بكر:

- ‌مؤلَّفاته:

- ‌ سُنَن أبي دَاوُد" تأليفه - مكانته - خصائصه

- ‌موضوع الكتاب ومعظم مقصود الإِمام في تأليفه:

- ‌كتاب "سنن أبي داود" جامع للأحاديث التي استدلّ بها فقهاء الأمصار وبنوا عليها الأحكام:

- ‌ثناء الأئمة على "السنن

- ‌مكانة "سنن أبي داود" بين الكتب الستّة تدريسًا:

- ‌شروط الإِمام أبي داود في "السنن

- ‌مكانة "سنن أبي داود" بين الكتب الستّة صحّة:

- ‌الكلام على ما سكت عليه أبو داود:

- ‌مدة تأليف "السنن

- ‌عدد روايات "السنن

- ‌يكفي الإِنسان لدينه أربعة أحاديث:

- ‌خصائص الكتاب:

- ‌تجزئة الكتاب:

- ‌الأحاديث المنتقدة في "سنن أبي داود

- ‌درجات أحاديث "السنن

- ‌نسخ الكتاب:

- ‌ سنن أبي داود" ورواته:

- ‌شروح الكتاب والكتب المؤلفة حوله

- ‌رسالةُ الإِمامِ أَبي داودَ إِلى أَهلِ مكَّةَ في وصْفِ الكِتابِ وبَيان خصائِصِهِ والتِزاماتِهِ

- ‌مُقَدِّمَةُ "بَذْلِ الْمَجْهُودِ

- ‌(1) كِتابُ الطَّهَارَةِ

- ‌(1) بَابُ التَّخَلّي عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ

- ‌(2) بَابُ الرَّجُلِ يَتبوَّأُ لِبَوْلِهِ

- ‌(3) بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ

- ‌(4) بَابُ كَرَاهِيَّةِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلةِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ

- ‌(5) بَابُ الرُّخْصَة في ذَلِك

- ‌(6) بَابٌ: كيْفَ التَكَشُّفُ عِنْدَ الْحَاجَةِ

- ‌(7) بَابُ كَرَاهِيَةِ الْكَلَامِ عِنْدَ الْخَلَاء

- ‌(8) بَاب: في الرَّجُلِ يَرُدُّ السَّلَامَ وَهُوَ يَبُولُ

- ‌(9) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَذْكُرُ الله تَعَالَى عَلَى غيرِ طُهْرٍ

- ‌(10) بَابُ الْخَاتَمِ يَكُونُ فِيهِ ذِكرُ الله تَعَالَى يُدْخَلُ بِهِ الْخَلَاءُ

- ‌(11) بَابُ الاسْتِبْرَاءِ مِنَ الْبَوْلِ

- ‌(12) بَابُ الْبَوْلِ قَائِمًا

- ‌(13) بَاب: في الرَّجُلِ يَبُولُ بِاللَّيْلِ في الإِنَاءِ ثُمَّ يَضَعُهُ عِنْدَهُ

- ‌(14) بَابُ الْمَواضِعِ الَّتِي نُهِي عَنِ الْبَوْلِ فِيهَا

- ‌(15) بَابٌ: في الْبَوْلِ في الْمُسْتَحَمّ

- ‌(16) بَابُ النَّهْيِ عنِ الْبَوْلِ في الْجُحْرِ

- ‌(17) بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ

- ‌(18) بَابُ كَرَاهِيَّةِ مَسِّ الذَّكَر بِاليَمِينِ في الاستِبْرَاءِ

- ‌(19) بَابٌ: في الاِسْتِتَارِ في الْخَلاءِ

- ‌(20) بَابُ مَا يُنْهَى عَنْهُ أَنْ يُستَنْجَى بِهِ

- ‌(21) بَابُ الاسْتِنْجَاءِ بِالأَحْجَارِ

- ‌(22) بَابٌ: في الاسْتِبْرَاءِ

- ‌(23) بَابٌ: في الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ

- ‌(24) بَابُ الرَّجُلِ يَدْلُكُ يدَهَ بِالأَرْضِ إِذَا اسْتَنْجَى

- ‌(25) بَابُ السِّواكِ

- ‌(26) بَابٌ: كَيْفَ يَسْتَاكُ

- ‌(27) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَسْتَاكُ بِسِوَاكِ غَيْرِهِ

- ‌(28) بَابُ غَسْلِ السِّواكِ

- ‌(29) بَابٌ: السّوَاكُ مِنَ الْفِطْرَة

- ‌(30) بَابُ السِّوَاكِ لِمَنْ قَامَ بِاللَّيْلِ

- ‌(31) بَابُ فَرْضِ الْوُضُوءِ

- ‌(32) بَابُ الرَّجُلِ يُجَدّدُ الْوُضُوءَ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ

- ‌(33) بَابُ مَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ

- ‌(34) بَابُ مَا جَاءَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ

- ‌(35) بَابُ الْمَاءِ لَا يُجْنِبُ

- ‌(36) باب الْبَوْلِ فِى الْمَاءِ الرَّاكِدِ

- ‌(37) بَابُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْكَلْبِ

- ‌(38) بَابُ سُؤْرِ الْهِرَّةِ

- ‌(39) بَابُ الْوُضُوءِ بفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ

- ‌(40) بَابُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ

- ‌(41) بَابُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ

- ‌(42) بَابُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ

- ‌(43) بَابٌ: أَيُصَلِّي الرَّجُلُ وهُوَ حَاقِنٌ

- ‌(44) بَابُ مَا يُجْزِئُ مِنَ الْمَاءِ في الْوُضُوءِ

- ‌(45) بَابٌ: في الإِسْرَافِ في الْوُضُوءِ

- ‌(46) بابٌ فِى إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ

- ‌(47) بَابُ الْوُضُوءِ في آنِيَةِ الصُّفْرِ

- ‌(48) بَابٌ: في التَّسْمِيَةِ عَلَى الْوُضُوءِ

- ‌(49) بابٌ فِى الرَّجُلِ يُدْخِلُ يَدَهُ فِى الإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا

- ‌(50) بَابٌ: يُحَرِّكُ يَدَهُ في الإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا

- ‌(52) بَابُ الْوُضُوءِ ثَلاثًا ثَلاثًا

- ‌(53) بَابٌ: في الْوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ

- ‌(54) بابُ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً

- ‌(55) بَابٌ فِى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ

- ‌(56) بابٌ: فِى الاِسْتِنْثَارِ

- ‌(57) بَابُ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ

- ‌(58) بَابُ الْمَسْحِ عَلَى العِمَامَةِ

- ‌(59) بَابُ غَسْلِ الرِّجْلِ

- ‌(60) بابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌(61) بَابُ التَّوْقِيتِ في الْمَسْحِ

- ‌(62) بابُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ

- ‌(63) بَابٌ

- ‌(64) بابٌ: كَيْفَ الْمَسْحُ

الفصل: ‌(18) باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء

قَالَ: "غُفْرَانَكَ". [ت 7، جه 300، دي 680، ق 1/ 98، ك 1/ 158، حم 6/ 155]

(18) بَابُ كَرَاهِيَّةِ مَسِّ الذَّكَر بِاليَمِينِ في الاستِبْرَاءِ

===

الخلاء" (قال: غفرانك) نصبه بإضمار فعل مقدّر، قيل: التقدير اغفر غفرانك، أو أسألك غفرانك.

وفي مناسبة هذا القول بالخروج عن الخلاء قولان؛ أحدهما: أنه استغفر من ترك (1) الذكر مدة مكثه هناك، فإنه كان يذكر الله تعالى في كل أحيانه إلَّا عند الحاجة، وثانيهما: أنه صلى الله عليه وسلم خاف تقصيره عن شكر هذه النعمة الجليلة، إذ أطعمه تعالى فهضمه فسهل خروجه، ورأى شكره قاصرًا عن بلوغ حق هذه النعمة، فلجأ إلى الاستغفار اعترافًا بالقصور (2)، والأفضل أن يقول بعده ما ورد في رواية أخرى:"الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني"، وفي بعض الآثار:"الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأبقى لي ما ينفعني".

(18)

(بَابُ كَرَاهِيَّةِ مَسِّ الذَّكَرِ بِاليَمِينِ في الاسْتِبْرَاءِ)(3)

أي في الاستنجاء، وكذا الحكم في غيره من محل النجاسات يكره أن يستعمل يده اليمنى فيها

(1) أو لأجل الذكر القلبي، كذا في "الكوكب الدري"(1/ 39) أو تعليم للأمة، كذا في "المنهل"(1/ 118). (ش).

(2)

أو انتقل الذهن من هذا الأذى إلى أذى نفسه، فإن الغذاء صار نجسًا لاتصاله بالجسم. (ش).

(3)

وهو أعم من الاستنجاء، كذا في "التقرير". (ش).

ص: 266

31 -

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَا: ثَنَا أَبَانُ، ثَنَا يَحْيَى، عن عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عن أَبِيهِ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ ،

===

31 -

(حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل قالا) أي مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل: (ثنا أبان) بن يزيد العطار، أبو يزيد البصري، ثقة، كان يرى القدر ولا يتكلم فيه، وقد ذكره ابن الجوزي في "الضعفاء"، مات في حدود سنة 160 هـ، (ثنا يحيى) بن أبي كثير.

(عن عبد الله بن أبي قتادة) الأنصاري السلمي، أبو إبراهيم، ويقال: أبو يحيى المدني، ثقة، مات سنة 95 هـ، (عن أبيه) هو أبو قتادة الأنصاري السلمي، ولا يعلم في الصحابة من يكنى بهذه الكنية سواه، فارس (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم، اسمه على المشهور الحارث بن ربعي، بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة، المدني، شهد أحدًا وما بعدها ، ولم يصح شهوده بدرًا، مات سنة 54 هـ (2)، وهو ابن سبعين سنة (3).

(قال) أي أبو قتادة: (قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: إذا بال أحدكم فلا يمسّ (4) ذكره بيمينه، وإذا أتى الخلاء فلا يتمسَّح بيمينه)، قال العيني (5): النهي فيه للتنزيه عند الجمهور خلافًا للظاهرية.

(1) وسيأتي وجه تلقيبه به في "باب من نام عن صلاة أو نسيها". (ش).

(2)

يخالفه ما في "الطحاوي" أنه قتل مع علي رضي الله عنه، وصلى عليه علي رضي الله عنه، وسيأتي مزيد بحث فيه في "باب رفع اليدين" تحت حديث أبي حميد الساعدي. (ش).

(3)

انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(5/ 68) رقم (6174).

(4)

المس أعم من المسح، كذا في "ابن رسلان". والنهي للتنزيه عند الشافعية والتحريم عند الحنابلة والظاهرية، كذا في "المنهل"(1/ 120)، وبسط الكلام عليه صاحب "الغاية". (ش).

(5)

"عمدة القاري"(2/ 420).

ص: 267

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقال الحافظ في شرحه على "البخاري"(1): وقد أثار الخطابي ها هنا بحثًا وبالغ في التبجح به، وحكى عن أبي علي بن أبي هريرة أنه ناظر رجلًا من الفقهاء الخراسانيين، فسأله عن هذه المسألة، فأعياه جوابها، ثم أجاب الخطابي عنه بجواب فيه نظر، ومحصل الإيراد أن المستجمر متى استجمر بيساره استلزم مس ذكره بيمينه، ومتى أمسكه بيساره استلزم استجماره بيمينه، وكلاهما قد شمله النهي، ومحصل الجواب أنه يقصد الأشياء الضخمة التي لا تزول بالحركة كالجدار، ونحوه من الأشياء البارزة فيستجمر بها بيساره، فإن لم يجد فيلصق مقعدته بالأرض، ويمسك ما يستجمر به بين عقبيه أو إبهامي رجليه، ويستجمر بيساره، فلا يكون متصرفًا في شيء من ذلك بيمينه، انتهى.

وهذه هيئة منكرة بل يتعذر فعلها في غالب الأوقات.

وقد تعقبه الطيبي بأن النهي عن الاستجمار باليمين مختص بالدبر، والنهي عن المس مختص بالذكر، فبطل الإيراد من أصله، كذا قال، وما ادّعاه من تخصيص الاستنجاء بالدبر مردود، والمس وإن كان مختصًا بالذكر لكن يلحق به الدبر قياسًا، والتنصيص على الذكر لا مفهوم له، بل فرج المرأة كذلك، وإنما خص الذكر بالذكر لكون الرجال في الغالب هم المخاطبون، والنساء شقائق الرجال في الأحكام إلَّا ما خُصّ.

والصواب في الصورة التي أوردها الخطابي ما قاله إمام الحرمين ومن بعده كالغزالي في "الوسيط"، والبغوي في "التهذيب": أنه يمر العضو بيساره على شيء يمسكه بيمينه، وهي قارة غير متحركة، فلا يُعَدُّ مستجمرًا

(1)"فتح الباري"(1/ 253).

ص: 268

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

باليمين ولا ماسًّا بها، ومن ادّعى أنه في هذه الحالة يكون مستجمرًا بيمينه فقد غلط، وإنما هو كمن صب بيمينه الماء على يساره حال الاستنجاء، انتهى كلام ابن حجر رضي الله عنه.

قلت: وأنا أتعجب من هؤلاء الكبراء الذين تحيَّروا من هذا الاعتراض، كأنهم استحالوا أخذ الحجر والذكر بيساره، وظنوا أنه لا يمكن عندهم أن يستنجي رجل بأن يأخذ حجرًا أو مدرًا بيساره ويضع عليه ذكره ويسحقه عليه، وفي زماننا وبلادنا جميع الأطفال والشيوخ والشبان كلهم يستنجون بيسارهم بأخذ المدر والذكر بيسارهم، ولا يخطر في بالهم هذا الإشكال، وهذا في المدر ظاهر، فإنه ينشف البول دفعة واحدة، وأما في الحجر فيمكن أن يكون الحجر صلبًا لا ينشف الماء، فحينئذ يمكن أن يستنجي بحجر واحد، ثم إذا بقي بقية من البول يزيله بآخر، ثم آخر، ولا يحتاج أن يمسك ذكره بيمينه أو أن يستنجي به، وهذا ظاهر لا خفاء فيه، فبطل الإيراد من أصله.

وهذا الإيراد والجواب عنه حكيناه لغرابته، وإلَّا فلا ينبغي أن يذكر في الكتب مثل هذه المباحث الواهية، فإنه يرده ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاستنجاء، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا للاستنجاء بثلاثة أحجار، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استنجى بالجدار أو بحجر ثقيل لا يتحرك ولم يلصق مقعدته بالأرض، فهذه الأشكال والطرق كلها ظنون فاسدة لا يليق أن يلتفت إليه.

وأما ما قال: إن الصواب ما قاله إمام الحرمين ومن بعده كالغزالي والبغوي من أنه يأخذ الذكر بيساره وُيمِرُّه على ما يستنجى به من الحجر والمدر بعد ما أمسكه بيمينه أيضًا، بعيد، فإنه أيضًا في هذه الصورة

ص: 269

وَإِذَا شَرِبَ فَلَا يَشْرَبْ نَفَسًا وَاحِدًا ". [خ 153، م 267، ت 15، ن 24 - 25، جه 310]

===

مستعمل يده اليمنى في النجاسة بأخذ الحجر النجس بيمينه، وأما في صورة الاستنجاء بالماء في صب الماء باليمنى، فليس فيه استعمال اليمنى في النجاسة، فالقياس عليه قياس مع الفارق، ولو سُلِّم أنه في هذه الصورة غير مستنج باليمين، فهذا مختص بصورة لا يمكن أن تحصل بدون استعمال اليمنى كما في التطهير بالماء، وأما في صورة يمكن أن تحصل باليسرى فقط، فلا نُسَلّمُ أنه يجوز استعمال اليمنى فيها، والله أعلم بالصواب.

فإن قلت: الحديث يقتضي النهي عن مسِّ الذكر باليمين حالة البول، فكيف الحكم في غير هذه الحالة؟ قلت: أخرج أبو داود (1) بسند صحيح عن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه"، وظاهر هذا يدل على عموم الحكم (2)، كذا في "العيني"(3).

(وإذا شرب فلا يشرب (4) نَفَسًا واحدًا)، نقل الشارح عن الطيبي: لأنه إن استوفى رِيّه نفسًا واحدًا تكاوس الماء بموارد حلقه وأثقل معدته، وإذا قطع شربه بأنفاس ثلاثة كان أنفع لِريّه، وأخفّ لمعدته، وأحسن أدبًا، وأبعد من فعل ذي شره، انتهى.

قلت: وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي بلفظ: "إذا

(1) رقم الحديث (35 و 4140).

(2)

وبه جزم النووي، وصححه صاحب "المنهل" خلافًا للمناوي، إذ حمل المطلق على المقيد. (ش).

(3)

(2/ 420).

(4)

هذا نهي إرشاد وأدب، "ابن رسلان". (ش).

ص: 270

32 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ آدم بْنِ سُلَيْمَانَ المصيصيُّ، نَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، نَا أَبُو أَيُّوبَ - يَعْنِي الإِفْرِيقِيَّ - عن عَاصمٍ، عن الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافعٍ وَمَعْبَدٍ ،

===

شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء"، فخالفهم أبو داود في سياق هذه الجملة، وقال: "وإذا شرب فلا يشرب نفسًا واحدًا".

32 -

(حدثنا محمد بن آدم بن سليمان) الجهني (المصيصي) قال في "القاموس": والمَصِيْصَة كسفينة: القصعة، وبلدة بالشام، ولا تُشَدَّدُ، وقال السمعاني في "الأنساب" (1): المِصيصي بكسر الميم والتحتانية بين الصادين المهملتين، والأولى مشددة، هذه النسبة إلى بلدة كبيرة على ساحل بحر الشام، يقال لها المِصيصة، وقد استولى الفرنج عليها وهي في أيديهم إلى الساعة، واختلف في اسمها، والصحيح الصواب المشدد بكسر الميم، قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: ثقة، وقال في موضع آخر: صدوق لا بأس به، كان يقال: إنه من الأبدال، مات سنة 250 هـ.

(نا ابن أبي زائدة) هو يحيى بن زكريا، (نا أبو أيوب - يعني الأفريقي -) هو عبد الله (2) بن علي الإفريقي الكوفي الأزرق، قال أبو زرعة: ليّن، في حديثه إنكار، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الدوري عن ابن معين: ليس به بأس، فما قال صاحب "غاية المقصود": إنه عبد الرحمن بن زياد فغلط.

(عن عاصم) بن بهدلة، (عن المسيب بن رافع) الأسدي الكاهلي، أبو العلاء الكوفي الأَعمى، ثقة، قال الدوري: لم يسمع من أحد من الصحابة إلَّا من البراء وأبي إياس، مات سنة 105 هـ (ومعبد) بن خالد بن

(1)(4/ 311).

(2)

به جزم ابن رسلان في "شرحه" فقال: لَينَّه أبو زرعة، فللَّه الحمد. (ش).

ص: 271

عن حَارِثَةَ بْنِ وَهْب الخُزَاعِيِّ قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْعَلُ يمينه لطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَثيَابِهِ، وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ". [حم 6/ 287، ك 4/ 109، حب 5227]

===

مُرير بمهملتين مصغرًا، الجدلي بفتح الجيم، من جديلة قيس، الكوفي القاص، ثقة، مات سنة 118 هـ.

(عن حارثة بن وهب الخزاعي) أخو عبيد الله بن عمر لأمه، اسم أمه أم كلثوم بنت جرول الخزاعية، له صحبة، نزل الكوفة (1) (قال) أي حارثة:(حدثتني حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وهي بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه أم المؤمنين، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد خنيس بن حذافة سنة ثلاث، وماتت سنة 45 هـ، أو إحدى وأربعين (2).

(قالت) أي حفصة: (إن النبي صلى الله عليه وسلم يجعل (3) يمينه لطعامه وشرابه)، أي يأخذ الطعام والشراب بيده اليمنى ويأكل ويشرب بها، (وثيابه) قال الشارح: قال وليُّ الدين: يحتمل أنه أراد [أن] يأخذ بها ثيابه للباسه كأخذه بها طعامه لأكله، أو أنه يبدأ باللباس ميامنه أولًا قبل مياسره، (ويجعل شماله لما سوى ذلك) من الخلاء وما كان من أذى، كما يأتي في الحديث الآتي.

وقال النووي (4): هذه قاعدة مستمرة في الشرع، وهي أنَّ ما كان من باب التكريم والتشريف - كلبس الثوب، والسراويل، والخف، ودخول المسجد، والسواك، والاكتحال، وتقليم الأظفار، وقص الشارب، وترجيل

(1) انظر ترجمته في "أسد الغابة"(1/ 408) رقم (1005).

(2)

انظر ترجمته في "أسد الغابة"(5/ 249) رقم (6853).

(3)

وهل يخالف ما سيأتي في اللباس عنها: "كان عليه الصلاة والسلام يحب التيامن في شأنه كله"؟ قال ابن دقيق العيد: لا، كذا في "الغابة". (ش).

(4)

"شرح صحيح مسلم" للنووي (2/ 163).

ص: 272

33 -

حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عن ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عن أَبِي مَعْشَرٍ، عن إِبْرَاهِيمَ، عن عَائِشَةَ قَالَتْ:"كَانَتْ يَدُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذى". [حم 6/ 265، ق 1/ 113]

===

الشعر وهو مشطه، ونتف الإبط، وحلق الرأس، والسلام من الصلاة، وغسل أعضاء الطهارة، والخروج من الخلاء، والأكل، والشرب، والمصافحة، واستلام الحجر الأسود، وغير ذلك بما هو في معناه - يستحب التيامن فيه، وأما ما كان بضده - كدخول الخلاء، والخروج من المسجد، والامتخاط، والاستنجاء، وخلع الثوب، والسراويل، والخف، وما أشبه ذلك - فيستحب التياسر فيه، وذلك كله لكرامة اليمين وشرفها، انتهى.

33 -

(حدثنا أبو توبة) الربيع بن نافع الحلبي، سكن طرسوس، ثقة حجة عابد، مات سنة 241 هـ، (نا عيسى بن يونس، عن ابن أبي عروبة) اسمه سعيد، (عن أبي معشر) زياد بن كليب الحنظلي الكوفي، وثقه العجلي والنسائي وابن حبان، وقال أبو حاتم: ليس بالمتين في حفظه، مات سنة 119 هـ.

(عن إبراهيم) بن يزيد (1)، (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت: كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه) وغير ذلك من الأفعال الشريفة (وكانت يده اليسرى لخلائه) أي لاستنجائه في الخلاء (وما كان من أذى) فيستخدم اليسرى لذلك، سواء كان من النجاسة أو غيرها بما يستقذره الطبع.

(1) قال المنذري: منقطع، فإن إبراهيم لم يسمع عن عائشة. (ش) [انظر:"مختصر سنن أبي داود"(1/ 34) للحافظ المنذري].

ص: 273

34 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ ابْنُ عَطَاءٍ، عن سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عن إِبْرَاهِيمَ، عن الأَسْوَدِ، عن عَائِشَةَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَاهُ. [انظر الحديث السابق]

===

34 -

(حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع) بفتح الموحدة وكسر الزاي، أبو بكر البصري، ويقال: أبو سعيد، روى عنه البخاري وغيره، قال النسائي: ثقة، مات سنة 249 هـ، (نا عبد الوهاب بن عطاء) الخفاف، أبو نصر، العجلي مولاهم، البصري، سكن بغداد، ربما أخطأ، أنكروا عليه حديثًا في فضل العباس، يقال: دَلَّسه عن ثور. قال البخاري وغيره: ليس بالقوي عندهم، وقال الميموني عن أحمد بن حنبل: ضعيف الحديث، وقال الدارقطني: ثقة، قال عثمان بن أبي شيبة: عبد الوهاب بن عطاء ليس بكَذَّاب، ولكن ليس ممن يُتَّكل عليه، مات سنة 204 هـ وقيل بعدها.

(عن سعيد، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي، أبو عمرو أو أبو عبد الرحمن، خال إبراهيم النخعي، مخضرمٌ، ثقة، مُكثر، فقيه، زاهد، مات سنة 75 هـ.

(عن عائشة) رضي الله عنها (عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه) أي بمعنى الحديث السابق، ومراده أنه موافق للرواية السابقة في المعنى دون اللفظ.

وهذه الرواية تدل على أن في الرواية المارة انقطاعًا (1) بين إبراهيم النخعي وبين عائشة رضي الله عنها.

(1) قال ابن رسلان: هذه الرواية المتصلة تعضد الرواية السابقة المنقطعة. (ش).

ص: 274