الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرَأَيْتُ فِيهَا مَاءً مُتَغِيِّرَ اللَّوْنِ.
(35) بَابُ الْمَاءِ لَا يُجْنِبُ
===
لعل غرضه بهذا الكلام بيان أن المصنف رأى بئر بضاعة ومسحها بردائه ثم ذرعه، فإذا عرضها ستة أذرع وهي باقية على ما كانت عليه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تغير عن حالها، وماؤها يزيد على قلتين، فلأجل ذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم تنجسها بوقوع النجاسات.
قال أبو داود: (ورأيت فيها ماء متغير اللون)(1)، ولعل وجه التغير أنها بقيت معطلة عدة أيام لم يخرج منها الماء، ولم يسق منها الأشجار، أو تغير لون الماء بوقوع أوراق الأشجار فيها من البستان، والله أعلم.
(35)
(بَابُ الْمَاءِ لا يُجْنِبُ)
هكذا في جميع النسخ الموجودة عندنا، وعليها علامة النسخة، فيعلم منه أن هذا الباب ليس في بعض النسخ، ويقال: أجنب يجنب، والجنابة الاسم، وهي في الأصل البعد، والجنب يبعد مواضع الصلاة، ثم استعمل في النجاسة؛ لأنها يبعد ويجتنب عنها فلا تستعمل (2).
(1) وفي "الشرح الكبير" للحنابلة (1/ 13): أجمع كل من يحفظ عنه على أن الوضوء بالمتغير من غير نجاسة حلَّت فيه، جائز، سوى ابن سيرين، فإنه كره ذلك، قلت: وفي "الشرح الكبير"(1/ 68) للدردير: قولان لمالك في تغير البئر بالأوراق، وإن كان المعتمد الجواز. (ش).
(2)
ولعل المقصود من الترجمة بيان حكم الماء المستعمل وهو الذي أزيل به الحدث، فالمذكور سابقًا ما وقع فيه الخبث أي النجاسة الحقيقية، وههنا النجاسة الحكمية. (ش).
68 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّد قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاك، عن عِكْرِمَةَ،
===
68 -
(حدثنا مسدد قال: حدثنا أبو الأحوص) سلام (1) بن سليم الحنفي مولاهم، الكوفي، الحافظ، وثقه العجلي وابن معين وأبو زرعة والنسائي، مات سنة 179 هـ.
(قال: حدثنا سماك)(2) بكسر أوله وتخفيف الميم، ابن حرب بن أوس بن خالد الذهلي البكري، أبو المغيرة الكوفي، روايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بأخرة فكان ربما يلقن، وكان شعبة يضعفه، والثوري يضعفه بعض الضعف، وقال زكريا بن عدي عن ابن المبارك: سماك ضعيف، وقال صالح جزرة: يضعف، وقال ابن خراش: في حديثه لين، مات سنة 123 هـ.
(عن عكرمة)(3) البربري، أبو عبد الله المدني، مولى ابن عباس، أصله من البربر، كان لحصين بن أبي الحر العنبري، فوهبه لابن عباس لما ولي البصرة لعلي، اختلف الناس في جرحه وتعديله، فبعضهم رموه بالكذب، وبعضهم رموه برأي الخوارج، ووثقه آخرون، قال ابن منده في "صحيحه": أما حال عكرمة في نفسه فقد عدله أمة من علماء التابعين فمن بعدهم، وحدثوا واحتجوا بمفاريده في الصفات والسنن والأحكام، روى عنه زهاء ثلاث مئة رجل من البلدان، منهم زيادة على سبعين رجلًا من خيار التابعين ورفعائهم، وهذه منزلة لا تكاد توجد لكثير أحد (4) من التابعين
(1) بتشديد اللام، له نحو أربعة آلاف حديث "ابن رسلان". (ش).
(2)
قال الحافظ: وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، "تهذيب التهذيب"(4/ 233). (ش).
(3)
أطال الحافظ ترجمته في مقدمة "الفتح"(ص 425). (ش).
(4)
كذا في الأصل، والظاهر:"لكثير من التابعين".
عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في جَفْنَةٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَتَوَضَّأ مِنْهَا - أَوْ يَغْتَسِلَ - فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنِّي كُنْتُ
===
على أن من جرحه من الأئمة لم يمسك من الرواية عنه، ولم يستغنوا عن حديثه، وكان يتلقى حديثه بالقبول، ويحتج به قرنًا بعد قرن، وإمامًا بعد إمام إلى وقت الأئمة الأربعة الذين أخرجوا الصحيح، وميَّزوا ثابته من سقيمه، وخطأه من صوابه، وأخرجوا روايته، وهم البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وأجمعوا على إخراج حديثه واحتجوا به.
ثم قال الحافظ: قال أبو عبد الله: وعكرمة قد ثبتت عدالته بصحبة ابن عباس وملازمته إياه، وبأن غير واحد من العلماء قد رووا عنه وعدلوه، قال: وكل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد، حتى يبين ذلك بأمر لا يحتمل غير جرحه، مات سنة 107 هـ.
(عن) عبد الله (بن عباس قال: اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) هي ميمونة (1) خالة ابن عباس (في جفنة) بفتح الجيم، قصعة كبيرة، أي مدخلة يدها فيها تغترف (2) منها (فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها أو يغتسل) شك من الراوي (3) (فقالت) ميمونة (له: يا رسول الله، إني كنت
(1) كما في رواية الدارقطني (ح 137) وغيره، وقيل: سودة، ولعلهما واقعتان.
"ابن رسلان". (ش).
(2)
ولا بد من هذا التأويل لئلا يخالف الحديث روايات النهي عن الغسل في الماء الدائم، بل هو مصرح في رواية الدارقطني (ح 137):"أجنبت فاغتسلت من جفنة، ففضلت فيه فضلة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منه"، الحديث، ذكره صاحب "الغاية"، وكذا في رواية "المصابيح" عن "شرح السنَة" كما في "المرقاة"(2/ 158). (ش).
(3)
دون ابن عباس، فالرواية عنه بدون الشك بلفظ "يغتسل". "الغاية". (ش).
جُنُبًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْمَاءَ لَا يُجْنِب". [ت 65، جه 370 - 371، ك 1/ 159، حم 1/ 235، ق 1/ 188]
===
جنبًا) (1) أي واغتسلت بهذا الماء، وهو فضلة يدي (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الماء لا يُجْنِب) بضم الياء وكسر النون، ويجوز فتح الياء وضم النون، أي لا يصير جنبًا، احتج (2) به على طهورية الماء المستعمل، وأجيب بأنها اغترفت منه ولم تنغمس، إذ يبعد إلاغتسال داخل الجفنة عادة، و"في" بمعنى "من"، فيستدل به على أن المحدث إذا غمس يده في الإناء للاغتراف من غير نية رفع الحدث عن يده لا يصير مستعملاً.
قلت: الغالب أنها - رضي الله تعالى عنها - غسلت يدها قبل إدخالها الجفنة، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، ولا دليل على أنها أدخلت يدها قبل الغسل، فإن قلت: كيف الجمع بين هذا الحديث وحديث حميد: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل المرأة"؟ قلت: هذا الحديث يدل على الجواز، وذلك على ترك الأولى للتنظيف (3).
(1) فيه شاهد اللغة أنه يطلق على الذكر والأنثى والمفرد والجمع. "ابن رسلان". (ش).
(2)
كما بسطه صاحب "المغني"(1/ 31)، وسيأتي الكلام عليه في الباب الآتي، انتهى. قال ابن رسلان: في الحديث دليل للقول القديم للشافعي ومذهب مالك، ورواية لأحمد: أن المستعمل في فرض الطهارة مطهر، وإن قلنا:"في جفنة" بمعنى من جفنة، ففيه دليل على الرخصة في الوضوء بفضل وضوء المرأة، كما بَوَّب عليه ابن ماجه. (ش).
(3)
سيأتي البسط فيه. (ش).