الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(36) باب الْبَوْلِ فِى الْمَاءِ الرَّاكِدِ
69 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قال: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ فِى حَدِيثِ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ
===
(36)
(بَابُ الْبَوْلِ في الْمَاءِ الرَّاكِدِ) أي الذي لا يجري
69 -
(حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس قال) أي أحمد: (ثنا زائدة) ابن قدامة الثقفي، أبو الصلت الكوفي، ثقة ثبت، قال أحمد: إذا سمعت الحديث عن زائدة وزهير فلا تُبال أن لا تسمعه عن غيرهما إلَّا حديث أبي إسحاق، قال محمد بن عبد الله الحضرمي: مات في أرض الروم غازيًا سنة 161 هـ.
(في حديث (1) هشام) مراد المصنف بذلك بيان أن زائدة له شيوخ، فيقول تلميذه أحمد بن يونس: حدثنا زائدة في الأحاديث التي رواها عن شيخه هشام، وهو هشام بن حسان الأزدي القردوسي بضم القاف والدال، أبو عبد الله البصري، ثقة، من أثبت الناس في ابن سيرين، وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال؛ لأنه قيل: كان يرسل عنهما، وكان شعبة يتكلم في حفظه، وقال ابن معين: كان يتقي حديثه (2)، وقال ابن المديني: كان القطان يضعف حديثه عن عطاء، وكان أصحابنا يثبتونه. قال أبو داود: إنما تكلموا في حديثه عن الحسن وعطاء، لأنه كان يرسل، وكانوا يرون أنه أخذ كتب حوشب، مات سنة 148 هـ.
(عن محمد) بن سيرين الأنصاري مولاهم، أبو بكر بن أبي عمرة
(1) قال صاحب "الغاية": "في" بمعنى "عن"، فهو بمعنى عن هشام، قلت: ويحتمل أن يكون المعنى في ذيل حديث هشام الطويل. وكذا في "التقرير"، قلت: ويؤيده حديث هشام الآتي، وسكت عن شرحه ابن رسلان. (ش).
(2)
وفي "التهذيب"(11/ 36): وقال معاذ بن معاذ: كان شعبة يتقي حديث هشام عن عطاء والحسن.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِى الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» . [خ 239، م 281، ت 68، ن 58، جه 343]
===
البصري، ثقة ثبت كبير القدر إمام وقته، لا يرى الرواية بالمعنى، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان رضي الله عنه، ومات وهو ابن 77 سنة، مات سنة 110 هـ.
(عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يبولن)(1) صيغة نهي أُكّدَتْ بالنون الثقيلة (أحدكم) أيها الأملى (في الماء الدائم) أي الراى الساكن، من دام الشيء سكن ومكث، وزاد في رواية الصحيحين:"الذي لا يجري"، صفة ثانية مؤكدة للأولى، أو صفة كاشفة لها. وقيل: الذي لا يجري بشيء من تبنة وغيرها، وفي معنى الجاري الماء الكثير، وهو العشر في العشر عندنا، ومقدار قلتين عند من يقول به.
(ثم يغتسل منه) الرواية بالرفع (2) أي لا يبل، ثم هو يغتسل فيه، فيغتسل خبر لمبتدأ محذوف، عطف الجملة على جملة لا يبولن، وترتيب الحكم على ذلك يدل على أن الموجب للمنع أنه يتنجس ، فلا يجوز الاغتسال به، وتخصيصه بالدائم يفهم منه أن البخاري لا يتنجس إلَّا بالتغير، وقيل: الظاهر أنه عطف على لايبولن ويكون "ثم" مثل الواو في: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، أو مثل الفاء في قوله تعالى: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ
(1) قال ابن دقيق العيد في "الأحكام"(1/ 21): هذا مستدل الحنفية، وخصه الشافعي بما دون القلتين، ومالك حمل النهي على الكراهة، ولأحمد طريقة أخرى وهي التخصص ببول الآدمي، وأما غيره من النجاسات فكقول الشافعي، وقالت الظاهرية الجامدة: إن الحكم للبول في الماء فلو بال في الكوز وَصَبَّه في الماء لا يفسد، وهذا باطل قطعًا. إلى آخر ما قال. (ش).
(2)
قال القرطبي: الرواية الصحيحة برفع اللام. "ابن رسلان"، وبسط الكلام على الإعراب ونظائره. (ش).
70 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِى الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ» . [حم 2/ 433، ق 1/ 238، جه 344]
===
عَلَيْكُمْ غَضَبِي} (1) أي لا يكن من أحد البول في الماء الموصوف، ثم الاغتسال، فثم استبعادية، أي بعيد من العاقل ذلك، أي الجمع (2) بين هذين الأمرين، "قاري"(3) ملخصًا.
75 -
(حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ، بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وسكون الواو ثم معجمة، التميمي، أبو سعيد القطان، ثقة متقن حافظ إمام قدوة، مات سنة 198 هـ.
(عن محمد بن عجلان قال: سمعت أبي) وهو عجلان، مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة المدني، قال النسائي: لا بأس به، وقال الآجري عن أبي داود: لم يرو عنه غير ابنه محمد، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(يحدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبولن (4) أحدكم في الماء الدائم) أي الساكن الراكد الذي لا يجري حقيقة أو حكمًا، فالمراد به الماء القليل (ولا يغتسل) بالجزم والرفع نهيًا وخبرًا (فيه من الجنابة) ويؤيده
(1) سورة طه: الآية 81.
(2)
قال ابن رسلان: النهي عن الشيئين يكون تارة عن الجمع، وتارة على الجمع، أما عن الجمع فمعناه عن فعلهما معًا بقيد الجمعية، ولا يلزم منه المنع من أحدهما، وأما على الجمع فمنشأه أن يكون في كل واحد منهما مفسدة، وتستقل بالمنع، فهذا الحديث من باب النهي عن الجمع، والحديث الآتي من باب النهي على الجمع أن لا يبولن فيه ولا يغتسل فيه. (ش).
(3)
"مرقاة المفاتيح"(2/ 171).
(4)
فالتغوط بالأولى، كما بسطه ابن رسلان. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
رواية مسلم قال: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب"، قالوا: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: يتناوله تناولًا.
قال في "شرح السنَّة"(1): فيه دليل على أن الجنب إن أدخل يده فيه ليتناول الماء لم يتغير حكمه، وان أدخل يده فيه ليغسلها من الجنابة تغير حكمه، وكذا حكمه عندنا، قاله القاري (2).
قلت: اختلف في حكم الماء المستعمل أنه طاهر أم نجس؟ فقد ذكر في ظاهر الرواية أنه لا يجوز التوضؤ، ولم يذكر أنه طاهر أم نجس، وروى محمد عن أبي حنيفة رحمه الله أنه طاهر غير طهور، وروى أبو يوسف والحسن بن زياد عنه أنه نجس ، غير أن الحسن روى عنه أنه نجس نجاسة غليظة يقدر فيه بالدرهم، وبه أخذ، وأبو يوسف روى عنه أنه نجس نجاسة خفيفة يقدر فيه بالكثير الفاحش، وبه أخذ، وقال زفر: إن كان المستعمل متوضئًا فالماء المستعمل طاهر وطهور، وإن كان محدثًا فهو طاهر غير طهور، وهو أحد أقاويل الشافعي، وفي قول له: إنه طاهر وطهور بكل حال، وهو قول مالك.
ثم مشايخ بلخ حققوا الخلاف، وقالوا: الماء المستعمل نجس عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد طاهر غير طهور، وبه أخذ الشافعي، وهو أظهر أقوال الشافعي، ومشايخ العراق لم يحققوا الخلاف فقالوا: إنه طاهر غير طهور عند أصحابنا، حتى روي عن القاضي أبي حازم العراقي أنه كان يقول: إنا نرجو أن لا تثبت رواية نجاسة الماء المستعمل عن أبي حنيفة رحمه الله -وهو اختيار المحققين (3) من مشايخنا بما وراء النهر.
(1)(2/ 68).
(2)
"مرقاة المفاتيح"(2/ 172).
(3)
ولأحمد روايتان: طاهر وليس بمطهر، وهو ظاهر المذهب، والثاني: طاهر مطهر، كذا في "المغني"(1/ 34)، وكذا حكى صاحب "المغني" قولين للشافعي ومالك. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
واختلف في سبب صيرورة الماء مستعملاً، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف الماء إنما يصير مستعملاً بأحد الأمرين: إما بإزالة الحدث، أو بإقامة القربة، وعند محمد لا يصير مستعملاً إلَّا بإقامة القربة، وعند زفر والشافعي لا يصير مستعملاً إلَّا بإزالة الحدث، وهذا الاختلاف لم ينقل عنهم نصًا، لكن مسائلهم تدل عليه.
وجه قول من قال: إن الماء المستعمل طهورٌ، ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم منه أنه قال:"الماء طهور لا ينجسه شيء إلَّا ما غير"، الحديث (1). ولم يوجد التغير بعد الاستعمال، فبقي على طهوريته، ولأن هذا ماء طاهر لاقى عضوًا طاهرًا، فلا يصير نجسًا، كالماء الطاهر إذا غسل به ثوب طاهر، أما كون الماء طاهرًا فظاهر.
وأما كون المحل طاهرًا، فالدليل عليه أن كونه طاهرًا حقيقة، فلانعدام النجاسة الحقيقية، وأما حكمًا فلقوله صلى الله عليه وسلم:"إن المؤمن لا ينجس". وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "ليست حيضتك في يدك"، ولهذا جازت صلاة حامل الحدث والجنب، وحامل النجاسة لا تجوز، إلَّا أنه لا يجوز التوضؤ به؛ لأنه تمكن فيه نوع خبث لإزالة الآثام كالمال الذي تصدق به، ولهذا سميت الصدقة غُسالة الناس، وقد ورد الشرع باستعمال الماء المطلق، وهو الذي لا يقوم به خبث، وأيضًا استدلوا على طهورية الماء المستعمل (2) بصبه صلى الله عليه وسلم لوضوئه على جابر، وبتقريره للصحابة على التبرك بوضوئه.
والدليل على كون الماء المستعمل نجسًا، هذا الحديث وما ورد في معناه من الأحاديث التي رواها أصحاب الصحاح، ووجه الاستدلال به
(1) انظر: "نصب الراية"(1/ 94). (ش).
(2)
بسط الحافظ في "الدراية"(1/ 54) دلائل طهارة الماء المستعمل. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أنه صلى الله عليه وسلم حرم الاغتسال في المال القليل؛ لإجماعنا على أن الاغتسال في الماء الكثير كالبحر مثلًا ليس بحرام، فلولا أن القليل من الماء ينجس بالاغتسال بنجاسة الغُسالة لم يكن للنهي معنى؛ لأن إلقاء الطاهر في الطاهر ليس بحرام، أما تنجيس الطاهر فحرام، وكان هذا نهيًا عن تنجيس الماء الطاهر بالاغتسال، وذا يقتضي التنجيس به.
لا يقال: يحتمل أنه نهى لما فيه من إخراج الماء من أن يكون مطهرًا من غير ضرورة، وذلك حرام؛ لأنا نقول: الماء القليل إنما يخرج عن كونه مطهرًا باختلاط غير المطهر به إذا كان الغير غالبًا عليه، وأما إذا كان مغلوبًا فلا، وها هنا الماء المستعمل ما يلاقي البدن أقل من غير المستعمل، فكيف يخرج به من أن يكون مطهرًا.
ولا يقال: يحتمل أنه نهى لأن أعضاء الجنب لا تخلو عن النجاسة الحقيقية، وذا يوجب تنجيس الماء القليل؛ لأنا نقول: الحديث مطلق، فيجب العمل بإطلاقه، ولأن النهي عن الاغتسال ينصرف إلى المسنون؛ لأنه هو المتعارف فيما بين المسلمين، والمسنون منه هو إزالة النجاسة الحقيقية عن البدن قبل الاغتسال على أن النهي عن إزالة النجاسة الحقيقية التي على البدن استفيد بالنهي عن البول فيه، فوجب حمل النهي عن الاغتسال فيه على ما ذكرنا، ولأن هذا مما تستخبثه الطبائع السليمة، فكان محرمًا لقوله تعالى:{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (1)، والحرمة لا للاحترام دليل النجاسة، ولأن الأمة أجمعت على أن من كان في السفر ومعه ماء يكفيه لوضوئه وهو بحال يخاف على نفسه العطش يباح له التيمم، ولو بقي الماء طاهرًا بعد الاستعمال لما أبيح؛ لأنه يمكنه أن يتوضأ، ويأخذ الغسالة في إناء نظيف، ويمسكها للشرب.
(1) سورة الأعراف: الآية 157.